قضايا
عدنان عويّد: الحاكميّة والتعويل على الاقتصاد الإسلامي في تحقيق العدالة
لم يكن الموقف الاقتصادي غائباً أو بعيداً عن الذين يدعون إلى إقامة الحاكمية الله على الأرض. وذلك لإيمانهم المطلق بأن ما رسمه النص المقدس في هذا الاتجاه (القرآن والحديث)، هو الأكثر فاعليّة في تحقيق العدالة والمساواة بين الناس من جهة، مثلما هو المشروع الذي سيؤمن لهم العيش الرغيد ويكفل لهم عدم الحاجة والعوز من جهة ثانيّة، متخذين من تجربة الخليفة "عمر بن عبد العزيز" أنموذجاً يقتدى به، وهو الذي حقق عبر تطبيق أسلوب الزكاة على مسلمي عصره كما تذكر بعض كتب التاريخ مالم تحقق كل الأنظمة السابقة واللاحقة لعصره. متناسين أو هم على جهل برأيي بطبيعة وأساليب تشكل (تراكم وتمركز الرأسمال) عند الطبقة المالكة في أي عصر من العصور، وما وجود الفقر والتفاوت الطبقي الحاد، إلا نتيجة هذه الأساليب القذرة في جوهرها والقائمة على الفش والاحتكار ورفع الأسعار واستغلال عمل غير المالكين أي المنتجين. علماً أن هناك نصوصاً مقدسة تشير إلى هذه الأساليب القذرة، وقد حذر النص المقدس من الاشتغال عليها . ويل للمطففين – ما احتكر إلا خاطئ – الذين يطففون في الكيل والميزان.. التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين.. وغير ذلك الكثير إن كان من حيث الاشارة إلى عمليات الفساد بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، دون إدراك لأهمية هذه الأساليب غير المشروعة في نشر الفقر والجوع والحرمان بين الناس وبالتالي مجيئ الدعوات إلى اتخاذ أساليب تدخل في نطاق القيم والأخلاق القائمة على الإحسان في توزيع الثروة للتخفيف من حدّة نتائج تفاوت توزيعها، فجاءت الزكاة والصدقات وتوزيع الغنائم، وفي أموالهم للسائل والمحروم. وغير ذلك...
إن الايمان المطلق بما جاء به النص المقدس من قبل دعاة الحاكميّة حول المسألة الاقتصاديّة وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، أفقدهم القدرة على فتح النص المقدس ذاته على قضايا العصر وما أفرزته هذه القضايا من حلول منطقيّة يمكن أن تتخذ من الزكاة والصدقات وسائل تساهم مع الوسائل الحديثة في تحقيق الغاية المطلوبة.
لا شك إن توظيف الزكاة والصدقات في مشاريع تنمويّة تحقق العمالة للفقراء والمحرومين والأقربين منهم، هي أفضل بكثير من تقديمها بشكل شخصي لهم من قبل من أنعم الله عليهم كما يقولون، فتقديمها بشكل شخصي لها آثارها النفسيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة على حياة الفرد والأسرة، وبالتالي على المجتمع الذي تقدم فيه هذه الأموال.
عموماً نقول: نحن لا ننكر الدور الكبير الذي تحققه الأعمال الخيريّة في المجتمع الأهلي، والزكاة والصدقات هي من الوسائل التي تدخل في هذا الاتجاه، بيد أن الأهم هو توظف هذه العطايا الخيريّة توظيفاً عقلانيّاً يدخل في مضمار التنمية المستدامة التي تؤسس لبناء قاعدة اقتصاديّة تخدم الفرد والمجتمع على المدى الطويل بل والمستمر.
***
د. عدنان عويّد
كاتب وباحث من سوريّة






