قراءات نقدية

عماد خالد رحمة: دراسة نقدية تحليلية لقصيدة "ضوءٌ لا يشبه الفجر" للشاعرة هيلانة عطالله

يُعد الشعر المعاصر مساحة للتعبير عن تجربة الذات الإنسانية في مواجهة الزمن، الغياب، الألم، والحنين.

تقدم الشاعرة هيلانة عطالله في قصيدتها "ضوءٌ لا يشبه الفجر" نموذجاً للشعر العربي الحديث الذي يمزج بين التجربة الذاتية العاطفية، الرمز النفسي، والبعد الروحي، ليكشف عن عالم داخلي غني بالنبض الشعوري والرمزي.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل النص بطريقة موسعة، باستخدام:

1. المنهج الهيرمينوطيقي التأويلي لفهم المعاني الضمنية للنص.

2. المنهج الأسلوبي والرمزي لدراسة الصور والاستعارات والتكرارات.

3. المنهج السيميائي وفق غريماس لاستخراج أدوار الفاعل، المفعول، المرسل، المتلقي.

4. تحليل البنى النفسية والدينية والجمالية.

5. مقارنة النص على المستويات الانفعالية، التخيلية، العضوية، واللغوية.

الفصل الأول: التحليل الهيرمينوطيقي التأويلي

1. الليل والضوء:

تبدأ القصيدة بـ: "في عمق الليل، يلوح ضوءٌ خفيف"

١- الليل: يمثل الانعزال النفسي والمرحلة التأملية التي يعيشها الفرد.

٢- الضوء: رمز الأمل، الذاكرة، أثر التجربة الإنسانية السابقة.

٣- التباين بين الليل والضوء يعكس التوتر الشعوري بين الغياب والوجود، الظلام والنور.

2. أثر الماضي' تقول الشاعرة هيلانة عطاالله:

"ربما هو أثر يدٍ مرّت على القلب يومًا ثم مضت"

يشير هذا النص إلى الذاكرة المتجسدة في الجسد والنفس.

يمثل الماضي كعنصر فعال في تشكيل الوعي الحالي، رغم مرور الزمن.

3. العودة كتصالح نفسي،تقول :

"العودة ليست طريقاً نُسافر فيه... وإنما أن نهدأ في حضن عزلتنا"

العودة هنا ليست مكاناً، بل حالة نفسية ومعرفية للسلام الداخلي وإعادة بناء الذات.

يظهر تصالح الشاعرة هيلانة عطا الله وجعها دون استسلام للألم.

الفصل الثاني: التحليل الأسلوبي والرمزي:

1. الرموز البارزة:

الرمز الدلالة.

١- الضوء الأمل، الذاكرة، أثر التجربة الإنسانية

٢- الليل الغموض، الانعزال، التأمل

العودة السلام النفسي، تصالح الذات

الهواء التجدد، استعادة الحيوية بعد غياب

2. الأسلوبية:

١- تراكيب قصيرة: تخلق إيقاعًا داخليًا متدرجًا.

٢- التكرار في كلمة "العودة": يبرز محور النص النفسي والمعرفي.

٣- الصور مكثفة: تمزج بين الرمز والواقع بطريقة تشعر القارئ بالسكينة والحنين.

الفصل الثالث: التحليل السيميائي وفق غريماس

1. أدوار الشخصيات داخل النص

الدور النص الوظيفة الدلالية:

١- الفاعل الذات/النفس منسج التجربة الداخلية

٢- المفعول القلب/الروح استقبال أثر الماضي والعاطفة

٣- المرسل الشاعرة/الوعي الراوي نقل التجربة والتأمل للقارئ

المتلقي القارئ/الوعي المشترك المشاركة في التجربة الشعورية

الأداة اللغة، الصور، الضوء، الليل نقل المعنى النفسي والرمزي

٤- الهدف إعادة التوازن النفسي، إدراك الذات الغاية الإنسانية والروحية للنص.

2. تحليل الوظائف السيميائية:

١- الإرسال والاستقبال: النص يرسل مشاعر وتأملات الذات للقارئ، وتستقبل النفس القارئ تجربة التأمل والتصالح.

٢- المفعولية: الصور الرمزية تخلق انعكاساً وجدانياً لدى القارئ.

الفصل الرابع: البنى النفسية والدينية

١- البنى النفسية: النص يكشف عن صراع داخلي هادئ، ويبرز تجربة الألم والحنين والتصالح النفسي.

٢- البنى الدينية والروحية، تقول:

"الأرواح لا تموت من الانتظار" → تأمل في البقاء واستمرارية الروح.

العودة: رمزية صوفية للتأمل والسلام الداخلي.

النص يعكس وعياً نفسياً وروحياً متوازناً بين الفقد والاستمرارية.

الفصل الخامس: المستوى الجمالي والوطني.

جمالية النص تكمن في:

1. الصور المكثفة واللغة المدروسة بعناية.

2. الإيقاع النفسي الداخلي الذي يخلق انسيابًا شعوريًا متدرجًا.

البعد الوطني/الإنساني: النص يعكس تجربة الإنسان العربي في مواجهة الغياب، الألم، انتظار الذات.

الفصل السادس: مقارنة المستويات التحليلية

المستوى التحليل:

١- الانفعالي إثارة الحنين والسكينة، التصالح مع النفس

٢- التخييلي بناء فضاء شعوري متخيّل بين الليل والضوء

٣- العضوي استجابات جسدية للقارئ (تنفس، إحساس بالهدوء)

اللغوي تراكيب مختصرة، تكرار مفتاحي، أسلوب مكثف ومتوازن

الفصل السابع: تفسير المفردات المفتاحية

المفردة التفسير:

١-الضوء أثر التجربة الإنسانية، الأمل، الذاكرة

٢-الليل الانعزال النفسي، الغموض، التأمل

٣-العودة السلام الداخلي، تصالح الذات، إدراك الذات

٤-الهواء التجدد، استعادة الحيوية بعد الغياب

الفصل الثامن: قراءة في الأنساق المعرفية

النص يربط بين الخبرة الفردية والوعي الجمعي.

تحويل الألم والغياب إلى تجربة معرفية وجمالية.

الصور الرمزية (الضوء، الليل، العودة) تعمل كمؤشرات لتفعيل الوعي الذاتي والوجدان الجمعي.

الفصل التاسع: الخاتمة

قصيدة "ضوءٌ لا يشبه الفجر" للشاعرة السورية هيلانة عطا الله تمثل نموذجاً للشعر العربي المعاصر الذي يدمج بين:

1. التأمل النفسي العميق.

2. الرمزية الجمالية والروحية.

3. البنية السيميائية المتكاملة وفق غريماس.

4. اللغة المكثفة والمدروسة بعناية.

القصيدة تفتح آفاقًا معرفية وانفعالية، وتعيد بناء الذات من خلال التأمل والذاكرة والوعي بالوجع والعودة إلى السلام الداخلي، لتكون شهادة على قدرة الشعر على الجمع بين الجمال والمعنى، الذات والعالم، الألم والأمل.

***

بقلم: عماد خالد رحمة - برلين

........................

هيلانة عطا الله

ضوءٌ لا يشبه الفجر

في عمقِ الليل،

يلوحُ ضوءٌ خفيف.

لا يشبهُ الفجر،

ولا مصابيحَ الطرقات.

ضوءٌ بلا إعلان،

يمرُّ من ناحيةٍ

نسينا أنّ للنفس بابًا إليها.

ربما هو أثرُ يدٍ

مرّت على القلبِ يومًا

ثم مضت،

وظلَّ القلبُ

يحتفظُ بحرارتِها .

نتأملُهُ بسكينةٍ كنا قد نسيناها

فنتنفّسُ

كما لو أن الهواءَ كان مهاجراً،

وها هو يعود.

الأرواحُ لا تموتُ من الانتظار.

هي فقط

تنكمش قليلاً

لتتّسع حين يحين وقتها.

والعودة

ليست طريقًا نُسافرُ فيه،

ولا بابًا نطرقه،

ولا يدًا نمسكُها خوفًا من الفقد.

العودة

أن نهدأ

في حضنِ عزلتِنا ونقول:

ها أنا قد عرفتُ الوجعَ

لكنه لم يكسرْني،

لم أرحل .

كلُّ ما في الأمر

أنني

كنتُ أتذكّر الطريق.

 

في المثقف اليوم