أقلام ثقافية
شقيق همنجواي.. مثلًا
ذكرت مصادر قرأتها في سنوات بعيدة ماضية، أنه كان للكاتب الامريكي ذائع الصيت إرنسيت همنجواي، شقيق يحاول الكتابة دون أن يُحرز فيها أي قصب، وأن هذا الشقيق كثيرًا ما كان يقارن ما يكتبه وينتجه من إبداعات هزيلة الشأن، بما كتبه وأصدره شقيقه الكاتب المبدع الذي أُطلق عليه لقب كاتب القرن. المقصود العشرين. ما كان يفعله شقيق همنجواي كان ينشر الابتسامات الساخرة على الوجوه، فـ" شو جاب لجاب"؟ وأين همنجواي الكاتب الذي أصبح ظاهرة تحتذى في الادب الامريكي، وبين كاتب لم يتمكّن من إثبات نفسه في أي عمل يُشار إليه ويمكن إدخاله إلى كتاب النثر الادبي عن جدارة واستحقاق، سوى أن الرابط بين الاثنين لا يعدو رابط الاخوة البيولوجية؟
أكتب هذه الكلمات عن شقيق همنجواي وأنا أفكر في أولئك المدّعين، كبارًا وصغارًا في عالم الادب والابداع، أولئك الذين يتزايدون تزايد الفطر في أيام الشتاء الراعدة، مزهوين بشاشات حواسيبهم وفيسبوكاتهم، ففي عُرف هؤلاء، على ما يبدو، كل مَن يكتب كاتب و" دع الزمن يحكم"، هؤلاء ينسون أن للزمن حكمين واحد مُعجّل وآخر مؤجّل، وأن هناك علاقة تربط بين الاثنين، فمن لم يعرف اليوم بإبداعه ولو ضمن دائرة ضيّقة جدًا ومحدودة، لن يعرف في الغد. كما يقول المنطق السليم.
المبدع الحقيقي هو مَن يوجد اسطورته الخاصة به، وهو مَن يبني عالمه الجميل، إنه لا ينتظر أحدًا لا شقيقًا ولا ابن عم ولا صديقًا مبدعًا، ليكون بفضله وإنما هو يكون بفضل عطائه وعدم استكانته. وعودة إلى همنجواي، هذا الكاتب تمكّن من تحويل حياته إلى أسطورة، فخاض المغامرات في أدغال إفريقيا الخضراء، وعارك أسماك القرش في عرض المحيط، طارد الاسود الهاربة وشارك في الحروب مُدافعًا عمّا آمن به من حرية وقيم عليا. إقرؤوا رواياته: "الشمس ستشرق أيضًا"، "وداعًا للسلاح" و"الشيخ والبحر". إقرؤوا كتاب مذكراته "عيد متنقل"، بل اقرؤوا ما كُتب عنه، خاصة كتاب " بابا همنجواي"، للصحفي الامريكي المبدع أ.أ. هوتشنر، الذي رافقه مدة سنوات وسنوات، لتروا إلى أي حياة عاش، والاهم أي إبداع أنتج و أبدع.
هذا هو الكاتب الحقيقي، إنه لا يستسلم ولا يستكين لهدوء البال وإنما يبحث عن المغامرة، ولو داخليًا، كما فعل الكاتبان العربيان المصريان الهامّان نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وهناك في أدبنا العربي أديب مبدع من سوريا امتلك تجربة خاصة هو حنا مينة صاحب الروايات الشهير: "الياطر"، "نهاية رجل شجاع" و"بقايا صور"، بصرف النظر عن أن البعض أطلق عليه لقب همنجواي العرب، هذا الكاتب صنع أسطورته الخاصة بيديه، كان ذلك يوم غادر بلاده في أواسط الخمسينيات، ليعيش متشرّدًا كما قال، عشرة أعوام في هنغاريا والصين، وقد عاد إلى بلاده سوريا بعد نكسة عام 67، ليكون معها إلى جانبها في جُرحها العميق.
الكاتب الفنان المبدع الحقيقي، باختصار، هو مَن يصنع أسطورته الخاصة به، ولا ينتظر أحدًا آخر ليصنعها له، لنتذكر دائمًا شقيق همنجواي... فهو مثال لكلّ العابثين.
***
ناجي ظاهر