قراءات نقدية

جمعة عبد الله: ديستوبيا المدينة في المجموعة القصصية "سارق الغنم" لحسن الموسوي

يمتلك الاتجاه الاجتماعي الواقعي في فن القصة الحديث، امكانية مقتدرة في نقد وتعرية الواقع الاجتماعي، يملك اهمية بالغة في تسليط الضوء الكاشف على الجوانب المظلمة، التي تشوه الحياة الواقعية وتحريفها عن جادة الصواب، ومقومات الاساسية للمدينة الديستوبيا هي: الخداع والكذب والنفاق والدجل والاحتيال، لذا نجد النصوص القصصية برعت في إظهار الصورة الكاملة على هذه الجوانب في اسلوب سردي شيق وممتع، ان يقوم الكاتب في دور الناقد الاجتماعي برؤية فكرية ناضجة وملهمة في التعبير والصياغة الفنية، في اظهار وتناول هذه السلبيات وفضحها الى العلن، في طرحها وتناولها، في سبيل خلق وعي اجتماعي وثقافي، واعاً ومدركاً بمفردات هذه الملثميات وزعانفها، في دلالة المعنى والرمز الدال في مدلولاته، وتكتسب القيمة الفكرية بالطرح الشجاع والكاشف، في أهم القضايا الاجتماعية، الظاهرة على المسرح السياسي والاجتماعي والديني، بأن هناك صراع بالغ الضراوة بين قطبي هما عنوان الحياة الاجتماعية وهم: الحقيقة والخداع. والصدق والكذب. النزاهة والسرقة، والغوص في أغوارها، ربما النصوص السردية هي انعكاس لرواية (مزرعة الحيوان) التي تدين إرهاب الدولة وقمعها السياسي والاجتماعي، في اسلوب انتقادي ساخر على لسان الحيوانات، في جوانب تخنق التعبير الحر، وتجعله بضاعة استهلاكية، هنا ينبري بوضوح العمق الفكري، في مواجهة هذه المثالب، التي تضعف قيمة الانسان، كأنه بضاعة مستهلكة يمكن اللعب بها بسهولة في العقلية والثقافة، ومن هذا المنطلق نستشرف بعض النصوص، رغم ان كل نص يحمل عنوان ودلالة بالغة وعميقة

1 - النص: اختبار في مزرعة الحيوان، الجزء الثاني:

على الانسان العاقل ان لا ينخدع بالشعارات المزيفة مهما كان بريقها لانها خاوية المحتوى والمضمون، وانها متاجرة في العقول ومزايدات رخيصة، ويمكن لهذه العقول المنحرفة في خداعها، ان تدفع ثمن حياتها في شعاراتهم الكاذبة، ان يتحكم بها بوعي وعقل حكيم، لان هذه الشعارات، تحاول اغلاق العقل والوعي بشكل تام (اكتشفت ان على الانسان العاقل ان لا ينجرف وراء الشعارات الرنانة وأن لا يفني حياته من اجل ان يحقق امنيات الآخرين).

2 - نص: سرقة....

مخادعة وتضليل بأظهار نفسه ضحية، في افتعال سرقة وهمية، كما فعل الحلاق سعد، حين صرخ في اهالى محلته بأنه تعرض الى سرقة كبيرة في منزله، في مسرحية مفتعلة (- لقد تعرضنا الى سرقة ياحاج، سرق اللصوص كل ما خف وزنه وغلاء ثمنه) اظهار نفسه ضحية لكي يقوم بسرقات بيوت الاخرين، لقد فتشوا في كل شيء، المارة، كاميرات المراقبة السرية، لم يجدوا شيء غريب يدعو إلى الشك، لكنه قام بعد ذلك بالسرقة وضبط بالجرم المشهود، حين ضبطه احد صبيان الدار، بأنه في داخل المنزل رجل سارق، وعرفه من سعاله، وهذه سمة الحلاق المعروف بالسعال الشديد، ثم رآه يسرع بسيارته ويبتعد عن المكان المسروق.

3 - نص: تجارة رخيصة:

تعزف على الشخص المناسب في المكان المناسب، تؤكد قيمة المسؤولية، ليس هي نزوة أو عبث أو تطفل من اجل سرقة مكانة الآخرين، في بيع جسدها في المتعة الجنسية من أجل الصعود على اكتاف الاخرين. مقارنة بين الممثلة الكبيرة المعروفة على خشبة المسرح، وبين ممثلة خلف الكواليس، لتأخذ دورها لكي تصعد على خشبة المرح، بعد اغراء المخرج في ليلة حمراء، وقبل صعود الممثلة المتطفلة، واجهتها الممثلة الكبيرة بكلام حكيم (كان عليك أن تتطهري من اردانك قبل ان تصعدي خشبة المسرح، فدور الناسكة يتطلب امرأة تملك العفة والطهارة. وتركتها ومضت)

4 - في المجموعة القصصية تضعنا أمام حالتين متناقضتين بالنسبة الى القدر، القدر الظالم، وعدالة القدر. نعرض الاولى (القدر الظالم): ينطلق السائق باقصى سرعة، لكي يصل الى قريته، وينفذ شحن جهاز الهاتف، وحين وصل الى قريته، خفق قلبه بالصدمة، حين وجد حشد من الناس يتجمعون عند ضفة النهر، بدأ الخوف والقلق والصدمة المفاجأة هزت كيانه،، حين اخبره الناس بأن زوجته غرقت في النهر ’ سقط مغشيا عليه، وبعد ثلاثة ايام طفحت جثة زوجته فوق سطح الماء، ومن أجل التذكير بغرق زوجته، زرع نخلة في موقع الغرق، وبعد عشرة أعوام تعرضت قريته الى فيضان، غرقت البيوت وغمرت نخلته، فجلس يندب حظه العاثر ليقول (- ايها القدر، كم انت ظالم، لقد ذبحتني مرتين، انا ميت منذ ذلك اليوم الذي خطفت فيه زوجتي، والآن تخطف نخلتي، كم انت ظالم ايها القدر، ألا تعلم بأنه لا يجوز لك ان تذبح الميت مرتين).

أما نص: عدالة القدر. دأبت فتاة لعوب على المجيء بحجج واهية الى صاحب المولدة في الحي، مرة التيار الكهربائي ضعيف، ومرة انقطاع التيار الكهربائي، فكان يرطب خواطرها ويعاملها بلطف، وهو لايعلم بأنها تعد له الفخ للإيقاع فيه، وفي احدى الصباحات دخلت عليه كالعادة، ولكن دخلوا مباشرة عليه اقربائها، وعبروا عن غضبهم الشديد وبجدوها في المكان، وهذا مخل بالشرف، وتحت التهديد بالعرف العشائري، اضطر ان يتزوجها وتنجب منه طفلة، وبدأت المشاكل والخصام وطلبت الطلاق، فرضخ لمطلب الطلاق لكن طلبت تسجيل ملكية البيت بأسمها، فكان لها ذلك، وهي تخرج من مديرية التسجيل العقاري، وهي تلوح من بعيد بسند ملكية البيت بأسمها فرحة، وحين عبرت الشارع جاءت سيارة مسرعة فدهستها، وطار سند الملكية في الهواء، مما اجبر اقربائها ان ياخذ طفلته ويرجع معها الى بيته، بعدما فقد سند الملكية.

5 - نص: يا امي..... سأحفظ وديعتكِ.

وضعهما الاستاذ المؤلف في نصين، احدهما يكمل الاخر، وتدل على السلوك الارهابي للنظام الشمولي، الذي يتلاعب في مصير الناس الى المجهول، دولة الاخ الكبير، أو دولة القائد الضرورة، الام على فراش المرض تنازع لحظاتها الاخيرة، وضعت يدها في يد ابنتها الكبيرة (كوثر) متزوجة ودكتورة في الطب، قبل ان تسلم روحها للموت لتقول لها، بأن تحافظ على شقيقها الصغير أحمد، في كلية الطب في المراحل الاخيرة (- احمد وديعتي عندك، فحافظي على وديعتي، بعد ان قالت هذه العبارة أسلمت الروح وسط بكاء اولادها). وفي احدى الايام من عام 1982 وجدت ثلاث سيارات من رجال الأمن يقتحمون بيتها، يجرون شقيقها بعنف، وحاولت ان تستفسر عن سبب الاعتقال، ضربها احد رجال الامن بأخمص بندقيته فوقت مغشية فقدت الوعي ووجهها ينزف من الدماء، والنص الثاني المكمل، عرفت شقيقيها المسجون بعد البحث الطويل، بأنه مسجون في سجن (ابو غريب) وساومها ضابط الأمن بالمقايضة المالية، ان تدفع المال، او يعدم وانه محكوم بالاعدام، فوافقت على الصفقة، في إطلاق شقيقها من السجن والاعدام مقابل الدفع المالي، جمعت ما تملك وباعت أملاكها العقارية في سبيل إنقاذ شقيقها، وعند الدفع، وجدت ان رجال الامن، جلبوا إحد المجانين من مستشفى الأمراض العقلية لكي يعدم مكان شقيقها، استهجنت هذا الفعل غير الاخلاقي وقالت: ماذنب هذا الرجل المجنون يعدم، فرد عليها ضابط الامن في أسلوب خشن (- لا يوجد لدينا الوقت الكافي لتنفيذ خطة بديلة، بموعد تنفيذ حكم الإعدام سيكون بعد يومين) في حال تنفيذ الاعدام بالمجنون سيطلق سراح شقيقها، وفي اليوم المحدد، ذهبت لكي تستلم شقيقها المطلق سراحه من السجن والاعدام، اخذته في سيارتها وكان نائماً وملفوفاً بقطعة قماش كبيرة، فحين ازاحت قطعة القماش عن وجهه، اصابها الرعب، فكان مشنوقاً وقد تدلت رقبته على كتفه.

6 - نص: سارق الغنم:

هذه احدى مصائب واقعنا الاجتماعي، بيع بطولات وهمية بالمجان، في سوق التهريج بالبطولات المزيفة، وبيعها على مشجعة وأنصاره، وسط حالة من التصفيق الحاد من التشجيع، تجري هذه المهاترات في احدى المقاهي، يسرد عليهم في ابتهاج في مغامراته ومجازفاته، ضد اللصوص وحمى قريته من سرقاتهم، ويقول في احدى بطولاته المزعومة، قبض على زعيم اللصوص ولم يطلق سراحه، إلا بعد إعطائه أربع نساء ليتزوجهن دفعة واحدة،، وهو في حقيقة الأمر هو لص مطرود من قريته، وفي مشاجرة مع أحد الذين يعرفونه تمام المعرفة ’ صائحاً به بغضب (- ماذا تفعل أيها المعتوه يا راعي الغنم، هل بلغت الجرأة وتمد يدك علي، يا كاذب انك لم تتزوج ولا مرة واحدة في حياتك، هل نسيت نفسك ؟ لقد كنت راعياً لاغنام أبي في قريتنا، وقد طردك حين اكتشف سرقاتك).

7 - نص: مشروع عصري.

هي رمزية بليغة في مقولة (بأسم الدين باكونا الحرامية) والنص موجه الى سراق العمامة، وهذا مثال من الكثير من الامثلة من الظواهر البارزة على سطح الواقع، امام الجامع المعروف بـ مواعظه وإرشاداته في مواعظه الخطابية، بعد أنهى موعظته الجلجلوتية، طلب من المصلين التبرع المالي لاقامة مشروع يخدم الناس، لم يحدد نوعية المشروع، وكل واحد يفسر المشروع على طريقته الخاصة، البعض اعتقد بناء جامع حديث وعصري، بدلاً من الجامع القديم، واخرين اعتقدوا بأن المشروع هو بناء مستشفى حديث يخدم الناس ويوفر العلاج ويكون قريب منهم، بدلاً من الذهاب الى مستشفيات العاصمة وعناء التنقل ومشقة المسافة البعيدة، والبعض اعتقد بأن المشروع بناء مدرسة حديثة نموذجية، بدلاً من مدرسة الطين، وبعد سنوات جمعوا تبرعات باموال طائلة وتم تخصيص قطعة أرض واسعة، وبدأ العمل بوتيرة مسرعة، وسط ابتهاج مدير المشروع بالعمل والاسراع في الانجاز، واتضح اخيراً بأن المشروع، عبارة عن اقامة (مول) تجاري.

8 - نص: اجتماع.

وهذه ظاهرة فعلية على مسرح السياسي، في الحملات الدعاية الانتخابية للمرشحين، الذين يفتشون بكل الطرق الشيطانية، في سبيل شراء اصوات الناخبين بالاغراءات المادية والعينية، من اجل ضمان فوزهم، مثل ما يتحدث السرد في النص وهي حقيقة ماثلة لا احد ينكرها، في التنافس الانتخابي، مثل هذا المرشح الذي يقرر تقديم وجبتين من الطعام واللحم، بدلاُ ومن وجبة لحم في اليوم، وهذا يتطلب زيادة أعداد الحمير في الحضيرة، من خلال تزويجهم لزيادة عددهم، والحمير تشكو حظها العاثر، فقد جمعت اقتراب الحملات الإنتخابية مع مواسم الأعياد، وهذا يتطلب من أصحاب المطاعم الذين يقدمون الكباب المغشوش، بحاجة الى المزيد من الحمير.

***

جمعة عبد الله

 

في المثقف اليوم