أقلام ثقافية
آية السيابي: رحلتي إلى العراق
"السلام من أرض السلام عُمان،، شقيقة العراق.. حضارة، وتاريخا، ومجدا، ودما".. هذه الجملة، كانت مدخلا في وقتي البحثية التي تلوتها في "مؤتمر الأخلاق وفلسفتها في العالمين العربي والإسلامي"، الذي أقيم في بيت الحكمة ومركز تجديد للفكر والثقافة في السابع عشر من ديسمبر 2025، ببغداد.
لم أكن قد عرفتُ العراق قبل هذا إلا من خلال الكتب والإعلام بتلون مآربه، وأحاديث الأصدقاء العراقيين المقيمين في الخليج.
عدتُ منها (وأقصد العراق)، بحقائب تزن 60 كيلو غرام، وأنا امرأة لا يستهويها التسوّق إلا قليلا! ولكن العراق حمّلتني بكثير وزن. سوار يلف معصمي صنعته لي "مِسك"، ومعطف من د. زينب ليقيني برد ليل بغداد، وجوارب وحذاء رياضي ابتاعته لي د. بشرى، بعد ان أنهكني الوقوف فوق مسماريّ حذائي البوت الطويل. والكثير الكثير من الكرزات العراقية "المكسرات" حملها لي الصديق الخلوق أ. أحمد، وكتب من الجنة، وضعاها بين كفيّ د. عبدالجبار، ود. عارف، وقهوة لذيذة من الصديق الكريم باسل، وتمر نخل العراق الذي يذوب فوق لسانك على مهل كقطعة سكر خجولة دسّها لي د. فيصل بشكل حاسم، يجعلني لا أملك دفعا ولا رفضا ولا جدال. وعلبة مناديل مزخرفه بوجوه نساء العراق لفّتها لي الفنانة د. زينب بعد أن أبديت إعجابي بالعلبة، وأنا من يأسرني الزخارف ولا أملك أمامها إلا أن أبدي الدهشة.
كثيرا ما قيل ويقال، بأننا نحن العمانيون نتصدّر شعوب العالم في اتساع الكرم ودماثة الاخلاق وحسن الضيافة. لكنني وجدتُ العراقيين يفتحون لي أبوابهم وقلوبهم وبساط يسحبونه من تحت أبنائهم ليفترشه ضيفهم. فلم يكن على أمي أن تقلق بوجودي بينهم. ولم أقلق أنا شخصيا ولم ينتابني شعور الاغتراب للحظه، وأنا أنا، من ضرب في هذه الأرض كثيرا، لكن العراق كانت مختلفة. عجبتُ من السكينة في مدينة كربلاء، ووجه بيداء الجميل الذي لا يشوبه شيء، ومن ليل في بغداد لا ينام، ومن روح قديمة تسكن بابل ليتسلل لك نورها في دهشة لم تنطفئ منذ ما يربو عن أربعة آلاف سنة.
عجبتُ لزحام الطرق الذي يناوش صبرك ولا يستبيحه. وعجبتُ من التنوع المذهل للمائدة العراقية التي يمتد عمرها منذ ألف سنة منذ العصر العباسي.
عجبتُ من دجلة الذي ينحسر وهو كظيم. ومن مساطب البسطاء أثرياء الثقافة العربية في شارع المتنبي. عجبتُ من جمال حفيدات عشتار وإنانا. عجبتُ من جيلٍ لا يعرف الموت. فجاع كثيرا دون ان يموت، ونزف كثيرا دون أن يموت، وتناول الحزن مرارا دون أن يجحد، وتداول الفقد كثيرا دون أن يعرى من انسانيته. وأقول كما قال الجواهري: سلامٌ على هضباتِ العراقِ وشطّيهِ والجُرفِ والمنحنى.
***
آية السيابي - كاتبة وروائية عُمانية







