أقلام ثقافية

آمنة المسلمي: رحلات استكشافية لقرى أمازيغية في شمال إفريقيا (1)

اسمي "أكسيل" وُلدتُ لعائلة أمازيغية أباً عن جَدْ، نعيش شمال ِإفريقيّة منذ سالف الزمان أنا وعشيرتي. كنّا نعيش في سلام ووئام إلى أن أتى سكان الضفة الأخرى للبحر المتوسط، عندها قُلبت حياتُنا رأسا على عقب، تغيرت عاداتنا وأساليب حياتنا طُمست هويتُنا وأصبحنا نسخة مصغرة عن سكان الضفة الأخرى.

بعد سنوات من الترحال والتنقل الدائم قررنا أخيرا الاستقرار في مكان يسمى شمال إفريقيا إنها منطقة تقع في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط أطلق عليها فيما بعد قارة إفريقيا. في البداية واجهنا صعوبات عدة في الاندماج مع المحيط الخارجي لذلك حرصنا على إيجاد حلول للصمود أمام وحشية الطبيعة فتعلم الرجال صيد مخلوقات الغابة لنأكلها وطوروا من طرق الصيد حتى نكون في مأمن من تلك الكائنات ففي أول لقاء بها أصابت العديد من الرجال بجروح وقَتلت البعض الأخر لذلك قررنا استعمال طرق أخرى للصيد تكون ناجعة أكثر فاستغنينا عن القتال المباشر معها وأصبحنا نستعمل نوع من الحجارة المصقولة وجدناها مصادفة على شاطئ البحر كنا نربط هذه الحجارة على الأعواد ونستعملها كسلاح أطلق عليها فيما بعد بالرمح في حين تعلمت النساء صنع ملابس لِتقينَا برد الشتاء، حسنا ليست الملابس التي ستكون في عصركم عندما تقرؤون المخطوط بل ملابس بدائية لشعب يعيش في تجاويف جبلية بقينا على هذا الحال مدة لا أعلمها ثم قررنا أخيرا الخروج من الكهوف والانتقال للعيش على ضفاف المتوسط وبعد عدة محاولات اكتشفنا أخيرا طريقة لصنع أكواخ صغيرة باستخدام سيقان النباتات والقش لكن سرعان ما أدركنا أنها لن تصمد طويلا أمام وحشية الشتاء لذلك عملنا على تطويرها فاستعملنا مادة أخرى تشبه التربة ولكنها إذا مزجت بماء البحر تصبح طرية بعض الشيء وتستطيع التحكم فيها وإذا جفت تصبح صلبة كجدران الكهف لذلك اعتمدناها في بناء أكواخنا فتلك الكهوف التي كنا نعيشها، سكن فيها أجدادنا القدامى منذ غابر الزمان ولزالت صامدة حتى الآن.

حقا إنه لعجيب أمر هذا الكون، أحيانا تشعر وكأن كل موجوداته مسخرة لخدمتنا نحن بنوا البشر، كانت إفريقية تحبنا ونحبها نحرثها ونزرعها وتدر علينا من خيراتها وفواكهها دون توقف طالما اعتبرناها مكانا مقدسا ومباركا من الآلهة.

مع مرور الزمن اصبح بنوا جنسي مبدعين في صناعة الأواني والتماثيل الطينية فقد تعلمنا جيدا كيفية تشكيله فصنعنا منه العجبَ حتى أننا كنا نصنع آلهتنا منه أي أننا كنا نصنع تماثيل مختلفة منها ما هو على شكل إنسان ومنها ما هو مزيج بين الإنسان وبقية المخلوقات الأخرى ثم تتم عبادتها، لكنني حقيقة لم أكن مثلهم فأنا لا أسطيع الركوع لمخلوق أنا بخالقه، كنت أؤمن في قرارة نفسي بأن هناك قوة خفية أو شيئا ما لا اعلم ماهيته هو خالق الكون وكل الموجودات. كنت في بداية الأمر أعتقد أن الآلهة تجسدت في هيئة النار فمنذ اكتشافنا لها وأنا منبهر بقدراتها فهي في نظري التي بيدها مفاتيح الحياة، لقد رأيت بنفسي قدرتها على إحياء من تريد وقتل من تريد، إن فصل الشتاء بالنسبة لنا فصل الموت، ففيه يموت العديد من الناس إما بسبب المرض أو البرد ومع ظهور النار أصبحت هي من تقينا برد الشتاء، ولكنها حين تغضب علينا تحرقنا بلهبها، لذلك كنت اعتقد أنها جديرة بالعبادة لكن بمرور الوقت اكتشفت أنها مائلة للزوال، فذات يوم غضبت علينا غضبا شديدا أحرقت فيه معظم منازلنا التي صنعناها من القش قبل اكتشافنا للطين واحرقت الأشجار وكل الموجودات لقد حاصرتنا من كل مكان لم يبق شيء إلا وطاله لهيب النار كان ذلك اليوم الجحيم بعينه صراخ يسمع من كل الجهات الكل يحمل اغراضه ويركض، تشعر وكأن قوة خارقة تحاصرك من كل مكان وتبتلع كل ما يعترضها، عندما وصلنا ضفة البحر كان المنظر خلفنا مخيف كيان ضخم من النار يلتهم كل ما يعترضه حتى وصل للبحر كنا نظن أنها النهاية وسنلقى مصيرنا المحتوم هنا لكن فجأة نزلت مطر من السماء بغزارة أطفئت النار ! نعم لقد انهزمت النار أمام المطر فأيقنت حينها انها غير جديرة بالعبادة فهي فانية فرفعت رأسي يومها للسماء وقلت أن المطر هي احق بالعبادة فهي من حماني من لهيب النار انا وقبيلتي ولكن لم تمر مدة من الزمن آلا وتوقفت المطر عن النزول فأيقنت انها هي الأخرى زائلة وتخضع لقانون موضوع من قبل طرف قوي بيده كل شيء، لذلك قررت عبادة خالق الأكوان خالق النار والماء الشمس والقمر.

***

آمنة المسلمي - تونس

 

في المثقف اليوم