أقلام ثقافية
الغلاء المعيشي وعيد الحب المغربي
لم يكن الحب (المغربي) وليد وعي إنساني فجائي واحتفاء بالحبيب والمحبوبة، بل كان هبة ربانية بامتياز الفطرة وخصب الأرض. لم يكن الحب صيغة مكتسبة من تجارب الحياة اليومية، بل كان ولا يزال الحب علاقة وجودية تتقاسمه البشرية عبر ربوع الكون بالجمع والتفرد. تختلف تسميات الحب من لغة لأخرى، ولكن فعل الحب واحد، ودلالاته المعيارية والإنسانية يتوحد فيها الجميع. عيد الحب كنسخة (مغربية) تحمل التناقض المتجانس، تحمل أزمات الألم وفرح المسرات.هو بالطبع "الفالنتاين" العالمي في (14 فبراير) من كل عام، مع اختلاف جلي بين (حب نحن وحب الآخر)، فالحب لا ديانة له، ولا علامات دالة عليه، ولا موطن يحتكره في العالم، فهو حتما يتوزع بيننا بالاختلاف والتوافق، يتوزع بيننا بنوعية التفرد، وكيفية التراكم والاستنساخ، يتوزع بيننا بنسب القلوب المطمئنة الآمنة، والقلوب الضيقة حد حب الأنانية وعشق الذات.
عيد الحب (المغربي) بأية حال عدت يا عيد (14 فبراير)؟ قد لا نقول حتما بما مضى، بل نُقرُّ لِزاما وكُرها أنه فيه تجديد. نعم، لا نرغب جميعا أن تكون رؤيتنا للحياة والحب تحمل عوالق سلبيات تفكير علبة الصندوق، بل بالصدق نلعب على التحرر من تفكير الصندوق الضيق، وقد نبعثر أفكارنا رزما عن الحب ومتاريسه، ثم بِطَبْعِ السليقة الإنسانية والوجودية نلملم جراحاتنا كليا، ونعيش لحظة الوجوه الناظرة المنتظرة لعشق الحب والحياة.
لما نُوثر تسمية عيد الحب بمحمول (المغربي)؟ ونحن نستشعر الفوارق البيِّنَةِ (بِالتَّطْيِيحِ) ضمن مستنقع الغلاء وأثر الوباء. نعيش في خصاصة مُتدنية من سلم هَمِّ الحياة المرتبك بالمعيقات. نعم، هي المفارقات غير المتجانسة بين الإحساس بالحب، والاعتراف بالحبيب (ة)، وتخصيص زمن ومكان آمن للحب، وبين الارتباك النفسي والضغط الحياتي الصانع للألم والحزن، وافتقاد حلم الأمل في المستقبل الحارق بالغلاء المعيشي. بين زمن عيد الحب (المغربي)، وزمن الأزمة الحياتية، قد لا ينفك الحب يتحرر ويُعْلنُ بصريح العبارة: إني أحبك..أحبك.. لكن أخاف التورط فيك.. أخاف التوحل في همِّ الحياة.. فقد علمتني التجارب أن أرسم شبكة أزمة الغلاء..بنهاية قواعد العشق الممنوع.
في ظل أزمة الغلاء الفاحش، في ظل مغرب الفوارق الاجتماعية، يمكن أن نجزم القول: بأن المغاربة يعيشون قواعد العشق الممنوع الممانعة. يعيشون لحظات من تلاشي الحب من بين قلوبهم، فهم باتوا لا يقدرون على مجازفة عيش الحب بكل تجلياته الوجودية. أزمة خانقة أَكْبَسَتْ حُقْنَة مُلَوَّثَة على مشاعر المغاربة الداخلية، فبات الهمُّ الأساسي ما تحمله (القفة) من مواد استهلاكية؟ ومن الخوف الأكيد أن يدخل المغاربة أنقاض القلب الكسير، الذي يخبئ كنوز الحب ويظهر ألم هم الحياة المتنامي.
من الصعب أن تدوم الحياة بلا مقتطفات من الحب السليم، ولو في الشوط الإضافي من أزمات اليوم الزمني. من الصعب أن يشعر المغربي(ة) بالوحدة المدمرة، في حين أن الحياة حُبلى ببوابات الحب المتوازن، حبلى بالمرايا التي توازي صورتك الثانية في عيد الحب (المغربي). حقيقة لا مفرَّ منها أن نرى بداية الوردة شوكة في ظل أزمة غلاء واستحالة حياة الكرامة، لكن من الحس الجمالي أن نرى الوردة في الأعلى وردة فيحاء عطرة في عيد الحب (المغربي)، ونمني النفس بحلم التغيير، وضمان معادلة الإصلاح في ظل السلم الاجتماعي.
حقيقة أن المغربي يعيش الإنهاك التام في الحب، وبدرجات متفاوتة من أزمة تدبير حياة الكرامة في حدها الأدنى، لكن بكل صدق فالمغاربة يحملون قيمة الحب في الحياة والتواصل والاحتفالية والفرح، وهذه الطريقة هي التي تجعل من عيد الحب (المغربي) طريقة تمارس التفرد، ويمضي الجميع من خلالها إلى الأمام. من تم، يحضر التفاؤل عند المغاربة كقيمة تعبئة مضاعفة من المهارات الحياتية المكتسبة بالتكيف والإدماج مع الوضعيات المشكلة الحياتية.
لنكن أقل أنانية في عيد الحب (المغربي)، ولا نصفه ببدعة (القديس). لنكن من المؤمنين أن الماضي يمضي بكل آهاته نحو حلم المستقبل الجميل. لنكن نحمل القوة المنبعثة من الداخل بالحب المتحرك، ونواصل سنن الحياة بخطوات إلى الأمام، ومواجهة الاضطرابات الحياتية برزانة العاقل. فبين الأزمة الحياتية وغلاء الأسعار، وعيد الحب (المغربي) مفارقات التناقض والتوافق، فالمغربي يماثل طائر (الفنيق) فمن رماده يصنع الحياة، ويتكلم الحب ويمارسه، ويتجدد ثانية. فالحب (مِنشفة) نظيفة لكل متاريس الحنقِ الحياتي، وكيس أمان لكل التوترات المربكة بالفوضى سواء في الحاضر أو في المستقبل المتخفي بالتخوفات المتحورة.
***
محسن الأكرمين