قراءات نقدية

عبد النبي بزاز: أنا السارد والنزعة الواقعية في قصص "حراس الظلام"

تتميز قصص القاص أحمد برحال الموسومة بـ "حراس الظلام "بغنى موضوعاتها، وتنوع أساليب الحكي فيها. وسنعمد في هذه المقاربة على تناول بعضها بغية إضاءة جوانب من مكوناتها السردية، وأبعادها الدلالية من خلال الموضوع الاجتماعي، والغرائبي المصاغ داخل قالب يتمثل ويستجيب لأدوات القص وشروطه من حوار، وشخوص، ووقائع...

ولعل الثابت القصصي الذي ترتهن له نصوص المجموعة في سيرورة ومجريات أحداثها هو رصد ما يعج به المحيط الخارجي من حالات حبلى بآفات ومفارقات تخترم منظومة المجتمع، وتفاقم من تصدعاته واختلالاته كمعضلة البطالة التي طالت حاملي الشواهد: " نادى ابنه العاطل عن العمل، بعد مسيرة دراسية موفقة. " ص 38، وتوفر الحد الأدنى من شروط العيش كالطعام: " لم يتناول طعاما منذ الأمس، عندما شارك صغاره وأمهم وجبة غذاء، على نغمات بكاء صغيره احتجاجا على مكونات الوجبة ِ... " ص43، كما لم تتوقف عين السارد على رصد مظاهر الفوضى التي تعم مكونات المحيط الذي يعيش فيه: " تزاحمه الأزبال من كل ناحية. بعضها في الحاويات، والبعض الآخر على جوانبها... " ص 53، وفي العديد من المناحي والتمظهرات: " ترى العربات المكدسة بالخضر والفواكه على الجنبات. والبعض قد افترش بسلعته الجزء المتبقي من المساحة الفاصلة بين العربة والعربة. " ص7 ،التي تنتشر في كل زاوية ومكان، مما يستدعي تدخل الجهات المسؤولة لرأب هذا الصدع، وتقويم هذا الخلل من أسرة ومدرسة: " من لم تجد التربية الأسرية ولا المدرسية تغيير شيء من سلوكه. " ص65، ليلحي عليها باللا ئمة والمؤاخذة: " فيلوم الجهات المسؤولة على تقصيرها في اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة. " ص 54، فيبلغ رصد وكشف مكامن الخلل وبؤره أقصى مستويات الفضح والتنديد في قصة "خطوات ": لعن كل اللصوص. من لصوص أغطية البالوعات، مرورا بلصوص أسواق المواشي، إلى لصوص المال العام. " ص 55، قبل أن يتورط السارد، في انتقال قسري،من قوة راصِدة ومواكِبة لقوة اقتراحية تطرح الحلول المناسبة: " لقد فرضوا علي أن أتابع تفاصيل مشكلهم. بل ووجدتني أفكر في اقتراح حلول... " ص 48، رغم ما يعترض ذلك من مثبطات وعراقيل: " تريد أن تقوم بشيء ما، فلا تتمكن لتأكلك الحسرة على العجز المركب الذي يشل إرادتك قبل حركاتك..." ص 6،وما عاشه من حيرة وارتباك بحثا عن توازن منشود يسعفه في مواجهة واقع تعتوره العديد من الهنات والآفات: " تتمسك بعض الأوقات بأعمدة الكهرباء أو الهاتف... " ص6، حيث تداهمه مظاهر الفوضى أينما حل وارتحل: " يقطع صمتك دوي سيارة لتكشف أن سائقها قد عقد العزم على تجاهل الإشارة المرورية التي تأمره بالتوقف... " ص7، أمام سيل الخروقات التي تؤسس لمنظومة فوضى تتضاعف تجلياتها، وتستفحل في شتى الأماكن والأوقات لتشكيل حالة من اختلال بنيوي ينخر هياكل المجتمع، ويستشري في جل مرافقه وواجهاته. وإلى جانب الموضوع الاجتماعي الذي ينخرط في صلب رؤية السارد برصده ومواكبته لما يصادفه من مظاهر وحالات، هناك الموضوع الغرائبي الذي يغني النسيج السردي، ويحد من هيمنة خطيته الواقعية كما في نص " خطوات " : " حك رأسه بأصابعه الأربعة. فتفجرت منه نافورة تنفث غبارا أسود غطى المكان كله... اجتهدت أسرته في إيجاد المخرج لإقامة قبر، لكن كل الوساطات لم تنجح. " ص 55، أو في شكل تحول غريب في مثل قصة " وخز ": " ينعكس وجه غير وجهه في المرآة، يراه قردا برأس كبير. " ص 101، ليتأكد ذلك: " حينها أحس أنه قرد. قرد كبير. " ص 103. فضلا عن موضوع الوجود وما يزخر به من أسئلة تغدو معها قصص الأضمومة أكثر عمقا، وتنفلت بالتالي من إهاب السطحية والبساطة: " أخذني المشهد وبدأت أفكر في ماهية الحياة، والعلاقة بينها وبين الموت، فطرحت أسئلة عن الوجود والعدم، عن الحضور والغياب، عن الوحدة والتفرق... " ص 74، إلى جانب حضور أدوات السرد الأساسية بين ثنايا نصوص المجموعة من حوار داخلي (مونولوغ): " فتسأل نفسك..." ص 8، " فيدخل في حوار داخلي... " ص 39، وخارجي ك " ـ ماحاجتك ؟ ـ أريد الحصول على وثيقة... " ص ، إلى شخوص ووقائع وأحداث، وإن كان توزيعها متفاوتا بشكل بارز في نصوص المتن القصصي حيث وظفت بشكل مكثف في قصة " من النافذة " حيث كثرة الشخوص (با العربي، وأمي فاطنة وابنتها، والمهدي نادل المقهى وزميله في الشغل، ورشيدة وابنتها الكبرى وابنها الصغير، والطفل ذو 12 ربيعا، وبا بوشتى وزوجه مي عيشة، والشاب المنحرف، ومي حادة) المنخرطين في مهام تنتظم معها خيوط أحداث ووقائع ترصدها عيون السارد من نافذة سكناه: " من النافذة تتابع مشاهد كثيرة ومتنوعة لشخصيات من العالم السفلي وهي تخرج للبحث عن لقمة العيش، لقمة تكلفها الكثير من المشقة والعناء... " ص70، وفي قصة " مي هنية " وإن بشكل أقل نسبيا. مع تنويع ضمائر الحكي بين متكلم ومخاطب وغائب، وإن كان بروز ضمير المتكلم وهيمنته في ارتباطه بعين السارد الراصدة والمصورة والناقلة لمجريات الأحداث والمشهديات في نسجه لخيوط حكي تنزع نحو وصف، وتوصيف واقعي لحالات شكلت ملامح السرد الثابتة في جل قصص الأضمومة.

وتتجلى هيمنة السارد على رسم الأحداث ، وتشكيل ملامحها القصصية كما يصرح بذلك في نص " صراع ": " قدري أن أنهك قواي مع شخصيات من ورق أصنعها لتؤدي الدور في إحدى القصص القصيرة... " ص 97، بل يتجاوز مرحلة صنع، وخلق الشخصيات إلى فرض سلطة إبداعية ترتهن لرؤية محددة: " وأنا مستبد لا أقبل المفاوضة. شخصيتي هكذا معها ومع غيرها... قد أكون دكتاتورا... ولا يمكنني أن أتنازل... " ص 93.

 فقصص " حراس الظلام " للكاتب أحمد برحال تجربة سردية تؤسس لإرهاصات لون قصصي (قصة قصيرة) بمقومات فنية وإبداعية غنية ومتنوعة في رصدها لحالات وقضايا اجتماعية وإنسانية برؤية تروم كشف مكامن الخلل عبر نمط سردي متعدد المرامي والمقصديات.

***

عبد النبي بزاز

......................

ــ الكتاب: حراس الظلام (مجموعة قصصية).

ــ الكاتب: أحمد برحال.

ــ المطبعة: سجلماسة ـ مكناس / 2022.

في المثقف اليوم