قراءات نقدية
جمعة عبد الله: خلع خاتم الطائفية في رواية "خلع الخاتم" للاديبة سعاد الراعي
الحدث السردي هو بمثابة توثيق مرحلة سياسية مظلمة، هي الحرب الطائفية التي اشتعلت نيرانها الحارقة، في فترة خيم الرعب والخوف على قلوب الناس. في شق لحمة المجتمع ومكوناته وحتى تمزيق اواصل العائلة الواحدة، في بدعة الانتقام وغسل الدم بين الطائفتين، وهي من الظواهر السلبية والسيئة جداً من مخلفات الاحتلال، في دخول الطائفتين (الشيعية والسنية) في حرب اهلية وكسر العظم بين الجانبين، في سفك دماء ابنائها بذرائع مجنونة عفا عليها الزمن وبال، بذريعة حفظ نقاوة الدم لدى الطرفين، وحتى هدر الدم بلا رحمة، إذا لم يرضخوا الى طلبات الطائفين، بقرار طلاق الزوج والزوجة، إذا هما من طائفتين مختلفتين، والرفض يعني بكل بساطة يقدم قربانا على مذبح الطائفية، في دولة في عقلية حكامها المشرفين، هي العقلية العشائرية والطائفية حتى العظم، هذا ما حدث فعلاً في الواقع المعيشي، بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003. الحدث السردي يسرد حدث محدود في فترة زمنية قصيرة، لكن له امتدادات زمنية طويلة وخلفيات عميقة الدلالة والمعنى، تتجاوز اعواماً، هي بالضبط في ساعة خروج الطائفية من كهفها المظلم، إنها حادثة واقعية من الآلاف من القصص الواقعية المشابهة، فكان الموت يطارد الجميع على عل الهوية والاسم، هي حرب الانتقام الدموي بين الطائفتين (الشيعية والسنية)، حتى وصلت هذه الحرب الى مستويات خطيرة، حرب وانتقام بلا رحمة، حتى داخل العائلة الوحدة، الزوج شيعي والزوجة سنية، وإذ لم يرضخون لطلب الطلاق، يقتل أحدهما بدم بارد، مثلما حث لهذا الزوج المغدور (الشيعي) رفض طلب طلاق زوجته أم طفلتين، فجاءت طعنة الموت الغادرة، من طرف طائفة زوجته (السنية) واشقاء زوجها يطالبون بالانتقام وغسل العار، باهدار دم زوجته، حتى تتساوى معادلة، الانتقام مقابل الانتقام، إن هذا الواقع خارج تصور العقل والمنطق، بل انه يمثل السريالية الغريبة والمرعبة. لقد برعت الأديبة (سعاد الراعي) في احترافية راقية، في الصياغة الفنية والمنطلقات الفكرية الدالة، في أسلوبها الواقعي الرصين، وفي دراماتيكية الأحداث المتلاحقة، التي تشد القارئ شداً، ولم تترك مجالاً له أن يأخذ انفاسه، بالحبكة الفنية المتصاعدة نحو الذروة، مرهفة في تتبع تفاصيل الحدث السردي المركز بالتكثيف، الذي أخذ صيغة الوصف التصويري، بأن يجعل القارئ، يشاهد ويقرأ تفاصيل الرعب بالمشاهد والمنتاج السينمائي، وكأننا أمام فيلم الرعب، مثل ما عودتنا الافلام الامريكية (افلام الرعب اكشن) لذا فإننا أمام فيلم رعب (الرعب اكشن الطائفي)، أمام حادثة من آلاف الحوادث، بذريعة نقاوة الدم الطائفي وصيانته من الإخلال به، أن يتجول الموت بحرية ويلاحق أبناء الطائفتين. كأنهما في مطاردة الموت الطائفي.
- احداث المتن السردي:
الزوج (الشيعي) رفض ان يرضخ لمطالب الطائفة الاخرى (السنية) بالطلاق من زوجته وام لطفلتين، فقتل بدم بارد، وضع الزوجة ام لطفلتين في موقف خطير يهدد حياتها من قبل أشقاء زوجها المقتول بالانتقام منها بالانتقام المتبادل، جاء دورها لتساق لقربان مذبح الطائفية، رغم توسلاتها ودموعها الباكية (- انا لست عدوتكم، أنا أم تحمل على كتفيها جرح هذا الواقع مثلكم) ص17. ولكن قصاص الانتقام اخذ قراره ولا رجعة عنه، بحجة أن زوجها قتل من طائفتها، وهي المرشحة لغسل الدم، كأنها أصبحت في عقليتهم مجرمة وقاتلة، ودمها أصبح حلالاً، هو الهدف والمنال، دمها يشبع عطش الطائفية للانتقام، ويهددها احد اشقاء زوجها (- سأجعلك جارية تحت قدمي حتى تُقبري). هكذا حفرت الطائفية انهار من الدماء في البطش والانتقام في المجتمع العراقي، وجدت الزوجة ان جرحها الداخلي ينزف، لم يعد لها خيار، اما ان تختار الموت، أو تختار الهروب إلى المجهول، أنها معضلة حياتية: كيف الخلاص من هذا المأزق ؟!. (- أية حفرة مظلمة وقعت فيها؟ واي مستقبل ينتظر أبنتيَّ) ص22. وقررت في داخلها، لن تستسلم للموت وللمذبح الطائفية، وقررت بشجاعة الزوجة (عفراء) ان تبحث عن كوة الخلاص حتى لو عبر على جثتها، وقررت ان تتصل بجارتها القديمة الطيبة (ام احمد) سبق وان هربت ابنائها الى خارج العراق، وفعلا اتصلت خلسة في الليل، لعل لديها خيط من النجاة، لترد عليها (أم أحمد) بقولها (كل عقدة ولها حل يا أبنتي، فلا تيأسي، أنا هنا كأمك، بانتظار أن تبوحي لي بما تختلج روحك) ص26. لتقول لها بصوت مهموم مليء بالقهر (خلصيني يا خالة.... اني اموت كل يوم ألف مرة). وتدبر لها سائق ثقة وامين، يساعدها في الهروب بسيارته الى خارج العراق، واتفقت على الموعد خلسة في الليل، وجاء السائق بالموعد المحدد، ليقول لها (- أنا من طرف ام احمد.... اسرعي قبل ان يفيق احد) ص30، أخذت طفلتيها وغادروا البيت مسرعين والخوف يأكل قلوبهم، لكن يراودها الأمل بالخلاص من الجحيم الطائفي الجاثم على صدرها (لن اعود إلى القبر، ولو كان الطريق الى الحرية مفروشاً بالخوف)، ولن تبيع نفسها وطفلتيها للخوف والمصير المجهول، ولن تسمح للطائفية ان تملك روحها وتكسرها بالخيبة والانهزام، وتنفست الصعداء حين تجاوزت السيارة بغداد، ويطمئنها السائق بقوله (- الآن أنتم في امان) وطلبت من السائق أن يحول اتجاه السيارة من صوب السليمانية الى صوب الحدود الاردنية، واتفقت على السعر الاجرة، واستجاب لطلبها، لان اهلها في عمان الاردن، وبدأ الأمل يكبر بتجاوز الخطر والمجهول (كان الموت يعرف عنواني في الأمس، أما المجهول فليس له عنوان. هذا حسن) ص55. وحين وصلت الحدود، نزعت خاتم الزواج، وكذلك خاتم الذهب المرصع بالعقيق ولفتهم في ورقة، وطلبت من السائق أن يسلم رسالتها الى (ام احمد) وكتبت في رسالتها (سلمي خاتم الزواج الى حيدر الجلاد، اخو زوجي، ليعرف أنني طلقتهم جميعاً دون رجعة / اما خاتم العقيق، فهو هدية صغيرة من ابنتكِ عفراء لتذكرنني بها) ص71. هكذا انتهت مأساة (عفراء) أم طفلتين، خرجت من فم الموت والمجهول الى بر الامان، كانت رحلة شاقة وصعبة، لكن تحملتها كامرأة قوية، وقفت بصلابة وشجاعة أمام الموت والمجهول، وخلعت خاتم الطائفية الثقيل، وحين نزعت أساورها الذهبية كاجرة لاتعاب السائق، رفض أن يقبلها (- لا داعي يا اختي...... / لا داعي ان تخلعي اساوركِ) هكذا المرأة انتصرت على الصعاب وسجلت أهدافاً (لقد طلقتكم جميعا.... لا قبيلة / لا طائفة / لا قانون، يمكن ان يعيدني الى الوراء) ص73. لتكتب لها مستقبل جديد بنفسها، حرة، ولو جرحت الف مرة.
ملاحظة: اشكركم من اعماق قلبي الى الاهداء الذي يخصني
***
جمعة عبد الله






