أقلام حرة
علي حسين: مجالس "المحافظين"على كراسيهم
أكثر الأشياء استخداماً في العراق عند السادة المسؤولين والتابعين والموالين لهم هي المصطلحات، والتي من كثرة ترديدها تحولت إلى عبارات لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، ومن هذه المصطلحات "دولة القانون" التي تقابلها يومياً ممارسات لا تمت إلى القانون بصلة وإجراءات تبعد الشعب عن جنة رضا السادة أصحاب المال والسلطة.
لدينا أيضا "النزاهة" التي تحولت في مضمونها إلى مجموعة حكايات عن فتى اسمه نور زهير استطاع أن يحول مئات المليارات إلى حسابه دون أن يرف للنزاهة جفن، ثم مصطلح "الحكومات المحلية" الذي تحول إلى كابوس يطارد العراقيين في الشارع ومكان العمل والبيت ومعناه طبعاً أن هذه الحكومات حرة في التصرف بمقدرات الناس وحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم. وأخيراً ساد مصطلح "الشفافية" فلا يكاد يظهر مسؤول حتى تقفز مفردة الشفافية من بين شفاهه الكريمة، والشفافية في عرفهم، التستر على سرقة المال، وتعيين الأقارب والأصحاب، وتحويل مؤسسات الدولة إلى مقاطعات عائلية، ولأننا نعيش مع أفراح عودة مجالس المحافظات التي يجلس أعضاؤها على الكراسي ولا أحد يسأل إذا ما كان سيعمل لصالح المحافظة أم لصالح الحزب والأحباب. وعندما يتفتق ذهن الساسة لاختيار المرشحين لمجالس المحافظات، لا يفكرون في أبسط المقومات التي يجب توافرها فيهم. فمثلاً هل يتأكدون من أن عضو مجلس المحافظة له خبرة في مجال العمل المحلي أم لا؟ هل رئيس مجلس المحافظة قريب من الناس في أحيائهم الفقيرة ويقوم بحل مشاكلهم، أم يجلس وراء مكتبه ويتصرف مثلما يتصرف ولاة القرون الوسطى؟ للأسف أثبتت تجربة مجالس المحافظات عن أخطاء في الاختيار، حيث تمت وفقاً لتقديرات ومعايير بعيدة كل البعد عن أحوال الناس ومتطلباتهم.. وأصبح الأمر وكأن الاختيار لعضوية المجلس عبارة عن شهادة تقدير له على خدماته التي قدمها لكتلته السياسية. ليس المهم أن يعرف هموم الناس ومشاكلهم وماذا تحتاج المحافظة، المهم أنه يعمل ما تريده منه كتلته السياسية حتى لو كان على حساب المواطنين، والفشل نقرأه يومياً في عيون الناس وفي غياب الخدمات والفساد المالي والإداري والصفقات التي تعقد في الخفاء والمشاريع التي تتبخر أموالها في الهواء. في الدول صاحبة التجربة الديمقراطية الحقيقية يتم اختيار مجالس المحافظات وفق شروط مهنية واعتبارات تتعلق بنزاهة المتقدمين لهذه المجالس ومعرفتهم الدقيقة لشؤون المحافظة، أما عندنا فأن كل عضو مجلس محافظة يجلس على كرسيه الوثير وهو يعلم أن أمامه أربع سنوات لا يمكن لأحد فيها إقصاؤه أو محاسبته، بل يمكن أن تتجدد له إذا حصل على رضا أولي الأمر، كل ذلك يجعل من هؤلاء مجرد موظفين لأحزابهم السياسية لا يهتمون إلا بتنفيذ أجندات معينة، وجني المكاسب والاستعداد لشراء الذمم للحصول على أربع سنوات أخرى، لذلك فقد تحولت مجالس المحافظات التي يرأسها مسؤولون حكوميون إلى مجالس لـ"المحافظين على كراسيهم" .
***
علي حسين