أقلام حرة
محسن الأكرمين:إعادة توظيف الأبراج برؤية الحاضر
نقاش لا بُدَّ من فتح بواباته للإفادة
في سياق مواكبة ودعم عمليات تأهيل وتثمين المدينة العتيقة لمكناس، هنالك نقاش صحي وعقلاني بِأُفق صياغة رؤية إعادة التوظيف. نقاش يستحضر التاريخ في صيغة متعددة (التحجر)، وآخر يبحث عن دمج الأثر العمراني التاريخي ضمن النسيج التنموي الحديث، أي (استحضار الماضي الذي ما انفك يمضي في الحاضر الذي ما فتئ يجيء)، حتى لا نسقط في فشل التأهيل!!
من بين الملاحظات السديدة التي تسطو طوعا على المتتبع لعمليات تأهيل المدينة العتيقة لمكناس، أن جل الرؤى والدراسات لهندسة منطلقات التأهيل والترميم، بقيت حبيسة تخطيط التفرد والتحصين التحنيطي، ونَهلتْ من معين التوثيق التاريخي المضطرب (الصورة)، وبدون اعتماد تصورات جارية لرؤية ما بعد التأهيل، وما الأثر التنموي الذي تنتظره المدينة من عمليات إعادة التوظيف؟؟ وكيف يمكن تحقيق تنمية تفاعلية في حاضر لازال يئن من غياب إعادة قراءة التاريخ بالمدينة؟، كيف لنا أن نستشعر تاريخا متكاملا في غياب رؤية استشرافية للحاضر؟
حقيقة لا مفر منها، أن خلق جمالية للأثر العمراني بمكناس، صعبُ الاشتغال واستكمال التدقيق التاريخي، ومكلف في جهد التدخلات الرديفة والناشئة. لكن والحمد، فالبعض من عمليات الإحياء بدت ثمارها الجمالية تنمو رونقا، وتتضح مشروعا بعد آخر، وهذا يحدث في غياب الالتقائية (الماضي/ الحاضر) والإجابة عن سؤال: ما قيمة التاريخ العمراني، إذا بقي متوقفا في الماضي بدون مناولة حديثة، وإضافات تفك العزلة عن المدينة؟
اليوم باتت تلك الأبراج (القريبة من باب البطيوي باتجاه برج بيبي عيشة...)، يتم ترميمها بمنتهى الدقة والمرجعية التاريخي (القديمة)، لكن ما قيمته بعد التأهيل؟ هي الرؤية المغيبة عند مسؤولي هندسة تثمين المدينة العتيقة لمكناس، والذين يشتغلون بمنطق الحساسية!! قد لا نحتاج اليوم إلى وجال من العسس (البخاري) الواقفين بالسيوف على سطوح الأبراج، ولا إلى الحراسة الليلية بالبنادق لحماية المدينة من القبائل الثائرة المناوئة. اليوم ترميم تلك الأبراج بلا بوابات ولا منافذ لها، نتكهن من السبق أن تصبح تُشابه (قبور الفراعنة) !!
اليوم، يجب استحضار إستراتيجية إعادة التوظيف العصري (غير الفولكلوري)، والتفكير المستقبلي في توظيفها الأمثل والحديث(التناسبية). اليوم، يجب السماع إلى نبض الخبرة بمكناس، ومتتبعي ومواكبي تثمين المدينة العتيقة في تفكير مسموع عبر الجواب عن سؤال: كيف نُشغلُ تلك الأبراج والمعالم بتناسق الماضي وبالحاضر؟ ما فائدة ترميم أبراج المدينة وتترك مرة ثانية للفراغ حتى تتهاوى مرات أخرى؟.
فالإبقاء على الرمز التاريخي بالإحياء (الشواهد التاريخية)، لا يمكن استنساخه من الماضي نحو الحاضر، بصيغة (فوطو كبي)، بل يجب استلهام الحاضر وانتظارا ته وموجهاته الأساس، وجعل الموروث العمراني التاريخي نقلة (نوعية) نحو الحاضر والمستقبل، كي يتم دمجه في الحياة الجماعية، والاستفادة منه (تنمويا)، ولا يبقى للمشاهدة والقول: (كان أبونا رجلا صالحا). اليوم تلك الأبراج العديدة، يجب أن تفتح لها أبواب من جهة الفضاءات الموالية، وتستغل كأكشاك سياحية/ ترفيهية/ مقاهي تقافية/ مركز أمن القرب./ مركز الإرشاد/ مقر للمقاولات الصغرى في مجال الصناعة التقليدية....) .
نعم ، الأثر العمراني والمادي لا نثمنه لأجل التجميل (ماكياج دولة)، فقد يصبح الأمر مضيعة للمال العام في الحاضر، لذا لا بد من التفكير في إعادة التوظيف الأمثل، دون البقاء عند مقولة (كان أبوك...). حقيقة المحفز الذي شجعني على ركب مغامرة هذا الطرح (التجديد)، هو أني أبتغي فتح نقاش سليم و عقلاني يربط الماضي بالحاضر والمستقبل. هو أني أطمح إلى فتح نقاش خصب يؤسس لرؤية النقد البناء دون خلفية الهدم التي تسكن البعض منا، هو أني أرى تاريخ مكناس ساكنا لا يكشف عن مفاتنه، ولا يضع تفسيرا حقيقيا عن مكاشفة عوراته السالبة في الماضي.
***
محسن الأكرمين