قراءات نقدية

الحسين بوخرطة: خوف وسراديب الموت وسؤال التجديد الثقافي العربي

قراءة نقدية عمودية لرواية "خوف" للكاتب السعودي أسامة المسلم

قبل أن أمكنك عزيزي المتتبع للشأن الثقافي والإبداعي والعلمي العربي والمغاربي من قراءات تفصيلية لرواية "خوف" بأجزائها الثلاثة، انتصرت للحاجة المنهجية بتصدير هذه القراءة بمقالين أولين كتقديم، الأول لتحديد السياق الفكري للرواية عنونته ب"القراءة العمودية"، والثاني للحديث عن تقنيات السرد والمتن الحكائي عند الأديب أسامة المسلم (المقال المقبل).

إن الاستثمار الثقافي الجاد في إبراز تراث قيم المجتمعين العربي والمغاربي منذ زمن الجاهلية، تحول اليوم مع كتاب مواليد السبعينات، وعلى رأسهم الأديب السعودي أسامة المسلم، إلى انشغال قوي للشباب.

لقد تأكد اليوم أن الوقت لا يرحم، وأن العرب والمغاربيين لن ينصاعوا يوما لشعار " الإنسان الليبرالي العالمي الوحيد" الذي روجته قوى النظام العالمي الجديد زمن العولمة أو خلال الزمن التاريخي الذي سمي تعسفا ب "زمن ما بعد الحداثة".

نفس الانشغال نجده مجسدا في الكتب الفكرية لعباقرة القرن العشرين والواحد والعشرين وعلى رأسهم المرحوم محمد عابد الجابري، والدكتور عبد الله العروي، والدكتور طه عبد الرحمان، والدكتور ماجد الغرباوي .... إنه الانشغال الذي استثمر بجدية وإرادة هائلتين في دراسة وتحليل وتقييم التراث الفلسفي العالمي، الذي ركز رواده على إبراز الأدوار الريادية التي جسدها كل من ابن رشد وابن خلدون ومحي الدين ابن عربي وغيرهم في تطور الحضارة العربية وتطور الفكر الفلسفي الكوني.

هذا النمط الأدبي الروائي الجديد (الأجزاء الثلاثة لرواية خوف كنموذج) يشكل اليوم الجسر القوي بين الفكر والمجتمع بتقنية وعبقرية أدبيتين جديدتين تحولتا إلى تجربة إبداعية مؤثرة نظرا لأهمية المضمون وتشربه السريع من طرف الأجيال الصاعدة. في هذا الشأن، ومن خلال حواراتي ونقاشاتي مع الدكتور علي القاسمي، كان دائما يلح على البساطة في الأسلوب والعمق في المعنى والدلالة. كما استنتجت من فترة الصداقة التي ربطتني معه أنه كان يعتبر المثلث "الرباط، وبغداد والرياض" القلب النابض للحضارة العربية والمغاربية في الماضي والحاضر، والمجال الترابي الخصب ثقافيا والأنسب جغرافيا الذي سيمكن شعوب المنطقة برمتها من طلب الكلمة للتعبير عن الذات كونيا.

نفس الحرص على مقاومة منطق المنتصر الغربي، بجوانبه المصلحية والسياسية الواضحة، نجده كذلك في الشرق. لقد رفعت على أنقاضه ومتناقضاته شعارات موازية كشعار "الحضارة الأوراسية"، وشعار "الحضارة الصينية"، وشعار "الحضارة الهندية"، وشعار "الحضارة اليابانية"......

دروس ودلالات وعبر كتابات الأديب السعودي أسامة المسلم، وكتابات الدكتور العراقي علي القاسمي، وكتابي الذي خصصته لنقد مجموعته القصصية "أوان الرحيل" تحت عنوان "سراديب الموت"، استثمرت في حيز كبير منها في "التراث العربي والمغاربي". روايات أسامة انغمست حتى في التاريخ العربي الجاهلي. فعبارة "النقد المبني على الشخصية" تم اختيارها بعناية تامة. للعرب تاريخ شخصية بمروءة نسائية ورجالية وقيم ومبادئ وأسس حياة لا تقاس في تاريخ البشرية. فحتى المعارف المحلية التراثية (مدونات عمار كنموذج) يمثل حيز هام منها ثروة قيمية وسلوكية تاريخية ومكون هام من شخصية إنسان المنطقة الممتدة من الخليج إلى المحيط. إحياء النافع منها يعد اليوم واجبا على كل المثقفين لتوثيق الروابط العقلانية ما بين الماضي والحاضر والمستقبل. فحتى التأمل في الواقع الأمريكي (دولة بتاريخ لا يتجاوز 200 سنة)، كحاضر امتزجت فيه مجموعة من مقومات شخصيات عدة أقطار وأمم مهاجرة، جدير بالتأمل (نموذج غربلة وانتقاء للتراث الثقافي لعدة أجناس بشرية تحت غطاء النمط الديمقراطي الليبرالي). إنه النمط المؤسساتي والثقافي والسياسي الذي عاش فيه بطل الرواية السنوات الست الأولى من حياته.

فعقلانية التحكم في الخوف في حياة الإنسان عند أسامة المسلم يقابلها واجب تحقيق شروط الشجاعة والاطمئنان في استقبال الموت عند علي القاسمي. إن مواجهة غطرسة الخوف غير المبرر عقلانيا، ككابح للجرأة والإبداع والمناوئ لعزائم الغوص في عالم كشف أسرار الكون، يجب أن يوازيها الاستعداد التام للإنسان العربي والمغاربي للوفاء الصادق لأمانة استخلافه في الأرض بإبداع نسق منتج لتدبير وقته بجعل الزمن المخصص للترفيه والترويح على النفس آلية للرفع من مردودية عمله اليومي.

***

الحسين بوخرطة

في المثقف اليوم