أقلام حرة
علي علي: توقيت الحلول
يقول الشاعر الأيوبي ابن عنين:
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل
وقال حكيم: الأفكار الجيدة تأتي دائما متأخرة.
ونقول بلهجتنا الدارجة: الماحصد بأول صباته، يبس زرعه والوكت فاته.
كذلك قالوا: خير البر عاجله.
وقالوا وعادوا الكثير والكثير عن العجلة وازدروا تمييع الوقت، وتضييع الساعات والدقائق، فضلا عن الأيام والشهور، في وقت ليس هناك شيء أغلى من عامل الزمن وعنصر الوقت. أما من تدارك وقته وأسعفته الحكمة والحنكة بعد حين، فإن عليه دفع ثمن التأخير، ومع تحمله الثمن، تطغى سلبيات التأخير على إيجابيات الحل.
فوات الأوان إذن، هو آفة الحلول، إذ ينعدم النفع منها إن جاءت متأخرة، وما يؤسف أن هذا بات دأبنا الذي أدمناه نحن العراقيين، فاعتدنا على التقاعس في استنهاض عقولنا في الوقت المناسب، لإيجاد الحلول والمخارج لما نقع فيه من مآزق، وما نجنيه اليوم هو زرعنا فيما مضى، وما دمنا أسأنا في الزرع نحصد سوء فعلنا، وقد قيل: من يزرع الريح لا يجني غير العاصفة.
منذ عقود خلت لم تفارق العراقيين دوامة البحث عن حلول لمشاكلهم دون جدوى، حتى باتت حيرتهم وسط هذه الدوامة شغلهم الشاغل، بدل البحث عما يعينهم على مواكبة التطور الذي تعدو فيه بلدان العالم عدوا. والحديث عن مشاكل السنوات العشرين الماضية بات عقيما، ذاك أن أس المشاكل وأساسها يتجدد ويتحدث كل حين بطريقة الـ (automatic update) وعلى ما يبدو أن هناك متخصصين باستحداثها وإدامتها من يوم إلى يوم، ومن عام الى عام، ومن حكومة الى حكومة. إذ تشغل بالنا اهتمامات يومية عديدة يحصرها قوسان، بين أسعار صرف الدولار، وركود السوق، ومآل الانتخابات، والسؤال عن مستجدات السياسيين، وزحامات الشوارع، وتدني خدمات البنى التحتية، فضلا عن هموم القلق المتزايد على مستقبل البلاد.
فلو استذكرنا يوميات العراقيين في الأعوام السابقة، تبرز صورة التشكي والتذمر والامتعاض فيها، إذ ما اجتمع عراقيان صباحا او مساءً، إلا وذهب بهما الحديث الى الترديات والإخفاقات بمفاصل الحياة في البلد. وهو الهم الذي باتت علامات الاستفهام والتعجب تتسع فيه، وأمست أصابع الاتهام العشرة لا تكفي لعد الأسباب وتعداد المتسببين به، وتشخيص الجهات التي تقف وراء هذا المصير الذي وصل اليه البلد. كما أن الهم المتوارث المفروض علينا من قبل تشكيلات الحكومات المتعاقبة على جلدنا، أضحى ثقيلا على كاهلنا وسنلقي به على كاهل أولادنا، وبدورهم يلقونه على أحفادنا.
أما الطامة الكبرى، والتي لها حضور فعلي وباع طويل في جملة الهموم المتراكمة، فهي تفشي الفساد بأنواعه في مفاصل المؤسسات، والجهات المسؤولة عن الخدمات، والذي يُحزن المواطن المهموم أنه في واد وساسته ومسؤولوه في واد، وما همومه كلها إلا نتاج صراعاتهم ومناكفاتهم، ولاننسى (مناكرات) ساسة وكتل وأحزاب وتحالفات، فقد كان حريا بهم جميعا ان يوحدوا النية الخالصة والكلمة الصادقة والتصرف السليم، لتلد لهم مجتمعة قرارات صائبة، تسفر عن أداء جيد في الواجبات خالٍ من التقصير، وبالتالي تنجلي هموم رعيتهم بالحلول الناجعة التي تأتي بالتوقيت المناسب، لا بعد فوات الأوان حيث لاتجدي الحلول ولا الترقيعات ولا الرقى، ولحى الله شاعر الأبوذية الذي حاكى بيت القريض الذي ابتدأت به مقالي حين قال:
ضلوعي من الحزن مالت وحنت
وكربت ساعة افراكك وحنت
جادت بالوصل هسه وحنت
وبيني وبينها تحوم المنيه
***
علي علي