أقلام فكرية
محمد كريم الساعدي: جماليات البناء الأنطولوجي للشكل الفني
إنَّ جماليات البناء الشكلي في الصورة الفنية هي من الضروريات التي تعطي للعمل الفني في مختلف الفنون وجودها الفعلي كون العمل الفني في ذاتياته يرتكز على المضمون بوصفه معطى ميتافيزيقي والصورة الفنية وبنائها الشكلي قيمتها الفيزيقية التي تحدد اشتغالها البصري على مستوى تأكيد المضمون وما يرمي إليه في تكوين المعنى في العمل ذاته ليصل الى المتفرج المتبني لفعل الإيجاد البصري من حيث البنى المعرفية المتشكلة في الأفاق الثلاثة ابتداءَ من أفق العمل الفني وصولاً الى أفق التلقي وما بينهما من أفق تواصلي مبني على الأفقين السابقين وداخل بينهما.
ويتمظهر السؤال المتبنى في هذا المجال المعرفي ذات البعد البصري في كون المبتغى من هذه الجماليات هل هي ذات مغزى معلن غايته دفع التفكير في ذات الموضوع الجمالي؟ أم أن الغاية المبتغى من هذا الفعل الجمالي في البناء الشكل ه إيجاد مساحة معرفية أخرى تجعل المتفرج قادراً على استنباط المرمى المعرفي ذات الإيديولوجية المعينة في التمظهر الجمالي المبتغى من الفعل الفني في البناء الشكلي للمنطلق الجمالي ذاته؟.
إنَّ الفنون المتنوعة ينطلق منها البناء الشكلي في الصورة الفنية والإطار الشكلي فيها من عناصر، ويذكر ها الدكتور (زكريا ابراهيم)، إذ يرى الآتي: " ذهب بعض علماء الجمال الى أن ثمة عناصر ثلاثة لابد أن تدخل في تكوين العمل الفني. ألا وهي على التعاقب: المادة، الموضوع، التعبير"(1)، وهذه العناصر الثلاثة التي تشكل العمل الفني بما فيها العمل المسرحي، تدخل أثنان منهما في البناء الشكلي للصورة الفنية وهما المادة والتعبير، والثالث يدخل في البناء الداخلي لما يريده القائم على العمل في تشكيل معنى صورة العمل المسرحي، سواء أكان نصاً،أم عرضاً مسرحياً.
إنَّ الجمال في الفن المسرحي ينطلق من السؤال عن الهدف الأسمى للعمل المسرحي، وهذا السؤال الجمالي الذي تمظهر في صور متعددة على مستوى مخاطبة الجمهور بمستويات متعددة من أجل إيجاد مساحة معرفية إبداعية يتخللها الفعلي الجمالي على مستوى البناء الشكلي والفني في العمل ذاته، لذا فإن هذه المسيرة الجمالية في الفن المسرحي تعد في جوهرها بحثاً جمالياً من أجل إيجاد إبداع مسرحي يتمثل في جميع أشكاله " في إعادة ابتكار مفهوم الجمهور بحيث يكلف هذا الأخير عن أن يكون متلقياً سكونياً ليتحول الى مشارك في العمل الفني بوجوده، وبمحسوسيته ثم باندماجه في دينامية هذا العمل أو ذاك " (2). إنَّ ما يريده الشخص المعني من عمله الفني المسرحي هو بناء معنى داخلي للعمل يتمحور في إطار شكلي فني جمالي غايته جمهور متفاعل، وليس غايته العمل ذاته فقط، فإن الجماليات في البناء الشكلي إذا ما ارتبطت في العمل الفني ذاته دون غايات أخرى سيفقد العمل الفني مشروعيته الجمالية التي يسعى اليها المتبني للرؤية الجمالية في المسرح.
إنَّ ما يهدف اليه الفاعل المسرحي في توفير رؤياه الجمالية هو خلق منظومة تعبيرية ذات واقع دلالي في العمل الفني المسرحي، كون هذا العمل الفني المسرحي سواء في النص وهو القاعدة الفعلية لإنتاج المنعى الجمالي في قاعدته الأولى، أو في البناء الأنطولوجي ذات الجوانب البصرية التي يستهدفها القائم على البناء المسرحي في العرض المسرحي وعناصره الفنية ذات البعد الجمالية فيه، ومن هذا المعنى الجمالي تولد الصورة في أوسع معناها الفني الجمالي، إذ تعد هي " منظومة تعبيرية ذات رصيد دلالي قيمي، لأنها تحمل معنى وتمارس وجوداً دائماً من طرف ثاني، وهذا ما يجعلها واقعاً قابل للتثبات والاستعادة، طالما بقيت مرجعاً مهما لها تاريخها ودورها الحتمي " (3)، ومن ثم فإن الاشتغال على تكوين العمل البصري لابد من الأخذ فيه بجمال الصورة الفنية على فق البناء الأنطولوجي للشكل الفني في العمل ذاته في غاية يكون فيها للجمهور المشاهد للعمل الفني إنتاج المعنى الجمالي المكتسب من هذا البناء الشكلي الجمالي.
إنَّ ما يعطي للصورة الفنية بنائها الشكلي هي العناصر الداخلة في تكوينها، من حيث أن هذه العناصر هي التي يمكن للفنان في المجالات الفنية المختلفة بصورة عامة والفن المسرحي بصورة خاصة التركيز عليها في الوصول الى ما هو مأمول من معنى يصل الى المتفرج، ومثلما ذكر الدكتور (زكريا إبراهيم) فإن أول هذه العناصر هو:
1. المادة: والمادة في المجال الفني المسرحي متنوعة، وتبدأ من النص الذي يقع في مجال الكتابة ذات البعد الأنطولوجي من خلال ما يكتب ويقدم عن الأفكار المجردة في ذهنية الكاتب الى ما يكتب على الصفحات، ويدون من خلال الحروف والكلمات والجمل والبناء النصي في هذا المجال، أما العناصر الأنطولوجية الأخرى المكونة للعمل الفني المسرحي فهي تأتي على شكل مفردات العرض من (ممثلين،وأزياء، وإكسسوارات، وديكورات، واضاءة، وخشبة المسرحي وغيرها) التي يجسد من خلالها البناء الجمالي وأنطولوجيته في إطاره الشكلي والفني المقدم في العرض المسرحي، ومن هنا فإن المادة التي يحولها المبدع الى صورة مرئية هي في الأصل مادة خام لكن المبدع هو الذي يصيغها في مجالها الأنطولوجي الشكلي الجمالي، أي أن " المادة الخام لا تكتسب صبغة فنية فتصبح مادة استطيقية، إلا بعد أن تكون يد الفنان قد امتدت اليها فخلقت منها (محسوسا جماليا)" (4)يشكل البعد الجمالي في العمل الفني.
2. الموضوع: إنَّ المسرح في مجاله الفني والثقافي والاجتماعي يعد المتبنى المهم والمباشر في تقديم المواضيع المسرحية الداخلة في خدمة المجتمعات الإنسانية منذ اللحظات الأولى التي ولد فيها المسرح، وكل ما قدم في المسرح ابتداءً من الإغريق الى الوقت الحاضر كانت الموضوعات المقدمة غايتها جذب المتفرج اليها على الرغم من أختلاف ما يهدف اليه المبدع من خلال بناءه الشكلي في موضوعاته الجمالية المقدمة في المسرح.
3. التعبير: إنَّ ما يميز المسرح هو مجاله التعبير الذي يقدمه المبدع من خلال تشفير مضمونه الفكري في إطاره الشكل المقدم من خلال عناصر الصورة الفنية المقدمة في المسرح، من حيث أن البناء الشكلي " الذي يتميز به غرض مجسد في صورة ما أو عبر رمز لا وجود ظاهراتياً له في العالم الحقيقي. فالموضوع في هذا المضمار يتعلق بإدراك الشكل على أنه وحدة، وهيئة تشير الى وجود كل يهيكل أقسامها بشكل منطقي " (5) داخل في تكوين التعبير الفني عن المضمون الفكري في إطار البناء الأنطولوجي للبناء الشكلي وجماليته المتمركز في فضاء البث المسرحي، وصولاً إلى فضاء (التلقي / الجمهور) في المسرح.
***
أ. د. محمد كريم الساعدي
....................
الهوامش
1. د. زكريا إبراهيم: مشكلة الفن، القاهرة: مكتبة مصر، ب، ت ـ ص 27.
2. فريد الزاهي من الصورة الى البصري، الدار البيضاء: المركز الثقافي للكتاب، 2018، ص90.
3. د. عقيل مهدي: السؤال الجمالي، بغداد: سلسلة عشتار الثقافية، 2008، ص270.
4. د. زكريا إبراهيم: المصدر السابق، ص 27.
5. جاك أومون: الصورة، ترجمة: ريتا الخوري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2013، ص 69.