قراءات نقدية

مرشدة جاويش: قراءة على المستوى الأسلوبي في نوستالجيا اشكالية التقييم

للمتخيل في نص الشاعر العراقي الأستاذ الفاضل كامل فرحان

***

النص:

مابين غَسَقَ الدُّجى

 وإبْلاَجُ الصُّبْحِ

 قَلبِي

يُرَتِل تَرًنِيمَة وَجد،؟

بعْدَ سُهاد

طَيْفكٍ زارَني

حَدَثَنِي

عن أمْنِياتِ  الأمس.

عن الفرحِ  ، والهمسِ

عن وعودِ

 بالوفاءِ

 الصدق. كل الصدق

ثارَ بِي أسئلةٌ مُستَفزة

أتراهم عَبَثُو في الطريقِ

يَوُمَ كُنتُ أطوي المسافة

كسجادةُ صلاةُ

هلّ للاحاسيس ثمن؟

لِتُباعُ المشاعُر

في سوقِ النخاسِةِ

أم انَّ الوفاءَ

 شُيعُ الى مثواهِ الاخير

لتَحُلَ ساعة النسيان

***

كامل فرحان

......................

امتداد رؤيوي:

دائماً اللغة تنتمي إلى مجموعة "الأنظمة الرمزية" التي تشكل الثقافة كافة بما يتبع المنجزات الإنسانية

فهناك علاقة جدلية

داخل مجال النص منطق افصاح عن الطاقة الرمزية كي يكتمل أي نص. لقد خلص (بارت) إلى مفهوم الدلائلية/ دال ومدلول/ تميزه على صعيد الماهية السياقية.  فسيميائية الثقافة هي موضوعات تواصلية وأنساقاً دلالية  بين الناص والنص حين يتمظهر بالبحث النسق المتخفي وراء الاشارات اللفظية لكشف انتاج المعنى العام بالتوليد الدائم للدال كما سنرى ذلك في لغة الناص. فالسيميولوجيا

هو العلم الذي يدرس الدال وعلاقته مع المدلول. العلم الذي يدرس فقط المدلول يسمى: علم المعان. وحين لايتطابق الدال مع المدلول هو مايسمى بالانزياح والذي لم يترجم كلياً بالنص.

قراءة على المستوى الأسلوبي:

من المتن نرى تشكل الدجى والصبح، فلهما صلة ببعض حين يتم استخدام تلك العبارة لتوضيح البُعد الكبير بين الأمرين كمعنى.  واستحالة تجميعهما لكن يترافقان زمنياً بالتتالي. وعظمتها في السماء يمتدان إلينا أرضاً.   وتستخدم مابين/ هنا استهلالاً كنوع من التوضيح فـ(ما)، نحيلها كإسم موصول. و(بين) نؤولها قواعداياً إلى ظرفية مكانية. أي بين الدجى والصبح هناك "القلب".

القلب = بيولوجياً مرتكز الجسد بالنسبة للإنسان يمنحه الحياة

يرتل أي يتماهى بالتمهل والتأني جهراً أوغير جهر نحيلها للقرآن.

وَرتِّل القرآن تَرْتيلًا.

ترنيمة، وهي تقارب.

الترتيل، بنغمة متفانية خاشعة. بغرض أداء مايقرب العبادة

وجد، نعتبره هنا الحزن فالوجد له معانيه العدة، لكن ضمن سياقات الجملة الوجد هنا الشوق الشديد وسنح الإشتياق

فهو التوحد الروحي والذاتي للتوحد مع الإله صوفيا. فالشاعر من ابتداء المتن يعطي للحالة الشعرية الصوفية والالتزام بها من خلال ذاك بالمفردة الدينية (غسق / دجى /يرتل/صبح). ومع غياب

اللغة:

كما ننوه دائماً إن العنونة هي الجسر الواصل بين النص والمتلقي وعنوانه. وأيضاً تقديم الفكرة الجامعة للكشف عن مضمون النص وسلطته وبغيابها هنا نرى أن الناص استعاض عنها ببوحه الذاتي بسيولة لفظية قريبة للمتلقى لاتتبع الغموض أو الإبهام فكان هذابديلاً عن العنونة والتي باتت جزءا رئيسيا للنص. إنما الشاعر اعتمد الألفاظ في النص كي تظهر اللغة في الأشكال المختلفة صرفاً وتركيباً برشيمات معرفية تعطي المعنى العام بكفة تتأرجح بين الشك واليقين بانعكاسات الذات التي توسم عصوات إسناد اضلاع الشكوى والحنين في حضن أمل أخرق.

الحالة الشعورية

الناص بحالة تلاصق حسي منذ البداية مع الأنا الأخرى. فبين الغسق والانبلاج مساحة تكفي كي يبدد ذاك الوجد وهو يتغنى بهذا الكلف ليوصل الحالة الروحانية المتهجدة، بتجرد كلي أنوي فهو بهذيان اللحظة بعد ذاك الأرق. لم يتموضع ضمن حدود الكلمات وضمن نطاقها اللغوي بل كانت حالة دراماتيكية لها أثرها الفعلي. فالأرق سبب كل ذلك الوجد المتلظي ووثبة في تحريك الذات الشاعرة بعقلانية يستنبط منها الروحاني فهنا:

ما بين غَسَقَ الدُّجى

 وإبْلاَجُ الصُّبْحِ

 قَلبِي

يُرَتِل تَرًنِيمَة وَجد،؟

بعْدَ سُهاد.

إن السهاد كان حالة فاعلة مؤثرة وترشيد لنقطة دوران النص ضمن التحولات الدلالية الناجمة من المدى العمقي في معالم النص.

الحالة الشعرية والفكرة:

اعتمد الناص الوصف الدرامي فالأرق أخذه إلى هذيان وتخلقات طقوس تجعل ذاك الطيف يراوده ضمن تحول مدرك / الصدق كل الصدق/ هنا الذات تظهر مكنونها الذي هي تبتغيه من خلال مخيلة تستدعي حضور طيفها وترى من خلاله حوار مورق بفلسفة الجوارح والداخل، أي الفينومولوجيا.

عن امنيات الامس

عن الفرح  والهمس

عن وعود بالوفاء

كل ذلك كان حديث طيفها المراود أثناء السهاد بميكانيزمية جامعة لكل مستغرقات الذات للتناص بصوت الشاعر عن طيفه الذي تجلى له. فالنص يتنفس من خلال مايراه هو ذاتياً لأن الطيف هو ذاكرته الملاصقة له وسط سهده بجمل شعرية حاملها متناغم بين الدال والمدلول. وتبقى التحولات المضمنة رهن الإحتمالية:

 أتراهم عبثوا

فهذيان اللحظة المؤرقة تتراتل الصور بالذاكرة والخيال بالفكرة.

فالامنيات هي المأمول

الأمس: هو الوقت الماضي القريب

الفرح: السرور

الهمس: الصوت الخفي

الوعود: العهود أو الإلتزام

الوفاءك  الاخلاص والثبات على الوعد

الصدق: سمة حسنة وقول الحقيقة

فالذات تسوس مرتدة عن دهرية البندول. وماكان فيها من فرح وهمس ووعود. وأكدت على الوعود بالصدق. وتكرار مفردة الصدق. بمعنى أن الأنا تبحث عن أمان عن حقيقة وترنو إلى البقاء على العهد. بمحاكاة مع طيفها كناسك هجير وحدته بل لنعتبره ظله. ليستدعي قسراً الدفق الشعوري الذي يعكس الحالة النفسية الباحثة عن يقين ترغبه فهنا الدالة سحابة متسولة في صوامع الرجاء.

مسارات النص

وما تفرزه الذات هي رؤيا خاصة بصاحبها وتوجهاته. وما أثّر به الطيف فلقد غيّر المسار بأسئلة عدة لرتق فجواته. تلك الأسئلة ليست عابرة بل تستفز الذات الى حيرة مسائلة.

 اللغة وأسلوبية الناص تسير بسياق دلالي حسب طقوسه الحسية والشعورية لحظة كتابة النص فلغته مشحونة بمناخات تعبيرية مستغربة بأسلوبية فنية تصويرية تؤكد حيرته وشكه بذاك العبث

أتراهم عبثوا في الطريق

يوم كنت أطوي المسافة

كي تكون لغة فنية ابداعية تتموضع ظهوراً ضمن واقعية شعرية متحدة مع الكائن الإنساني الوجودي في حلقة تتسع غسق الدجى

وتضيق الصدق كل الصدق

بتوليفة جمل خبرية واسمية لتتخلق رهان أكبر لقدرتها التأثيرية على المتلقي. فماذا بعد ذلك الانشداه؟.

هل للأحاسيس ثمن؟

سؤال يجمع بين  الحسية وبين المادية

هذا التناقض أعطى للصورة جماليتها مع وهلة السؤال الذي استطرد من خلاله الى:

لتباع المشاعر

أيضاً هنا الصورة بارعة بين البيع والمشاعر مخاض لغوي ينفتح على دوائر عدة فالشاعر ينصب نفسه شاهداً على الإحباط ليعيد ترتيب غموضه من أجل روح مفعمة بيقينها تجبّ الذات الشاعرة لتؤثث للبرّاني التقاطاتها النفسية وتحولاتها ليتمادى الوعي لكسر الحواجز ورفع صوت المواربة ولجم الحالة. فهو مضطرب غير متيقن بل مستنكر. هل من المعقول أن تبادل المشاعر وتتنازل ويتاجر بها؟

بأبخس الأثمان؟

سوق النخاسة

أم مات الوفاء

 الوفاء شيع

(هلّ للاحاسيس ثمن؟

لِتُباعُ المشاعُر

في سوقِ النخاسِةِ

أم انَّ الوفاءَ

 شُيعُ الى مثواهِ الاخير)

حينها يكون حصاد الغفلة، كي تمسح الذاكرة ويتوجب النسيان. نعم إن الوفاء شيع مثواه الأخير. فاللغة موجعة تبدد معاني الزمن المر في تبدلات المزاج.  تناقضات عدة في زمن الاهتراء ولامكان للعهود في هذا الخواء.

خاتمة فيها كل العبرة حين تستنطق الخراب.

فما بين الخيانة والوعد فارق خطوة

وقد انكسر شراع اليقين

واستكان فحيح الصور لجنح الأمان

ففلك الخلاص صراط أَشَر

لحسية فيها كل الحيرى والأسئلة المرة

فهل ينتظر بريق الوتر

لأسماء نخرتها سوسة الرجاء

الختم وبعض التفاصيل:

لغة لها تكوينها الدلالي المسترسل بالنص وتوظيف شعري لجوهر عناصر زمكنة.

/الطريق /المسافة /

خلقت تماهي مؤثر لسياق المعاني باقتصاد لغوي وتصوير مقطعي للتعبير عن الفكرة التي تتوالد قوية ملحاحة بترابطية لغوية مكثفة لصالح النص ولتظهر مدى تفاعل الذات مع الحدثية الجوانية المنفلتة ببركانها النازح ليتمخض التوهج الدلالي بجمل النص.

أ. كامل مبدع بهي جُماني الحضور مضفي الحبور على كل من يحيط به حيثما حلّ

يسكب سلاف الجمال بلغة من عقيق

بالتوفيق الدائم

***

مرشدة جاويش

 

في المثقف اليوم