أقلام حرة
العقل المستعار!!
المحنة الحضارية التي تواجه بعض المجتمعات أنها تعودت إستعارة عقول الغير، وتعطيل عقلها، أي تريد مَن يفكر بدلا عنها.
هذه المجتمعات مرهونة بغيرها، ولا يمكنها أن تقيم أنظمة تعتمد الحرية، ولهذا عندما جاءتها الدعوات الديمقراطية تحولت من فردٍ يمثلها إلى عدة أفراد، فالمجتمع بأكمله يساوي عدده مقسوما على عدد الأفراد المتحكمين بوجوده.
وهكذا تجد عدد المشايخ يتزايد، والسادة، والمدن التي كان فيها ديوانا واحدا صارت تضم مئات الدواوين، فالمدينة يمثلها مئة وحسب، أما أبناؤها فهم أرقام مجهولة، وبموجب ذلك تكون الإنتخابات معبرة عن عدد الأفراد (الشيوخ والسادة)، لأن الباقين يسمعون ويطيعون وينفذون ما يؤمرون به، فإن طلبوا منهم إنتخاب فلان أو علان، فهم كذلك يفعلون.
وعليه فالديمقراطية لا أثر لها ولا قيمة أو معنى، والإنتخابات ضحك على الذقون، فتجد ذات الوجوه تتكرر لأن الأوامر لا تتغير والمنفذون لا يفكرون، ويتهافتون على الإنحشار في منظومات القطيع.
ويبدو أن البشر ميّال لعدم إستعمال عقله، والبحث عمن يتحمل مسؤوليته ويقرر أمره، أما هو فلا يستطيع أن يقوم بواجب التصدي والتحدي والتفكير والإجتهاد وإتخاذ القرار، لأن في ذلك بذل جهد وإقدام على عمل ما.
وبموجب هذه النزعة الإذعانية الإستسلامية المتوجة بالخنوع والهوان، يساهم البشر بصناعة المستحوذين على مصيره والدافعين به إلى مهاوي الردى، والمصادرين لحقوقه وهو في غاية الخضوع وتنفيذ الأوامر ولو أدت إلى القضاء عليه.
ةمجتمعات بهذه المواصفات الهوانية الرافضة للإقدام والتفاعل النابه الحصيف، لا تستطيع أن تكون بيئة صالحة للسلوك الديمقراطي، والتفاعل الإنساني اللازم لبناء الحياة الحرة الكريمة، وتميل لإتباع الغير من الذين يتفننون في الإدعاءات التضليلية، خصوصا تجار الدين الذين يستعملون الناس كبضائع لتأمين رغبات نفوسهم الأمارة بالموبقات، المقنعة بالساميات قولا، وبالدونيات فعلا.
وما أكثرهم، وما أكثر التابعين القابعين في ميادين أفكهم ودجلهم الرجيم!!
وما أسعد الذين يستثمرون الوجيع!!
***
د. صادق السامرائي