أقلام ثقافية

شمس الدين العوني: كهف الفنون تجربة مختلفة.. الفنان التشكيلي عمّار بلغيث

الفنان التشكيلي عمّار بلغيث ومشروعه الفني الذي عمل على انجازه بكهف بمنطقة "المدينة" بمدينة الدهماني.. ذات حالمة مهمومة بالفن والتنشيط الابداعي والجمالي.. لفنان هاجر لفترة بالخليج وأنفق على مشروعه الكثير..

ها هو الفن في تلويناته المتعددة حيث الفكرة التي تقود القلب منذ نصف قرن وبعد تجربة بتونس وخارجها.. هي لعبة الفن في الجغرافيا والزمان والمكان والوجدان قولا بما به يسعد الكائن وهو يرى بعين القلب شيئا من حلمه وهواجسه وأغنياته العالية التي كثيرا ما تمنى احتضانها على الأرض وبين الجبال.. جبال الكاف العالية ونسائمها الصيفية وفي كل الفصول وفق رغبات شتى هي فكرة حاله ورؤيته للأسياء والآخرين والعالم.. ولذاته المثقلة بالابداع والامتاع والمؤانسة..

الفنان التشكيلي عمّار بلغيث صاحب التجارب الفنية والخبرات حيث عرفه مجايلوه من الفنانين التونسيين منذ حوالي نصف قرن بشغفه الفني وحلمه اللا نهائي على غرار عمله الفني ضمن تجربة عرفت باللامنتهي.. هو يحمل مشروعا فنيا عمل على انجازه بكهف بمنطقة " المدينة " من مدينة الدهماني الكافية.. هو فنان مسكون بالهاجس الثقافي والابداعي وقد تشبث بجهته لابراز خصوصياتها الفنية والحضارية وعلى عكس غيره لم تستهوه العاصمة والعواصم والمدن الأخرى بل انه أراد أن يستثمر ثقافيا في مسقط رأسه وكان مشغولا بفكرة كهف الفنون لتنشيط الحياة الثقافية بالجهة ولتشجيع المواهب من خلال الورشات ولابراز دور الفنون في حياة الناس.. ومنذ سنوات أصبح الكهف مجالا للزوار وقد طالب الفنان بلغيث بادراج الكهف ضمن المعالم باليونسكو. وهو الآن بصدد الاعداد لتظاهرة ثقافية فنية كبرى بكهف الفنون..38 amar balgheeth

عمارة بلغيث لم يجد الطريق مفروشة بالورود وممهدة بل انه لاقى العديد من الصعوبات والعراقيل ولكنه كان مصرا ومقتنعا بفكرته ولذلك نراه الآن يحصد النجاحات وصاحبنا هذا الفنان المختلف له أكثرمن أربعة عقود في تجربته بين المشرق وتونس وله قصة عشق وهيام بالفن التشكيلي.

عمارة بلغيث انسان مرابط في كهفه ينجز الفكرة ويبحث عن غيرها وحياته في حيز كبير منها تكمن في "كهف الفنون" بالدهماني والذي بعثه منذ سنوات بعد اقامة لسنوات بالخليج العربي وكانت له تجارب أنشطة وشراكات منها الشراكة مع المركب الثقافي الصحبي المسراطي بالكاف ضمن مشروع "محمية للمبدعين" التي كانت في هذا الاطار من التعاون والتفاعل الثقافيين.

وقد شهد المركّب الثقافي عددا من الفعاليات منها معارض مخصصة للفنان عمار بلغيث ولمختلف انتاجات الاطفال في مسابقة " أطفال المحمية.. هم فنانون أيضا.. " هذا فضلا عن المعارض المهتمة بالمنتوجات التقليدية لعدد من الجمعيات الحرفية بالجهة وخصص يوم كامل لعدد من ورشات الرسم وذلك باشراف وتسيير من قبل فنان سيكافينيريا المتميز وصاحب كهف الفنون وشريك المبادرة المذكورة الفنان عمار بلغيث.

وبالنسبة لورشة الفوتوغرافيا فيسبرها الفنان صالح القلعي وذلك بالمركّب الثقافي خلال يومين كما كان هناك مجال لورشة تهتم بمعالجة الصورة باشراف السيد ماهر العمدون وقام الأستاذ الأزهر الفرحاني بتنشيط ورشة فن الممثل كما قدّم عرض الراشدية للأستاذ معز التيساوي وخصص مجال للعرض الفرجوي (كيف الكاف) وقدمت كذلك مجموعة من العروض المسرحية خلال الأيام المفتوحة للتعريف بهذا العمل الكبير الممهور ب "محمية المبدعين" ومن العروض نذكر "مريض الوهم" للأزهر الفرحاني وهي من انتاج مؤسسة المركب الثقافي الصحبي المسراتي وعرض مسرحية "أرض الفراشات" لمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف فيما خصص يوم للعرض الموسيقى والشبابي ضمن موسيقى الراب للثلاثي لارتيستو وغستمان وريان قلعي وذلك بفضاء مسرح الجيب بالكاف..39 amar balgheeth

في هذا السياق الثقافي كان التعاون ضمن فعاليات الكاف محمية المبدعين وذلك مع المركب الثقافي الصحبي المسراطي وتضمن برنامج هذا المشروع الرائد حرصا على بعث وايجاد مجال ثقافي يساند ويرعى 20 فنانا من أبناء الجهة ضمن السياقات والمجالات الثقافية والفنية والابداعية المختلفة حيث العمل مع الشبان بالجهة (أعمارهم بين 15و30سنة) وذلك عبر ترميم واعداد المحمية الثقافية وضمن البرنامج دورة تدريبية في الرسم لتنمية وبناء المهارات الفنية لـ20 تلميذا والحصول على 40 لوحة فنية قابلة للعرض لنشر الوعي الفني والجمالي والحس النقدي ل 500 تلميذ من أرياف الجهة والجهات القريبة منها مثل جندوبة والقصرين وباجة وتم تنظيم 10 زيارات كل أسبوع وبعث محضنة ضمن المحمية الثقافية ل25 فنانا من الشبان لاقتراح مشاريع ثقافية وتم التأطير من قبل فنانين محترفين والمحصلة ترشيح 5 مشاريع فنية لفائدة فضاءات الكاف الثقافية.

هو مشروع مهم ساهم في احياء الحركة الثقافية على نطاق واسع والدفع مجددا بالسياحة الثقافية بالجهة حيث تمت دعوة 5 من الفنانين المحترفين العرب والدوليين للاطلاع على المشروع وتجربة المحمية الثقافية وتنشيطها فنيا وثقافيا عبر عدد من الفعاليات الى جانب الندوات والمجالس ضمن العناية بحوالي 3000 من رواد هذه التجربة وجمهور الكاف.

عمارة بلغيث الانسان والفنان المرابط في بكثير من حرقة الفن والابداع والامتاع يحاول الألوان ويحاورها كطفل سابح في سماء البراءة.. لا يلوي على غير القول بالتلوين وتنوع الأشكال وتعددها نحتا للخصوصية وتأصيلا للكيان.

***

شمس الدين العوني

في المثقف اليوم