ترجمات أدبية
فكتور هيجو: بعد مضيّ ثلاث سنوات
بقلم: فكتور هيجو
ترجمة: عبد الوهاب البراهمي
***
آن لي أن أرتاح؛
لقد أرْداني القدر.
لا تحدّثوني عن شيء آخر
لاشيء غير الظلمات حيث ننام!
*
ماذا يريدون أن أبدأ من جديد؟
لا أريد منذ الآن
من الخليقة الهائلة
سوى شيئا من الهدوء والسلام!
*
لماذا مازلتم تنادونني؟
لقد أدّيت مَهَّمتي وواجبي.
من يعمل قبل الفجر،
يستطيع أن يذهب قبل المساء.
*
حِداد وعزلة في سنّ العشرين!
عيناي، تتجه إلى الأسفل صوب العشب
فتفقد عادتها اللطيفة
النظر إلى أمي في البيت.
*
فارقتنا إلى القبر؛
وأنتم تعلمون جيدا أنّني اليوم
أبحث، في هذا الليل الذي أسدل ستاره
عن ملاك آخر هارب!
*
تعلمون أنّي أيأس
من قوّتي تدافع دون جدوى
وأتألّم مثل أب،
أنا الذي عانيت كثيرا كطفل!
*
تقولون عملي، لم يكتمل.
مثل آدم المطرود،
أنظر إلى قدري،
وأرى بوضوح أني قد أتممت.
*
الطفل المتواضع الذي أسعدني الله به
حبه لي يستطيع أن يساعدني؛
كانت سعادة حياتي
النظر إلى عينيه ترقبني.
*
إذا لم يشأ هذا الإله أن يُنهي
العمل الذي جعلني أبدأه،
إذا أراد أن أعمل أكثر،
فليس له سوى أن يتركني!
*
ليس له سوى أن يتركني أعيش
بجانب ابنتي
في هذه النشوة حيث أسكر
بأنوار غامضة!
*
هذا النور،نهار من كوكب آخر،
إلهي الغيور، أنت تبيعه لنا!
لماذا سلبتني النور
الذي لي بين الأحياء؟
*
هل تصوّرت، أيها السيد الفاتك،
أنه من فرط تأمّلك،
لا أرى قطّ هذا الكائن اللطيف،
وأن بمقدوره أن يرحل؟
*
ألم تقل بأنّ الإنسان، ظل كاذب،
يا للأسف! يفقد إنسانيته
بالنظر كثيرا إلى هذه الظلمة الرائعة
التي نسمّيها الحقيقة؟
*
وأنّنا نستطيع ضربه دون أن يتألم
وأنّ قلبه مات مللا
وأنه من فرط النظر إلى الهاوية
ليس له في نفسه سوى هوّة سحيقة
*
لِيَذْهَبْ،، ثقيلا، حيثما ترسله،
وأنه منذ الآن، صلب،
لا أفراح له في هذه الحياة،
ولا آلام أيضا؟
*
هل تصوّرت أنّ روح حنونا
تنفتح عليك لتزداد انغلاقا،
وأنّ أولئك الذين يودّون أن يفهموا
ينتهون إلى عدم الحبّ؟
*
إلهي ! هل تصدّق، حقّا
أنّي سأفضّل، تحت السماوات،
الشعاع المخيف لمجدك
على بريق عينيه المريح؟
*
لو كنتُ قد عرفتُ قوانينك الكئيبة،
وأنك لا تمنح أبدا لنفس العقل المفتون
هذين الشيئين،
السعادة والحقيقة،
*
بدلا من رفع حجبك،
والبحث، بقلب حزين ونقيّ،
لأراك في أعماق النجوم،
إلهي الخفيّ، لعالم مظلم،
*
كنت سأحبك أفضل، بعيدا عن وجهك،
أن أتبع، سعيدا، طريقا ضيقا،
ولا أكون سوى إنسانا عابرا
يمسك ولده بيده!
*
الآن، أريد أن يتركوني !
لقد أنهيت ! انتصر القدر.
ماذا الذي يستمروا في إحيائه
في الظلّ الذي يملأ قلبي؟
*
أنت من تكلّمني، تقول لي
أنه يجب، مذكّرا عقلي،
قيادة الحشود الهالكة
نحو وميض الأفق؛
*
وأنه ساعة تستيقظ الشعوب
يطلب كل مفكّر هدفا عميقا
وأنه يجب على كلّ من يحلم
يجب على كلّ من يرحل!
*
يجب على روح، و نار خالصة أن تحيي،
أن تعجّل، بضيائها،
تألّقا أسمى
للبشرية مستقبلا ؛
*
يجب أن نكون، أيتها القلوب الوفية،
دون أن نخشى المحيطات
جزءا من الاحتفالات بأشياء جديدة،
من معارك العقول العظيمة!
*
ترون دموعا على خدّي
وتقتربون منّي مستاءين،
مثلما نوقظ بذراعنا
أنسانا ينام طويلا.
*
لكن تخيّلوا ماذا تفعلون!
يا للأسف! هذا الملاك ذو الجبين الرائع،
حينما تدعونني لاحتفالاتكم،
فقد يكون باردا في قبره.
*
ربما داكنا وشاحبا،
تقول في سريرها الضيق:
"هل نسيني أبي،
ليس هاهنا، أشعر بالبرد الشديد؟"
*
ماذا! حينما بالكاد أقاوم
الأشياء التي أذكرها،
حينما أكون محطّما، متعبا وحزينا،
حينما أسمعها تقول لي: " تعالى!"
*
ماذا؟ أتريدون أن آمل،
أنا، من قُسِمْتُ بضربة صادمة،
في الإشاعة التي تلاحق الشاعر،
في الضجيج الذي يصنع الفارس التائه!
*
تريدون أن آمل أيضا
في انتصارات هادئة ومريحة!
أزفّها لنُوَّم الفجر!
أن أصيحَ: " تعالوا ! تمنّوا!"
*
هل تريدون أن، أنضمّ
إلى المعترك بين الأقوياء،
وعيناي تراقب القبّة اللامعة بالنجوم...
- أوه! العشب السميك حيث يوجد الأموات!
***
فيكتور هيجو
نوفمبر 1846 القصيد الثالث من الكتاب الرابع: التأملات"
................
أضواء على القصيدة:
" ثلاث سنوات مضت"، قصيد كتبه فيكتور هيجو الشاعر الفرنسي الشهير (- 1885-1802.) بتاريخ نوفمبر 1846، هي القصيدة الثالثة من " الكتاب الرابع: Pauca mea غدا، عند الفجر..." لديوان: " تأمّلات".
" غدا عند الفجر.." من نوع أشعار الألم، والمعاناة حيث يحتلّ موت " ليوبولدين Léopoldine ابنة فيكتور هيجو، حيزا كبيرا." ثلاث سنوات مضت " هو جواب هيجو لجمهوره الذي يطالبه بكتابة الشعر بعد توقفه عن ذلك بعد موت ابنته. يشاركنا هيجو أحزانه ويعتبر موت ابنته ظلما من الله. فيطلب من جمهوره ما يكفي من الوقت لتجاوز حالة الحداد وان يتركوه في سلام.
يشير شكل القصيدة وتقسيمها إلى مقاطع، إلى قراءة متقطعة مثل النحيب. والتعبير بصيغة المتكلّم عن نوع من " الاعتراف".