أقلام ثقافية
ناجي ظاهر: شاعر الناصرة واسراره المجهولة
حلت أمس السبت، الرابع والعشرين من حزيران الجاري، الذكرى السنوية العاشرة لرحيل الشاعر الصديق جمال قعوار، ابن بلدتي الناصرة.
ربطتني بهذا الشاعر الهام، أواصر صداقة ومودة منذ بداية طريقي الادبي حتى أيامه الاخيرة في عالمنا، ولي معه ذكريات غزيرة سجّلت بعضها في كتابات متفرّقة كتبتها ونشرتها إبان حياته وبعد رحيله، ويكفي أن أقول تجسيدًا لهذه العلاقة الصادقة الصدوقة ، أنه اختارني عندما كرّمته مؤسسة الاسوار بإدارة الصديق يعقوب حجازي، في عكا، لأكون المتحدّث عنه وعن مسيرته الادبية.. التي آثر ان يطلق عليها عنوان مسيرة العشق والصمود.
كُتب عن جمال قعوار (1930- 2013)، وقيل الكثير.. وبإمكان مَن يود الاطلاع على حياته ونتاجه الادبي الشعري بالطبع، أن يطلع على ما يريد منها وربّما أكثر، بنقرة أو عدد من النقرات على شبكة البحث العنكبوتية الالكترونية العالمية "غوغل"، لذا لن أسترجع هنا حياته ونتاجه، وسوف أكتفي بالتوقف عند عدد من النقاط غير المعروفة عنه للكثيرين.
النقطة الاولى: قد يعرف البعض خاصة من أبناء الاجيال الجديدة أن جمال قعوار.. كتب في بدايات حياته الادبية. العديد من القصص والاناشيد الموجهة للأطفال، وقد تعاون في كتابة بعضها مع آخرين أبرزهم الكاتب الصديق محمود عباسي أطال الله في عمره، والشاعر الصديق جورج نجيب خليل رحمه الله وطيب ذكراه، وبإمكان مَن يقوم بمراجعة جادة لما كتبه وأنتجه جمال للأطفال، قصة وانشودة، أن يرى إلى ذلك الغنى والعمق في إنتاجه هذا، وقد سبق وكتبت عن كتاباته الرائدة لأدب الاطفال في بلادنا ودعوت لإعادة نشر ما كتبه.. لاطلاع ابناء الاجيال الجديدة عليه والنهل من منابعه الثرّة الغنية، ولعلّ هذه فرصة مناسبة للعودة إلى هذه الدعوة والالحاح عليها، لعلّها تجد الصدى المنشود.
النقطة الثانية: ان جمال قعوار كان شاعرًا مطبوعًا حاضرَ البديهة وسريعها، وانه كان يُدهش المحيطين به في قدرته على ارتجال القول الشعري. ومما أذكره عنه، كما عرفت خلال عملي متطوّعًا معه في تحرير مجلة المواكب الادبية، أن العشرات من أهالي بلدتنا المشتركة الناصرة، كانوا يتوجّهون إليه لكتابة بيت أو بيتين من الشعر لينقشوها على شواهد وأنصاب أعزائهم الراحلين، فكان يستجيب لهم وينظم ما يطلبونه منه على الفور، وقد أخبرني، ذات جلسة، أن أشعاره هذه كتبت ونقشت على المئات من الاضرحة.
النقطة الثالثة: ان جمال أتقن اللغة العربية نحوًا وصرفًا، بلاغة ومعرفة، إتقانا قلّ نظيرُه، ومع هذا، وهو ما أود قوله في هذه النقطة، كان انسانًا متواضعًا لا يدّعي معرفة ما لا يعرفه، وكان يضع القاموس المنجد على الطاولة قبالته.. لفحص ومعرفة معاني ما يستمع إليه، ولا يعرفه من كلمات.
رحم الله جمال قعوار، فقد كان واحدًا من أعلام الادب والثقافة في بلدتنا المشتركة الناصرة.. فحق له أن يحظى في حياته وبعد رحيله. بلقب شاعر الناصرة.
***
بقلم: ناجي ظاهر