قراءات نقدية

كريم عبد الله: الموسيقى في قصيدة سيمفونيَّة.. للشاعرة نازك مسُّوح

قصيدة /سيمفونيَّة/ للشاعرة نازك مسُّوح – سوريا تتميز بجمالية موسيقية واضحة، حيث تبرز الألفاظ والتراكيب بشكل يتناغم مع المعاني العميقة التي تحملها.

الموسيقى في القصيدة:

الإيقاع:

تعتمد الشاعرة على تكرار الكلمات والعبارات، مما يخلق إيقاعاً متدفقاً يشبه الأنغام الموسيقية. مثل تكرار /هلمُّوا/ و/أنتِ/.

الصور البلاغية:

استخدمت الشاعرة استعارات جميلة مثل /فراشة الضياء/ و/أنت رضعتِ حليباً محلَّى بسكَّرِ الشهقة/، مما يضيف عمقاً للمشاعر ويعزز الصوت الشعري.

التوازن والتناغم:

تتنقل بين المشاعر المتناقضة مثل الشغف والهدوء، مما يمنح القصيدة تنوعاً يُشبه التنقل بين مقاطع موسيقية مختلفة.

الألفاظ المختارة:

استخدام ألفاظ حسية مثل /عطر/، /نار/، و/عسل/، يساهم في خلق تجربة حسية غنية، مما يُشعر القارئ بأنه يعيش اللحظة.

الرمزية:

تمثل الرموز مثل /النار/ و/الماء/ العلاقة بين الحب والشغف، مما يعزز من عمق التجربة الشعرية ويُضفي عليها بعداً روحياً.

أنّ هذه القصيدة تُعبر أيضاً عن تجربة عاطفية عميقة وتستكشف موضوعات الحب، الهوية، والبحث عن المعنى. دعونا الان نقرأها بطريقة أعمق:

1. التمثيل الرمزي:

الفراشة: ترمز إلى الهشاشة والجمال، مما يبرز تعقيد العواطف الإنسانية. تعكس الفراشة جمال الروح وتجعل القارئ يتفكر في التحول والتجدد.

النار والماء: تمثل هذه العناصر الثنائيات المتعارضة - الحب والشغف (النار) والهدوء والخصب (الماء). هذا التوازن يعكس الصراع الداخلي بين العواطف والرغبات.

2. اللغة التصويرية:

الشاعرة تستخدم صورًا حية، مثل /تلثمين عنَّابَ البُروق/، التي تجعل المشاعر ملموسة وتجعل القارئ يشعر وكأنه في قلب التجربة. هذه الصور ليست مجرد تعبيرات جمالية بل تمثل تجارب حقيقية وعميقة.

3. الأبعاد النفسية:

الاستبطان: تُظهر الشاعرة الصراع الداخلي، كأنها تنظر في أعماق ذاتها وتستكشف أفكارها ومشاعرها. تطرح أسئلة مثل /مِن أين لكِ هذا/، مما يعكس حالة من الاستفسار والبحث عن الذات.

الدهشة والعجب: تبرز مشاعر الدهشة كجزء من تجربة الحب، حيث يبدو أن الشاعرة تُدرك أن بعض المشاعر لا يمكن تفسيرها بسهولة.

4. الإيقاع والتكرار:

تستخدم الشاعرة التكرار بشكل مُعبر، مما يُعزز الإيقاع ويخلق حالة من التوتر والتشويق. العبارات مثل /هلمُّوا/ تخلق دعوة جماعية للمشاركة في هذه التجربة العاطفية، مما يعكس روح الجماعة.

5. التواصل مع التراث:

إشارة إلى /المَعرِّي/ تعكس التفاعل مع التراث الأدبي العربي، حيث تجسد الشاعرة حبها للأدب وتجربتها الشخصية في سياق أوسع. هذه الإشارة تُضيف بُعدًا تاريخيًا وثقافيًا للقصيدة.

6. المشاعر الإنسانية:

تعبر القصيدة عن مشاعر الحب والشغف، لكنها أيضاً تتناول العزلة والبحث عن الارتباط. هناك شعور بالحنين والاحتياج إلى الآخر، مما يجعل التجربة عميقة ومتنوعة.

خلاصة:

تُعتبر /سيمفونيَّة/ تجسيدًا للفن الشعري الذي يجمع بين الإبداع والعمق العاطفي، حيث تستخدم نازك مسُّوح اللغة والصور بطريقة تجعل القارئ يغوص في عالم من المشاعر والأفكار. تعكس القصيدة رحلة داخل النفس البشرية، تستحضر الجمال والحنين والتعقيد الموجود في العلاقات الإنسانية.

***

بقلم: كريم عبد الله – العراق

........................

سيمفونيَّة / نازك مسُّوح

أراكِ  تُحلِّقينَ  بجناحَي نور

تمرّينَ بعطرك وبسرِّ الروح،

وبداخلِك أفكارُكِ تتعاركُ مع المعاني..

نداءٌ يأتي من أبعدِ نقطةٍ فيك..

أيُّها الحالمُ بي أقبِلْ

لملمْ جهاتِ القلبِ المشتَّتة

وعانقِ الشغفَ بيقينِ السؤال:

مِن أينَ لكِ هذا

وأنتِ فراشةٌ الضياء؟

قربكِ قربُ النار

وكلُّك يقولُ برداً وسلاما،

وقبضُ الريحِ يعلنُ دستورَه..

توسّدي كفَّ اللقاء

واكتبي بلسانٍ فصيحِ الشهد

أنا طفلتُك..

لا الدهشةُ تملكُ تفسيرها

ولا العجبُ يقيمُ سرادقهُ

ببساطةِ تفسيرِ الماء..

أنت رضعتِ حليباً محلَّى بسكَّرِ الشهقة

أعلمُ لا ثغرَ لكِ

أعلمُ  أنَّكِ عندَ المساءِ  تلثمينَ عنَّابَ البُروقِ

متى ما زَمجرَ وحشُ الجمال

تهمسينَ لزنابقَ غَفَت في أحضانِ الحُقول:

استيقِظوا...

فكلّي عسلٌ ونار!

هلمُّوا لهطولٍ

يحيي ويحيي

يسابقُ أنفاسَ العاشِقين

ليصنعوا سباقَ الركضِ إلى جنَّتي

وكلِّي غيمٌ يتلاقى في طبقاتِ العِناق

ليسكبَ قطراتِ الهوى

على صفيحِ قلوبٍ أعياها العطش..

هلمُّوا نغنِّي أغاني الحبِّ،

ونكتب حولَ الماءِ، حول النارِ ما تيسّر من لهفةٍ

نُدندنُ سيمفونيةَ الخِصب،

نهلِّلُ للخيرِ معَ "المَعرِّي"

"فلا هطلَت عليَّ ولا بأرضي

سحائبُ ليسَ تنتظمُ البِلادا"

***

نازك مسُّوح

في المثقف اليوم