أقلام ثقافية

سُوف عبيد: توفيق الحكيم شاعرا

في مقدمة كتابه (مع الزمن) الصادر سنة 1964 يقول توفيق الحكيم ( ولقد أغراني هذا الفن الجديد في السنوات العشرين من هذا القرن وأنا في باريس بالشروع في المحاولة فكتبت قصائد شعرية نثرية من هذا النوع وهو لا يتقيّد أيضا بنظم ولا بقالب معروف) ويؤكد توفيق الحكيم أن نصوصه الشعرية هذه قد تأثر في صياغتها بالقرآن حيث يقول (إني لأذكر الآن من حيث» الشكل كيف كان القرآن يثير فينا الـتأمل بأسلوبه الفريد، لا هو بالشعر المنظوم ولا هو بالنثر المرسل لكنه طاقة شعرية وموسيقية معجزة) والقصائد التي جمعها توفيق الحكيم في هذا الكتاب جعل لها عنوانا خاصا هو ( رحلة الربيع) وقد كتب نصوصها بين سنتي 1926 و1927 ويمكن أن تُعتبر ديوانا شعريا صغيرا يحوي نحو إحدى وعشرين قصيدة.

القصيدة الأولى تحت عنوان (قبّة سمائنا) وهي من الأسلوب السردي ذي الأبعاد الرمزية:

غطاء محكم الإغلاق

أزرق زرقة الأبد

زرقة ضمير طفل في المهد

أغلق غلقا على جوهره

تلمع داخلها جمجمة

تحسب أنها وحيدة

تقول كلاما وتعيش غراما

و تنام طويلا بعيون غير موجودة (ص 15)

أما في قصيدة (حلمنا وواقعنا) فإن توفيق الحكيم يعمد إلى الجناس وإلى المقابلة من ناحية وإلى التكرار والعود على بدء من ناحية أخرى للتعبير عن حالة وجودية متشابكة العلاقات:

مخمور يطرق باب الحان

و يخرج يهذي بالألحان

يسرق حلي زوجته

و يهديها لعشيقته

و يسرق حلي عشيقته

و يهديها لزوجته (ص16)

 فما يمكن أن نلاحظه في نصوص قصائد توفيق الحكيم هذه أنها بقدر ما حاول فيها النسج على غير منوال الشعر العربي القديم من حيث المعنى والمبنى بقدر ما كان الشعر الفرنسي فيها واضح التأثير خاصة فيما يبدو من أبعاد رمزية وسريالية مثل قوله في قصيدة اللامتناهي في المتناهي) ص 36

هبطت بعيني في أعماق فنجاني

فرأيت الكون يخلق من جديد

هذا النقيع في القاع له غبار

يهيم طليقا في فضاء مديد

أدرت فيه المعلقة

و اذا بدوّامة تدور ثم تدور

و تجمّع الغبار

في كتلة دائرة معلّقة

و بدا في الأفق نجم وليد.

بل إن العبثية تبدو واضحة الحضور في بعض القصائد الأخرى وقد فرضت معناها في التلاعب بالكلمات المتوالية على غرار ما ورد في قصيدة (نسيج الخليقة)

عروق ذهب في جبل

جبل يسير على قدم

قدم تطير على عجل

عجل يمزّق في رخام

رخام جو من غيوم

غيوم حقل من نجوم

نجوم جوّ من سكون

سكون اصداف بحار

بحار كأس من ورق

ورق يفور ويحترق....(ص29)

و خلاصة القول تتمثل في ان توفيق الحكيم قد كتب الشعر انطلاقا من البحث عن شكل جديد حاول أن يجد له تأصيلا في النص القرآني كما استفاد من المدارس الغربية في الفن عند الثلث الأول من القرن العشرين مما أضفى على قصائده رغم قلة عددها لونا جديدا في مسيرة الشعر العربي الذي يظل التجديد فيها اِستثناء والتقليد هو القاعدة.

***

سُوف عبيد

في المثقف اليوم