أقلام ثقافية
المقتدر بالله الخليفة الصبي!!
أبو الفضل جعفر بن المعتضد (282 - 319) هجرية، تولى الخلافة في عمر (13) سنة، (295 - 319) هجرية، لمدة (24) سنة، ومات في عمر (37) سنة.
خلع مرتين في (296) وفي (317) هجرية .
إستصباه الوزير العباس بن الحسن فعمل على خلعه، ومبايعة عبدالله بن المعتز، لكن المقتدر بالله أغرى الوزير بالمال فعدل عن أمره، وحصلت مأساة (إبن المعتز)، (247 - 296) هجرية، الذي أصبح خليفة لأقل من يوم.
حيث تمكن المقتدر بالله الصبي أن يقلب الطاولة عليه وينهيه، ويقضي على من بايعوه من الفقهاء والوزراء. والبعض يرى أن والدته شغب وخالته خاطف ودستنبويى كانت تدير الأمور.
قال الطفطفي:" واعلم أن دولة المقتدر كانت دولة ذات تخليط كثير لصغر سنه، وإستيلاء نسائه عليه، فكانت دولة دور أمورها على تدبير النساء، فخربت الدنيا في أيامه، وخلت بيوت الأموال، واختلفت الكلمة، فخلع، ثم أعيد، ثم قتل"
وقال الذهبي: " إختل النظام في زمن المقتدر لصغره"
"إستوزر أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات، وفوض إليه الأمور لصغره، واشتغل باللهو واللعب، وأتلف الخزائن".
وفي سير أعلام النبلاء: "كان ربعة، مليح الوجه، أبيض بحمرة، نزل الشيب بعارضيه"
وهو في عمر (20) ختن (5) من أولاده.
وخلف (12) ولدا.
في سنة (301) أدخل الحلاج مشهورا على جمل إلى بغداد، ثم حبس إلى أن قتل سنة (309) بإفتاء القاضي أبي عمر والفقهاء والعلماء بأنه حلال الدم.
"وفي سنة (306) صار الأمر والنهي لحرم الخليفة ولنسائه لركاكته، وآل الأمر إلى أن أمرت أم المقتدر بمثل القهرمان (مدبرة البيت ومتولية شؤونه) أن تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس كل جمعة، وكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها".
وفي سنة (317) حصل إنقلاب عليه وتم خلعه وبتدبير أمه أعيد للخلافة.
"كان المقتدر جيد العقل صحيح الرأي، لكنه كان مؤثرا للشهوات والشراب مبذرا، وكان النساء غلبن عليه، فأخرج عليهن جميع جواهر الخلافة ونفائسها، وأعطى بعض حظاياه الدرة اليتيمة ووزنها ثلاثة مثاقيل..."
"إنتهى المقتدر بأن قتل بحربة وقطع رأسه بسيف وشيل على رمح، وسلب ما عليه، وترك عاريا، حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له بالموضع فدفن"
صبي مراهق يتولى خلافة دولة فماذا يُرتجى منه؟!!
وكيف تقبل رجالات الدولة بذلك؟!!
هنا تكمن المعضلة، أن الدولة تحتاج إلى رمز وكفى، ومن يديرها يديرها على هواه، من الوزراء والقواد، لعدم وجود القوة الواعية الخبيرة الفاعلة التي تقرر الأمور.
فهذا الصبي عهد بالأمر لأمه ولوزيره وإنغمس باللهو واللعب والملذات، التي وجد نفسه في غمرتها، فلا هم عنده سوى النساء وشرب الخمر، وإرضاء شهواته المتأججة.
ولهذا تسيبت الأمور وتزايدت الإضطرابات، وتوزعت الدولة بين المنشقين والمناوئين والحركات والثورات التي إستقلت بممالكها، وأسست كياناتها.
"لما إشتدت علة أخيه المكتفي سأل عنه، فصح عنده إنه إحتلم، فعهد إليه"
هكذا يولى الخلفاء ولا معنى للكفاءة والخبرة والحكمة، المهم أنهم من نسل خليفة وحسب، فهي المؤهَّل الأضمن مادام الحكم وراثيا.
وبهذا الأسلوب القاصر أصيبت الدول بالمآسي والنواكب والويلات المتعاظمات، وقاست الدولة الأموية والعباسية الشدائد والمنازعات والإنشقاقات، وتخربت ديار المسلمين وقتل عشرات الآلاف منهم، بسبب سوء أنظمة الحكم وقصورها وعدم قدرتها على بناء النظام العادل المراعي لمصالح الناس أجمعين، فكان مذهب الحكم القوة وفرض شريعة الغاب التي أحضرت الصعاب.
ويبدو من سلوكياته وما آلت إليه خلافته بأنه كان جاهلا ومغفلا وربما مصابا بإضطرابات في الشخصية، لشدة قسوته وإجرامه بحق أقرب الناس إليه، وفي ذات الوقت يسرف في الإغداق على جواريه ومحظياته، ويذعن للنساءِ والرجال والغلمان والجواري من حوله.
فهذه صورة من نواكب الحكم الوراثي الذي أزرى بهيبة الأمة، وقضى على مسيرتها الحضارية المتوهجة، ودليل على أن القيادة تقرر مصيرها.
فكيف يصح في الأفهام أن يكون الصبي خليفة؟!!
***
د. صادق السامرائي