أقلام حرة
علي حسين: حزن فى بلاط صاحبة الجلالة
لم تكن سلام خياط التي رحلت عن عالمنا صباح أمس تُدرك أن حياتها التي كانت ضاجة بالأحلام والأمنيات والكتب والقصص والأشعار ستنتهي على سرير في دار للمسنين بلندن، وأن البلاد التي تغنت بحروف اسمها تستكثر عليها راتباً يحفظ لها حياة كريمة في الغربة، بدلاً من المعونات التي كانت تخصصها لها دائرة الإعانة في بريطانيا.
هل يمكنك عزيزي القارئ أن تصدق أن السيدة التي خدمت نصف قرن في مجال المحاماة ومثلها أو أكثر في مهنة الصحافة، عجزت أن تحصل على راتب تقاعدي في سنواتها الأخيرة، في الوقت الذي تمنح الملايين لنواب لاهم لهم في الحياة سوى التقليل من شأن العراق .
سلام خياط ساحرة الكلمة صاحبة الأسلوب المكثف والمرصع بجواهر اللغة، وروح الحياة ونضارة العبارة ودقة الرؤية والموقف الوطني الرصين ، كنت كلما أعثر على كتاب من كتبها النادرة الموضوعات، أتذكر عمودها "السطور الأخيرة" الذي كانت تنشره في صحيفة الجمهورية قبل أكثر من أربعين عاماً، ثم حطت به في صحيفة (المدى) ، ليُصبح علامة متميزة لفن الكتابة الصحفية، كتابة لا ثمن لها ولا مثيل .مقالات مكتوبة بمهارة وحرفية لا تقل إطلاقاً عن قدرت كاتبتها في طرح القضايا الوطنية بعمق وثقافة.
سلام خياط كانت مغرمة بما تكتب، تعتقد أن الكلمة والموقف سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة.. عاشت أسيرة لأفكارها وأحلامها متنقلة بين الحديث عن الثقافة والفنون وبين التأسي على حال الوطن، مدركة أن الجهل لا يصنع مستقبل، وأن لعبة الديمقراطية الزائفة ستؤدي بالعراق إلى المجهول محذرة في واحدة من سطورها الأخيرة من أن: "الغرير وحده من تبهره الحملات الانتخابية المستعرة، فالأموال الطائلة المرصودة، لا تدفع عبثاً، ولا لخاطر المرشح شخصياً، ولا تحسباً لنافلة، ولا لمرضاة الله! من يدفع فلساً، يرتجي استعادة المبلغ أضعافاً مضاعفة فيما لو تحقق الفوز.. إنه موسم البذار بانتظار مواسم حصاد وفير يمتد لسنوات أربع".
لم يقرأ أحد من مسؤولينا "الأكارم" شكواها التي سطرتها في سطورها الخيرة عام 2018 تشكو ظلم البلاد لها: "وجدت البارحة بين بريدي، رسالة من دائرة الإعانة، يخبروني فيها أن راتب الرعاية الاجتماعية قد زيد بمقدار ستة باوندات إسبوعياً لمواجهة التضخم.. إنهمرت دموعي رغماً عني، إذ تذكرت مراجعاتي العديدة لنقابة المحامين ببغداد، ألتمس راتباً تقاعدياً بعد حوالي نصف قرن (ممارسة فعلية وانتساباً) للنقابة، أحمل خيبتي، ألملم حاجياتي، وأقدم موعد عودتي لبلاد الإفرنج. من يوقف حزن العراقي وهو يعامل في وطنه كالغريب، ويحاط بالإنصاف والعدالة في بلاد الغرباء؟ " .
***
علي حسين