أقلام حرة
علي علي: أنتعاون على البِر أم الإثم؟
ما من شك أننا جميعا مررنا بمرحلة الطفولة، ولكل منا فيها ذكريات لا أظنها تفارق مخيلته حتى في كهولته، يومها كان اللعب شغلنا الشاغل، وابتكار ماهو جديد منه ديدننا، مع أن المتوافر بين أيدينا من أدوات اللعب آنذاك، ليس أكثر من الـ (دعابل) والـ (مصرع) والـ (چعاب) إذ لاوجود للـ (Play Station) والـ (CEEGA) والـ (X. BOX) ولم نكن قد سمعنا بعد بألعاب الحواسيب المتعارف عليها اليوم، فلا “كلاش” ولا “المزرعة السعيدة”… ولا جير ولا بسامير.
ومع شحة الألعاب آنذاك، كان التأكيد على روح التعاون هو النصيحة الأولى التي نسمعها من أهالينا دوما، ولم يكن من خيار لنا إلا الالتزام بها، وإلا فخسارة اللعبة أول ما نجنيه من تمردنا وعدم انصياعنا لمفردات التعاون، ناهيك عن الحساب والعقاب لعدم الامتثال الى النصح والأوامر.
وكبرنا -وياليتنا ما كبرنا- وتطورت بعض ألعابنا واندثرت أخرى، وحل محلها اهتمامات أملتها علينا ظروفنا الحياتية، بين أعمال وارتباطات والتزامات مهنية واجتماعية، وتغيرت حيثيات حياتنا ويومياتنا، بعضها نحو الأسوأ وأخريات نحو الأفضل، لكن الشيء الوحيد الذي بقي محافظا على ثباته ولم ينل منه التغيير هو التعاون، روح التعاون، فما من مفصل من مفاصل حياتنا وما من جانب من جوانبها، إلا وكانت للتعاون اليد الطولى في إتمام مامنوط بنا من مهام، وبالتالي يطيب جنيُنا من ثمرة التعاون، وتتحقق مآربنا جميعها. فبالتعاون إذن، يصل المرء مبتغاه، لاسيما إذا كان ذاك التعاون لغاية تصب في خدمة المصلحة العامة، إذ هي أكثر نفعا وأعم فائدة من نظيرتها الخاصة.
اليوم في عراقنا الجديد، يحتم التعاون وجوده بكل أشكاله بين فئات مجتمعنا وشرائحه جميعها، بقومياتهم وأطيافهم كافة، وفي الحقيقة أننا نلمسه -التعاون- متوافرا في الشارع والمعمل والمؤسسة، بين أبناء البلد البسطاء جميعهم، إلا أن حضوره شحّ، ووجوده ندر بين نفر من سياسيي الحاضر، كما أنه غاب عن بعض صناع القرار في سدة الحكم، فاستبدلوا تعاونهم على البِر والتقوى بالإثم والعدوان، حتى صار سمتهم البارزة، إذ نراهم غرقى في بحر الراديكالية، فهم دوما وسط تجاذبات ومناكفات لا تنقطع، ويدورون في دوامات التضاد على أعلى المستويات، مايجعلهم أسيادا في معاداة الآخر، وأساطين في الإيقاع به وتسقيطه شخصيا، فإن لم يستطيعوا فسياسيا، وإن لم يستطيعوا فمهنيا، وإن لم يستطيعوا فبالمقاطعة والتهميش وذلك أضعف الإيمان. والأمر بالتالي يفضي الى نأيهم عن معنى التعاون وكنهه وفحواه، واقترابهم من الأنانية والتحيز والإثرة والنرجسية، في وقت كان حريا بهم أن ينضووا تحت لواء الإيثار ونكران الذات.
لقد رفع البعض من أولي أمر العراقيين وساسته اليوم، كذلك من اعتلوا مقاعد التسلط في مواقع لها علاقة مباشرة بالمواطن، شعار (كلمن يحود النار لگرصته) وامتثلوا -لسوء حظ العراقيين- الى قول ابي فراس الحمداني:
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
أو لعلهم اقتدوا بعشيقة ملك فرنسا لويس الخامس عشر مدام دي بومبادور، حين قالت: “أنا ومن بعدي الطوفان”. إذ اضحى مؤكدا مدى تعلقهم بمصالحهم الفئوية، وبات جليا تمسكهم الشديد بمآربهم الشخصية، أما المواطن فله رب يحميه، وأما مصلحته فله فُتات مايتركونه، بعد اقتسامهم حصة الأسد منها، وأظنهم استشرعوا هذه القسمة الضيزى من أبي نؤاس، حين قال في جارية اسمها “جنان”:
جنان حصّلت قلبي
فما إن فيه من باقِ
لها الثلثان من قلبي
وثلثا ثلثه الباقي
وثلثا ثلث ما يبقى
وثلث الثلث للساقي
فتبقى أسهم ست
تجزّا بين عشاق
***
علي علي