قراءات نقدية

عباس محمد عمارة: تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو

(تقنية جديدة في الهايكو)

تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو تمثل نهجًا مبتكرًا نسعى لاستخلاص جوهر الأحلام – تلك التجارب العقلية العابرة للحدود – وصياغتها في قالب شعري مكثف يحمل طابع الهايكو. هذا الأسلوب لا يكتفي بتسجيل الصور والمشاعر التي تتشكل في أعماق النوم، بل يعيد تشكيلها لتصبح لوحات شعرية نابضة بالحياة، تمنح القارئ إحساسًا وكأنه يتنقل داخل فضاء الحلم نفسه. فالأحلام، كما يراها علماء النفس، تعيش في عالم موازٍ، حيث تنهار قيود الزمن والمكان، وتتحرر الروح من أغلال المنطق اليومي. هذه التقنية، إذن، ليست مجرد أداة فنية، بل جسر يربط بين اللاوعي والتعبير الشعري.

**

باشو والأحلام: إعادة تأويل “أعشاب الصيف”

في قصيدة الهايكو الشهيرة التي كتبها ماتسوو باشو:

*أعشاب الصيف

كل ما تبقى من أحلام

المحاربين*

كان التفسير التقليدي يميل إلى قراءة “الأحلام” هنا كرمز للطموحات أو الآمال الضائعة. لكن فوكاساوا شينجي، الباحث في الأدب الياباني الكلاسيكي، يقدم رؤية مغايرة في مقاله “حلم عن محاربين” المنشور على موقع Nippon.com. يرى شينجي أن باشو كان يشير إلى أحلام النوم الحقيقية، مستندًا إلى تجربة شخصية عاشها الشاعر. ففي زيارته إلى تاكاداتشي، غفا باشو وحلم بيوشيتسوني وبينكي وآخرين يروون قصص معاركهم الأخيرة. وعندما فتح عينيه، لم يجد أمامه سوى أعشاب الصيف تملأ المشهد. بناءً على ذلك، يمكن إعادة صياغة الهايكو كما يلي:

"أعشاب الصيف

كل ما بقي من حلم

عن محاربين"

هذا التفسير يفتح أفقًا جديدًا لفهم الهايكو، حيث يصبح الحلم مدخلاً لاستكشاف أبعاد شعرية لم تُطرق من قبل بشكل متكامل. الأحلام هي نوافذ اللاوعي، تطل منها صور وأحاسيس تتحدى قوانين الطبيعة والمنطق. في المقابل، يُعرف الهايكو بقدرته على التقاط لحظة عابرة من الواقع بكل وضوحها وحيويتها. للوهلة الأولى، قد يبدو الاثنان على طرفي نقيض: الأحلام بطبيعتها الفوضوية، والهايكو بتركيزه على “الآن وهنا”. لكن هذا التناقض الظاهري يتحول إلى تكامل إبداعي عبر هذه التقنية. فالأحلام تضيف إلى الهايكو طبقة من الخيال اللامحدود، مما يوسع آفاقه الجمالية ويمنحه عمقًا تعبيريًا جديدًا.

***

كيف تعمل هذه التقنية؟

تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو تتجاوز القواعد التقليدية للشعر مع الحفاظ على جوهر الهايكو ومن أبرز سماتها:

1- تحطيم الحدود الفيزيائية: تتيح تداخل الأزمنة أو تحرك الأشياء بطرق مستحيلة واقعيًا.

2- تحرير الخيال الشعري: تمكّن من خلق نصوص سريالية أو فانتازية أو تاريخية أو واقعية.. حسب طبيعة الحلم.

3- توظيف استخدام الأنسنة دون افتعال: إذ يمكن للحلم أن يمنح الطبيعة صفات إنسانية يجعلها تتفاعل مع المشاعر الإنسانية.

4- التنقل عبر الزمن: تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل بحرية مطلقة.

5- التلاعب بوظائف الحواس: كأن تتحول حاسة السمع إلى حاسة الذوق وهكذا بقية الحواس الأخرى

6- إبراز البعد النفسي: تعكس الرغبات والمخاوف الدفينة، مضيفة طبقة عاطفية عميقة.

7- التناص مع الأحلام الشهيرة: تستلهم من أحلام تاريخية أو أدبية لإعادة صياغتها من جديد.

الهدف من هذه التقنية:

تسعى هذه التقنية إلى تحرير الهايكو من قيوده التقليدية دون التفريط بروحه، لتفتح له أبوابًا جديدة نحو الإبداع. كما تهدف إلى إعادة تقديم أحلام عالمية معروفة بأسلوب شعري مكثف، مما يعزز من مكانة الهايكو كفن عابر للثقافات. هذا بالإضافة أهميته في مجال الدراسات العلمية.

نماذج شعرية تطبيقية

إليكم بعض الأمثلة التي صيغت وفق هذه التقنية من تأليفي:

1-

منبه الهاتف –

أمسك أوراقًا نقدية

تتبعثر في الهواء

2-

 غفوة –

قطار يعانق

سحب السماء

3-

 قيلولة –

مطر يغمر

أرضية غرفتي

5-

بنج عام –

أرقص مع فراشات

في حديقة المشفى

6-

 قبل اليقظة –

تنزلق قدمي

في هاوية الغرفة

7-

 استيقاظ –

بنكهة القهوة

صياح الديك

8-

جرس الباب –

أتوق لتكملة

الحلم

9-

 صوت عجلات -

فشلت في التقاط صورة

مع السندباد

10-

 نوم ثقيل-

سماء من حديد

حقول النفط

11-

 الفتى –

أحد عشر نجمًا

يركعون أمامي

12-

لمعةُ النصل—

الأبُ يلتفتُ

نحوَ النداءِ

13-

مطر خفيف –

أحلم بشراء منزل

ثم أفتح عيني

14-

 نوم عميق-

أتحدث مع حفيدي

الذي لم يولد بعد

الخاتمة:

تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو ليست مجرد تجربة شعرية، بل محاولة نظرية وتطبيقية لاستكشاف أعماق الاحلام وإعادة تشكيلها بأسلوب فني راقٍ. إنها خطوة نحو تطوير الهايكو ليصبح أكثر شمولية، مع الحفاظ على بساطته وقوته.وهي دعوة لشعراء الهايكو للكتابة بهذه التقنية .

***

عباس محمد عمارة

في المثقف اليوم