قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة "حين يضحك الندى"

للشاعر اسماعيل عزيز - العراق

قصيدة /حين يضحك الندى/ للشاعر إسماعيل عزيز هي قصيدة تتسم بالعاطفة العميقة والرمزية المكثفة، وتعبّر عن الحيرة والتأمل في الحياة والمصير، عبر صور بلاغية وتصويرية تتمحور حول التغيرات الطبيعية والوجودية. القصيدة تجمع بين الفلسفة والتجربة الشعرية، مما يجعلها تلامس مشاعر القارئ من خلال الأسلوب المتأمل الذي يعكس حالة من القلق والبحث عن معنى الحياة والوجود. نستطيع من خلال تحليل الأسلوب البلاغي لهذه القصيدة استكشاف عدة جوانب جمالية وفكرية.

1. الصور البلاغية والرمزية:

القصيدة مليئة بالصور البلاغية المعقدة التي تحاول التعبير عن مشاعر الشاعر في مواجهة الحياة وتحدياتها. تتراوح الصور بين الخيال البصري والصوتي، لتخلق مشهداً شعرياً يغمر القارئ.

/المطر الساقط فوق ربى أيامك/: بدايةً، يقدّم الشاعر المطر كرمز للتغيير والذكريات الماضية التي تمثل الماضي البعيد. المطر هنا ليس مجرد عنصر طبيعي، بل يمثل حنينًا أو تغييرات تُترك وراءها آثار تتداخل مع الزمان.

/يحمل طعم الحصرم/: إشارة إلى طعم الحزن أو الفقد، فالحصرم هو الثمر غير الناضج، مما يرمز إلى شيء غير مكتمل أو غير مُحقق بعد، وهي صورة تعبّر عن مشاعر الشاعر من خلال طعم غير مكتمل.

/فلا يجمع النهر إلا صرير العواصف/: هذه الصورة تخلق التوتر بين النهر الذي يرمز إلى التدفق والاستمرارية، والعواصف التي تمثل الصعوبات والمشاكل. يصبح النهر هنا ساحة للصراع بين الحركة السلسة والصعاب التي تواجهها الحياة.

/وفي بوابة الرمس لملمة من عزاء/: يخلق الشاعر صورة حزينة تمزج بين الموت أو الفقد والتعزية. /بوابة الرمس/ تشير إلى قبر أو مكان الظلمة والموت، بينما /لملمة من عزاء/ تدل على محاولة التخفيف من الحزن. الصورة توحي بأن الحياة والموت يتداخلان في لحظة واحدة.

2. الأسلوب السردي والتأملي:

القصيدة تعتمد على الأسلوب السردي الذي يتنقل بين الوقائع العاطفية والخيالية، ويستعرض مشاهد من الطبيعة والحياة. هناك سرد لصور متتالية تعكس تأملات الشاعر حول الحياة:

/اصغي قليلا/: هذه الجملة تأخذ القارئ إلى حالة من الاستماع والتأمل، مما يجعل النص يبدو وكأن الشاعر يوجه رسالة خاصة للمتلقي، فيحثه على التفكير في الواقع الذي يمر به.

/تلفت قليلاً/: هي دعوة إلى التنبه والوعي، ربما للبحث عن إجابة أو رؤية أفضل للأمور التي تحيط بالشاعر.

3. التكرار والتوتر الداخلي:

التكرار في القصيدة يُستخدم لتحقيق توتر داخلي بين الوجود والألم. الشاعر يكرر بعض الأسئلة والتوجهات التي تجعل القارئ يشعر بالحيرة والضياع:

/ألا تسمع؟/: تكرار السؤال هنا يخلق شعورًا بالاستفهام المستمر عن الحياة والعالم المحيط، وكأن الشاعر يحاول أن يقنع ذاته أو القارئ بالحقيقة التي يسعى إلى كشفها.

/أثقال الهموم تومض من فوق مشارفها/: هذه الصورة تبرز الوزن الثقيل للمشاعر أو الأفكار التي يواجهها الشاعر، وتستمر الصورة الحسية عبر التوتر بين الصمت والضجيج.

4. الرمزية في الكلمات:

الشاعر يعمد إلى استخدام كلمات تحمل معانٍ رمزية، مثل /الرواسي/ و/طبول حرب/. هذه الكلمات لا تشير فقط إلى مشهد طبيعي، بل تحمل دلالات عميقة تتعلق بالصراع الداخلي والتحديات التي يواجهها الفرد:

/الرواسي/: تستخدم للإشارة إلى الثبات والصمود، ولكن هذه الرواسي يتم /استقبالها/ من قبل الأعاصير، مما يشير إلى أن الثبات لا يعني بالضرورة السلام أو الاستقرار في الحياة، بل يمكن أن يتعرض للموجات العاتية من التحديات.

/زمجرة السحب كطبول حرب/: هنا يظهر الصراع بين الكائنات الطبيعية كرمز للصراع الداخلي الذي يعيشه الشاعر. طبول الحرب تشير إلى الاقتراب من لحظة الأزمة أو القرار الصعب.

5. التوازن بين الأمل والضياع:

رغم جميع الصور الحزينة والصراعات التي تعرضها القصيدة، هناك إشارات متقطعة للأمل، مثل /في كل تيه دليل/ و**/انتظر حتى يتسلل الشذا من غبار التراب/**. هذا التوازن بين الأمل والضياع يعكس حالة من اليأس، ولكنه يشير في الوقت نفسه إلى أنه حتى في أصعب اللحظات يمكن أن يجد الإنسان بصيصًا من النور.

/يتسلل الشذا من غبار التراب/: تشير هذه الصورة إلى أن الجمال أو الراحة يمكن أن تأتي من أماكن غير متوقعة، حتى من داخل المعاناة نفسها. هذه الجملة تمثل الأمل الذي يتسلل بصمت، رغم العواصف والهموم التي تسيطر على العالم الخارجي.

6. الأسلوب الصوتي:

القصيدة تحتوي على العديد من العناصر الصوتية التي تعزز الإحساس بالحدة والتوتر في النص:

/زمجرة السحب/ و**/طبول حرب/**: تستخدم هذه الأصوات القوية لخلق صورة حية للعواصف والمشاكل القادمة. هذه الأصوات تعكس حالة من التوتر والقلق المستمر في حياة الشاعر.

الخاتمة:

قصيدة /حين يضحك الندى/ هي نص شعري مليء بالصور البلاغية التي تُعبّر عن توترات النفس البشرية بين الأمل والضياع، بين الحياة والموت، بين القوة والضعف. الشاعر إسماعيل عزيز يستخدم الرمزية والتكرار ليخلق حالة من التأمل الوجودي العميق، حيث تعكس الصور الطبيعية الصراع الداخلي والتساؤلات الفلسفية التي قد يواجهها الفرد في حياته. في النهاية، تبقى القصيدة تحمل شعورًا بالبحث المستمر عن معنى وجودي وحقيقة تتسلل من تحت غبار التحديات.

***

بقلم: كريم عبد الله - العراق

....................

حين يضحك الندى

المطر الساقط فوق ربى ايامك، يحمل طعم الحصرم، فلا يجمع النهر الا صرير العواصف، ولم يكن الندى اقل منفعة منك، ففي دجى الليل قبلة من دجى، وفي بوابة الرمس لملمة من عزاء، اليك الحديث، انت؛ اصغي قليلا، لم تكن الاغصان التي احرقت مما صفا نورها وطاب دخانها، ولا البرق في لمعانه من النوع المضيء، فاقصر خطاك، وتلفت قليلا. فهذا القطر ينتهي نهرا حتى وإن قل. ألست ترى؟ اثقال الهموم تومض من فوق مشارفها قبب المنابر كالرواسي تستقبل هوج الأعاصير، ألا تسمع ؟ زمجرة السحب كطبول حرب يرتد صداها على لمعان السفوح. ولكن في كل تيه دليل، فانتظر حتى يتسلل الشذا من غبار التراب.

***

اسماعيل عزيز- العراق

 

في المثقف اليوم