قراءات نقدية

كاتي كيتامورا: رثاء مشوب بالسياسة لأخت متوفاة

قراءة فى رواية الكتاب الأبيض لهان كانج

بقلم: كاتي كيتامورا

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

جذبت روايتا "النباتية" و"أفعال بشرية" للكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ قراء اللغة الإنجليزية إلى عالمها الروائي المثير. وعلى الرغم من أن روايتها الجديدة "الكتاب الأبيض" تتميز بنبرة أكثر هدوءًا، إلا أنها أيضًا جريئة من الناحية الشكلية، مؤثرة عاطفيًا وعميقة سياسيا. أما صغر حجمها النسبي - 157 صفحة فقط، مصممة ليناسب راحة اليد - فيعتبر خادعًا؛ فهو علامة على كاتبة ذات ثقة عالية.

وقد تُرجمت الروايات الثلاث إلى الإنجليزية جميعا من قبل ديبورا سميث، التي نالت أعمالها شهرة واسعة: فقد فازت ترجمتها لرواية "النباتية" بجائزة مان بوكر الدولية لعام 2016، وكان "الكتاب الأبيض" من ضمن القائمة النهائية للجائزة في نفس العام. ومع ذلك، لم تكن الكتب السابقة خالية من الجدل، حيث أشار العديد من النقاد إلى وجود أخطاء في ترجمة "النباتية" والتعديلات التي أجريت على عباراتها الأصلية.

معايير مهمة المترجم ليست ثابتة بأي شكل من الأشكال، ويمكن أن تتراوح بين الترجمات الحرفية - كما يتذكر المرء ترجمة نابوكوف الشهيرة، التي كانت حرفية ومثيرة للجدل في نفس الوقت، لرواية "أوجين أونيجين" - إلى شيء أقرب إلى التفسير. من العادل أن نقول إن ترجمات سميث السابقة لأعمال هان تميل نحو التفسير. في مقابلة، وصفت "الإخلاص" بأنه "مفهوم عفا عليه الزمن، مضلل وغير مفيد عندما يتعلق الأمر بالترجمة." تم نشر العديد من المقالات حول هذا النزاع، وجرى جدل حول أن السجل المعزز لعمل سميث - إضافة العديد من الصفات والزخارف - جعل أعمال هان أكثر تقبلاً للقراء الغربيين. سواء كانت الترجمة الأكثر تقليدية والأكثر إخلاصًا ستمنح هان الجمهور الدولي الذي تتمتع به الآن هي نقطة جدل. لكن الجدل يثير سؤالًا مهمًا: هل تتمثل مهمة الترجمة ببساطة في سد الفجوة بين الثقافات أم أنها يجب أن تمثل تلك الفجوة بطريقة ما؟ هذا السؤال ذو صلة أيضًا بـ "الكتاب الأبيض"، الذي تُروى قصته على لسان كاتبة كورية جنوبية وصلت حديثًا إلى وارسو.

تتجول الراوية في مدينة تحمل آثار الحرب العالمية الثانية بشكل واضح: "الحدود التي تفصل بين القديم والجديد، والخيوط التي تشهد على الدمار، تظهر مكشوفة بشكل بارز. في ذلك اليوم، بينما كنت أمشي في الحديقة، أنها أول ما خطر في بالي." تلك "هي" هي الأخت الكبرى للراوية، التي توفيت "بعد أقل من ساعتين من الحياة." "كانتا ملتصقتين هناك على أرضية المطبخ، والدتي على جانبها مع الطفل الميت بين ذراعيها، تشعر بالبرد يتسلل تدريجياً إلى اللحم، يغوص حتى العظام." يصبح تلاقي المدينة التي أعيد إحياؤها والأخت المفقودة هو الخط الأساسي لرواية تروى في لمحات وقطع، كعمل من الذاكرة والتعويذة.

لا يمكن اتهام سميث في تقديمه لرواية "الكتاب الأبيض" بالإسهاب. فالرواية تتألف من فقرات قصيرة تركز على كلمة أو عبارة تتعلق باللون الأبيض، وتبدأ بقائمة تتضمن "الملح" و"الكفن" و"الورقة البيضاء" . من هذا، تبني الراوية الرواية: "الآن، في هذه اللحظة، أشعر بتلك الإثارة المذهلة التي تسري في عروقي. وأنا أخطو بتهور إلى زمن لم أعشه بعد، وإلى هذا الكتاب الذي لم أكتبه بعد".

ما يلي هو نص مشبع بـ "الإثارة المدهشة". تلاحق الأخت الميتة الراوية: "لأنه توجد لحظات، وأنا مستلقية في الغرفة المظلمة، عندما يكون للبرد في الهواء حضورًا ملموسًا. لا تموتي. من أجل الله لا تموتي. ... ربما أنا أيضًا، قد فتحت عيني في الظلام، كما فعلت، ونظرت إلى الخارج."

تنتقل الرواية بسلاسة بين "أنا" و"هي"، في تحولات بين الشخص الأول والثالث، ولكن أيضًا في الانهيار البطيء للحدود بين الراوية والأخت، بين الحياة والموت. يصل هذا إلى ذروته في تشكيل تاريخ بديل لولادة الأخت: "ومع ذلك، قبل الفجر، عندما جاء أول حليب أخيرًا من ثديي والدتها وضغطت بحلمة ثديها بين الشفاه الصغيرة، وجدت أنه، على الرغم من كل شيء، لا يزال الطفل يتنفس. على الرغم من أنها كانت قد فقدت الوعي بحلول ذلك الوقت، فإن الحلمة في فمها شجعتها على البلع برفق، ثم ازدادت قوة تدريجيًا".

تتكرر فكرة البعث في أعمال هان، وهي فكرة مرتبطة بالذاكرة السياسية والجماعية. في رواية "أفعال إنسانية"، تلاحظ كاتبة مداهمة غير قانونية من الشرطة على مجموعة من الناشطين. وفي هذا السياق، ترى شبح انتفاضة غوانغجو عام 1980، وهي احتجاج مستمر ضد الحكومة العسكرية في كوريا الجنوبية، أسفر عن مقتل المئات من المدنيين: "أتذكر أنني كنت ملتصقة بالتلفاز... ودهشت من الكلمات التي خرجت من فمي: لكن هذه غوانغجو... الانتشار المشع مستمر. لقد وُلِدت غوانغجو من جديد فقط لتُذبح مرة أخرى في دورة لا نهائية. لقد تم تسويتها بالأرض، ثم أقيمت من جديد في ولادة جديدة ملطخة بالدماء".

من بين أمور أخرى، يُعد "الكتاب الأبيض" نداءً عاجلاً لقوة الطقوس المرتبطة بالحزن — لأهميتها من حيث التعويض الشخصي والتاريخي. تكتب هان: "فكرت في حوادث معينة في تاريخ بلدها الخاص، البلد الذي تركته من أجل المجيء إلى هنا، عن الأموات الذين لم يتم الحزن عليهم بشكل كافٍ. بينما كانت تحاول تخيل تلك الأرواح تُشاد بها، في قلب شوارع المدينة، أدركت أن بلدها لم يقم بذلك بشكل صحيح مرة واحدة."

تستكشف هان الاحتلال بأشكال وسياقات متعددة، بدءًا من الاحتلال الياباني إلى التظاهرات السياسية، دائمًا تتبع "الانتشار الإشعاعي" للصدمات. لكنها أيضًا تدافع عن التعاطف، الذي يعترف بقوته وقيوده: "رأيت الأمور بشكل مختلف عندما نظرت بعينيك. مشيت بشكل مختلف عندما مشيت بجسدك.. لكن الأمر لم يظهر كما كنت أنوي. مرة بعد مرة، كنت أُحدق في عينيك، كما لو كنت أبحث عن شكل في مرآة عميقة وسوداء." في هذه الرواية الدقيقة والبحثية، تقترح هان، من خلال سميث، نموذجًا حقيقيًا للتعاطف، يصر على قوة التجربة المشتركة لكنه ليس قائمًا على محو الاختلاف.

(انتهت)

***

.......................

المؤلفة: كيتي كيتامورا / Katie Kitamura: كاتي كيتامورا (من مواليد 1979) روائية وصحفية وناقدة فنية أمريكية ذات أصل ياباني . وهي حاليًا زميلة بحثية فخرية في اتحاد لندن أحدث رواية لكيتي كيتامورا هي "الانفصال".

* الكتاب الأبيض، بقلم: هان كانج. ترجمة ديبورا سميث. 157 صفحة. دار هوغارث للنشر.

في المثقف اليوم