قراءات نقدية
عباس محمد عمارة: الأنسنة في تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو (3)

الأنسنة تعني إضفاء الصفات والمشاعر الإنسانية على الكائنات غير البشرية، مثل الحيوانات، النباتات، الجمادات، والظواهر الطبيعية، بحيث تتصرف أو تشعر كما لو كانت تمتلك وعيًا بشريًا. يظهر هذا الأسلوب بوضوح في الحكايات الشعبية والأساطير والقصص الخيالية، كما هو الحال في ألف ليلة وليلة.
في المقابل، يعتمد الهايكو على تقديم الصور الشعرية المستمدة من الواقع كما هي، دون تدخل الشاعر في إعادة تشكيلها وفق مشاعره أو رؤيته الذاتية. فالحيوانات لا تتكلم، والأشجار لا تبتهج أو تحزن، والنهر لا يشعر بالكآبة أو السعادة، بل يتم تقديم هذه العناصر بصفاتها الفعلية، دون إسقاط مشاعر بشرية عليها.
على العكس من ذلك، في هايكو الأحلام، يتغير منطق الإدراك، إذ لا يمكن بناء المشاهد وفق القواعد الصارمة التي تخضع لقوانين الفيزياء أو المنطق والعقلانية. فالأحلام تشكّل فضاءً متحركًا ومفتوحًا على التحولات، حيث تتداخل العوالم وتتلاشى الحدود بين الإنسان والأشياء. في هذا السياق، يصبح من الممكن منح الكائنات غير الحية والظواهر الطبيعية صفات بشرية، وهو ما يميز هايكو الأحلام عن الاستخدام غير الدقيق للأنسنة في بعض ما يُكتب من هايكو.
لا تُستخدم الأنسنة في هايكو الأحلام لمجرد كسر قواعد الهايكو والواقع، بل تمنح النص بعدًا جماليًا يعزز وقع المشهد الحلمي، ويخلق تفاعلًا شعوريًا أعمق بين القارئ والعالم الذي ينقله الهايكو. يتميز هايكو الأحلام بأنه لا يعيد تفسير الصور، بل ينقلها كما تظهر في الحلم، دون أن يخضعها لقوانين المنطق المعتادة. الأحلام، بطبيعتها، قد تتطابق مع الواقع، أو تتقاطع معه، أو تبتعد عنه تمامًا، مما يجعل الصورة الشعرية في حالة دائمة من التحول والانسياب.
في هذا السياق، تصبح الأنسنة امتدادًا طبيعيًا لمنطق الحلم، حيث يمكن للكائنات والأشياء أن تتغير، وتكتسب أصواتًا أو مشاعر لم تكن تمتلكها في الواقع. وكما أن العالم الحلمي لا يحتفظ بشكل واحد، فإن العلاقة بين الإنسان والطبيعة فيه مرنة، متغيرة، وغير قابلة للتقييد بنمط ثابت.
في النهاية، فإن استخدام الأنسنة في تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو لا يهدف إلى صنع عالم خيالي منفصل عن الواقع، بل إلى خلق تجربة شعرية أكثر عمقًا. حيث يمكن للمشهد أن يتنفس بحرية، ويمكن للصورة أن تتحرك وفق نظامها الخاص، دون أن تكون مضطرة للالتزام بقواعد ثابتة.
***
عباس محمد عمارة