قضايا

عطا يوسف منصور: المُخلّص أو المُنقـذ.. مـقال للمناقشة

عزيزي القارئ

في مقالي هذا اتناول موضوعًا بالغ الاهمية لـدى الناس على اختلاف دياناتهم السماوية والوثنية يتعلق ذلك بالمُخلّص أو المُنقذ أو المهدي وكل هذه الاسماء لها دلالة واحدة تُشير الى شخص واحد لكنه يختلف من ديانةٍ الى ديانةٍ أخرى.

المنقذ في الديانة الهندوسية

وأبدأ بالديانات الوضعية أو الوثنية حيث جاء في الهندوسية وهي أقدم الديانات وموطنها الهند أن فيها ثلاثة آلهة يُعبدون توحدوا في تشكيل الاهٍ له قوى ثلاث وهم براهما وهو الخالق وفيشنو وهو الحافظ وشيفا وهو المدمّر وحسب معتقدهم أنّ فيشنو هو الذي سيظهر لإنقاذ المعذبين والمظلومين والمُستضعفين في الأرض وفي ظهوره وهو العاشر والأخير سيعم الخير والرخاء للبشرية.

المنقذ في الديانة البوذية

تمخضت البوذية من رحِم الهندوسية وهي حركة إصلاحية لحلِّ مشاكل ومعوقات في النظام الاجتماعي للديانة الهندوسية والذي تبنى عملية الإصلاح رجل من سلالة الملوك اسمه بوذا اما الهندوسية فلا يُعرف عنها شيء ولا يُعلمُ مصدرها.

ومولد بوذا ويُدعى بالمُستنير في مدينة كابيلا فاستو الهندية وهو من قبيلة ساكيا وقد توفيت امه في اسبوعه الأول وقد اعتنى به أبوه ووفر له كل وسائل الترف إلاّ انه ترك كل هذا في التاسعة والعشرين من عمره بما فيها زوجته وأولاده وهام في الخلوات والغابات طلبًا لاكتشاف الحقيقة المطلقة والاستنارة.

أخذ بوذا المستنير بنشر تعاليمه التي أسماها بعجلة النظام وكان يوصي أتباعَه بالتواضع والرحمة وحُسن الخُلُق واتباع تعاليمه التي تنقسم الى ثلاثة اقسام:

1/ أحاديث سوترا بيتاكا وهي تنقسم الى خمسة أبواب

2/ فينابا بيتاكا وهو قانون الدخول للوصول الى مرتبة الرهبنة

3/ ابهي دراما بيتاكما وهي تعاليم لأعمال تنقسم لأربعة اقسام وهي / المعاناة / واصل المعاناة / وإيقاف المعاناة / وإزالة المعاناة

وقد وضع بوذا وصايا عشرًا اسماها بالقيود العشرة وتُوفي في عمر تجاوز الثمانين عامًا وتقول الرواية عنه انه مات مسمومًا ورواية أخرى تقول بأنّه تعافى من السم وحسب التقاليد تم حرق جثمانه واخذ رماده وتوزيعه على ثماني ولايات وبعد موته انقسم جماعته الى مدرستين الأولى هي المركبة الصغيرة والأخرى المركبة الكبيرة.

والذي يعنينا هو موضوع المنقذ او المُخَلّص فمدرسة المركبة الصغيرة تَبَنّتْ إله نايانا وهي تقوم على الفكر القديم الذي يعتمد على قيام الانسان نفسه بتطهير نفسه وبلوغ درجة النيرفانا ولا يصل لهذه الدرجة الا القليل من الرُهبان لذلك تَسَمّت بالمركبة الصغيرة وفي تصورهم تحول بوذا من معلم الى روحٍ سماويةٍ وقدرات سامية تتجلى لهم على شكل انسان لينقذ البشر من الكارما أي الطريق المظلم الذي سلكته نفوسهم في شهواتها الدنيوية التي اضلتهم.

وللمركبة الكبيرة مدرستهم التي تبنوها وتُسمّى الماهيانا وفي هذه المدرسة ارتفع بوذا لمصاف الاله ويُسمّى بالأفتار ومعناها التجسد والظهور على هيئة انسان له قوى وقدرة لا تُوصف فهو قادر على فعل كل ما يُريدُ إصلاحه.

المنقذ في الديانة الزرادشتية

تؤمن الزرادشتيه بالإله الواحد اسمه / أوهرامزاده / وهذا الاله أراد ان يجعل له الهين للخروج من وحدته واحد للخير وآخر للشر وبهذا هم يختلفون عن الهندوسية بتعدد الالهة كما يؤمنون بأن الحياة قائمةٌ على الصراع بين الخير والشر والنور والظلام وان النفس الإنسانية تحمل الصفتين وهم يعتبرون العلاقة بين الاله والانسان علاقة شراكة ولهم خمسُ صلواتٍ في اليوم ويتطهرون قبل الصلاة بالماء وإذا تعذر وجودهُ فالتيمم بالتراب او الرمل.

ولد زرادشت في النصف الأول من الالفية الأولى قبل الميلاد في منطقةٍ ريفيةٍ قريبةٍ من بحر قزوين.

أرسله ابوه ليتعلم في السابعة من عمره فأظهر نباهةً وذكاءً متميزًا وكانت له تأمّلات في مسائل الخلق والكون كما أنّ له موقفًا رافضًا للظلم واستغلال الناس البسطاء من قِبَلِ السحرة كما كان رفضه لعبادة الكواكب.

واختلف القول فيه فمنهم مَنْ اعتبره نبيّا ومنهم من اعتبره حكيمًا.

وتَذكرُ كتبهم روايةً ان أحد الكهنةِ أخبر الملك بولادة مولود يُقوض مُلكه وقد عرف الملك هذا المولود هو زرادشت فحاول قتله عِدّة محاولات إلاّ أنّها لم تنجح محاولات قتله ومن هذه محاولة القاء زرادشت في النار.

وعندما بلغ أشُدّهُ عزم الخروج وبلا عودة الى البراري والجبال حتى يجد الأجوبة الكبيرة التي تدور في رأسه عن الخَلقِ والخالقِ وعن أسباب هذه المعاناة والمشاكل في هذه الحياة.

وفي اثناء مسيرته وهو بجانب نهر دايني في أذربيجان هبط عليه كما تقول الرواية سيد الملائكة وهو / فاهومانا / بكتاب الايستاق / وهو من الاله / اوهرامزداه/ فيه مفاهيم عن الحياة وما يتعلق بالكون وفيه عن الحياة الاخرة التي فيها الجنة والنار وبين الجنة والنار موضع ثالث للأرواح التي فعلت الخير والشر وفيه تبقى حتى تتطهر.

لم تجد دعوة زرادشت اهتمامًا، ولكن بعد اعتناق ابن عمه/ سينوتاء/لأفكار زرادشت بدأ انتشارها ثم أُوحي له بالذهاب الى بلخ ويعرض دينه على حاكمها / كشتاسب / فما كان من حاكمها الاّ اعتناقه لديانة زرادشت بعد ان استمع اليه وقد قرّبه اليه الاّ ان بعض حاشية

الحاكم أخذت بالتحريض عليه حتى قام الحاكم بسجنه وبقي فيه الى أن مرض حصان الحاكم فقام زرادشت بالدعاء له وتم شفاءُهُ وعلى هذا العمل اخرجه الحاكم وقد طلب زرادشت منه معاقبة المحرضين على سجنه ثم عَمِلَ على توثيق علاقته بالوزير الأول جماسب فزوّجه اختَهُ وتزوج هو اخت الوزير.

كانت الحروب دائرةً بين الملك كشتاسب والطورانيين لأسباب دينية وقد قُتِلَ زرادشت

في إحدى هذه المعارك عن عُمُرٍ ناهز السابعة والسبعين داخل المعبد مع مجموعةٍ كبيرةٍ من الكهنةِ اثناء قيامه بالطقوس الخاصة بعبادة النار المقدّسة.

وطقوسهم تدور حول الطبيعة واعيادهم عيد الماء في الربيع او الصيف وعيد النار في الشتاء ويُقدّسُ الزرادشتييون النار والهواء والماء والتراب وللأموات طقوس فهم لا يحرقون الجسد ولا يدفنونه ولا يتركونه في العراء ولا رميه في الماء لكون الميت نجس ولا تسمح عقيدتهم في ذلك حتى يُحافظوا على طهارة هذه العناصر فصنعوا ابراجًا تُسَمّى بأبراج الصمت حتى تبلى وتُجمع العظام ثم تُلقى في بئر خاص بها ولهم كتب يدرسونها هي/ الافستا / وتسميه العرب الابستاق وهو أهم كتبهم ويأتي بعده بالاهمية / اليسنا / وللزواج طقوس خاصة وللمرأة مكانة وتقدير كبيران.

وتُؤمن الزرادشتية بمراحل ظهور المنقذ على رأس كلِّ الفية وفي الالفية الأخيرة يظهر المنقذ / سوشيانس / وعلى يده تتطهر الأرض وينتهي الظلم ويعم الخير على الأرض وتغمر البشرية السعادة.

وقفة تحليلية للديانات الوثنية او الوضعية

وهنا اودُّ القول ان هذه الأديان الوضعية لم تأتِ من فراغ فلها جذور دينية جرى عليها تحريف وتغيير حسب الظروف الاجتماعية والحياتية لتلك المجتمعات فأبونا آدم كان أوّل نبيٍّ اصطفاه الله تعالى ومن بعده ابنه النبي نوح عليهما السلام وكان صاحب رسالة تأمر العباد بعبادة الله الواحد الاحد وهذا ما جاء ذكره في القران المجيد الا انّه لم يذكر تفاصيلاً عنها سوى الطوفان وهي أول رسالة سماوية للبشر تدعو لعبادة الله وتوحيده وجاءت من بعده رُسلٌ كما نوّه عنهم القران المجيد [ ولقد ارسلنا رُسُلاً من قبلك منهم مَنْ قصصنا عليك ومنهم مَنْ لم نقصص ] سورة غافر الآية 78 وكذلك الآية 36 من سورة النحل أكدت أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رُسلاً الى أممٍ في قوله [ ولقد بعثنا في كلِّ أمّةٍ رسولاً ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ] صدق الله العلي العظيم ومن تلك العبادات أخذت العبادات الوثنية مفاهيمها العامّة وبنت عليها دياناتها الوضعية بعد تحريفها وهذا هو القول الراجح عندي.

المنقذ في الديانات السماوية

 1/ الديانة اليهودية تبلورت في زمن النبي موسى عليه السلام وهي امتداد لرسالة الأنبياء السابقين إبراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام وتكلم عنهم القران المجيد فصولاً كثيرةً ولهذه الديانة ايمانٌ بخروج المشيح أو المسيا والذي يعني عندهم الممسوح بزيت الزيتون المبارك وهو من سلالة النبي داود عليه السلام وقد تغيّر عندهم المعتقد في زمن الملك كورش الفارسي الذي اسقط مملكة بابل واطلق سراح اليهود من الاسر واعادتهم الى اورشليم القدس والسماح لهم ببناء الهيكل فقد اعتبروه المنقذ وقالوا يجوز أن يكون من سُلالة الملوك وتتقلب الشخصيات عند اليهود حسب ظروفهم وأوقات الشدة و الرخاء.

2/ المنقذ في الديانة المسيحية فالكل مجمعون على انه النبي عيسى ابن مريم عليه السلام الا انهم يختلفون في كينونته الان أهو يعيش بدمه ولحمه الادمي بعد ما صُلب أم هو الان يعيش بروحه النورانية وهذا الاختلاف لا يتعلق ببحثنا الا ان القران المجيد يقول شُبّه لهم أي انه لم يصلب ورفعه الله عز وجل وهو القادر على كلِّ شيء بهيئته الأدمية، وهذا ما اعتقدُهُ وقرينتي بذلك عروج نبينا محمد عليه واله أفضل الصلاة وأتم التسليم حيث كان عروجه في ملكوت الله وبلوغه سدرة المنتهى بهيأته الادمية ولا أتفقُ مع القول الاخر بعروج الروح.

3/ المُخَلّص أو المهدي عند المسلمين

وللمسلمين بمدارسهم الاجتهادية تأكيدٌ على ظهور المهدي الـمُنقذ المنتظر  وقولي بالمدارس وليس بالمذاهب لأن الاجتهاد هو مدرسة يبقى ضمن دائرة الإسلام الموّحَد وأمّا المذهب فهو طريق يفترق عن الدائرة الجامعة الـمُوَحِدة للمسلمين وعلى هذا ابني رأيي على انّها مدارس وليست مذاهبًا فمدرسة اهل السُنّة على اختلاف اجتهاداتها تقول: بحتمية ظهور المهدي في اخر الزمان ومن شجرة الامام علي عليه السلام ويُظهره الله العلي القدير في اخر الزمان وهذا يُخالف رأي الشيعة الاثني عشرية.

واعلق هنا على هذا الرأي لأقول متسائلاً كيف لنا أن نعرف هذا المهدي بعد أحقاب قد مضت واحقاب ستأتي لا نعلم ما يجري فيها والله العالِم وله المشيئة والامر بشأن هذا الظهور بأنّ هذا المنقذ أو المهدي هو من الشجرة العلوية وقد تتابعت الذراري وتداخلت الانساب ولم تَعدْ للشجرة تلك الحاضنة أقول كيف لنا التحقق من شجرته ونسبه العلوي؟؟ وكان الأفضل ان يقولوا بظهور رجل مُصلح يختاره العزيز الحكيم.

أما مدرسة الشيعة الاثني عشرية فإنها تقول أنّ المهدي عليه السلام من الشجرة العلوية الفاطمية الحسينية التي تبدأ بالإمام علي وابنه الحسين عليهما السلام وتنتهي بالإمام محمد بن الحسن العسكري عليه وعلى ابائه صلوات الله وسلامه وهو الامام الغائب الحاضر حيث يخرج هو والمسيح والرجل الصالح المسمى بالخَضِر عليهم سلام الله وصلواته يخرج لقتال المسيح الدجال والسفياني واعوانهما وإقامة دولة العدل والمساواة.

وعلى هذا بَنَتْ الأديان السماوية والوضعية فكرة الظهور على هذه الأرض في اخر الزمان الذي لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى.

وهذا ما حداني لأكتب مقالتي لاختلاف رؤيتي التي بنيتُها وذلك باستدلالي ببعض الآيات ومُبيّنًا أسبابَ هذا الاجماع على هذا الغلط.

فإذا رجعنا الى ما يُسمّى بالديانات الوثنية أو الوضعية وتساءلنا من أين استمدت هذه الأديان فكرة ظهور المُنقذ فأقول وبلا ريب أنها مستمدّةٌ من الأديان السماوية المحرفة وقد نوهتُ عنها آنفًا وجاء في سورة غافر الآية 78 التي تقول[ ولقد أرسلنا رُسلاً من قبلك منهم مَنْ قصصنا عليكَ ومنهم مَنْ لم نقصص عليك] وابونا ادم عليه السلام اول نبي موحد ومن بعده ابنه نوح عليه السلام وفي هذا ما يُغني وتطمئنُ اليه النفوس من أنّ الديانات الوثنية أو الوضعية هي ديانات سماوية بالأصل حُرفتْ وانحرفتْ عن نهج التوحيد و الآية الشريفة رقم 74 في سورة الشعراء تبين هذا القصد حيث تقول [قالوا بل وجدنا اباءنا كذلك يفعلون] اذن فالعملية هي تقليد اعمى فيه للحُكّام مصالح ولأصحاب النفوذ منافع في ترسيخ هذه الوثنية.        وقد بقيت من تلك الأديان السماوية ظِلالها كظهور الـمُنقذ وبعض النفحات الإنسانية التي تغلغلتْ بأعماق مفاهيمها بعد تحريفها، فالأديان الوثنية أو وهي بالأصل اديان سماوية.

وكل هذه الروايات والأحاديث المنقولة عن الاديان الوثنية والسماوية أراها

تتقاطع مع ما جاء في القران المجيد عن ظهور المهدي والمسيح والرجل الصالح الخَضِر عليهم وعلى نبينا واله الصلاة والسلام.

ومن خلال التفسير لبعض الآيات المباركات غرّب المفسرون وتعسفوا في تفسيرها ليكون التوافق بشواهد الآيات على ظهور الامام المهدي عليه السلام في آخر الزمان على هذه الأرض التي نحن عليها اليوم وبظهوره تقوم دولة العدل ويعود السبب في هذا الاعتقاد الغلط الى أنّهم أخذوا اعتقاد السابقين  وبنوا على رواياتهم وكأنها كلام مُنزّلٌ فصارت من الـمُسَلّمات لا بل من المُقدسات فلا يُمكننا النقاش فيها وهم يعلمون أن أكثرها من المدسوس أو المُحرّف أو المزيّف والى الآن يدأبُ أهل المدرستين على التمسك بالاحاديث والروايات في حين ذكَرَ القران المجيد هذا التحريف في قوله تعالى الآية 46 في سورة النساء/من الذين هادوا يُحرفون الكَلِمَ عن مواضعه/وفي سورة المائدة الآية 41/يُحرفون الكَلِمَ من بعد مواضعه/صدق الله العلي العظيم

ونوه نبينا محمد عليه وآله افضل الصلاة والسلام في حديث له بعرض كل حديثٍ يُنسبُ له على القران المجيد فما توافق مضمونه مع القران المجيد فالحديث صحيحٌ واذا اختلف فعلينا ان نضرب به عرض الجدار وعلى هذا ابني أن كلّ حديث يتكلم عن أمور غيبية لا قيمة له.

وإذا كانت النصوص السماوية تُحرّف فما بالنا بالأحاديث والروايات التي نقلتها لنا كُتُبُ المدرستين السنية والشيعية وفيها ما فيها من سرد قصصي عن ظهور الامام المهدي وإنّ القارئ لها يجد نفسه يقرأ في رواية ابي زيد الهلالي فتحكي عن أمورٍ هي من علم الغيب ما انزل الله بها من سلطان.

وأنّ الله سبحانه وتعالى يؤكد لنا بحجب الغيب عن أحبّ خلقه اليه وهو الرسولُ عليه واله أفضل الصلاة والسلام ذكرها في قرانه المجيد ومنها ما جاء في علم عدد اصحاب الكهف الذين أووا اليه لكنه ذكر ما قاله الناس  في ذِكْرِ العدد فقال سبحانه/ سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم ويقولون سبعة و ثامنهم كلبهم رجمًا بالغيبِ قُلْ ربي أعلمُ بعِدتهم / وأوصى سبحانه رسوله في قوله/ فلا تُمارِ فيهم الا مراءً ظاهرًا ولا تستفتِ فيهم منهم أحدا /صدق الله العلي العظيم/ الآية 22.

وكذلك لم يذكر القران المجيد للنبي عليه واله أفضل الصلاة والسلام أسماء المنافقين في قوله تعالى/إذا جاءك المنافقون قالوا الى آخرها/ المنافقون الآية 8

وكذلك جاء في سورة التحريم والخطاب عن كلام كان دائرًا بين النبي عليه واله أفضل الصلاة والسلام وبين إحدى زوجاته فلما نبأت به عرّف الله تعالى نبيّه بافشاء ذلك السر ولم يذكر اسم تلك الزوجة.

والذي جاء في قوله تعالى [قل لا أدري ما يُفعل بي ولابكم] صدق الله العلي العظيم/ الاحقاف الآية 9 وفي قوله تعالى [قل لو كنتُ أعلم الغيبَ لاستكثرتُ من الخير وما مسني السوء] صدق الله العلي العظيم/ الأعراف الآية 188 وفي قوله تعالى / وإمّا نُرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينكَ فالينا مرجعهم/ صدق الله العلي العظيم ففي هذه الآيات هو القول الفصل بعدم العلم بالغيبيات وموضوع ظهور المهدي مع المسيح والخَضِر عليهم السلام هو من جملة الغيبيات لا يعلمها الا الله سبحانه وتعالى.

وتأتينا الروايات والاحاديث عن النبي وعن اهل بيته عليهم افضل الصلاة والسلام وعن بعض الصحابة رضوان الله تعالى عنهم تأتينا الروايات منقولة بعد عقود من الزمن لتكلمنا عن ظهور المهدي عليه السلام وعن الاحداث التي ستسبق الظهور لتكون الروايات الحجة القاطعة ويتغافلون أو يَتركون ما جاء في كتاب الله الذي أوضح بما لا جدال فيه أنّ ظهور الامام المهدي والمسيح والرجل الصالح عليهم السلام هو مرتبط بقوله تعالى/ يوم تُبدّل الارضُ غير الارضِ والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار/ صدق الله العلي العظيم سورة إبراهيم الآية 48 وسأتناول الموضوع بالتفصيل بعد استشهادي بالحجج التي استند إليها الشيعة من الآيات القرآنية فهم يُفسرون الآية الكريمة/ ونُريدُ أنّ نَمُنَّ على الذين استُضعِفوا في الأرض ونجعلهم أئمّةً ونجعلهم الوارثين/ الآية 5 سورة القصص بظهور المهدي عليه السلام ولو رجعنا الى الآية التي بعدها لوجدنا انها تتحدث عن بني إسرائيل في الآية 6 من نفس السورة وبه يتوضح لنا القصد حيث تقول الآية / ونُمَكنَ لهم في الأرض ونُري فرعونَ وهامانَ وجنودَهما منهم ما كانوا يحذرون/ لكن مَنْ كتب عن الامام المهدي أخذ بما يتناسب وقناعته التي بناها وعليها استند كي يُجاري ما قالت به الديانات التي سبقت الإسلام ويُجاري الروايات والاحاديث التي تحدثت لنا عن ظهور المهدي وكذلك استشهادهم بالآية 33 من سورة التوبة وهي/ هو الذي ارسل رسوله بالهُدى ودين الحقِّ ليُظهرَهُ على الدين كلّه ولو كره المُشركون / والآية 55 من سورة النور / وَعَدَ الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات لَيَسْتَخلِفِنّهمْ في الأرضِ كما استخلف الذين من قبلهم ولَيُمَكِننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولَيُبدِلَنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يُشركون بي شيءً ومَنْ كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون / صدق الله العلي العظيم.

كل هذه الآيات المباركات كانت عن وعدٍ مستَقْبلي من الله للمؤمنين وقد تحقق لهم في الدنيا ولو انتبهوا الى اخر الآية / ومَنْ كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون/ ففي هذه الجملة نتبين انها تتحقق في زمن الرسول عليه واله افضل الصلاة والسلام ولو كانت تتكلم عن ظهور المهدي عليه السلام ما استوجب ذِكْر / ومَنْ كفَر بعد ذلك / وهذه إشارة الى ان الاستخلاف في زمن الرسالة ولا علاقة له بزمن المهدي عليه السلام إلاّ أنّ الذين تأثروا بالروايات والأحاديث لووا معانيها وأوّلوها وغالطوا القران المجيد ليقولوا جاءت هذه الآيات المباركات لتُخبرَ عن ظهور المهدي عليه السلام في آخر الزمان وعلى الأرض التي نحن عليها.

والذي توصلتُ اليه من خلال قراءتي أن المهدي والمسيح والخَضِر عليهم السلام سيظهرون ولكن في أرضٍ ومكانٍ غير هذه الأرض مستندًا الى قوله تعالى / يوم تُبدلُ الأرض غير الأرض والسماواتُ وبرزوا لله الواحد القهّار / وقوله تعالى في سورة الطلاق الآية 65 / الله الذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ يتنزلُ الامر بينهنّ لتعلموا أنّ الله على كلّ شيءٍ قدير / صدق الله العلي العظيم.

وللقارئ انقل ما جاء في تفسير الميزان لهذه الآية وهو من التفاسير المعتبرة لدى الشيعة أقول والقول للمفسر الطباطبائي (واختلاف الروايات في تفسير التبديل لا تخلو عن دلالة على انّها أمثال مضروبة للتقريب والـمُسَلّم من معنى التبدل أنّ حقيقة الأرض والسماء وما فيهما يومئذ هي من اديم الأرض غير أن النظام الجاري فيهما غير النظام الجاري فيهما بالدنيا وينقل لنا صاحب الميزان في روايةٍ عن العياشي في تفسيره منقولاً عن تفسير القُمي ان الأرض تُبدل الى خبزة بيضاء في الموقف يأكل منها المؤمنون) انتهى 

أقولُ لو رجعنا الى سورة الزمر الآية 67 التي جاء فيها وصف الأرض في قوله تعالى / وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضتُهُ يومَ القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يُشركون / صدق الله العلي العظيم فهنا يتبين لنا أن الأرض في قبضة الله العلي القدير لتصفية الحساب مع البشر وبعدها تكون النقلة الثانية بعد فرز العباد ففي هذا اليوم قيامة العدل الهي ويقول الباري عز وجل في اخر السورة / وسيق الذين اتقوا ربّهم الى الجنة زمرا حتى اذا جاؤوها وفُتِحت أبوابُها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارضَ نتبوأُ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقِيلَ الحمد لله رب العالمين / الآية 75 صدق الله العلي العظيم.

وهنا اقولُ متسائلاً أي أرض هذه التي أورثهم الله؟؟ والجواب يقينًا أنّها في سماء أخرى كما قال رب العزة / ولقد خلقنا سبع سماوات ومن الأرض مثلهن / صدق الله العلي العظيم.

وجاء في تفسير الميزان للطباطبائي قوله: وعليه فالمعنى خلق من الأرض سبعًا كما خلق من السماء سبعًا فهل الارضون السبع سبع كرات من نوع الأرض التي نحن عليها والتي نحن على احداها؟ أو الأرض التي نحن عليها سبع طبقات محيطة بعضها ببعض والطبقة العليا بسيطها الذي نحن عليه؟ أو الاقاليمُ السبعة التي قسموا المعمور من سطح الكرة؟ الى آخر تساؤلاته الى أن يقول في تفسير سورة حم السجدة محتمل آخر في غيرها.

وربما قيل أن المراد بقوله / من الأرض مثلهن / أنه خلق من الأرض شيئًا هو مثل السماوات السبع وهو الانسان المركب من المادة الأرضية والروح السماوية التي فيها نماذج سماوية ملكوتية / انتهى تفسير الطباطبائي.

ويقول الطباطبائي في تفسيره للآية 105 من سورة الأنبياء / ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون / صدق الله العلي العظيم والمرادُ من وراثة الأرض التسلط على منافعها إليهم واستقرار بركات الحياة بها فيهم وهذه البركات امّا دنيوية راجعة الى الحياة الدنيا واما أُخروية وهي مقامات القرب التي اكتسبوها في حياتهم الدنيا ويقول أيضًا ومن هنا يظهر أن الآية مطلقة ولا موجب لتخصيصها بإحدى الوراثتين/ انتهى تفسير الطباطبائي للآية.

ومن هذه الخُلاصةِ استخلص أن يوم الحساب يكون على ارضٍ لها خصوصية لذلك اليوم مثلما قال الباري يوم تُبدل الأرض غير الأرض وفيها يختلط الصالحون من العباد مع الطالحين ويدور بينهم حديث وطلب من الطالحين بان يلتمسوا نورًا من نور الصالحين ويكون الجواب لهم ارجعوا وراءكم والتمسوا نورًا ويُضرب بينهم سورٌ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَله العذاب ويُساق الذين آمنوا الى الجنة زمرًا فتتلقاهم الملائكة بالسلام وبالترحيب ويكون قول المؤمنين/ الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الأرض نتبوّأُ الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين / صدق الله العلي العظيم وعلى هذه الأرض يكون ظهور المهدي والمسيح والخَضِر عليهم السلام حيث تقوم دولة العدل الالهي والسلام الابدي الى ما شاء الله سبحانه وتعالى.

وقد يعترض عليّ المعترضون ممن يؤمن بظهور المهدي عليه السلام على ارضنا التي نحن عليها اليوم فجوابي على اعتراضه هو ان ارضنا هي دار امتحان لفرز الناس وغربلتهم وبعد الفراغ من حساب البشرية على ارض قد تبدلت كما جاء في سورة الزُمُر ومنها ستكون النقلة الى احدى الارضين التي أنشأها الله العلي القدير في السماوات الأخرى والتي جاء ذكرها في سورة الطلاق الآية 12 وهذا هو استنتاجي وإلاّ ما الغاية من وراء خلق هذه الارضين التي ذكرها الباري عز وجلّ في القران المجيد ولم يثبت تفسيرها عند المفسرين؟

وآخر قولي قوله تعالى / هو الذي أنزل عليك الكتابَ منه آياتٌ محكماتٌ هُنّ أمُّ الكتابِِ وأخَرُ مُتشابهاتٌ فأمّا الذين في قلوبه زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلهِ ولا يعلمُ تأويلَهُ إلاّ اللهُ والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربِّنا/ صدق الله العلي العظيم الآية 7 آل عمران.

***

الحاج عطا الحاح يوسف منصور – الدنمارك / كوبنهاجن

الخميس 27 آذار 2025 / المصادف 26 رمضان 1446

 

في المثقف اليوم