قراءات نقدية

رانية مرجية: عناق الأضداد على أعتاب المئذنة

قراءة في “لغاية في نفس سادن المئذنة” ليحيى السماوي

يأتي نص “لغاية في نفس سادن المئذنة” للشاعر العراقي الكبير يحيى السماوي، من مجموعته “أنقذتِني مني”، ليكشف عن قدرة الشاعر الفذة على الجمع بين المقدس والمدنس، وبين لعب الطفولة ونيران العشق الناضج، في لوحة شعرية تتقاطع فيها الروح مع الجسد، والبراءة مع المكر، والصوت الطقسي للمئذنة مع همس الوسادة.

بين الطفولة والمئذنة… مفارقة البدايات والنهايات

يفتتح السماوي نصه بصورة الطفولة التي لم تزل تسكن قلب العاشقين رغم “شيخوخة الزمان”. لعبة “الشرطي واللص”، و”الأميرة في بلاد الجن”، و”الطفل العصي على الفطام” تضع القارئ في مناخ براءة ظاهري، سرعان ما يتحوّل إلى خلفية لعاطفة ناضجة مشبعة بالمشاكسة والغواية.

المقدّس والمدنّس في تمازج فني

عنوان النص وحده يفتح باب التأويل: سادن المئذنة هو الحارس الروحي، رمز الطهارة والنقاء الطقسي، بينما جسد النص ينبض بصور الحواس والرغبة والفتنة. السماوي هنا يضع المقدّس والمدنّس في حوار إبداعي، ليرينا أن الحب الحق لا يكتمل إلا إذا احتضن الأضداد.

صور حسية مشبعة بالألوان والروائح

النص ثري بالصور الحسية: “ورد الياسمين”، “التوت الخضيب”، “ندى القرنفل”، “البردة الخضراء”، “قميص النوم”، و”السواحل التي تبايعني سندبادًا”. هذه الصور تتجاوز دورها الجمالي إلى بناء عالم شعوري ملموس، بحيث يشعر القارئ أنه يتذوق ويرى ويشم ويتلمس المشهد.

درامية العتاب والمصالحة

في حركة مسرحية متقنة، يتدرج النص من الخصام إلى البكاء، ومن اشتعال الحرائق إلى الاستغاثة، ثم إلى الضحك والخضوع لموسيقى الصفح. هذه الدرامية الوجدانية تجسد علاقة إنسانية حقيقية، حيث التوتر جزء من تثبيت أركان الحب.

النار والتطهير

رمزية النار في النص تتجاوز الطهي والدفء، فهي نار التطهير والتحرر من “ذنوب لذاذة العشق الحرام”. السماوي يوظف هذه النار كرمز للحياة والرغبة، وكتقاطع أسطوري بين الخلق والفناء، بين الخبز كقوت الجسد والنار كقوت الروح.

إيقاع غني ولغة متدفقة

يستند النص إلى إيقاع داخلي نابض، يتبدل بين انسياب الحلم وعصف الموج، مدعوم بتكرارات وصور متولدة. اللغة هنا ليست وسيلة لنقل المعنى فقط، بل فضاء لتوليد المعنى من جديد في كل قراءة.

خاتمة

في “لغاية في نفس سادن المئذنة”، يقدّم يحيى السماوي نصًا يقيم في المسافة المضيئة بين المئذنة وسرير الحبيبة، بين الطهر والفتنة، بين النداء الطقسي والهمس الشخصي. إنه نص يذكّرنا بأن الشعر العظيم هو ذاك الذي يتسع لكل الأضداد، ويجعل منها لغة للحياة.

***

بقلم: رانية مرجية

في المثقف اليوم