أقلام ثقافية
سوف عبيد: فطيرة أربع نجوم
صادف أن نزلتُ في مناسبة من المناسبات بفندق صنف أربع نجوم وعندما دلفت إلى صالة المطعم الفسيحة لتناول فطور الصباح قابلتني الأطباق على يميني وشمالي من كل لون وصنف ومَذاق ولست أدري كيف وقعت عيناي على إحدى الزّوايا فإذا بي أرى صانع فطائر يُديرها بإتقان ثم يلقيها واحدة تلو واحدة في الطاجن ويتعهّدها بعد ذلك بالسّفود فتقدّمت إليه وبعد التحية والملاطفة سألته هل هو من بلد غمراسن المعروف بصناعة الفطائر والزّلابية والمخارق فقال إنّه حذق أمرها لدى أحد صنائعي غمراسن ثم سألني هل أنا من أهاليها فقلت نعم فزاد في الحديث معي وسألني كالمختبر قائلا لابدّ أنك تعرف قَلي الفطائر فأجبته باِعتزاز نعم فتعجّب من أمري وأراد أن يمتحنني فقال إذن خُذ هذه العجينة من يدي وأدِرْ فطيرتك بنفسك إن كنت من غمراسن حقا !
ووجدت نفسي أمام اِمتحان عظيم لم أتهيّأ له طيلة حياتي ويجب أن أنجح وأفوز بالتحدّي وفي تلك اللحظة تذكرت صباي عندما كنت أذهب صباح كل يوم أحد إلى والدي فكنت أراقب تفاصيل حركاته وهو يقلي الفطائر في دكان جدي بشارع الحرية في العاصمة تونس .
قبل أن أهُمّ بتناول العجينة من صاحبي غمستُ أصابعي في طسْت الماء بجانبه كي لا تلتصق العجينة بأناملي فاِبتهج صاحبي وقال يبدو حقّا أنّك عارف بهذه الحرفة وهو لا يدري أن هذه أوّل مرة ألمس فيها عجينةَ فطيرةٍ فأخذتها منه بأنامل يدي اليمنى وسُرعان ما ملّستها بضربة لطيفة على كفّي اليسرى ثم أدرتها بعناية حتى اِستدارت واِستوت حينذاك ألقيتها بحركة دائرية وسط زيت الطاجن فاِستقرت في وسطه فطيرة كأشهى ما تكون !
حينذاك لاح سرور صاحبي وقال الآن أشهد أنك من غمراسن فقلت هات السّفود إذن لأقلِب فطيرتي على وجهها الآخر ثم لأرفعها تستقطر من الزيت بجانب الطاجن !
كانت ألذّ فطيرة في حياتي
وكان أصعبَ اِمتحان
رحم الله والدي !
ــــــــ الفطيرة ـــــــــ
تحيّة إلى الكرام من ـ غمراسن ـ بالجنوب التونسي الذين عُرفوا منذ القديم بصناعة الفطائر والمخارق والزلابية ونشروها في جميع أرجاء تونس وفي سائر بلدان العالم وقد كانوا رمز الصّدق والشّهامة والوفاء والتّضحية وبكسبهم الشّريف تمكّن أبناؤهم وبناتهم من التقدّم في سُبل العلم والمعرفة وفي مختلف الوظائف والمهن والأعمال.
فالأمل أن لا ينسى الجيل القديم وأن يحافظ الجيل الجديد على القبم ـ الغمراسنية ـ الأصيلة بما فيها من عرّة وإباء وصبر وحبّ للخير لجميع النّاس.
تَوَكَّلْ عَلَى اللّه خُذْ بِالـلُّجَـيْـنِ
أَدِرْهُ بِلَمْسٍ يَصـيرُ فَـطِيـرَهْ
*
أَنَامِلُكَ السِّـحْـرُ مِنْهَا اَلْحَـــلَالُ
بِـفَـنٍّ تَـلُوحُ كَتَـاجِ الأمِـيـرَهْ
*
بِزيْتٍ وَقَمْحٍ وَعَزْمٍ عَـجَــنْــتَ
جِـبَالا وَجُبْــتَ بِلَادًا كَـــثِيـرَهْ
*
إِلَى الرِّزْقِ تَسْعَى بِشَرْقٍ وَغَرْبٍ
تَطُوفُ بِهَا وَنِعْمَ اَلسَّفِيرَهْ
*
لَكَمْ جَاءَكَ اَلْجَائِعُ وَاِشْـتَـهَـاهَا
هَنيئًا مَريئًا ـ مَلَاوِي ـ كَبِيــرَهْ
*
وَشَــهْـدُ اَلْمَخَارقِ مِثلُ الـزَّلَابِي
كَلَمْعِ الكَواكبِ تَبْدُو مُنِيرَهْ
*
تَرَى اَلنّاسَ فِي كُلّ شَكْلٍ وَلَوْنٍ
وَوَاحِدٌ أَنْـتَ فِي كُلّ سِيـرَهْ
*
لَـئِنْ طَوَّحَتْـنَا اَلـدُّرُوبُ فَنَحْـنُ
نَحِنُّ جَمِيعًا لِتِلْكَ اَلْـعَشِـيـرَهْ
***
سوف عبيد - تونس