قراءات نقدية
سعد جاسم: "الأولُ الموهوبُ والقرية".. قراءة في قصيدة د. مصطفى علي
الرثائية الخاصّة برحيل د. ريكان ابراهيم
أرى ان قصيدة الشاعر المُتفرّد " د. مصطفى علي " والتي حملتْ عنوان " الأولُ الموهوبُ في القرية " والمُهداة الى الشاعر والباحث النفسي
الراحل " د. ريكان ابراهيم، والتي جرى نشرها في " صحيفة
-2025-2-2المثقف " في يوم الاحد الموافق شباط
نعم، قلتُ انني أٍرى أن هذه القصيدة واحدة من القصائد والمراثي المهمة والصادقة والموجعة في الشعرين العراقي والعربي كذلك.
وبكل صراحة ووضوح وصدق، فان قصيدة الدكتور " مصطفى علي " الرثائية هذه قد ذكّرتني بعيون قصائد الرثاء في شعرنا العربي الخالد، ولا يُخفى علينا نحن الشعراء والأدباء والكتّاب فقد اصبح شعرنا مكتنزاً وحافلاً بقصائد ودواوين شعرية في غاية الاهمية والابداع والجمال، وكذلكَ شهدنا تجارب جديدة وتحديثات واضافات جوهرية تماماً. وأعتقد ان قصيدة الشاعر " مصطفى علي " هذه، تستحق الفحص والقراءات النقدية والذوقية والانطباعية أَيضاً.
إذاً: اقرأوا معي هذه الابيات الشعرية الطاعنة في الحزن والوجع والخسارات والفقدان المُر والغياب الفاجع، وسلطة وفلسفة ووحشية الموت الغامض والقاسي والذي " مهما تعددتْ اسبابه فهو واحد "،
حيثُ يجيئنا ويداهمنا ويختطف أرواحنا بلا أيَّة مقدّمات ولا شفرات ولا اشارات ربّانية وروحية ونورانية.
يقول الدكتور مصطفى علي في ابياته الفاجعة الآتية:
" وأتى أخي
لِيُعيدَ مَزْهوّاً على آذانِنا
ذاتَ الحِكايةِ عن فتىً
شَهِدَتْ مواهبَهُ الدفاترُ والصُفوفْ
*
حتى إذا غرستْ أناملُهُ زهورَ الياسمينْ
رَفَلت شذىً بِأريجِها كلِّ الرُفوفْ
*
كَشُجيْرَةِ البستانِ وارفةٍ ودانيةِ القُطوفْ
*
وَعُذوقُها حُبلى بِناضِجةِ الثِمارِ فَواكِهَ
الألبابِ من شتى الصُنوفْ
*
كَشَفتْ أساريرَ النُفوسِ فأشْرَقتْ
شمسٌ بها بعدَ الكُسوفْ
*
فَتَرَمّمتْ فيها الرضوضُ نقاهةً
وَتَحصّنتْ بالروحِ من شَبَحِ الوساوسِ والحُتوفْ
*
واليومَ قد بلغَ النهايةَ بعدما
شرِبَ المرارةَ كلّها من شَرِّ داءْ
*
وَرَمٍ تَشعّبَ في الخَلايا هازِئاً
بِمَشارِطِ الجَرّاحِ كيداً والدَواءْ
*
في البَدْءِ قاوَمَ جاهداً سَرَطانَهُ
بِرؤى القوافي والقصائدِ إنّما
لَمْ تمنحِ المعلولَ آلاءَ الشفاءْ
*
في آخِرِ المشوارِ سلّمَ راضياً
بالموتِ حقّاً حيثُ خاتمةِ التوجّعِ
والتميّزِ والمَطافْ "
وكذلك فقد لفتت انتباهي واهتمامي مجموعة من ابيات هذه القصيدة، وذلك لاكتنازها بلغة شعرية عربية وعميقة وأَصيلة ومتمكّنة في صوغ وابتكار واقتناص الصور الشعرية واللحظات الخفية والسيروية من خلال سيرة أخينا وصديقنا الانسان و الحكيم في علم النفس البشرية المُعقدّة والغرائبية، وكذلك فأن صديقنا الباحث والشاعر المُعتّق، قد كان شاعراً كبيراً وأَديباً أريحياً وكريماً ونبيلاً بما تعجز الكلمات عن توصيف علمه وبحوثه وقصائده المُبهرة والجريئة والثورية والساخرة حدَّ المرارة والنقد اللاذع. ولذا فهي تستحق الجمع والتقديم والقراءات والبحوث والرسائل والاطاريح الاكاديمية في معظم الجامعات والكليات العراقية والعربية.
والآن يمكننا النظر وفحص هذه الابيات السيروية المهمة، والتي تنمُّ عن صداقة وأخوّة ورفقة وعراقية حقيقية بين الشاعرين الدكتورين ريكان ومصطفى. وهي ليست قائمة على الادعاءات و العنتريات والتنمّر الفض والتبجح الفج والبعيد كل البُعد عن الرؤى والخطابات الشعرية واخلاقيات الكتابة، وجماليات الشعر ورفعته وسموّه. وكذلك لطف ونبل وأحلام وابعاد وعوالم الشعراء والمبدعين الحقيقيين:
"هُوَ أوّلُ الأشبالِ تلميذاً بِقريتنا
يُكرّمُهُ الزعيمْ
*
أهداهُ مكتبةً بِها ألْفا كِتابْ
كَرَماً وَجوداً من لَدُنْ عبدِ الكريمْ
*
لِفَتىً لَبيبٍ بعدَ أنْ طرقَ النبوغَ مُبكّراً
ومضى يلحّنُ نفْسَهُ وَنفوسَ مرضاهُ
التي قد هَمّها ضَرَرٌ أليمْ "
لأخينا وصديقنا الراحل الكبير الدكتور "ريكان ابراهيم" الرحمةُ والطمأنينة والفردوس الاعلى، وعلى روحه السلام.
دمتَ بخير وعافية وشاعرية أخي ابا الجيداء الشاعر القدير والوفي والنبيل أَبداً.
***
سعد جاسم