أقلام حرة
قاسم حسين صالح: خلا لك الجو..فبيضي.. واسرقي ما شاء ان تسرقي
اعلنت وكالات الأنباء ان السلطات العراقية أرجأت موعد انتخابات مجالس المحافظات من 6 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 18 كانون الأول/ ديسمبر المقبل بعد 10 سنوات على إجرائها آخر مرة، وفق بيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء، جاء فيه أن "مجلس الوزراء يحدد يوم 18 من شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل موعداً لإجراء انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023، التزاماً بالمنهاج الوزاري الذي تبنته الحكومة، وأقره مجلس النواب في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي". يفترض ان يشارك فيها 23 مليون ناخبا في 15 محافظة مسجلين لدى المفوضية، دون ان تبرر أسباب التأجيل.
ونذكّر انها أول انتخابات مجالس محافظات محلية تجري في العراق منذ نيسان/أبريل 2013 التي تصدرت خلالها القوائم التابعة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي النتائج، وكان مقررا إجراؤها في العام 2018، تزامنا مع الانتخابات البرلمانية حينها، لكنها أرجئت أكثر من مرة بفعل احتجاجات شعبية غير مسبوقة ختمتها انتفاضة تشرين /اكتوبر 2019، التي تعاملت معها نفس هذه القوى كما لو ان المتظاهرين غزاة وقتلت منهم المئات معظمهم شباب طالبوا بـاستعادة (وطن) منهوب.
الأطار التنسيقي
تفيد آخر الأخبار عن وجود تصدعات او انشقاقات داخل الأطار التنسيقي، ابرزها انفراد ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي، مستندا على الأرقام التي حصل عليها بالانتخابات السابقة وهي 34 مقعدا في البرلمان، وتوقعه ان جمهوره سيزداد بعد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية وعدم مشاركته في هذه الأنتخابات بحال ينطبق عليه المثل القائل (خلا لك الجو.....). وثانيها تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف النصر برئاسة الدكتور حيدر العبادي سيشاركان في قائمة واحدة. وبعدم مشاركة التيار الصدري وتيار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ..سيكون ملايين الشيعة محددين باختيار (ممثليهم) من قائمتين: دولة القانون، والحكيم والعبادي، غير ان السيد المالكي يخطط من الآن نحو التحرك وإجراء حوارات لتشكيل التحالفات لانتخاب المحافظين، وتشكيل الحكومات المحلية بعد إجراء الانتخابات وإعلان النتائج، ومعرفة عدد المقاعد التي حصلت عليها الكتل والأحزاب السياسية.
نشير هنا الى ان رئيس الوزراء الأسبق السيد حيدر العبادي صرح في لقاء تلفزيوني بث مساء (15 آب 2023) قائلا (كنت قد حذرت اطرافا في الأطار التنسيقي من انهيار النظام).. ويقصد دولة القانون.وأضاف بما يؤكد اتهامنا لمفوضية الأنتخابات بضعف الرقابة على المال السياسي وأنها (لم تساءل مرشح يصرف بشكل غير معقول: من أين لك هذا؟).
ويبدو ان الحال سيكون افضل فيما يخص جماهير السنة، اذ يمكنهم انتخاب (ممثليهم) من قائمة تحالف تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، وتحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر، والمشروع العربي برئاسة جمال الضاري، وتحالف الأنبار، وتحالفات اخرى جديدة.. مع انها تبدو متصدعة ايضا خاصة بين حزب تقدم -الذي يترأسه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي- والقوى الأخرى المناوئة له.ومعروف ان الكورد لا يشاركون في هذه الأنتخابات.
قوى المعارضة والتغيير
تعترف هذه القوى ومعها ملايين العراقيين بأن مجالس المحافظات أرضا خصبة للفساد، واعترضوا على عودتها لأنها بوصف النائب علاء الركابي رئيس كتلة امتداد المنبثقة، إن "الشعب العراقي بشكل عام ينظر الى تجربة مجالس المحافظات على أنها تجربة فاشلة وكانت أحد أبواب الفساد ولم تنتج شيئاً".. ومع ذلك لم تتخذ هذه القوى موقفا ضاغطا بوجه القوى التقليدية، لأسباب متعددة اهمها انها لا تمتلك برامج تضع تأمين الخدمات اولوية فيها، ولا تمتلك رؤية سياسية واحدة، وبينها شباب يفتقرون الى النضج السياسي.
يضاف الى ذلك عامل اهم هو اعلان التيار الصدري عدم مشاركته في انتخابات مجالس المحافظات (لحكمة ما يعرفهاش غير...) مع علمه، ان مشاركته ستقلل حجم الكثير من القوى التي تعتقد أنها تتسيد الساحة، وسيحد من حجم الفساد الذي يدعو الى القضاء عليه، ومع علمه ايضا ان انتخابات مجالس المحافظات ستكون بوابة رئيسية للانتخابات النيابية التي تنتظرها الأوساط السياسية والشعبية.
ولأن القوى التي اعلنت المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، وتحديدا تلك التي نجحت في اعادتها، تمتلك المال السياسي ولن تستطيع مفوضية الأنتخابات منع غير المسموح به، وتمتلك السلاح ولن تستطيع الحكومة السيطرة عليه. ولأن توالي الخيبات اشاعت ثقافة التيئيس بين ملايين العراقيين وملايين اخرى مخدوعين ومضحوك عليهم، فان الجو خلا للفاسدين ان يحكموا ويسرقوا لعشرين سنة اخرى ما دام حيتان الفساد ..هم الدولة!
***
أ.د. قاسم حسين صالح