أقلام ثقافية

نضال البدري: مشاعرك وأنت على عتبة الأربعين

هناك لحظة ما، لا تُعلن عن قدومها بوضوح، لكنها تُفهم من نظرات الآخرين، من نبرة الصوت حين يقول لك أحدهم "يا عم"، أو حين تسمعين لأول مرة "يا خالة"... لحظة تُشعرك أن شيئًا ما تغير، ليس فيك، بل في أعين الناس نحوك. وكأنك تخطيت فجأة جسر الزمن إلى الضفة الأخرى، حيث الشباب أصبح ماضي وذكرى، والشيخوخة باتت لقبًا منٌح لك مبكرًا، لا بحكم العمر، بل بحكم نظرتهم أليك.

ليس من السهل أن تنتهي بتلك الألقاب. أن تُنادى بـ"يا عم"، أو "يا حاج"، أو "يا خالة"، لا لأنك بلغت أرذل العمر، بل لأنهم افترضوا أنك كبرت، وكأن الكرامة  والاحترام في الشيخوخة، تكمن في وضعك على الرفّ مبكرًا. أو بعدها  ربما سيهملك المجتمع بل ويتناساك.

والغريب أن أولئك الذين ينادونك بهذه الألقاب، لا يقصدون أذيتك، بل يظنون أنهم يمنحونك وسام احترام! لا يدركون أن في نبراتهم طعنة ناعمة، تُشعرك أن شبابك لم يعد يُرى، وإن كان لا يزال حيًّا في داخلك، يركض، يضحك، يحلم، ويشعر.

كم من رجل في الأربعين، يحمل في قلبه روح شاب عشريني، لا تزال الموسيقى تحرّكه، والركض في الحقول يستهويه، والنجاح يتراءى أمامه، لكن حين يُنادونه بـ"يا عم"، يتوقّف قليلاً، كمن يتذكّر فجأة أنه لم يعد يُنظر إليه كما كان.

وكم من امرأة، ما زالت عيناها تلمعان كبنت العشرين عاما، تحبّ الحياة، وتشتري العطر نفسه، وأحمر الشفاه، او تنتظر رسالة من حبيب، لكن حين تسمع "يا خالة"، تنكمش بداخلها، لا حزنًا فقط، بل لأن الآخرين قرروا أنها لم تعد مرئية كأنثى... بل مجرد لقب مر بها في طريق العمر.

لا أحد يسأل: ماذا يشعر من نناديه هكذا؟ المهم أن من ينادينا  يشعر بلحظة انتصار، وكأنه أكبر من الآخر بخطوة، حتى لو كانت خطوة زائفة. كأن اللقب يُمنح له ليُفرغ نقصه فيه، لا ليكرم من يناديه.

ليس الكِبر في عدد السنين، بل في انطفاء الروح. وليس التقدير في الألقاب، بل في أن نرى الآخر كما يرى هو نفسه، لا كما نتخيله نحن.

فلنتعلّم أن نمنح الناس احترامًا لا يجرح، وكلماتٍ لا تؤلم. أن ننظر في عيونهم قبل أن نناديهم، فكثيرا ما نجد فيها ومضة شباب، لم يطفئها الزمن بعد، بل فقط غلفها غبار العُرف والعادات.

بعض الكلمات قد تكون ثقيلة، لا لأن حروفها قاسية، بل لأن وقعها على القلب عميق... فلنختر كلماتنا كما نختار الهدايا: بلطف، وبذوق، وبقلب مفتوح على الآخر.

***

نضال البدري – قاصة وكاتبة

في المثقف اليوم