أقلام فكرية
زهير الخويلدي: ماذا نحتاج الآن وهنا لكي نقلع؟

"المطلب الحصري هو الفلسفة الملتزمة المقاومة كأداة للوحدة والتقدم والتحرر"
إن المطلب الحضاري الذي يدعو إلى تبني فلسفة ملتزمة مقاومة يمثل رؤية شاملة تهدف إلى مواجهة التحديات المتعددة الأبعاد التي تواجه الأمة العربية والإسلامية. هذه الفلسفة ليست مجرد إطار فكري، بل هي منهج عملي يسعى لتحقيق الوحدة بعد التفرقة، التقدم بعد التأخر، التحرر بعد الاستعباد، النمو بعد الفقر، المعرفة بعد الجهل، السيادة بعد الاستعمار، والسعادة بعد الشقاء. يهدف هذا التوسيع إلى تحليل دور الفلسفة الملتزمة المقاومة في المجالات الاجتهادية الدينية، الاقتصادية، القانونية، والبيئية، مع تقديم تحليل أكاديمي مدعوم بالهوامش والمراجع، لتعزيز فهم هذا المطلب الحضاري وتطبيقاته العملية. في الواقع نحن في حاجة إلى هذه الفلسفة الملتزمة لكي نتوحد بعد أن تفرقنا ولكي نتقدم بعد تأخرنا ولكي نتحرر بعد أن استعبدنا ولكي ننمو بعد أن فقرنا ولكي نعرف بعد أن جهلنا ولكي نسود بعد استعمرنا ولكي نسعد بعد أن شقونا. فكيف نحقق الاقلاع التام والنهائي من هذه الآفات ونزرع الفضائل ونربي الكفاءات ونطور القدرات؟
العنصر الأول: مفهوم الفلسفة الملتزمة المقاومة
تعريف الفلسفة الملتزمة
الفلسفة الملتزمة، كما عرفها جان بول سارتر، هي فلسفة تتحمل مسؤولية التغيير الاجتماعي والسياسي من خلال التزام الفرد بقضايا مجتمعه[1]. في السياق العربي والإسلامي، تتجاوز هذه الفلسفة الإطار الوجودي لتشمل التزاما بقيم العدالة والحرية المستمدة من التراث الديني والثقافي. إنها فلسفة تجمع بين النقد الفكري والعمل العملي لتحقيق التحرر الشا
المقاومة كبُعد أساسي
المقاومة في هذا السياق تشمل مقاومة الهيمنة الثقافية، السياسية، الاقتصادية، والبيئية. يرى محمد عابد الجابري أن الفلسفة المقاومة يجب أن تستند إلى إعادة قراءة التراث بطريقة نقدية، مع التركيز على القضايا المعاصرة مثل العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية[2]
أمية الفلسفة الملتزمة المقاومة
تكمن أهمية هذه الفلسفة في قدرتها على تقديم حلول شاملة للتحديات الحضارية، مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد الدينية، الاقتصادية، القانونية، والبيئية. إنها فلسفة تحررية تهدف إلى بناء مجتمع عادل ومتوازن يحترم التنوع ويعزز الوحدة.
العنصر الثاني: تحليل المطلب الحضاري
الوحدة بعد التفرقة
التفرقة السياسية والطائفية تعيق تقدم الأمة. الفلسفة الملتزمة المقاومة تدعو إلى حوار فكري يجمع بين التيارات المختلفة، مع التركيز على القيم الإنسانية المشتركة. يشير حسن حنفي إلى أن الوحدة تتطلب إعادة بناء الهوية الجماعية من خلال اجتهاد ديني يركز على العدالة والمساواة[3]
التقدم بعد التأخر
التأخر الحضاري يتطلب إحياء روح الإبداع العلمي والفكري. الفلسفة الملتزمة تدعو إلى إصلاح التعليم وتعزيز البحث العلمي، مع الاستفادة من التجارب العالمية دون الخضوع للهيمنة الثقافية[4]
التحرر بعد الاستعباد
الاستعباد، سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا، يتطلب مقاومة فكرية وعملية. يرى فرانز فانون أن التحرر يبدأ بتحرير العقل من الهيمنة الاستعمارية، وهو ما يتطلب فلسفة ملتزمة تعزز الكرامة الإنسانية[5].
النمو بعد الفقر
الفقر هو نتيجة لسياسات الاستغلال وسوء توزيع الثروات. الفلسفة الملتزمة تدعو إلى نموذج اقتصادي عادل يعتمد على التنمية المستدامة والتوزيع العادل للموارد
المعرفة بعد الجهل
الجهل يُعدّ عقبة رئيسية أمام التقدم. الفلسفة الملتزمة تركز على التعليم كأداة للتحرر، مع تشجيع التفكير النقدي والبحث العلمي[6]
السيادة بعد الاستعمار
الاستعمار الحديث يتخذ أشكالاً اقتصادية وثقافية. الفلسفة المقاومة تدعو إلى بناء مؤسسات وطنية قوية تحافظ على السيادة الوطنية.
السعادة بعد الشقاء
السعادة تتحقق من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية، الحرية، والرفاهية. الفلسفة الملتزمة تسعى إلى خلق بيئة اجتماعية تدعم الكرامة الإنسانية.
العنصر الثالث: الفلسفة الملتزمة المقاومة في المجالات الاجتهادية
المجال الاجتهادي الديني
الاجتهاد الديني هو أداة أساسية لتجديد الفكر الديني ومواجهة التحديات المعاصرة. الفلسفة الملتزمة المقاومة تدعو إلى اجتهاد ديني يركز على:
إعادة قراءة النصوص الدينية: يجب قراءة النصوص الدينية في ضوء الواقع المعاصر لتعزيز قيم العدالة والمساواة. يرى محمد أركون أن الاجتهاد الديني يتطلب تحرير التفكير الديني من التقليد الأعمى[7].
مواجهة التطرف: الفلسفة الملتزمة تقاوم التفسيرات المتشددة للدين التي تؤدي إلى التفرقة، وتعزز فهمًا إنسانيًا للدين يدعم الوحدة.
تعزيز الحوار بين الأديان: تدعو الفلسفة إلى حوار بين الأديان والمذاهب لتعزيز الوحدة الوطنية والإنسانية.
المجال الاقتصادي
الاقتصاد هو أحد أهم ركائز النهوض الحضاري. الفلسفة الملتزمة المقاومة في المجال الاقتصادي تركز على:
العدالة الاقتصادية: تدعو إلى توزيع عادل للثروات ومكافحة الفساد الاقتصادي. يشير سمير أمين إلى أن الاقتصاد العادل يتطلب مقاومة الهيمنة الرأسمالية العالمية[8].
التنمية المستدامة: تركز الفلسفة على استغلال الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة تحافظ على حقوق الأجيال القادمة.
الاقتصاد الإنتاجي: يمكن أن يلعب الاقتصاد الإننتاجي، بمبادئه مثل الزكاة والمشاركة، دورًا في تحقيق العدالة الاقتصادية.
المجال القانوني
الفلسفة الملتزمة المقاومة في المجال القانوني تهدف إلى:
إصلاح النظم القانونية: تدعو إلى بناء أنظمة قانونية عادلة تحترم حقوق الإنسان وتعزز المساواة. يرى عبد الله العروي أن القانون يجب أن يكون أداة للتحرر وليس للقمع[9].
سيادة القانون: تعزيز سيادة القانون كأساس للمجتمع العادل، مع مقاومة الفساد القضائي.
التشريعات المستلهمة من التراث: يمكن استلهام مبادئ الشريعة الإسلامية، مثل العدل والشورى، لتطوير قوانين حديثة تتماشى مع الواقع.
المجال البيئي
البيئة أصبحت قضية مركزية في العصر الحديث. الفلسفة الملتزمة المقاومة في المجال البيئي تركز على:
الاستدامة البيئية: تدعو إلى حماية البيئة من خلال سياسات مستدامة تحافظ على الموارد الطبيعية. ان التنمية البيئية هي جزء لا يتجزأ من العدالة الاجتماعية[10].
مقاومة الاستغلال البيئي: تقاوم الفلسفة استغلال الموارد الطبيعية من قبل الشركات متعددة الجنسيات، وتدعو إلى سياسات وطنية لحماية البيئة.
التوعية البيئية: تعزيز الوعي البيئي من خلال التعليم والإعلام لخلق مجتمع يحترم التوازن البيئي.
العنصر الرابع: آليات تطبيق الفلسفة الملتزمة المقاومة
إصلاح التعليم
يجب أن يركز التعليم على تعزيز التفكير النقدي والوعي بالقضايا الدينية، الاقتصادية، القانونية، والبيئية. يتضمن ذلك إدخال مناهج دراسية تشجع الاجتهاد الديني والتفكير الاقتصادي المستدام.
تعزيز الحوار الفكري
الحوار الفكري بين العلماء، الاقتصاديين، القانونيين، والناشطين البيئيين ضروري لتطوير رؤية مشتركة. يمكن تنظيم مؤتمرات وورش عمل لتعزيز هذا الحوار.
بناء مؤسسات قوية
المؤسسات الدينية، الاقتصادية، القانونية، والبيئية يجب أن تعمل معًا لتحقيق أهداف الفلسفة الملتزمة. على سبيل المثال، يمكن للمؤسسات الدينية دعم الاجتهاد الديني، بينما تعمل المؤسسات الاقتصادية على تعزيز التنمية المستدامة.
مقاومة الهيمنة الثقافية والاقتصادية
يجب مقاومة الهيمنة الثقافية والاقتصادية من خلال تعزيز الهوية الوطنية والاستقلال الاقتصادي. يمكن تحقيق ذلك من خلال دعم الصناعات المحلية وإحياء التراث الثقافي.
التوعية البيئية والاجتماعية
يجب إطلاق حملات توعية لتعزيز الوعي بالقضايا البيئية والاجتماعية، مع التركيز على دور الأفراد والمجتمعات في تحقيق التغيير.
الفصل الخامس: التحديات والحلول
التحديات
التفرقة الدينية والطائفية: الانقسامات الدينية تعيق الوحدة.
الفساد الاقتصادي: يؤدي إلى تفاقم الفقر وسوء توزيع الثروات.
الفجوة القانونية: غياب سيادة القانون يعيق تحقيق العدالة.
التدهور البيئي: استغلال الموارد الطبيعية يهدد الاستدامة.
الحلول
الاجتهاد الديني: تعزيز الاجتهاد لمواجهة التطرف وتعزيز الوحدة.
إصلاح اقتصادي: تطبيق سياسات اقتصادية عادلة ومستدامة.
تعزيز سيادة القانون: بناء أنظمة قانونية تحترم حقوق الإنسان.
حماية البيئة: إطلاق سياسات لحماية الموارد الطبيعية وتعزيز الاستدامة.
الخاتمة
نحن في حاجة ماسة لهذه الفلسفة الملتزمة لكي نقلع نهائيا من التشرذم والانقسام والتبعية والفقر والغلو والتصحر والتخلف والتأخر والاستعباد والفساد والجدب والهدر والهزيمة والتعثر والشقاء والمعاناة.
إن الفلسفة الملتزمة المقاومة تمثل إطارًا شاملًا لمواجهة التحديات الحضارية في المجالات الدينية، الاقتصادية، القانونية، والبيئية. من خلال الاجتهاد الديني، يمكن تجديد الفكر الديني ليعزز الوحدة والعدالة. في المجال الاقتصادي، يمكن تحقيق نمو مستدام من خلال توزيع عادل للثروات. قانونيًا، يجب تعزيز سيادة القانون لضمان العدالة. بيئيًا، يجب حماية الموارد الطبيعية لضمان استدامة الأجيال القادمة. إن تطبيق هذه الفلسفة يتطلب تعاونًا بين المؤسسات والأفراد لتحقيق نهوض حضاري شامل.
***
د. زهير الخويلدي - كاتب فلسفي
............................
الهوامش
[1]: سارتر، جان بول. (1946). الوجودية مذهب إنساني. ترجمة عبد المنعم الحفني. القاهرة: دار الكاتب العربي.
[2]: الجابري، محمد عابد. (1984). نحن والتراث. بيروت: دار التنوير.
[3]: حنفي، حسن. (1998). من النقل إلى الإبداع. القاهرة: دار المعارف.
[4]: سعيد، إدوارد. (1978). الاستشراق. ترجمة كمال جاد. بيروت: دار الآداب.
[5]: فانون، فرانز. (1961). معذبو الأرض. ترجمة سامي الدروبي. دمشق: دار الحقيقة.
[6]: حسين، طه. (1938). مستقبل الثقافة في مصر. القاهرة: دار المعارف.
[7]: أركون، محمد. (1990). الفكر الإسلامي: قراءة نقدية. بيروت: دار الساقي.
[8]: أمين، سمير. (1997). الرأسمالية في عصر العولمة. ترجمة محمد نايل. القاهرة: دار الفكر.
[9]: العروي، عبد الله. (1981). مفهوم الحرية. بيروت: المركز الثقافي العربي.
المراجع
سارتر، جان بول. (1946). الوجودية مذهب إنساني. ترجمة عبد المنعم الحفني. القاهرة: دار الكاتب العربي.
الجابري، محمد عابد. (1984). نحن والتراث. بيروت: دار التنوير.
حنفي، حسن. (1998). من النقل إلى الإبداع. القاهرة: دار المعارف.
سعيد، إدوارد. (1978). الاستشراق. ترجمة كمال جاد. بيروت: دار الآداب.
فانون، فرانز. (1961). معذبو الأرض. ترجمة سامي الدروبي. دمشق: دار الحقيقة.
حسين، طه. (1938). مستقبل الثقافة في مصر. القاهرة: دار المعارف.
أركون، محمد. (1990). الفكر الإسلامي: قراءة نقدية. بيروت: دار الساقي.
أمين، سمير. (1997). الرأسمالية في عصر العولمة. ترجمة محمد نايل. القاهرة: دار الفكر.
العروي، عبد الله. (1981). مفهوم الحرية. بيروت: المركز الثقافي العربي.