أقلام فكرية

علي محمد اليوسف: شذرات فلسفية نقدية عن اللغة

- تفكير العقل في اشياء العالم الخارجي ومواضيع العالم الداخلي هو ابجدية لغوية صورية وليست فكرا مجردا متحررا من الابجدية اللغوية في تعبيرها الخارجي الصوتي او في صمتها التعبيري الخيالي فكرا بلا صوت.

هناك تعريف مصطلحي متفق عليه ان اللغة في ابسط تعريف لها هي ابجدية حروفية يمتلك كل حرف فيها صوتا ومعنى. واجد هذا التعريف ناقصا لانه يقتصر على تعبير اللغة عن اشياء وموجودات العالم الخارجي فقط. فأين يكون تفكير الصمت الداخلي المستمدة موضوعاته من عالم الخيال وأحاسيس إشباع الغرائز الجسدية الداخلية؟ الجواب هو تفكير الصمت ايضا تعبير لغوي في ابجدية حروفية لها معنى صوري وتفتقد الافصاح الصوتي خارجيا.

خطأ آخر أجده في تعبير اللغة ابجدية حروفية (صوت ومعنى) يعني في حال انعدام الصوت لا يبقى معنى, وفي انعدام المعنى لا يبقى لغة وهذا ما ينكره تفكير الصمت الداخلي بانه لغة تفكيرية صورية تمتلك المعنى والصوت المدّخر في الصمت اللغوي وفي الحركات الايحائية لاعضاء جسم الانسان كما في ممارسة الطقوس الدينية واليوغا ورقص الباليه والمسرح الصامت. وفي حاجة الجسم الغريزية التي تطلقها الاحاسيس داخل اجهزته.

-  تذهب غالبية الفلسفات المثالية الى أن ما لا يدركه العقل لا وجود مستقل له. والحقيقة ان ملايين الموجودات التي نعايشها بعالمنا الخارجي والطبيعة لها وجود مستقل قد يدركه بعضنا او لا يدركه. الوجود الانطولوجي للاشياء المادية لا يتوقف على ادراكنا له ولا على عدم ادراكنا له. انطولوجيا الموجودات في استقلاليتها كينونة لا تاثير للانسان عليها قبل ادراكها العقلي لها.

- الوعي مرحلة ادراكية عقلية متقدمة على ما تنقله الحواس من احساسات. كما ان الوعي تجريد معرفي يتكامل مع مدركات العقل الانطولوجية ولا تربطه علاقة جدلية بها.التكامل المعرفي في وعي الاشياء هو من اجل تغييرها والاستفادة منها على خلاف الجدل فهو تضاد سلبي طارد لكلا النقيضين في تشكيل الظاهرة المستحدثة الجديدة. معرفة الاشياء في عالمنا الخارجي ليست وعيا جدليا معها بل تعريفا عقليا بها من اجل تغييرها. وكل ارادة انسانية يحكمها الوعي القصدي تكون المرتكز الاساس في احراز تقدم افضل في فهم الوجود وتقدم الحياة. ليس هناك وعيا ادراكيا لا يحمل موضوعه معه ولا يحمل هدفه القصدي الذي يسير نحو تحقيقه.

- ما فوق اللغة مصطلح فلسفي له ثلاثة تشعبات:

الاول يطلق عليه الميتالغة بمعنى الفهم السبراناتيكي للغة الذي يعتمد الذكاء الصناعي في الريبوت وغير ذلك من تكنولوجيا متطورة. ويطلقون على هذه الميتالغة اللغة المافوق المتقدمة المتعالية ترانسدتاليا التي تتحدث عن لغة اخرى ادنى منها. مشتركات اللغات في غير صفات النحو والقواعد الذي يشكل هوية لغوية خاصة بكل لغة لا تمكننا من دمج تلك اللغات مع بعضها في وضع قواعد نحوية مشتركة تجمعها. هذا ما حاوله هيرمان سكينر في نظريته السلوك اللفظي ونعوم جومسكي في التوليدية اللغوية.

الثاني ان مافوق اللغة هو اللغة التواصلية التي لا تحكمها ضوابط النحو والقواعد والصرف وغيرها. فهي لهجة فطرية خاصة بجماعة او قوم اكتسبت صفة هوية يتكلمها ويتواصل بها قوم من الاقوام., ولم تكتسب اللهجة ضوابط المصطلح المتفق عليه على انها لغة خاصة تمتلك كل ضوابط وقواعد اللغة الخاصة بقوم من الاقوام او امة من الامم. شرط اللغة هو المصطلح المتفق عليه في تثبيت نحوها وقواعدها الخاصة بها كي تمتلك هوية لغوية لقوم من الاقوام او مجتمع من المجتمعات. اما اللهجة او الكلام الشفاهي فهو وسيلة تواصل مجتمعية لا تمتلك قواعد ونحو لغة مدوّنة كما نجده عند الاقوام البدائية التي لم تكن تعرف التدوين والكتابة الصورية او الحروفية المتقدمة.

الثالث ان ما فوق اللغة هي اللهجات التواصلية لدى اقوام بدائية لم تكن تعرف التدوين. هذه اللهجات من الممكن ان تكون ما فوق لغة لكنها لا تمتلك الابجدية الحروفية المصطلحية المتفق عليها لتكون بعدها لغة تمتلك هوية خاصة بها.(تراجع مقالتنا ما فوق اللغة في العربية).

- الانسان يتكيف مع الطبيعة عندما يجد تفكيره لا يتعدى عالم ما يدركه حسيا. هل يعي الانسان تكيفه مع الطبيعة بارادة ووعي منها ام ان تكيّف الانسان مع تقلبات بعض ظواهر الطبيعة هي استجابة فطرية غريزية لديه.

الاحتمال الذي اميل اليه ان تطور ذكاء الانسان هو الذي اعطاه معنى التكيّف مع تقلبات ظواهر الطبيعة الذي رافقه انقراض انواع عديدة من الكائنات الحية من حيوان ونبات وبعض من سلالات بشرية تعود الى مراحل عصور تطور الانسان انثروبولوجيا. من حيث ان منهج دارون في اصل الانواع والبقاء للاصلح يعتمد تطور انثربولوجيا تاريخ الانسان وليس تطور الغرائز والفطرة البايولوجية للانواع فقط. نظرية داروين تقاطع في بعض حلقاتها حقائق العلم كما تقاطع ميتافيزيقا السرديات الدينية الكبرى. كما تقاطع الماركسية الحاضنة الاولى لافكار داروين. القوى الذاتية لتطور الانواع وبقاء الاصلح هو ناتج املاءات الطبيعة على الكائنات الحية. الطبيعة وبيولوجيا الانواع المرتكز الاساس في الداروينية.

- افضل الكتابات الفلسفية هي غير الزوبعة التي تثيرها بل هي النبيذ المعتق الذي خمّرته الاعوام الطويلة ليصبح بعدها تذوقا نخبويا فريدا.

- اعجاز العقل يكمن في تفكيره اللغوي الصوري. بمعنى آخر العقل لا يفكر بالفكر المجرد الانفصالي عن الابجدية اللغوية فهذا محال. تفكير العقل ابجدية لغوية صورية صامتة وليس فكرا تجريديا متحررا من ابجدية اللغة. الفكر داخليا في (الجسم) وخارجيا في ادراكه العالم وموجودات الطبيعة والحياة هو لغة لها معنى محدد لموضوع. وهنا اعيد عبارة منسوبة للفيلسوف الاميركي سيلارزهي قمة ما توصلته فلسفة اللغة قوله ( الوجود لغة). وهي تاكيد اننا لا ندرك اي شيء بالفكر وحده مجردا عن ملازمة الابجدية اللغوية له. وجود المادة ادراك لغوي للانسان وحضور مستقل في الطبيعة لا يمتلك التفكير ولا ملكة التعبير عن نفسه.

- تفكير العقل صمتا لا يلغي ابجدية اللغة الصورية صوتا ومعنى كما هي في تعبير اللغة الصائتة عن مدركات العقل من الاشياء والمواضيع في العالم الخارجي. والفكر الذي يعمل على تطوير واقع الاشياء إنما هو الآخر يتطور في مجاراته تطورات الواقع ومجاوزته لتلك التطورات في تعاليه عليها بإستمرار... وفي الفرضية الخاطئة التي تقود الى نتيجة خطأ أيضا هي في إعتبار عملية إدراك الانسان للاشياء هو في سعيه مطابقة قوانينه المستحدثة لديه مع قوانين الاشياء في وجودها المادي المستقل قبل إدراكها وهو إفتراض وهمي غير حقيقي ولا يمكن الانسان فهم وتنظيم عوالمه الحياتية بهذا التنميط من التفكيرالسلبي مع إدراكاته لعوالم الاشياء في وجودها الطبيعي.. بل الادراك الحقيقي أن تدخل الاشياء المدركة مع الفكر في تكامل معرفي ثنائي متبادل يكسبهما كلاهما التغيير والتطور وبغير هذا الفهم معناه نفي أن يكون هناك فائدة من وعي الانسان لموجودات الطبيعة وإستحداث رؤيته وقوانينه لها..ألنتيجة التي يحرزها الفكر بالنهاية من هذه العملية هو أن تكون قوانين الفكر هي قوانين الاشياء في الواقع... بمعنى أصبح ما نمتلكه عن الاشياء من أفكار نتيجة مدركاتنا لها هو وحده الذي يعطي وجودها الحضوري الواقعي في حياتنا. مطابقة تفكيرنا للواقع لا يلغي حيازة الفكر خاصية تغيير ذلك الواقع.

تفكير العقل في وعيه القصدي لا يسعى مطابقة صحة افكاره مع مدركاته الواقعية بل في محاولته وضع تنظيرات تغييرها. العقل الانساني يبحث عن الاجابة لماذا ندرك الاشياء؟ وليس كيف ندركها.؟

- إن العقل وحده له الأسبقية في تحديد الوجود والفكرالمتعالق معه أن يكون ماديا أم مثاليا. واللغة تكون في هذه الحالة وعاء الفكر في تحديد نوع الوجود المادي أو المثالي المفصح عنه بتعبير اللغة. في عالم صنع الانسان لحياته في كل مناحيها بعلاقته بظواهرالطبيعة ومواضيعها, بمعنى أن وجود عالم الاشياء سابق على أدراك الانسان لها انطولوجيا, وتنظيم الانسان لوجود عالم الاشياء هو الحافز الاساس لأدراكه تلك الموجودات, والعامل الأهم أنه ينّظم مدركاته للاشياء التي هي بالنتيجة تنظيم حياته ووجوده, والفكر الانساني لا يعمل في فراغ وجودي مادي أوفي فراغ غير موضوعي متخيّل من الذاكرة ولا في تجريد ذهني يلغي مؤثرات علمية ومعرفية عديدة في فهم وبناء الحياة الانسانية...

-  اللغة والفكر لا يحضران سوّية الا في محاولة تنفيذ ايعازات مصنع الحيوية العقلية بالاخبار الادراكي العقلي عن موضوع جرى التفكيربه ذهنيا واكتملت مهمة اعادة الوعي من العقل الى عالم الاشياء كفكرجديد بلغة جديدة وليس كوجود سابق مستقل في عالم الاشياء قبل ادراك العقل له.العقل لا يخلق موجودات الحياة القبلية بالفكر بل يخلق وسائل فهم وتفسير وعي تلك الحياة في إعطائها قيمة منظمة تخدم الانسان وتقدمه .

- ايعازات العقل الارتدادية الانعكاسية الصادرة عنه والواردة اليه بواسطة منظومة الجهاز العصبي المرتبطة بالدماغ في تخليقه لمواضيع جرى تفكيره بها انما تتم  في تنفيذ اللغة او غير اللغة ايعازات العقل في اعادة الموضوع المفكّر به من العقل الى امكانية ادراكه في العالم الخارجي بفهم جديد عما كان عليه قبل ادراك العقل له, في توّسله اللغة التي هي الفكر ولا فرق بينهما في التعريف المادي او التجريدي بالموضوع في وجوده المستقل في عالم الموجودات الخارجي بعد تخليقه عقليا.الوجود الادراكي الحسي او العقلي المستقل هو وجود فكري لغوي كما هو وجود مادي مستقل في عالم الاشياء ايضا.

- كل خارق لقوانين الطبيعة معجزة لا يستطيعها كل البشر ولا يتم ادراكها عقليا لتصبح وجودا بذاته. يمكن التسليم بها ايمانا قلبيا فقط.

- المنفعة او مبدا اللذة الابيقورية وفي الفلسفة البراجماتية الاميريكية هي جوهر انساني فطري غريزي .اي انها لا تحتاج اشتراط فلترتها التجريبية العملانية في تاكيد نفعها من عدمه كما تذهب له الذرائعية الامريكية.

المنفعة غريزة انفرادية يعزز انتشارها انها تعيش ضمن مجتمع. والمنفعة معرفة وسلوك تلازم الانسان كمثل تقاسيم وجهه. اعمال الانسان طيلة حياته هي سعي محموم مرتكزه برمجة الانسان لعقله من اجل تحقيق منفعة انفرادية من حيث طبيعة الانسان كائن نفعي. والتضحية من اجل الاخرين ضرورة ملزمة وليس ارادة ذاتية متحررة. وحين يحب رجلا امراة على سبيل المثال انما يحبها بدافع اشباع لذته ومنفعته الغريزية وليس تلبية رغائب المرأة في العملية الجنسية..

-  عالمنا المعاصر اصبح مفهوما متفقا عليه يقوم على ثلاثة ركائز هي :اولا الشعور الواقعي هو عالمنا الحقيقي الذي نحياه ولا يشترط ان يكون افضل العوالم كما ذهب له لايبنتيز في القرن الثامن عشر. كا لا يوجد عالما مثاليا لا ندركه هو الاسمى من عالمنا الذي نعيشه كما ذهب له افلاطون ونيتشة وبعض فلاسفة الوجودية. الركيزة الثانية لم يعد امام العالم التراجع عن منجزات العلم الواجبة التكيف معها لذا يكون العقل البوصلة الحقيقية الوحيدة في محاولة معرفتنا موضع اقدامنا. الركيزة الثالثة التفكير الصارم بعدم جنوح النزعات التدميرية والحربية بدل ترسيم مستقبل متعايش بسلام يحتضن الجميع.

- لم يعد امام عالمنا اليوم التعويض عن تازمات الحياة المتوالية في سلسلة متناسلة من الكوارث سوى دخول واقعنا الحقيقي بخطاب نافذ جريء. الخطابات الانانية الضيقة التي تلهث وراء الاستهلاك النخبوي لم تعد صالحة لعالمنا اليوم فقد انتهى زمن القضم من حافات تجسير العلاقات الانسانية وتراجع تاثيرها. اعتقد مقولة بروتاغوراس "الانسان مقياس كل شيء" صالحة الاستعمال.

- من جملة فلاسفة عديدين انكروا العقل الانساني يبرز في الفلسفة الغربية المعاصرة الاسكتلندي ديفيد هيوم ليتبعه زميله الانجليزي جلبرت رايل 1900- 1976 الذي قال باصرار عنيد ليس هناك عقلا ولن يكون مستقبلا ابدا.

- الوعي هو الوسيلة الادراكية العقلية لفهم الواقع وتغييره.

- لا علاقة جدلية بين الوعي والواقع, الوعي تجريد عقلي تصوري لا ينتجه الواقع. بل هو توسيط نقل مقولات العقل عن مدركاته الواقعية.

- من تعابير هيدجر التي لا معنى لها قوله الديزاين هو ركض الموت الى العدم.

- مذهب وحدة الوجود مطلق ميتافيزيقي صوفي يجمع بين الدين والفلسفة والطبيعة.

-  يقول ياسبرز في عبارة فلسفية رشيقة صحيحة " حقيقة الاخفاق هي التي تؤسس حقيقة الانسان.".

- استوقفني التساؤل التالي : هل اصوات الابجدية الحروفية في اللغة خاصية معنى ام خاصية نحو؟ برايي انها تجمع الخاصيتين معا فهي دلالة عن معنى كما هي خاصية نحوية للغة بعينها.

- ماذا اراد الفيلسوف الاندلسي ابن طفيل في روايته الخالدة حي بن يقظان التاكيد عليه من اهداف؟

1. الانسان بمفرده بالطبيعة قادر عن طريق اعمال العقل المجرد الوصول الى مستوى الانسان الكامل بمجرد ملاحظة الطبيعة والتفكير بها من غير تعليم.

2.  الدين والفلسفة والعلم اقانيم ثلاثة تتكامل معرفيا ولا تناقض بينها يلغي معايشة الضرورة للاخر. ولا يعني هذا ان هذه الاقانيم الثلاثة الدين والفلسفة والعلم تدخل في توليفة اندماجية تفقد كل واحدة خواصها الاستقلالية.

3. الوصول الى المعلومات الميتافيزيقية امر فردي بين الخالق والمخلوق.

- محاربة الفلسفة جهلا بها هو مشكلة الجهل وليس مشكلة الفلسفة.

- الوعي هو نوع من تحرر العقل من الواقع وردت على لسان احد الفلاسفة وكانت صحيحة. ويتعالق مع هذا المعنى الزمن يسبق الوعي الحقيقي والزمن ايضا بعد سببي للزمكان وليس المكان منفردا.

- القانون الفيزيائي المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم سبق وصاغه بارمنيدس قبل اكثر من خمسة الاف سنة بقوله " لا شيء يمكن ان يتحول الى لا شيء ولا شيء يمكن ان ياتي من لا شيء".

***

علي محمد اليوسف

 

في المثقف اليوم