ترجمات أدبية

أرافيند أديغا: اليوم الثاني (العصر)

مدرسة القديس ألفونسو الثانوية وجامعة المبتدئين للذكور بقلم: أرافيند أديغا

ترجمة: صالح الرزوق

***

وراء الحديقة بمسافة قصيرة يقف برج قوطي رمادي هائل الحجم، وقد رسم عليه المعطف العسكري وشعار 'يشع ويحرق'. هذه هي مدرسة القديس ألفونسو الثانوية وجامعة المبتدئين للذكور. وقد تأسست عام 1858، وهي واحدة من أعرق المؤسسات التعليمية في ولاية كارناتاكا. والمدرسة التي يديرها الجزويت في كيتور معروفة ومشهورة، والعديد من أعضاء إدارتها درسوا في معهد التكنولوجيا الهندي وكلية الهندسة في ولاية كارناتاكا، وغيرها من الجامعات العريقة في الهند وخارجها. مرت عدة ثوان، وربما دقيقة كاملة، بعد انفجار وقع هناك، لكن لم يحرك لازرادو، أستاذ الكيمياء، ساكنا. جلس وراء طاولته، وذراعاه متباعدتان، وفمه مفتوح. وكان الدخان يهب من المقعد في مؤخرة الغرفة، وغبار أصفر يشبه حبات الطلع يملأ الغرفة، ورائحة الألعاب النارية الخانقة معلقة في الجو. غادر الطلبة غرفة الصف. ولكنهم راقبوا ذلك من وراء منفذ الأمان.

وجاء معلم الحساب جوماتي داس من الباب المجاور، وبرفقته معظم طلاب صفه. ثم جاء الأستاذ نورونها، وهو أستاذ التاريخ الإنكليزي والقديم، ومعه سربه أصحاب العيون الفضولية. وشق المدير الأب ألميدا، طريقه عبر الزحام ودخل غرفة الصف النتنة، وراحته تسد أنفه وفمه. ثم خفض يده وصاح: "ما معنى هذا الضجيج والفوضى؟".

بقي لازارادو وحده في الغرفة، وقف عند طاولته مثل بطل صغير لا يريد مغادرة المرفأ الذي يحترق. وأجاب بنغمة ثابتة: "قنبلة في الصف يا أبتي. في آخر مقعد من الصف. انفجرت أثناء المحاضرة. بعد دقيقة من بداية الشرح".

طرف الأب ألميدا بعينيه أمام الدخان الكثيف ثم التفت إلى الطلاب وقال: " للأسف انحدر شباب هذا البلد إلى الجحيم وأساؤوا لسمعة آبائهم وأجدادهم". وغطى وجهه بذراعه، ثم تقدم بحذر نحو المقعد، والذي انقلب على قفاه بسبب الانفجار، وصاح: "لا يزال الدخان يتسرب من القنبلة. أغلق الباب واطلب الشرطة".

ثم لمس كتف لازارادو وقال: "هل سمعتني؟ يجب أن نغلق الأبواب و...".

أصبح وجه لازارادو أحمر من الخجل، وارتعش من الحرارة، والتفت فجأة وصاح بالمدير والمعلمين والطلاب: "يا لكم من ملاعين. ملاعين".

بغضون دقائق فرغت كل كلية المبتدئين. اجتمع الصبيان في الحديقة، أو في ممر العلوم وجناح التاريخ الطبيعي، حيث يتدلى من السقف هيكل قرش عظمي لفظه البحر على الشاطئ وكان مثل أعجوبة علمية. احتفظ خمسة صبيان بمسافة عن بقية التلاميذ، ووقفوا تحت ظل شجرة بانيان ضخمة. وكان يمكن تمييزهم من سراويل ارتدوها، لهما ثنيات، بينما شارة الماركة التجارية مثبتة على الجيوب الخلفية أو على الجوانب، وكذلك كان لهم شكل قضيبي. وهم شابير علي، والذي يمتلك والده متجر إيجار الفيديو الوحيد في البلدة، وتوأم باخت وهما عفران ورضوان، أبناء تاجر السوق السوداء، وشانكارا بي كيني وكان والده جراح عمليات تجميل في الخليج، وبينتو ابن عائلة مزرعة البن.

واحد منهم زرع القنبلة. كل واحد من هذه الجماعة تعرض للتجميد من الدراسة بسبب سوء سلوكه، وأعاد سنته السابقة بسبب علاماته السيئة، بالإضافة إلى تهديده بالطرد بسبب التدني والانحطاط. ولو زرع أحدهم قنبلة سيكون واحدا من هذه الجماعة. وكانوا يتوقعون ذلك بأنفسهم. فقد سأل شابير علي زميله بنتو:"هل فعلتها؟". نفى بحركة من رأسه. نظر علي إلى الآخرين، وكرر السؤال بصمت. حتى قال في خاتمة المطاف: "وأنا لم أفعلها أيضا".

قال بنتو: "ربما هذا صنيع الرب". ضحك الجميع. وكانوا يعلمون أن كل من في المدرسة يشتبه بهم. قال التوأم باخت إنهما سيذهبان إلى باندر لتناول وجبة برياني بلحم الحملان، ولمراقبة الأمواج، أما شابير علي فقد أراد أن يذهب إلى متجر الفيديو الذي يملكه والده، أو يشاهد فيلما من أفلام التعري في البيت، واحتار بنتو هل يرافقه أم لا. وبقي واحد منهم في المدرسة لأنه لم يكن بمقدوره أن يغادر. فهو معجب بما حصل، الدخان والاضطراب. واحتفظ بقبضته مضمومة تحسبا. اختلط بالزحام، وأصغى للدمدمة وكأنها ملعقة من العسل. عاد بعض الأولاد إلى المبنى، ووقفوا على الشرفة في الطابق الثالث من الكلية وهم ينادون من كان تحت في الساحة، وأضاف ذلك للضجة السائدة، وأصبحت الكلية كأنها خلية نحل اعتديت عليها بالضرب بقضيب طويل. كان يعلم أن هذا هو جوه - كان الطلاب يتكلمون عنه، والأساتذة يلعنونه. وأصبح إله هذا الصباح.

لعدة سنوات كان المعهد يعاقبه - بقسوة: ضربه الأساتذة بالعصي، وعلقه المدراء عن الدوام وهددوا بطرده (وكان متأكدا بالسر، أنهم يسخرون منه لأنه هويكا، من نسل منخفض). والآن يمكنه أن ينتقم من المعهد. احتفظ بقبضته مضمومة. سمع بعض الأولاد يقولون: "هل تعتقدون أنه إرهابي... مثل الكشميريين، أو البنجابيين؟".

أراد أن يصيح قائلا: كلا أيها المجانين. هذا أنا. شانكارا. النسل الوضيع. وراقب الأستاذ لازاردو، كان شعره مضطربا، يحيط به طلابه المفضلون، "الأولاد الطيبون". وكان يبحث بينهم عن الدعم والتأييد.

وشعر، ويا للغرابة، بدافع ملح أن يقترب من لازاردو ويلمس كتفه، كأنه يقول: "يا رجل أنا أشعر بالفجيعة. وأفهم مدى الإهانة التي أصابتك. وأتعاطف مع غضبك". وهكذا أنهى المشكلة الطويلة بينه وبين أستاذ الكيمياء. وشعر بالرغبة أن يكون واحدا من الطلبة الذين يثق بهم لازاردو في مثل هذه اللحظات، أحد "أولاده الطيبين". ولكن لم تتمكن منه هذه الرغبة. أهم شيء كان التخفيف من غلوائه. وراقب معاناة لازاردو وابتسم. استدار نحو يساره. سمع من يقول: "جاء الشرطة".

أسرع إلى الباحة الخلفية في الكلية، وفتح البوابة، وهبط على السلالم الحجرية الطويلة، نحو مدرسة الصبيان. بعد فتح الممر عبر الملعب، نادرا ما كان أي شخص يسلك هذا الطريق. كان اسم الطريق المحكمة القديمة. ولكن تغير موضع المحكمة، ورحل المحامون، وأغلق الشارع لعدة سنوات- بعد انتحار تاجر زائر في هذا المكان. وكان شانكارا يمر بهذا الطريق منذ صباه، وهو المفضل لديه في المدينة. ومع أنه بمقدوره مناداة سائقه إلى الكلية، كانت لدى الرجل تعليمات لانتظاره عند أسفل السلالم.

كانت أشجار البنيان مصطفة على طول الطريق. وكان شانكارا، حتى لو تمشى في الظل، يعرق كثيرا. (وهو دائما هكذا، سريع التعرق، وكأن حرارة تتفشى وتتراكم في داخله). معظم الأولاد تضع أمهاتهم في جيبهم المناديل، ولكن لم يسبق لشانكارا أن حمل منديلا، وليجفف نفسه كان يتبع طريقة بربرية: يمزق قطعة كبيرة من ورقة شجرة مجاورة، ويكشط بها ذراعيه وساقيه مرارا وتكرارا. حتى يحمر جلده ويصبح مكشوفا. والآن يشعر أنه جاف. غادر الطريق وهو عند منتصف السفح، ومر من بين أشجار طويلة، وتقدم إلى فسحة كانت مختفية تماما باستثناء من يعرفها. وفي داخل هذه الباحة تمثال للمسيح، مصنوع من البرونز الأسود. كان شانكارا يعرف هذا التمثال منذ سنوات حين اكتشفه وهو صبي وكان يلعب لعبة الاستغماية. كان هناك شيء خاطئ بالتمثال. بجلده الأسود، والتعبير المقلوب على شفتيه، وعينيه البراقتين، يبدو أشبه بأيقونة للشيطان وليس كمخلص. وحتى الكلمات المنقوشة على قاعدته - 'أنا المبعوث وأنا الحياة' - تبدو كأنها استفزاز للرب. لاحظ أنه لا يزال هناك بعض السماد حول قدمي التمثال - بقايا المسحوق الذي استعمله نفسه لتفجير القنبلة. جرف بسرعة المسحوق بأوراق نبات جاف. ثم استند على قاعدة تمثال المسيح: وقال: "سخيفون". وقهقه ضاحكا. وحالما فعل ذلك، شعر كأنه يختصر انتصاره في تلك الضحكة الوحيدة.

جلس عند قدمي المسيح الأسود، وغادره التوتر والحماس ببطء. كان دائما يرتاح قرب صور المسيح. ومرت أوقات فكر خلالها باعتناق المسيحية. بين المسيحيين لا يوجد فرق يعتمد على العرق. وكل إنسان يحاكم بما صنعته يداه في حياته. ولكن بعد طريقة القسس الجزويتيين في معاملته - ضربه في صباح يوم الإثنين خلال التجمع في الباحة وأمام كل المدرسة - أقسم أنه لن يكون مسيحيا أبدا. ولا يوجد مؤسسة أفضل من مدرسة كاثوليكية للذكور لتنفير الهندوس من التحول إلى الدين المسيحي. لوح بيده مودعا المسيح، وتأكد أنه لا يوجد سماد حول قاعدة التمثال. تابع الهبوط على سفوح الهضبة. وكان سائقه، وهو رجل صغير الحجم ببذة ذات لون خاكي وممزقة، بانتظاره، في منتصف الطريق.

صاح: "ماذا تفعل هنا؟ طلبت منك أن تنتظرني في أسفل الهضبة. وأن لا تصعد للسفوح".

انحنى السائق وراحتاه مطويتان. وقال: "سيدي لا تغضب مني... سمعت... أن قنبلة.. وطلبت مني أمك أن أتأكد أنك..".

كم تنتشر الأخبار بسرعة. هذا شيء أقوى منه. فهي تحتل حياة هذه البلدة.

قال للسائق وهو يتابع إلى الأسفل: "القنبلة - آه. ليست خطيرة". هل كانت غلطة- تساءل - هل عليه أن يبالغ عوضا عن التهوين منها. لم تكن صدفة مقنعة. فقد أرسلت أمه السائق ليتفقده، كما لو أنه طفل صغير - وهو، الذي فجر القنبلة. وصر بأسنانه. فتح السائق له باب سيارة أمباسادور، ولكن بدل أن يدخل في السيارة، بدأ بالصراخ: "أيها اللعين. يا ابن الصلعاء".

التقط أنفاسه ثم قال: "أيها اللعين. أيها اللعين". وضحك بهستيرية، ودخل في السيارة، بينما السائق يحملق به. في طريقه إلى البيت، فكر كيف يمكن لأي سيد آخر أن يتوقع الولاء من سائقه. ولكن شانكارا لا يتوقع منه شيئا. كان يشك أن سائقه من البراهمانيين. وقفا عند ضوء أحمر. سمع سيدتين في سيارة أمباسادور مجاورة تتكلمان عن انفجار القنبلة - "يقولون أن الشرطة أغلقت كل المدرسة والكلية الآن. ولا أحد يمكنه المغادرة حتى يجدوا الإرهابي".

وتبادر لذهنه، أنه وجد مهربا محظوظا، ولو أنه مكث قليلا، سيسقط في فخ الشرطة. حينما وصل إلى مسكنه، هرع من الباب الخلفي وخبط الدرجات وهو يصعد إلى غرفته. وفكر في لحظة من اللحظات أن يرسل بيانا إلى الهيرالد دون. يقول فيه: "لازاردو رجل أحمق والقنبلة التي انفجرت في صفه تؤكد ذلك لكل العالم". ولم يفهم لماذا تركها ملقاة على منضدته. ولذلك مزقها فورا. ثم فكر بإمكانية تجميع القطع الممزقة حتى تبدو الرسالة سليمة، أو إمكانية ابتلاعها، وفي النهاية قرر ابتلاع بعض العبارات الهامة - رادو، قن، ب، صف". وأشعل النار بالبقية، باستعمال ولاعة كانت في جيبه. وفكر إنه بالإضافة إلى قرفه من ابتلاع ورق سيرقد في معدته، لم تكن الرسالة مناسبة للطباعة، لأن غضبه في النهاية لم يكن يفي بجوهره لازاردو حقه. كان أعمق. ولو طلبت منه الشرطة تصريحا، سيقول ما يلي: "فجرت قنبلة لأضع حدا ل 5000 سنة من نظام عرقي قديم لا يزال يعمل في بلدنا. فجرت قنبلة لأبين أنه لا يجوز الحكم على أي إنسان على أساس صدفة حصلت يوم مولده، وهذا هو حالي".

حسنت هذه العبارات المرموقة من مشاعره. وتأكد أنه سيعامل في السجن على نحو مختلف، كأنه شهيد من الشهداء. وستنظم هيئة هويكا للتطوير الذاتي مسيرات من أجله، ولن تجرؤ الشرطة على لمسه. وربما بعد إطلاق سراحه، ستحييه حشود كبيرة - وسيكون له مستقبل سياسي.

والآن عليه أن يرسل رسالة من مجهول إلى الصحف مهما كلف الأمر. أخذ ورقة نظيفة وبدأ يكتب، رغم أن معدته كانت مضطربة بسبب الورق الذي ابتلعه. وها هو قد انتهى. أعاد قراءتها.

"بيان الهويكا المتهمة. لماذا انفجرت القنبلة اليوم". ثم أعاد النظر بها. كان من المعروف أنه هويكا. الجميع يعرف ذلك. تكهنوا بذلك، وكانت تكهناتهم مثل اتهام لا وجه له يأتي من الأبواب السوداء لغرف الصف كما جرى اليوم. كل الموجودين في المدرسة، وفي كافة أنحاء البلدة، يعلمون أن غنيا مثل شانكارا كيني، هو ابن امرأة من الهويكا. وإذا أرسل تلك الرسالة، سيعلمون أنه الشخص الذي زرع القنبلة. قفز. كان هذا صوت بائع الخضار، الذي جاء بعربته حتى جدار البيت الخلفي: 'بندورة. بندورة. بندورة حمراء يانعة، هيا اشتر بندورة حمراء ناضجة'.

رغب أن يذهب إلى الباندر، وأن يحجز في فندق رخيص، ويدعي اسما غير اسمه. ولن يعثر عليه أحد هناك. تجول في أرجاء غرفته، ثم أغلق الباب بقوة، وارتمى في سريره، وجر الغطاء فوقه. وتحت عتمة الغطاء كان لا يزال يسمع صياح البائع المتجول: 'بندورة، بندورة حمراء ناضجة. أسرع قبل أن تتعفن'.

*

في الصباح، كانت أمه تشاهد فيلما هنديا قديما بالأبيض والأسود استأجرته من متجر فيديو والد شابير. هكذا تمضي كل صباح في هذه الأيام. فهي مدمنة على الميلودراما. قالت وهي تلتفت بمجرد أن سمعت صوت مجيئه: "سمعت يا شانكارا بحدوث بعض الفوضى في المدرسة". تجاهلها وجلس عند الطاولة. لم يستطع أن يتذكر آخر مرة كلم أمه بجملة تامة. قالت أمه وهي تضع الخبز المحمص أمامه على الطاولة: "عمتك أورميلا يا شانكارا قادمة إلينا. من فضلك لا تبتعد عن البيت اليوم".

قضم من الخبز المحمص، ولم يرد على أمه. وجد أنها تحب الهيمنة، وتسبب التحسس ومتنمرة. ولكنه يعلم أنها تتألم لأن ابنها نصف براهماني. وترى نفسها أدنى منه، فدمها بالكامل من الهويكا.

قالت: "شانكارا. من فضلك أخبرني: هل ستكون موجودا؟ وهل ستعاملني بطريقة حسنة اليوم فقط؟".

ألقى قطعة الخبز في الطبق، ووقف على قدميه، وتوجه إلى السلالم.

صاحت: "شا - نكا - را. ارجع".

كان يلعنها ولكنه شعر بمخاوفها. كانت لا تريد مواجهة المرأة البراهمانية بمفردها. فروحها تسعى أن تكون مقبولة ومحترمة. فهي والدة ابن مذكر، وريث - وإن لم يكن في البيت، ليس لديها ما تعرضه. إنها مجرد هويكا تطفلت على بيت براهمانيين. وفكر: أنه خطؤها لأنها تشعر بالبؤس بحضورهم. وقد أخبرها مرارا وتكرارا: يا أمي. تجاهلي أقاربنا البراهمانيين. ولا تذلي نفسك باستمرار أمامهم. وإن كانوا لا يريدوننا بالمقابل يجب أن لا نريدهم. ولكنه لم يمكنها القيام بذلك. لا تزال تود أن تكون مقبولة. وتذكرة قبولها هي شانكارا. ليس لأنه مقبول كلية وتماما بين البراهمانيين. فهم ينظرون إليه كنتاج لمغامرة عشوائية من طرف أبيه، ويربطونه (وهو متأكد) بنطاق شامل من الفساد. فهو مزيج من الجنس بلا زواج وانتهاك للعرق الأسود وماذا تتوقع من ذاك؟. هذا الشيطان الصغير والظريف: شانكارا.

بعض الأقارب البراهمانيبن مثل العمة أورميلا تزورهم منذ سنوات ولكنها لا تحل التربيت على وجناته، أو إرسال قبلات طائرة إليه، أو القيام بتصرفات بعيدة تؤديها العمات لأبناء أخوتهن. وكان يشعر وهو حولها أنها مضطرة لتحمله. اللعنة، لم لا يحب أن يكون محمولا.

طلب من السائق أن يقوده إلى شارع أمبريلا، وحدق من النافذة لا على التعيين بينما السيارة تعبر من متاجر المفروشات ومنصات عصير قصب السكر. غادر السيارة أمام عرض وايت ستاليون (فيم ناطق بعنوان الجياد البيض). وقال: "لا تنتظرني. سأخابرك بعد أن أنتهي من الفيلم".

تسلق السلالم، وشاهد صاحب المتجر بالجوار يلوح له بحرارة. وهو أحد الأقارب من طرف أمه. رجل يومض له بابتسامات عريضة. ثم بدأ يشير له كي يأتي إلى متجره ويجالسه. كان شانكارا دائما يحصل على معاملة خاصة بين أقاربه الهويكا. فهو نصف براهماني، ولذلك يعتبر أعلى كثيرا بمعايير عرقية. أو لأنه غني جدا، وعليه هو أرقى منهم بكثير بمعايير الطبقات. وهو يشتم بصمت تابع الصعود على السلالم. ألا يفهم هؤلاء الهويكا الأغبياء؟. لم يكن يكره اي سيء اكثر من توددهم اليه، بسبب نصفه البراهماني. ولو أنهم يمقتونه، وإذا أجبروه على الزحف إلى متاجرهم للتعبير عن خطيئة نصف براهماني، لما جاء إليهم ليلتقيهم يوميا. وهناك سبب آخر يدعوه للامتناع عن زيارة هذا القريب بالذات. فقد سمع إشاعة أن كيني جراح العمليات التجميلية يحتفظ بخليلة في هذا القطاع من البلدة - بنت هويكا أخرى. وهو يشتبه أن قريبه يعرف هذه المرأة، وأنه يفكر باستمرار: هذا الصاحب شانكارا - شانكارا البائس والساذج - يعرف القليل عن كنوز أبيه. لكن شانكارا يعرف كل شيء عن زلات والده - هذا الأب، الذي لم يشاهده منذ ست سنوات. وحتى أنه لم يكتب له أو يخابره بالهاتف، ولكنه يواصل إرسال رزم السكاكر والشوكولا الأجنبية. ولكن بطريقة ما، كان يشعر أن والده هذا يعرف ما هي الحياة. خليلة من الهويكا قرب السينما وامرأة هويكا جميلة أخرى بصفة زوجة. وهو الآن يعيش حياة مرحة ومترفة في الخليج. يجمل الأنوف والشفاه للنساء العربيات الثريات. بالتأكيد لديه هناك خليلة أخرى. رجال من نوعية والده لا ينتمون لأي نسل أو دين أو عرق. ويعيشون أنانياتهم الشخصية. وهم الرجال الحقيقيون المتبقون في عالمنا هذا.

كان شباك التذاكر مغلقا. "العرض القادم في 8.30 مساء". هبط السلالم بسرعة، وتجنب أي احتكاك بالنظر مع قريبه. تجاوز سلمتين إضافيتين بتعجل، وتوجه إلى "متجر التجار المثاليين للمثلجات" وطلب خليط الحليب مع جوز الهند. شربه بسرعة، وحالما بلغ السكر دماغه مال للخلف، وضحك، وقال لنفسه: "تافه". لقد انتهى. أهان لازارادو لأنه أهانه أولا. وصاح: "خليط حليب وجوز هند آخر. مع مثلجات مضاعفة".

كان شانكارا على الدوام واحدا من التفاحات الفاسدة في المدرسة. منذ بلغ ثماني أو تسع سنوات، كان يتورط بالمشاكل. ولكن أسوأ مشاكله كانت مع عوق لسان معلم الكيمياء هذا. في أحد الصباحات ضبطه لازاردو يدخن سيجارة أمام منصة عصير القصب خارج الكلية. صاح السيد لازاردو: "التدخين قبل العشرينات يمنع تطورك الطبيعي ككائن بشري. لو أن والدك هنا وليس في الخليج سيفعل ما سأفعل بالضبط الآن".

أجبر شانكارا طيلة ما تبقى من يومه على الركوع أمام صف الكيمياء. وركع وعيناه على الأرض، وفكر، مرارا وتكرارا، هو يفعل هذا لأنني هويكا. لو أنني مسيحي أو بانت لن يهينني هكذا.

في تلك الليلة، استلقى في السرير، وجاءته الفكرة: ما دام قد أضرني، سألحق به الضرر بالمثل. وتبادر ذلك لذهنه، بوضوح ساطع، مثل شعاع من ضوء الشمس، مثل خلاصة لكل عمره. وتحولت الفورة البسيطة إلى قلق، وكان يتقلب في سريره من جنب إلى آخر، قائلا: مصطفى، مصطفى. عليه أن يقابل مصطفى الآن. وهو صانع القنابل.

سمع الاسم منذ عدة أساببع مضت، في بيت شابير علي. في تلك الليلة كانوا جميعا - عصابة الأولاد الخمسة الأشرار - وللتو قد شاهدوا فيلم تعر آخر في بيت شابير علي. دخلت المرأة من الخلف. ودس الرجل الضخم الأسود عضوه فبها عدة مرات. لم يكن شانكارا يعرف أن هذا ممكن بهذه الطريقة. ولا بنتو، فقد تابع تنهداته من المتعة. راقب شابير علي دهشة أصدقاءه دون أن يندمج معهم. فقد شاهد هذا الفيديو العديد من المرات ولم يعد يحرك شهوته. كان يتعايش مع الشرور والأخطاء ولذلك لم تكن مثيرة له - لا مشاهد القتل ولا الاغتصاب ولا حتى جماع الحيوانات. الاحتكاك الدائم مع الشر حوله تقريبا إلى طور من أطوار البراءة. بعد الفيديو، استلقى الأولاد على سرير شابير علي، وهددوا بالعبث هناك، ولكن مضيفهم حذرهم من التفكير بذلك. وعرض عليهم شابير علي واقيا ذكريا ليسعدهم، ودسوا أصابعهم في داخله بالدور.

"ما فائدته يا شابير؟".

"من أجل صديقتي"

"اخرس يا منحرف"

"أنت المنحرف".

تكلم البقية عن الجنس. وكان شانكارا يصغي ويتأمل السقف، ويتظاهر أنه منفرد بنفسه. كان يشعر أنه دائما خارج هذه النقاشات لأن البقية يعلمون أنه ولد طاهر لم يفعلها. وهناك بنت في الكلية وتتكلم مع الذكور. وكلمها شابير علي، وادعى أشياء أعمق. وحاول شانكارا أن يتظاهر أنه كلم النساء أيضا. وربما خدع عاهرة في شارع المحكمة القديمة. ولكنه متأكد أن الآخرين يرون ما في داخله. بدأ علي يمرر الأشياء عليهم. تبع الواقي الذكري حديد تمرين العضلات وكان يحتفظ به تحت سريره. ونسخ من مجلة المشاغب، والفتى اللعوب بلاي بوي، ومجلة نادي كرة السلة الوطنية الرسمية.

قال: "احزروا ما هذا". كان شيئا صغيرا وأسود، ومثبت به مؤقت.

قال حينما لم يحزر أحد: "إنه صاعق".

سأله شانكارا وهو يقف على السرير ويقرب الشيء من الضوء: "وماذا يفعل؟"

قال: "إنه يفجر يا أبله. تستعمله بالقنابل". وانطلقت الضحكات.

قال شابير: "صناعة القنابل أسهل شيء على وجه الأرض. خذ كيسا من الأسمدة، وأضف هذا الصاعق، وهذا كل شيء".

سأل أحدهم ولكن ليس شانكارا: "من أين حصلت عليه؟".

قال شابير علي تقريبا بالسر: "مصطفى أعطاه لي".

مصطفى. مصطفى. تمسك شانكارا بالاسم وبإحكام.

سأل أحد التوأمين: "وأين يعيش؟"

"شابير خابرنا للتو. وقال لقد فعلناها أيها الرجال. ولكن لم أفعلها أنا. ولا رضوان أيضا. شابير يكذب". ثم أدرك كل شيء. شابير خان الجميع واتهمهم جميعا - على أمل أن ينتزع اعترافا. تداخلت الطمأنينة مع الغضب. وقع بالفخ تقريبا. والآن يشعر بالغضب لأنه يمكن للشرطة أن تكتشف أنه خابر 100 وبذلك يضعون أيديهم على هاتفه. فكر أنه بحاجة لخطة. خطة. نعم. لقد وجدها. إذا سألوه سيقول إنه اتصل بشابير علي ليخبره بالجريمة. وسيقول: "شابير مسلم. وعليه أن يفعل ذلك ليعاقب الهند بسبب كشمير".

في الصباح التالي، ذهب لازارادو إلى مكتب المدبر، وجلس بجانب الأب ألميدا، والذي كان في مكتبه. وتأمل الاثنان المشبوهين الخمسة.

قال لازارادو: "لدي قرينة علمية. بصمة بقيت على بقايا القنبلة". شعر بعدم تصديق المتهمين.

لذلك أضاف: "بصمات الأصابع بقيت حتى على أرغفة الخبز في مدافن الفراعنة. وهي لا تفنى. وسنجد اللعين الذي فعلها، الجميع متأكد من ذلك". وأشار بأصبعه. وقال: "وأنت يا بنتو. أيها الولد المسيحي. ألا تشعر بالخجل".

قال بنتو: "لم أفعلها أنا يا سيدي".

تساءل شانكارا: هل عليه أن يعلن براءته ليكون بمأمن؟.

نظر اإلهم لازارادو بعين نفاذة، بانتظار أن يكشف المذنب عن نفسه. مرت الدقائق. وأدرك شانكارا: أنه لا يمتلك بصمات أصابع. وليس لديه جهاز كاشف للكذب. وهو يائس. وتمت إهانته. والسخرية منه، وأصبح نكتة في الكلية، وهو يفكر بالانتقام.

صاح لازارادو: "أيها الحمقى". وكررها بصوت مرتجف: "هل تعيرونني؟ هل تعيرونني لأنني لا أستطيع أن ألفظ حرف 'إب'". ولم يضبط الأولاد أنفسهم إلا بصعوبة. وشاهد شانكارا أنه حتى المدير قد أدار وجهه نحو الأرض، ويحاول كتم ضحكته. ولازارادو يعلم ذلك: ويمكن أن تراها على وجهه. وفكر شانكارا: هذا الرجل كان نكتة طيلة حياته، بسبب عوق الكلام. ولهذا السبب هو مجال للسخرية في غرفة الصف. والآن خربت هذه القنبلة كل سيرته المهنية. ولن يتمكن من استعادة ماضي حياته باعتزاز، مثل بقية المعلمين مع أنهم مزيفون. ولن يتمكن في حفل وداعه أن يقول: "مع أنني كنت صارما، كان طلابي يحبونني". ودائما هناك من يهمس من وراء ظهره - نعم، أحبوك كثيرا وفجروا قنبلة في غرفة صفك.

في تلك اللحظة، فكر شانكارا، أتمنى لو تركت هذا الرجل وشأنه. وأتمنى لو أنني لم أذله رغم إهانة الآخرين لي ولأمي.

قال: "أنا فعلتها يا سيدي".

التفت كل الحاضرين في الغرفة نحو شانكارا.

قال: "فعلتها. والآن توقف عن إزعاج الآخرين وعاقبني".

ضرب لازارادو المنضدة بيده وقال: "أيها الزاني بأمه. هل هذه نكتة؟".

" لا يا سيدي".

صاح لازارادو: "طبعا هي نكتة. أنت تسخر مني. وتسخر مني في العلن".

" لا يا سيدي-".

قال لازارادو: "اخرس. اخرس". ورفع أصبعا وحركه في أرجاء الغرفة بعصبية وهو يصيح: "أشرار. ملاعين. اخرجوا".

خرج شانكارا والأربعة الأبرياء برفقته. كان بمقدوره أن يلاحظ أنهم لم يصدقوا اعترافه. وهم اعتقدو أيضا أنه يسخر من المعلم بوجهه.

قال شابير علي: "تجاوزت حدودك هناك. يارجل فعلا أنت لا تحترم أي شيء في هذا العالم".

انتظر شانكارا خارج الكلية وهو يدخن. كان بانتظار لازارادو. وحينما فتح باب غرفة الموظفين وخرج أستاذ الكيمياء، ألقى شانكارا السيجارة على الأرض وداس عليها بحذائه. وراقب أستاذه قليلا. وتمنى لو هناك طريقة ليقترب منه ويقول له أنا آسف.

***

.........................

* أرافيند أديغا Aravind Adiga كاتب أمريكي من أصول هندية.

في نصوص اليوم