أقلام ثقافية
حسين صقور: أحمد قليج وخطابان يسيران بالتوازي
في لوحات أحمد قليج خطابان يسيران بالتوازي في أحدهما تتلاقح جملة الانفعالات مع ذاك الحس الانساني والجمالي بداخل الفنان لتعكس من خلال حركة الفرشاة العريضة والمشبعة بصياغة مشهدية أكثر عمقا وتعبيرا عن المضمون والمأساة وهو يحتمي هنا بخبرته وقدرته على تفكيك وتحليل اللون لمكوناته وبمصداقية انفعالاته عبر إيقاعها الحركي المترابط والذي يمنح عجينته تلك القوة القادرة على تبرير ذلك الحضور المتباين والمتوازن لألوانه بالمجمل.
أما الخطاب الثاني فهو شرح وتوضيح موجه للعامة نمسك به من خلال تلك الخطوط المخلصة والملخصة للواقع المرئي والملتزمة بحدود الشكل الواقعي بحيث يكتشف المتلقي من خلالها ملامح لشخوص انسانية تشرح الحدث.. تشرد.. معاناة.. حفاة.. عراة إلا من أوجاعهم وهمومهم التي حيكت كحكاية متواصلة مع الحدث في الخلفية لتغطيهم بجملة انفعالات يترجمها الخطاب الأول.
تلك هي لوحته تترجم كم انفعالاته وتحلق بثقة تعكس ما يتمتع به من قدرات لتترجم أخيرا بالخطوط حركات وشخوص رحلته كمن يقرأ ويفسر للعامة لوحته وأمام تلك القراءة تتضارب الآراء فمتعة الكشف والاستكشاف تبقى مهمة القراء.
ولكني أشير هنا إلى أنه لا يكشف كل الخيوط ويترك لمخيلة القارئ استكمال تلك الخطوط إذا أن متعة العبث بعجينة اللون واشتقاقاته المتواصلة مع سكين أو فرشاة لازالت تطرحه وتحركه بشغف منتقية تلال الدرجات الزاهية المتقاربة والمتباينة بكامل قوتها ونقائها لتساير الأسود بكل سيادته والأبيض بكامل نصاعته هي شغله الشاغل وهو ما يعطي عمله في مراحله الأولى سمة العمل التجريدي وفي المرحلة التالية يترك لعجينة الخلفية المتشكلة مما تبقى من مزيج الألوان مضيفاً الأبيض على سطح الباليت لتتحقق مهمة الكشف عن أشكاله وتكويناته النسائية والانسانية بحضورها الواقعي والغير خاضع لأية تحويرات وليستكمل ما تبقى من أجزاء كاشفا بالخط هما تحمله رؤاه.
تجربة أحمد قليج تجربة امتلكت أدواتها وخطت لها اسلوباً ينتمي للحدث والفكرة وللواقعية التعبيرية وبحس أكثر حرية يجعل من عمله ولوحته أقرب للتجريد المتكامل إن استثنينا تلك الخطوط المحددة للشكل الواقعي بحرفية التي لا تميل باتجاهات التحوير والذي هو (التحوير) الصفة المميزة للفنانين التعبيريين أما تعبيريتة فهو يؤكدها عبر الحركات والتوضعات وعبر فرشات تتحرك بحرية مشحونة بكم من الانفعالات المضبوطة بخبرته اللونية التي تمكنه من السيطرة عليها لينحى معها باتجاه التجريد.
بتعبير آخر أقول تتداخل الواقعيته التعبيرية والانفعالية الحركية للفنان قليج مع رؤى أكثر تجريداً عبر أسلوبية التغطية اللونية للأجساد والشخوص والخلفيات المتناغمة معها وهذا ما يجعلنا نخمن أن خطوات عمله تبدأ بفرش الوانه بتلقائية ومباشرة وليدة الخبرة ثم يشتغل على الخطوط اللاحقة مخلصاً لواقعية الشكل الإنساني وخادما لتعبريته عبر الملامح الوجوه وتوضعات الجسد العاكسة لصور الحياة والتجمعات النسائية والانسانية ضمن البئر الفقيرة والمعدمة ووسط الحدث حيث الخراب والدمار وما يخلفه من تعاضد في جانب وانهيار أخلاقي في الجانب الآخر.
وعلى الجانبين أقول هي مخلفات الحرب ضحاياها الفقراء والأبرياء إذ تزيدهم تعاسة وبؤساً في الوقت الذي يتعاظم جشع المسببين لها وتتعاظم ثرواتهم معها.
***
الفينيق حسين صقور