أقلام ثقافية

عبد الرضا حمد جاسم: رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط (6): ساعة المستقبل

بعد ثلاثين سنه من الثقة المتبادلة بين المواطن العربي وأجهزة الاعلام العربية، نعلم انه عندما تركز هذه الأجهزة على قضية ما وترعاها فجأة بكل ما عندها من صحف ومجلات وخطب ومهرجانات ومطربين ومطربات، فمعنى ذلك أن نقرأ الفاتحة قريباً على هذه القضية.

انا مثلاً دون تردد او مناقشة ما ان تركز هذه الأجهزة على قضية الحرية فجأة حتى اجهز شحاطتي وبيجاماتي واحلق رأسي على الصفر سلفاً.

و عندما تركز على موضوع الاشتراكية اسارع على الفور واتفقد برادي صحناً صحنا وبيضة بيضه لأن معنى ذلك ان الناس ستأكل بعضها عما قريب.

وعندما تركز على موضوع النصر والتحرير واستعادة الأماكن المقدسة أضب الحقائب واستعد للمبيت قريباً انا وعائلتي تحت أحد الجسور في الفاتيكان لأن معنى ذلك ان قطعة أخرى من الأرض العربية ستطير.

والان تركز هذه الأجهزة في مشرق الوطن العربي ومغربه فجأة وبعد خراب البصرة على موضوع الوحدة العربية بحجة انها الرد الحاسم على ما تطرحه الامبريالية الامريكية في المنطقة من مشاريع جديدة للتجزئة والتقسيم ومعنى ذلك ان عدد الدول العربية سيرتفع من 22 الى 42 دولة أي بعدد الولايات المتحدة الامريكية تقريباً

ماذا فعل المواطن العربي لحكامه خلال الثلاثين سنة حتى يُعامل هذه المعاملة؟

اعطاهم أولاده للحروب

و عجائزه للدعاء

و نساءه الزغاريد

و كساءه لليافطات

ولقمته للمآدب والمؤتمرات

و شرفاته وموطئ قدميه للمهرجانات والخطابات

وطلب منهم نوعاً واحداً من الحرية وهو النوع المتعارف عليه في ابسط الدول المتحضرة، فأعطوه عشرين نوعاً من الحرية لا يوجد لها مثيل لا في الدول المتحضرة ولا في الدول المتوحشة

و طلب منهم نوعا واحد من الاشتراكية وهو النوع المعمول به في معظم الدول الاشتراكية ، فأعطوه خمسين نوعاً من الاشتراكية الا النوع المعمول  به في الدول الاشتراكية

اعطاهم سبع دول عام 1949 لتوحيدها فأعطوه بعد ثلاثين سنة 22 دولة لا يستطيع 22 بسمارك ان يوحد أنظمة السير فيها.

ومنذ ثلاثين سنة أيضا اعطاهم قضية ظريفة خفيفة كالفلة تتمنى معظم الدول والشعوب في ذلك الحين ان يكون عندها قضية مثلها وهي قضية فلسطين فأعطوه بالإضافة اليها:

قضية لومومبا

وقضية المالكي

وقضية الشواف

وقضية البارزاني

وقضية بن بركة

وقضية بن بلا

وقضية بن عاشور

وقضية عبد الحكيم عامر

وقضية برلنتي عبد الحميد

وقضية علي صبري

وقضية خزنة عبد الناصر

وقضية موسى الصدر

وقضية جنبلاط

وقضية سعد الحداد

وقضية احمد الخطيب

وقضية الخميني

واخيراً قضية السادات

فماذا يتحمل هذا الانسان ليتحمل؟

بمعنى ان ينام المواطن العربي على هم قديم هذا لا يجوز وامر لا ترضاه أنظمة الحكم العربية ولا دول عدم الانحياز ولا منظمة الوحدة الاسيوية الافريقية ولا منظمة الصحة العالمية

المفروض كل يوم جديد، هم جديد وان يعود المواطن العربي الى بيته في المساء وهو لا يحمل لعائلته واطفاله اكلة جديدة او ثياباً جديدة بل قضية جديدة.

وتقول إعلانات الدعاية ان ساعة اوريس التي تتحمل الصدمات هي ساعة المستقبل.

قسماً بالله الف ساعة اوريس لا تتحمل في ثلاث سنوات الصدمات التي يتحملها المواطن العربي في ثلاث دقائق

و لذلك كل ما يلزمه هو قشاط جلد من عند الرأس والقدمين ليلفه الطيارون ورجال الاعمال حول معاصمهم باعتباره هو لا أحد سواه ساعة المستقبل ...

الى التالية: 7/ سيداتي سادتي

***

عبد الرضا حمد جاسم

 

في المثقف اليوم