أقلام ثقافية
ذكرى لعيبي: هل هذا حُب؟
سأستمرّ بقول: صباح الخير أيها النور
حينها سيبدو الطرف الآخر من العالم بخير
ستشرق الشمس بقلبي
وإن توارت خلف الغياب
سأودعك ليلًا بـ: تصبح على وجودي
واغلق الحياة بعدك
وهي معبأة بوجودك
وانتظر الحلم يأتي بك إليّ
هل هذا حُبّ؟
سألني سَنَام الليل
أنهُ أكثر...
هل هذا حُبّ؟
أسألك؟
***
من وحي رسالة " كافكا " الأخيرة*
* كافكا رائد الكتابة الغرائبية والكابوسية، والذي كان يفضّل حياة العزلة التي تمكنه من عيش معاناته وحيداً، وجد في مراسلاته مع "ميلينا" مخرجاً من تعاسته ووحدته، وقد جمعت هذه الرسائل في كتاب بعنوان (رسائل إلى ميلينا) وهي كاتبة وصحافية ومترجمة تشيكية الجنسية، من النساء المقاومات لإحتلال النازي لبلادها.
عملت ميلينا مترجمة لكتابات كافكا إلى اللغة التشيكية، ومن هنا بدأت رحلة تبادل الرسائل بينهما.
جاء لقاء كافكا بميلينا للمرة الأول في بداية الخريف في شهر أيلول من عام 1919 في أحد مقاهي براغ، حيث اقترحت ميلينا على كافكا أن تترجم أعماله من الألمانية إلى التشيكية .
كانت قصة حبهما غريبة وغير متوقعة، بدأت عن بعد، التقى خلالها العاشقان مرتين، اللقاء الأول مقتضب وشبه صامت، واللقاء الآخر بعد أن ترجمت ميلينا إحدى رواياته.
في رسائله إليها كان يبوح بمكنونات قلبه ويشعر بالسلام الداخلي الذي نادرًا ما نجده عند أي شخص، وكانت تلك الرسائل تختلف تمامًا عما يكتبه في أدبه المشحون بالأجواء التشاؤمية.
وهناك من يعتقد أن مرضهما ساهم في تعميق جذور علاقتهما، فهو كان مصابًا بـ " السل" وهي أصيبت بـ " ذات الرئة" ولم تجد من يقف إلى جانبها غير كافكا ورسائله؛
وقد كتبتُ ذات يوم مقولة عن هذا الأمر:
ويحدث أن يكون الوجع على هيئة حب!
لم تقتصر رسائله على الحب والعاطفة والهيام فقط، بل كان يذّكرها بأهمية وجودها في حياته وقوّة تأثيرها وطاقتها الإيجابية على روحه، وكان يكتب لها عن خوفه من الصراعات بين اليهود والمسيحيين آنذاك- وربما مازالت هذي الصراعات لكن بشكل خفي- كذلك كان يكتب لها عن أحلامه وسعيه لتجاوز إحباطاته المتكررة وقلقه المميت بسبب علاقتهما، حيث كان يعرف أنها علاقة لا تنجب اللقاء الدائم كونه كان مريضًا جدًا وهي كانت سيدة متزوجة.
استمرت هذه المراسلات بينهما ما يقارب ثلاثة أعوام،
رحل في الثالث من يونيو 1924 في براغ عن عمر ناهز 41 عامًا.
- الرسالة الأخيرة من كافكا إلى ميلينا:
كانت الرسالة الأخيرة التي كتبها كافكا إلى ميلينا رسالة وداعية قال فيها:
" كان بإمكاننا إصلاح الأمور، أن تكوني أنت الطرف الأفضل وتتنازلي قليلاً، كما كنت أفعل أنا، كان من الممكن أن تستمري بقول صباح الخير، وأنا بدوري أنتظر الصباح إلّا أن تقوليها، وتودعينني ليلاً، وأغلق الكون بعدك.
ما أشعر به ليس حباً يا ميلينا، أو قد يكون حباً، ولكن ليس كما تتخيلينه، إنه أكبر من ذلك، أنا الآن من دون روح من دون إحساس ومن دون أي شيء، لم أشعر يوماً أنني بحاجة أحد كما أشعر الآن.
صدقيني يا ميلينا أنت روعة الأشياء البائسة، وأنت الحياة لكل جذوري اليابسة، أفتقدك كثيراً، أكثر مما تخيلت أن الفقد مؤلم، ما الفائدة من إغلاقك للأبواب إن كانت روحي عالقة على جدران بيتك؟!
أنت الآن تزيدين البعد شوقاً، أفتقدك
وعد، سيكون هذا آخر ما أكتبه إليك
وداعاً يا عظيمتي.”
صديقاتي..أصدقائي؛ الحب الصادق نعمة عظيمة، الحب البعيد عن "الدغش" و"المُخاتلات"، لأنه يترك قلوبنا ومشاعرنا مشرعة للنور.
***
ذكرى لعيبي - ألمانيا