أقلام ثقافية
سوف عبيد: شواهد وشوارد زُهرة الحوّاشي

من الأسماء الجديدة التي ظهرت في تونس خلال السنوات الأخيرة الأديبة ـ زهرة الحوّاشي ـ التي أصدرت عديد العناوين في الشعر والرواية والأمثولة والترجمة
الأديبة زهرة الحواشي متخصّصة في علم البيولوجيا وهي أصيلة ربوع بلدة الدهماني من الشمال الغربي التونسي تكتب الشّعر باللغة العربيّة الفصحى والدارجة التّونسية وكذلك باللغة الفرنسية وتترجم الشّعر من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية ومن اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية
صدر لها
- في جانفي 2019: ثلاث مجموعات شعريّة في نفس الوقت تحمل كلّ واحدة منها ثلاثة أجزاء: جزء بالعربية، جزء بالتونسية المحكية وجزء بالفرنسية تحت نفس الغلاف وهي
1- رأسي في قفص الإتهام / تونسية /Confidence
2- حديث الروح /تونسية / Etat d'esprit.
3- حرف ودمعة /تونسية / Nostalgie.
- في فيفري 2021
1- مجموعة شعرية كذلك بثلاثة أجزاء عربية، تونسية وفرنسية تحمل عنوان:
دبشليمات وما من بيدبا / تونسية / Diamant
2- كتاب ترجمة المجموعة الشعرية اللحمة /Avec ou sans الحيّة للشاعر التونسي صالح القرمادي حيث ترجمت الجزء العربي إلى اللغة الفرنسية والجزء الفرنسي إلى اللغة العربية.
- صدر لها في 2023
1- رواية بعنوان: ابن العاقر.
2- مجموعة أمثولات بعنوان Mes fables préférées
3- مجموعة أمثولات بالعربية بعنوان من بديع القصّ.
ولها قيد النشر
- ترجمة ديوان أشعار نقشتها الرّيح على أبواب تونس السّبعة للشاعر الشهيد شكري بلعيد، من العربية إلى الفرنسية.
- ديوان شعري خامس بأربع لغات: 1عربية فصحى - 2تونسية محكية - 3 فرنسية- 4 أنغليزية.
- رواية بعنوان يمينة.
وقد ظهر لها أخيرا إصدار جديد بعنوان ـ كُتّاب أبي ـ وهو كما ورد في الغلاف ـ شواهد وشوارد وأقاصيص ومذكّرات ـ وقد جمعت في هذا الكتاب شتاتا من وقائع وذكريات ظلت راسبة في شجونها
توالت في الكتاب الفصول والفقرات تحمل عناوين خاصة بها كمثل سلسلة أو محطات رصدت فيها ما رسب من مختلف أطوار حياتها بدأتها بحديثها عن أبيها وأمها وهما يتخصمان ضمن الفصل الأول بعنوان ـ عندما كنت قاضية ـ وقد رصدت فيه بعض تفاصيل شيخوختهما وذلك عند زيارتها لهما فوجدهما يتخاصمان عن الملح في الطعام وتنتصب زهرة الحواشي حينذاك قاضية بينهما لتجد نفسها في موقف حرج بينهما فأبوها يشتكي لها من أمها التي قال إنها نغّصت حياته بفقدان الملح من طعامه وبمنعه من اللحم الدّسم ثم تستمع إلى أمها وهي تبرّر حرصها الشديد على صحته بِاِعتبارها مسؤولة عنه
في مثل هذا الموقف العائلي الحميمي تكشف لنا زهرة الحواشي خيوطا دقيقة لأقرب الشخصيات منها في سيرتها الذاتية وتختم هذا الموقف الحرج بين أمّها وأبيها حينما اِنتصبت بينهما قاضية فتقول متخلصة من مسؤولية الحكم: كثيرا ما نزعتُ جبّة القاضية وعصيت أوامر الطبيب رأفة به وفي عفلة من أمي طبخت له من اللحم ما يشتهي ووضعت امامه الملح ليأخذ منه غرضه وكنت ارابط بجانبه كامل اليوم خشية أن يرتفع ضغته
:وتغتنم الكاتبة هذه الحادثة لتبثّ في آخرها حنينها وشجونها قائلة سلاما لمنزلنا الصغير في مساحته الوسيعة في تاريخه ومعارفه وتعدد مواهبه سلاما لحيّنا ـ حومة الواد ـ الصاخب العامر بالبراءة والجِيرة الطيبة والفن والهزل والطرائف والذي كان قلعة نضال سلاما بحرّ الدموع وحرقة الفؤاد لإخوتي فاطمة وعلالة ومحمد الذين فارقونا باكرا تاركين في القلب جراحا لا تندمل
ومن ضمن اِستحضار الذكريات الطريفة ما أوردته عن جدّها في فصل ـ جدّ يصطاد جدّتي ـ إذ ذكرت أنها مرّة وفي غفلة منها جذب جدّتها بعكازه يطلبها أن تقترب منه وهي تهمّ بالخروج غير أن الجدّة تفطنت لحضورها فنهرته كي لا يفتضح الأمر ومن جملة الوقائع الطريفة التي أخبرتنا بها في فصول هذا الكتاب ذكرها لفقدان فردة حذائها بينما كانت تسرع للاتحاق بالدروس وعندما اِلتفتت تبحث عنها لعلها سقطت بينما كانت تسرع فرأت جمعا من التلاميذ يتقاذفونها كأنها كرة قدم
ومن النوادر الأخرى التي وقعت لها في صباها حدّثتنا أن جَمَلا هائجا جرى خلفها وكاد أن يطرحها أرضا ويوقع بها لولا أن سارعت بالتسلّق وهذه الحادثة ذكرتها بما وقع لعمّتها قبلها مع الجمل الأجرب الذي نزل عليها بكلكله فلم تتمكن العمّة من الإفلات منه وقد أصيبت إثر هذه الحادثة الأليمة بشرخ نفسيّ عميق أفقدها حياتها
وفي الكتاب مواقف عديدة ذكرتها زهرة الحواشي بأسلوب فيه الكثير من الألم مثل ظلم بعض المربين وخروجهم عن ضوابط رسالتهم النبيلة. الكتاب سِجل زاخر بكثير من تفاصيل السيرة الذاتية والمواقف الخاصة بحيث يمكن أن يكون مدخلا لبحث خفايا نفسية الأديبة وهو إلى جانب ذلك صورة للمجتمع التونسي ولبعض خصائصه وأحداثه كاحداث سنة الفيضانات وعام المجاعة ويعطي بعض اللمحات عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في جهة الشمال الغربي في فصل ـ العريفة ـ الذي وصفت فيه أجواء الحصاد وروح التعاون والبهجة بين الفلاحين والفلاحات ولم يخلُ الكتاب من الشّعر ذلك أنّ قصيدة ـ فراق لحباب ـ الواردة فيه ترشح حنينا وشجونا كيف لا وزهرة الحواشي شاعرة بالفصحى والدارجة والفرنسية وحتى بالإنقليزية فقد كانت في دراستها لها ممتازة لدى أستاذتها الأمريكية التي أحبتها ودعتها إلى إتمام دراستها معها وكادت أن ترافقها في عودتها إلى أمريكا لولا لحاق أبيها بها وهي تكاد تصعد القطار معها
إن كتاب ـ كُتّاب أبي ـ لزهرة الحواشي يندرج ضمن أدب الحياة أي أدب السيرة الذاتية فهو يندرج في سياق مكاشفات كتاب ـ الأيام ـ لطه حسين وـ يوميات نائب في الأرياف ـ لتوفيق الحكيم وـ سبعون ـ لميخائيل نعيمة وكتاب ـ رجع الصّدى ـ لمحمد لعروسي المطوي وغيرها.
***
سُوف عبيد ـ تونس