أقلام حرة
مزهر جبر الساعدي: فلسطين: إنهاء ملف حل الدولتين بحل بديل
على الرغم من مرور اكثر من ثلاثة ارباع القرن على قضية الشعب العربي الفلسطيني الذي شرد من ارضه، وتوزع في المنافي والشتات، لكنه لم ينس يوما ان له ارضا شرد منها بقوة السلاح المدعوم دوليا، كما ان الذين ظلوا في الداخل سواء في (ارض) الكيان الصهيوني واعني هنا دولة الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي، او في الضفة الغربية والقطاع لم يتوقف يوما ولن يتوقف ذات يوما مهما طال عليه الزمن في النضال والجهاد والكفاح من اجل دولة معترف بها دوليا وذات سيادة غير ناقصة.. في السنوات الأخيرة اشتد تغول الكيان الصهيوني، اكثر مما كان عليه هذا التغول في السنوات السابقة على مرأى ومسامع كل العالم بما في ذلك النظام الرسمي العربي؛ في التوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية او في القدس الشرقية، وبما يصاحب هذا من هدم للمنازل وتجريف للأرض. في محاولة لضم اكبر جزء او اكبر مساحة من الضفة الغربية اضافة الى القدس، في عملية مستمرة بلا ادنى توقف. ان من المسلم به قانونيا؛ لا يمكن لمجلس الامن الدولي الحالي او الذي سوف مستقبلا يحل محله، او اي دولة عظمى او كبرى، أو اي دولة في الأسرة الدولية؛ ان تعترف رسميا بهذا الضم، حتى الامم المتحدة لا يمكنها ان تعترف بهذا الضم؛ لأنه يتعارض تماما مع القرارات الدولية ذات الصلة، والتي تؤكد جميعها على حق الفلسطينيين بدولة لهم ذات سيادة كاملة على الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، اي على كامل الارض الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في حرب عام 1967أو كما يروق للصهاينة بتسميتها بحرب الايام الستة غرورا وتبجحا. في المقابل ومهما طال زمن نضال الفلسطينيين في استعادة حقهم في ارضهم؛ فانهم في نهاية المطاف سوف ينتزعون هذا الحق؛ انتزاعا من فم الغول الاسرائيلي، بتواصل دك رأسه على صخرة النضال والصمود. ان الزمن يعمل لصالح هذا النضال وليس لصالح مشاريع الكيان الصهيوني في تهويد القدس وفي ابتلاع اكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية.. رغم قسوة المعاناة الفلسطينية في ظل الاحتلال الاسرائيلي او الاصح واقعيا في ظل احتلال هذا الكيان الصهيوني المسخ الذي يعاني من ازمة نمو ديموغرافي رغم الهجرة الى الكيان الصهيوني، بالقياس للنمو الديموغرافي الفلسطيني رغم التشريد والتهجير، وسوف يعاني اكثر واكثر مع تقادم الزمن. هذا اولا وثانيا الخلخلة في النسيج المجتمعي داخل اسرائيل، بالإضافة الى عوامل اخرى. ان مسؤولي اسرائيل يدركون كل هذا، وهم يحسبون لهذه التطورات المستقبلية حسابها، وعلى وجه الخصوص في السنوات الأخيرة، او للدقة في تحديد الزمن؛ هو الزمن في العقدين الأخيرين. ان المتابع للتطورات والتغييرات والتحولات في المنطقة العربية وفي جوار المنطقة العربية وفي المجال الدولي؛ التي تُحدَث في الوقت الحاضر وايضا قبل هذا الوقت او الزمن بأكثر من عقدين؛ يلاحظ بوضوح تمام؛ ان هناك في الأكمة العربية وفي جوارها وفي الفضاءات الدولية وحتى في الداخل الفلسطيني( السلطة الفلسطينية)؛ ان امرا ما يخطط له في الظلام يعني قضية فلسطين الدولة المرتقبة والشعب، وهذه او هذا المخطط هو وبكل تأكيد بالضد من مصالح فلسطين الارض والشعب. إنما اقول بقناعة تمامة وراسخة رسوخا كاملا ومستقرا في الذهن والنفس؛ انها سوف تفشل فشلا كاملا؛ لسبب واضح جدا في الميدان وقد ترجم عمليا وواقعيا خلال اكثر من ثلاثة ارباع القرن الذي شهدت كل سنواته الكثير من التآمر على قضية هذا الشعب المقاوم، ولم يركع ولم يساوم ولم يهادن على الرغم من القسوة والظلم الذي تعرض له ولم يزل حتى الآن يتعرض له. عراب الكيان الصهيوني الامريكي وحاميه وداعمه بكل انواع القوة والقدرة، والتغطية عليه وعلى اعماله الإجرامية والعنصرية البغيضة بحق الشعب الفلسطيني؛ اعلاميا وفي المحافل الدولية؛ يدرك هذا العراب الامريكي؛ ان من المستحيل حسب مقتضيات القانون الدولي؛ ان تنجح اسرائيل او الاحتلال الاسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية قانونيا، وابتلاع الجزء الاكبر من الضفة الغربية والقدس. عليه فان طريق الكيان الصهيوني هذا محكوما علية مسبقا بالفشل قانونيا واقصد هنا هو؛ طبقا لشروط ومحددات القانون الدولي. انه طريقا مسدود في جميع الظروف والاحوال الا في الاحوال والظروف التالية، التي تعمل على تهيئتها، امريكا والكيان الصهيوني وغيرهما..:-
اولا:- التطبيع سواء المعلن بصورة رسمية او الذي يدور الحوار حوله في السر. هذا التطبيع مهما قيل عنه، أو من الشروط السياسية التي من اهمها وابرزها هو اقامة دولة فلسطين بسيادة كاملة على الضفة والقطاع والقدس الشرقية التي تفرضها الدولة العربية المطبعة على دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ لا يختلف قيد شعرة عن اتفاقات اوسلو التي تم اهمالها ولم يعد لها وجود فعلي وفاعل في اتجاه مسار حل الدولتين. ان اخطر ما تتعرض له القضية الفلسطينية؛ هو التطبيع لجهة البعد الاستراتيجي لهذا التطبيع، بفعل ما يصاحب هذا التطبيع من شراكات سواء السرية او المعلنة في حقول الاقتصاد والتجارة وغيرهما.
ثانيا:- شق الصف الفلسطيني ومحاولة دق اسفين بين الفصائل الفلسطينية المناضلة او المجاهدة على حد سواء. وايضا العمل بصورة او بأخرى على عزل القطاع عن الضفة الغربية، وحصار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي حول بفعل هذا العزل والحصار الى سجن كبير. وهي محاولة اسرائيلية لتأجيج فلسطينيو القطاع ضد الفصائل المقاومة. لكن هذا الحصار فشل في هذا، اي في تحقيق هذا الهدف الاسرائيلي؛ فالشعب الفلسطيني ملتف التفافا كاملا حول قيادات الفصائل المقاومة.
ثالثا: التنسيق الامني بين دولة الاحتلال الاسرائيلي وقيادة الامن الوقائي الفلسطيني؛ لصالح اسرائيل وضد الفصائل المقاومة. كما جرى مؤخرا في اعتقال عدد من المناضلين والمقاومين الفلسطينيين في مخيم جنين وفي مدينة جنين وفي امكنة اخرى في الضفة الغربية، بحجة ضبط الامن وابعاد الحرب الاهلية، وهي حجة واهية لا تصمد امام الواقع.
رابعا:- مشاريع طرق المواصلات سواء البرية منها او سكك الحديد، والتي يشكل فيها الكيان الصهيوني ممرا او مرسى لهما. ان الغاية هنا هي دمج الكيان الصهيوني مع المحيط العربي ومع ايضا جوار المحيط العربي؛ بما يترتب على هذا من جعل الكيان الصهيوني مركزا اقتصاديا وتجاريا وصناعيا بما فيها الصناعة العسكرية.
خامسا:- حسب التسريبات الاعلامية وغيرها، التي تتداولها الصحافة بين الفينة والفينة الأخرى؛ من ان هناك مشاريع بديلة لحل الدولتين او ان حل الدولتين يتم على صورة الحكم الذاتي على ما سوف يظل تحت السلطة الفلسطينية من الضفة الغربية واضافة الى قطاع غزة، او شكل قريب جدا من صيغة الحكم الذاتي لدولة مصغرة جدا منزوع السلاح، وامور سيادية اخرى. هذا جانب وهناك جانب اخر للحل البديل لحل الدولتين، حسب تلك التسريبات التي تناولتها الصحافة الغربية، اضافة الى الصحافة الاسرائيلية قبل سنوات؛ ان تكون دولة فلسطين فقط على قطاع غزة مع اقتطاع جزء من ارض سيناء والحقها بالقطاع ليشكل منهما دولة فلسطين، أو في مكان اخر من تلك التسريبات؛ ان يتم تشكيل الدولة الفلسطينية على قطاع غزة وجزء من بحر غزة بعد طمر هذا الجزء، واقامة مطار عليه ليكون بوابة الدولة الفلسطينية الى العالم.
سادسا:- ما يجري وما جرى في دول ما سمي بالربيع العربي؛ من اعادة صياغة انظمة الحكم، اضافة الى ما تعلق بجغرافية هذا الدول من تشظي وتفتيت تمهيدا؛ لإعادة تشكيلها جغرافيا واداريا؛ بالصورة او بالشكل الذي يضعف قرارها المستقل وسيادتها. ان هذا هو ايضا يرتبط ارتباطا عضويا بأنهاء حل الدولتين بحل بديل..
سابعا:- العمل على تغيير بعض انظمة جوار المنطقة العربية( ايران)، الداعمة والمساندة بالسلاح والتدريب والاعلام للمقاومة الفلسطينية، او العمل بالضغط الاقتصادي على اجبار البعض الأخر، من انظمة جوار المنطقة العربية( تركيا) على تغير سياستها الداعمة للمقاومة الفلسطينية، او التخفيف منها. ان جميع هذا الذي يحدث سواء في الوقت الحاضر او في السنوات السابقة؛ هو لتهيئة البيئة السياسية والاقتصادية والتجارية وما اليهما؛ لتجسيد فعليا ما اوردته التسريبات في خامسا.
ثامنا:- لتنفيذ سياسة دولة الاحتلال الاسرائيلي في ضم اكثر من 60% او ربما ان الصحيح هو ضم كامل الضفة الغربية الى دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ ما قامت به اسرائيل مؤخرا في ظل الحكومة الاسرائيلية الحالية؛ بتعين وزير اسرائيلي مدني ضمن وزارة الدفاع الاسرائيلية، مهمته تولي الاشراف على الحياة المدنية لسكان المستوطنات من اليهود. بينما وفي الوقت ذاته بقاء سيطرة الجيش الاسرائيلي على المناطق الفلسطينية. ان هذه السياسية هي مقدمة لضم دولة الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية.
تاسعا:- ما يجري من مؤتمرات لمعالجة القضية الفلسطينية في القاهرة وفي انقرة وفي شرم الشيخ وفي واشنطن؛ تثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك عن ما يدور فيها او عن ما دار فيها في الذ ي خص القضية الفلسطينية. بسبب من انها لا تخرج بمخرجات واضحة، بل انها او ان مخارجها تلفوه الضبابية. ان هذا؛ يؤكد ان هناك مخطط ما؛ هو ربما بالضد من تطلعات الشعب العربي الفلسطيني وقواه الحية والمناضلة والمجاهدة. خصوصا وان الدول سواء العربية او غيرها واقصد هنا هو تركيا؛ فهي دول مطبعة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، واعني بها الدول العربية، اما تركيا فهي في السنوات الأخيرة بدأت هي من تركض وراء دولة الاحتلال الاسرائيلي لإعادة العلاقة معها، لتأسيس شراكة معها. رجب طيب اردوغان الرئيس التركي قال مؤخرا في وصف علاقة بلاده مع اسرائيل؛ ان تعزيز العلاقة بين تركيا ودولة الاحتلال الاسرائيلي سوف يساهم في امن المنطقة تنميتها وارساء السلام والاستقرار فيها. ان مجمل هذه المؤتمرات والتحركات تثير الريبة والشك..
في الختام اقول ان للشعب العربي والشعب العربي الفلسطيني في نهاية المطاف لهما كلمتهما؛ التي تطلقها افواه المناضلين العرب والفلسطينيين في وجه دولة الاحتلال الاسرائيلي وفي وجه كل طاغية ظالم ومستبد.
***
مزهر جبر الساعدي