قراءات نقدية

فلابيا بيسثي فيلتري: المنفى الداخلي في شعر انطونيا بالاسيوس

بقلم: فلابيا بيسثي فيلتري

ترجمة واعداد: يوسف امساهل

***

العزلة ليست دائما مكسبا. ليس نصرا أن تتحسس في العتمة المنزل الفارغ، المهجور، الجسد المنفي في الظلمة، المهمش. العزلة والاخلاء ليسوا على الأقل ممتلكات. هم أهداف تم تحقيقها، بسبب او بدونه، تجبر الشخص على ايجاد طريقة مختلفة لرؤية العالم، طريقة أخرى للارتباط به. يمنحونه أحيانا ورغما عن نفسه صوتا جديدا بأصداء مظلمة. " مارتينيث باشريك، 2011، ص 337".

مقدمة

تفتح عينيها قليلا، تتلمس موضع الضوء وتشعله، تتحسس طاولة سريرها، تأخذ ورقة، تبحث عن القلم داخل الدرج، تبدأ في خربشة كلمات، والأرق قد سيطر عليها وصارت جزء اً منه، ثم تجمعها في جمل لا معنى لها على ما يبدو؛ ظلال تملي ما لا يريد النهار رؤيته، تكتب بهذيان ودون تفكير، يدها لم تعد جزء اً من الجسد، تدون، تشطب، تجمع، تفكك، تتوقف، أصبح للورق جلد أخر، فالظلام يعبر، لا يمكنه ان يطل على النهار وينتظر الليل جاثماً.  تصدر أنينا من شدة إنهاكها، يسقط القلم الأعزل،  تطفئ الضوء، تنكمش على شكل لفافة خيط، ترتجف

عندما نقرأ لانطونيا بالاسيوس يهيأ إلينا أنها غارقة في غيبوبة لا نهاية لها وان الليل قد أسرها، منهكة القوى من شدة الهجر، وفي بحث مستمر عن صفاء الهدوء والسكينة. هذه الحالة النفسية تحديدا هي التي تحاصر انطونيا بالاسيوس وتسيطر على شعرها الذي كتبته بعد حدث يعد الأشد إيلاما بالنسبة لكل أم، ألا وهو فقدان احد ابنائها.

و نتيجة لهذا المصاب الجلل أصيبت كاتبتنا باكتئاب حاد أبعدها عن العالم وطردها من الحياة. وبذلك استقر في جسدها وفي روحها حزن عميق يستحيل التغلب عليه نهائيا

راهنت انطونيا على المنفى الاختياري والتواجد في مكان، هو اخطر منطقة في اللاّ انتماء (اسينثيو، 2004، ص 98) حيث صار وجودها دون مبرر ودون موطن يذكر، لتتأمل العالم من مسافة مليئة بالذكريات والحنين

في شعر انطونيا بالاسيوس تبدو بوضوح شديد تلك الحالة النفسية التي تسمى بالمنفى الداخلي، ويختلف هذا المنفى عن المعنى المتداول كونه إبعاداً قسرياً عن الوطن لأسباب سياسية أو اقتصادية أو دينية أو عرقية أو اجتماعية (بواداس، 2000، ص 26

إن المنفى الداخلي الذي نستشعره في أبيات انطونيا يوقظ كذلك حركة مستمرة وتجوالا من مكان لأخر على شكل سفر، لكنه بحثا عن وطن للروح. فكل من يعيش هذه الحالة النفسية يفر من نفسه لعدم قدرته على البقاء

وكما أن المنفى الخارجي يعتبر حصيلة مواقف سياسية أو اقتصادية أو عرقية تعرقل مسار الحياة الطبيعية، فإن المنفى الداخلي هو نتاج سبب خارجي لا يتحكم فيه ذلك الذي يعاني منه، انه حدث مأساوي يدفعه للانكسار ويترجم الى تجزئة مرتبطة بالوجود والغرابة وبالمنفى الداخلي لموجات عميقة والذي هو بالتأكيد شكل من أشكال المنفى(أسينثيو 2004، ص 113).

انطلاقا من هذا التشرذم تجد انطونيا بالاسيوس، وهي منفصلة عن نفسها، في الشعر، أداة لإخراج ألمها الكوني والشمولي وتفتح ممراً في الظلام وتخلق الجمال بسبب المعاناة والشقوق التي تنخرها.

و انطلاقا من وفاة ابنتها باعتباره حدثا غامضا، فان انطونيا ـ ووجودها إجمالا ـ  لن تعود أبدا إلى المكان الذي كانت تسكنه، بل سوف تتجول بين الكلمات وظلالها وسترتبط أيما ارتباط بالشعر نفسه بالرغم من ارتياب الأصدقاء والعائلة، بيد أنها ستظل دائما منفية من الحياة ومن نفسها. وهو ما تعبر عنه مارينا كاسباريني في مختاراتها المتميزة من شعر أمريكا اللاتينية تحت عنوان: المنافي:

المنفى هو رحلة بدون عودة، فلا يمكن الرجوع من المكان الذي فتحته فينا جغرافية التهجير. تتغير الأرض التي ابتعدنا عنها ونتغير نحن كذلك، لنصير منذ ذلك الحين سكانا للاغتراب. لم نعد كما كنا ذلك الشخص الذي يتجول من جديد في شوارع ذاكرتنا ذات يوم.

نتابع مسيرنا دون ان ندرك الايقاع المتوازن لاولائك الذين يشعرون بالامان في وطنهم: ضمير المنفى يشير بايقاع مختل لخطواتنا المندفعة. ففي اغترابنا نفقد تسلسل الاحداث ومعانيها، ونفقد الشعور بالامان واليقين في حين يكبر الاحساس بالعطف في ظل العجز . (كاسباريني، 2012، ص XV)

سنحاول في السطور الآتية تقديم مقتطفات من السيرة الذاتية لانطونيا بالاسيوس حتى نتمكن لاحقا من ملامسة شعرها باعتباره تعبيرا عن هذه الحالة النفسية الناجمة عن حدث مأساوي آت من بعيد وخارج عن سيطرة الشاعرة وكذلك كوسيلة إبداعية لاجتياز الظلمات والبقاء على قيد الحياة

الكتابة الشعرية المرتبطة بالشخص المنفي الذي يتوفر على طريق واحد: نقل عزلته وعدم ارتياحه وحزنه وتوازنه وقوته.(بينييدا بيريث،2000،ص69). تقوم انطونيا بصياغة هذا التحول وهي حائرة بين الوجود واللاوجود، تفر من الظلمات وتعود إليها لتترك لنا شعرا شاملا ورائعا يهزنا هزا

لمحات من سيرة انطونيا بالاسيوس (1904 ـ 2001)

رأت انطونيا بالاسيوس النور في مدينة كاراكاس سنة 1904، وكان لها كبير الأثر في أدب فينيزويلا من خلال انتاجاتها الأدبية الغزيرة التي شملت الأعمال السردية والمقالات والقصص والشعر وكذلك من خلال ماقدمته في الورشات الأدبية التي كانت تلقيها في منزلها كاليكانتو

وقد شهد عقدها الرابع غزارة من حيث الانتاج وقامت بالعديد من الرحلات داخل وخارج فينيزويلا. وفي عام 1944 قامت بنشر كتابها "باريس وثلاث ذكريات" وبعد بضع سنوات (1949) بدأت مسيرتها الادبية تعرف تأثيرا كبيرا مع صدور روايتها الاولى والوحيدة "أنا إسابيل، فتاة عفيفة" والتي نشرت في بوينوس ايريس

وقد حظيت هذه الرواية بترحيب كبير في الأوساط الأدبية المحلية والأجنبية وتعتبر اليوم مرجعا أساسيا  في أدب فينيزويلا. وبعد سنوات نشرت انطونيا مجموعة من القصص جمعت في "قصص الساعات" (1954) و"رحلة إلى نبات الفرايليخون" (1955

وعندما بلغت 37 سنة ازدادت ابنتها ماريأنطونيا التي تميزت منذ نعومة أظافرها في العزف على البيانو، لذلك كرست انطونيا بالاسيوس نفسها روحا وجسدا لتطوير ابنتها فنيا، فرافقتها في العديد من الرحلات لتشجيع مسارها المهني. وقد عاش كلاهما في نيويورك وفي العديد من المدن الأوروبية إلى أن قررت ماريأنطونيا سنة 1957 التخلي عن البيانو والرجوع الى كاراكاس، مما تسبب لامها في خيبة أمل كبيرة لدرجة ان ذلك احدث بينهما شرخا مؤلما وعميقا.(مارتينيز باتشريك ، 2011، ص159

وبعيد وصولهما الى كاراكاس قررت ماريأنطونيا ان تتزوج وتشارك بشكل سري في مجموعات تخريبية ضد نظام الجنرال بيريز خيمينيث الديكتاتوري ومع ذلك فان استمتاعها بحريتها خارج الصرامة التي يفرضها البيانو سيكون عابرا لانها كانت مصابة بمرض السكري الحاد، الذي تسبب بعد بضعة أشهر في وفاتها "1963.

بالنسبة لكاتبتنا، الموت المفاجئ لابنتها كان قاتلا حيث أنه حطم حياتها. فقد عاشت بالاسيوس منذ تلك اللحظة متأثرة بمشاعر الألم وكما ذكر مارتينيث باشريك فإنها انغمست في اكتئاب حاد استطاعت التخلص منه تدريجيا بفضل وجود عائلتها وأصدقائها الذين يحبونها وكذلك لان الوجود نفسه فرض ذلك بشكل من الأشكال

. بدأت تتلمس الطريق لتستعيد عافيتها وهي تنسج خلال الليل خيوط الكتابة الشعرية مما سيساعدها رويدا رويدا على الاندماج مجددا في العالم. ستحمل معها معاناتها بفضل الشعر، ورغم عزلتها فهي قادرة على قول ما لايمكن تصديقه. إنها الوسيلة الممكنة لانطونيا لتعبر عن نيران معاناتها  ومخاوفها واحتضارها المدمر

ان حياة الام، وحياة المرأة وحياة هذا الكائن الذي هو انطونيا تلك التي تعيش معزولة ومهمشة، صارت كلها انطلاقا من هذا اليوم والى الابد " قطعة أرض دون سماء فوقها " أو بالاحرى ان الحياة انتهت في تلك اللحظة. ومن الان فصاعدا فكل ما تبقى هو حياة زائدة ورمادية ومظلمة ورهيبة. وأنطونيا تقبل ذلك، لانها دخلت في اللعبة الخبيثة. وكأنها تقول: فليكن رعبك لا حد له، فليكن رعبك قاس وبشع..

ولعل صوتها الذي يتلعثم أو يهمس أوينوح أو يصرخ قصائدها المستقبلية يصدح من تلك الهاوية. ولذلك نعتقد ان قراءة الاعمال الناضجة لانطونيا خصوصا: "نصوص الاخلاء" يتضمن خطرا محدقا بين ثناياه . لهذا فلا يمكن ان نخرج سالمين من هذه القراءة. (مارتينيث باشريك، 2011، ص164)

عند بلوغ 55 عاما، وهي في قمة نضجها، تجسد الشعر في انطونيا ليعيدها للحياة (مارتينيث باشريك، 2011،   167)

وبذلك استأنفت مسيرتها الأدبية. وفي سنة 1972 بادرت لإصدار مجموعة قصصية بعنوان "سكان الجزيرة" وفي السنة الموالية، اي سنة 1973، ظهرت قصائدها النثرية الأولى تحت عنوان "نصوص الإخلاء" لتفتح بذلك الطريق نهائيا نحو الكتابة الشعرية في سن لا نتصور فيه إلا الصدق في الكتابة مهما كانت قاسية ومحفوفة بالمخاطر

في سنة 1976 تم تتويج انطونيا بالاسيوس بالجائزة الوطنية للاداب عن مجموعتها القصصية "اليوم الطويل آمن فعلا

لتصبح أول امرأة فينيزويلية تحظى بهذه الجائزة، وفي نفس السنة حصلت قصتها "خطوات المطر" على الجائزة الثانية في المسابقة القصصية التي تنظمها صحيفة ´إالناسيونال´

يجب الإشارة لشئ مثير للاهتمام،هو أن من بين 52 متوجا بالجائزة الوطنية للآداب المعترف بما محليا ودوليا منذ عقود والتي تعد مرجعا أدبيا منذ إنشائها عام 1948 حتى حدود عام 2000 تقريبا، هناك 6 نساء فقط حصلن على الجائزة، كانت أولهن، كما ذكرنا سالفا، انطونيا بالاسيوس..

وفي السنوات الموالية، استأنفت تدريجيا أنشطتها الأدبية بانضمامها للمركز المرموق "رومولو كاييكوس" المعنى بدراسات امريكا اللاتينية "سيلارك" حيث كانت عضوا في لجنة التحكيم التي منحت جائزة "رومولو كاييكوس" للرواية للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيث عن مؤلفه مائة عام من العزلة.

وبطلب من صديقها الكبير اوسفالدو تريخو (مارتينيث باشريك، 2011، ص211) تقلدت شاعرتنا إدارة ورشة الأعمال السردية في المركز نفسه. وبمجرد انتهاء هذه التجربة، افتتحت ورشة خاصة بها تعنى بالشعر وبالأعمال السردية، لتبدأ  مرحلة تسمح لها بالاندماج في الحياة بمعية أصدقائها وطلبتها. وبذلك صار منزلها "كاليكانتو" مركزا لحركة أدبية ساهم فيه كتاب شباب متحمسون أصبحوا اليوم من شعراء ومثقفي فينيزويلا

في هذه الورشة تولدت فكرة انشاء مجلة ادبية "اوراق كاليكانتو" حيث نشرت نصوصا لما لايقل عن 60 شابا من المشاركين. وكان ذلك قطعا بفضل حماس شاعرتنا السخي التي لعبت دورا محوريا بتوجيهها لعدة اجيال، كما يؤكد ذلك مارتينيث باشريك "2011"..

وقد بلغ عدد المشاركين في المجلة من بدايتها الى صدور اخر عدد اكثر من 60 شابا مبدعا. وفي مرحلتين مهمتين من تاريخ المجلة التي كانت بمثابة الذراع الاعلامي للورشة، احتضنت اعمال مبدعين من قبيل "هوغو اتشوكار" و"رفاييل ارييث لوكا" و"ايكور بارييتو" و"رفاييل كاستييو ثاباطا" و"ارماندو كول" و"سيرخيو دابار" و"باسكوال استرادا اثنار" و" جاك جيرار" و"اليانا غوميث بيربيسي" و" سوسيا غونثاليث" و" البيرطو غواوورا" و" باتريسيا غوثمان" و"ايلينا اغليسياس" و" الياسار ليون" و"ادواردو لييندو" و"خوليان ماركيث" و" ميغيل ماركيث" و" انطونيو ميندوثا وولسكي" و" اسطيفانيا موسكا" و" ويليان نينيو اراكي" و" يولاندا بانتين" و" لويس انريكي بيريث اوراماس" و"جون بيتريزيلي" و"باربارا بيانو" و" ماريا ايلينا راموس" و"نيلسون ريبيرا" و"انطونييت روش" و"ارماندو روخاس غوارديا" و"لورديس سيفونتيس غريكو" و"بلانكا ستريبوني" و"باسكو سينيطار" و"نابوس ثامبرانو" ، فضلا عن مبدعين اخرين ومتخصصين في الرواية والمقالة والشعر والرسم والنحث والتصوير والسينما وعلم النفس والصحافة والهندسة المعمارية والامراض العقلية ورجال السياسة، ممن صاروا رواد الثقافة في فينيزويلا خلال العقدين المواليين (مارتينيث باشريك، 2011، ص229

خلال عقد الثمانينات، اصدرت الشاعرة مجموعة قصصية بعنوان "ساحة تحتل فضاء محيراً" '1981'، كما اصدرت الدواوين الشعرية التالية: "العتمة المضاعفة" '1983' و"الحجرة والمرآة" '1985' و"رياح عاتية من الذكريات" ' 1989' وفي بداية التسعينات اصدرت " حيوان الحلم المظلم هذا" '1991' و"رجفة الموارى العميقة" '1993'.

وبعد 38 سنة من رحيل ابنتها، توفيت انطونيا في منزلها 'كاليكانتو' يوم 13 مارس من سنة 2001 عن عمر يناهز 97 سنة.

وبحسب الذين عرفوها، كانت انطونيا بالاسيوس أساسا خجولة وتشعر بالاضطراب عندما يتم التحدث عن كتاباتها.

هذه الخصائص الشخصية ترجع، على ما يبدو، الى كونها كانت عصامية، بمعنى:

انها كاتبة بالفطرة، دون اي تكوين أكاديمي ودون معلمين بالمعنى الدراسي للكلمة، على عكس المؤلفين الكثر الذين قرأت لهم والذين يكتبون بشغف وبإحساس مرهف وكذلك على عكس أصدقائها المقربين والكتاب والفنانين الذين ينتمون للطبقة الراقية. "ماركيث « Xرودريغيث، 2002، ص ا

ان عفويتها في الكتابة، والتي لا تحتاج لإبراز المعارف كما يفعل الكثير من المثقفين، تسمح بان تصل مؤلفاتها للقارئ بعمق. هذه التلقائية في التعبير والصدق في قصائدها النثرية تمهد الطريق لأبياتها لتكتسح ثنايا كل من يقرأها تاركة بصمتها التي ترج .

وكما أشار ذات مرة الشاعر الفينزويلي ايغور باريت،  تلميذ انطونيا واحد أهم شعراء فينيزويلا في الوقت الحاضر، في إطار الورشات الشعرية التي يديرها حاليا في مدينة كاركاس "لا الذكاء ولا الفكر يقودان الى قصيدة جيدة، يجب ألا ننتظر لنكون مثقفين، الكتابة هي شغف بذاتها وبالعالم" وهذا بالضبط ما يحدث لنا مع شعر انطونيا الذي يكشف عن تمجيد للكلمة وللعالم وذلك ببناء ـ حول مواضيع محورية كالبيت والطفولة والزمن والأفول والخراب ـ "ماركيث رودريغيث، 2002، ص 13" عالم ندرك فيه أنفسنا ونعود إليه بخوف وإعجاب

المنفى الداخلي لانطونيا بالاسيوس

تظهر نصوص انطونيا بالاسيوس الشعرية ان بإمكان الشعر أن يكون أداة تساعد من يكتبه ليبدأ مسارا عميقا  يمكنه من تغيير نفسه بنفسه. فمن خلال الكلمة الشعرية صارت انطونيا قناة تعبر من خلالهاعن إرادة غريبة على ما يبدو،  لتصيح أو تهمس لها بأصوات وأوهام. إن لاوعيها هو من يدفعها لمواجهة هذه الإرادة والنظر في عينيها لتحاسبها من عمق بحر هارب ومضطرب

في هذه العملية الإبداعية لا يتمكن الجميع من التملص من براثن الظلام، حيث يعلق البعض بين الطحالب اللزجة في معركة دائمة ضد الحيوانات البحرية أما البعض الأخر فيتمكنون من العوم بتحسس ليصلوا للسطح: يتنفسون وينظرون  من أعلى البحر ويستنفذون طاقتهم بينما يحاولون أن يطفوا ويغوصون من جديد ويستسلمون وفي منتصف السقوط يعودون للحياة ليعطوا شكلا وصوتا لعالم العتمة ويعطوا معنى لوجودهم. هذا المسار تحديدا هو الذي تجسد انطونيا عندما تكتب قصائدها الناضجة.

في ديوان "نصوص الإخلاء" الصادر سنة 1973 "10 سنوات بعد وفاة ماريانطونيا" ـ والذي سنسلط عليه الضوء في هذا العمل ـ تظهر انطونيا مرتجفة، تطل من الهاوية، من ليال طويلة ومنيعة محاولة التبات في مكان الغياب، خارج العالم، في المنفى حيث تقطن تجاويفها والتي تحاول انطلاقا منها أن ترفع يدها لتلمس قبس النور الذي يحاذي طيات حياة تشعر أنها مبعدة منها

وفي زمن مشروخ ، وبعقل مضطرب وكلام من يشعر بالإقصاء، تثير انطونيا الغبار الثقيل لتشير مباشرة للمخاوف وللشكوك التعيسة وللتعب المبهم ، راجية من منفاها الداخلي عطاء صادقا ونهائيا. يفهم هذا المنفى على انه هيمان فكري حميمي لمن كانت منفصلة عن العالم وغريبة حتى عن جسدها ونفسها وهو من يفرض عليها الشعر كوسيلة لبناء أرض أخرى يكون الوطن الوحيد فيها هي الكلمة التي تلعثم هروبا من واقع يصعب الحفاظ عليه لأنه يأسر ويقصي ويتخلى..

انه عالم الظلام الذي يغرقها في الصمت، هي ارض لا يمتلكها احد حيث الحاجة الملحة هي صاحبة الطلب، من هذا الفضاء الذي يفتقر للأرضية وللأساس تكتب لنا انطونيا لتكشف عن نفسها وتكشف النقاب عن الهشاشة التي نحن عليها. فهي لا تعرف أين توجد او على الأقل إن كان يجب أن تتواجد. تتفحص جرحها وتتحمله بكل عناية، وانطلاقا من هذا الكسر تتكلم عنه  وتمنحنه لنا

تسعى انطونيا، ربما بشكل فطري، ان تؤسس لنفسها واقعا خاصا بها بخلق جسور هشة بين العدم الذي تسكنه ووجودها من خلال الكلمة التي تناجيها. لقد ارتمت بين احضان الموت وهي على قيد الحياة، تبحث من خلال مؤلفاتها ان تتواصل انطلاقا من الصمت، تدفعها قوة البقاء على قيد الحياة التي تخترق الشقوق الصغيرة لغرفتها. تستعيد انطونيا انفاسها عن طريق الشعر، وتحاول الكتابة اقناعها بان المرء يمكن ان يعيش بالرغم من ألم العالم.

المنفى الداخلي للشاعرة هو تحديدا ما نسعى لملامسته في قراءة بعض القصائد التي تم تجميعها في "نصوص الإخلاء" التي تتألف من ثلاثة أجزاء؛ حيث يحمل الجزء الأول نفس العنوان، بينما يسمى الثاني والثالث على التوالي "اساس مضطرب" و"زمن مشروخ" وكلاهما يخبر القارئ بما يحمل بين يديه: انطونيا المقعرة والمظلمة والمتضرعة  التي تحكي من مكان تألم جسد وروح منفصلين عن بعضهما، إنها الشاعرة التي تترجم الهجر والنفي.

تتوق الشاعرة في "نصوص الإخلاء" للعدم وتتوسل لتتجاوز اضطراب الأرض والصلابة الصخرية، وتسعى للتخلي عن الأشياء والأماكن وتناجي الليل بان يسمح لها باختراق النور الحقيقي، وتتمنى أن توقف الحياة ـ وهو أفق قسري ـ التي تم اختراقها من الزمن الذي لا يتوقف، وهو ما يمنع من تجسيد الماهية الحقيقية

إنها تود أن تخترق اللحظة دون أبعاد ودون مسار محدد، اللحظة الغير متوقعة والهدوء المنهك والهجوم المظلم.إنها ترغب في اختراق الليل، الليل ـ الجزيرة والليل ـ الكون الذي يهم بالنزول. إنها تأمل أن تخترق النور وان تسمو مضيئة وتصعد غير أبهة بفوضى الأرض وبالصلابة المتحجرة، وان تلمس فضاء ات بيضاء وعوالم لا وزن لها مجردة من كل كثافة. إنها ترغب في ترك كل الأشياء. ترغب في ترك الأفق الذي لم تختره وترك كل الأماكن. تود ألا تكون في اي مكان وتخترق الزمن في دورانه السريع وتخترق العلامات والإشارات. لاترغب في أن تكون. ترغب في الا تتواجد وآلا تكون في هذا الكون المعقد والمتشنج الذي لا يطفو. انها ترغب في فتح اقامات دائمة ولمس مواد وأشياء من شأنها أن تنعش وتدخل البهجة والسرور من جديد. إنها تأمل بان تكون جزء ا من الانصهار الدائم للوجود. "بالاسيوس، 2011، ص511"

وبينما تتوق الا تكون في اي مكان يذكر، فهي بالفعل ما زالت على قيد الحياة، تتنفس وتستشعر ثم تتوغل، وهي مجردة من نفسها داخل انفصام عميق بين الوجود وعدم الرغبة في الوجود، في المنفى الداخلي، لتزحف وتنادي نفسها لكنها لا تجيب، ثم تتخلى عن نفسها وهي تتمزق ذاتيا ثم تموت تلقائيا.

جزء منها يهرب، يرتجف، ثم ينحني. وجزء ينفصل ويمتنع ويتنفس. أما جزء أخر، فيستشعر نفسه ويتوقف ليستشعر العزلة والعتمة، يتوقف دون أن يعلم بذلك وينفصل دون أن يعلم بذلك، ينفصل عن جزء أخر ليتشابك مع نفسه، مع الجزء الذي يظن انه مختلف وهو نفسه...

جزء يتخذ الزمن المهجور والمعزول متكئا، جزء وحيد يبحث عن نفسه ويتتبع خطواته، يبحث عن نفسه دون أن يجدها، يقوم بتهدئة نفسه ويتضرع إليها، يندمج في الفراغ، ينادي نفسه دون أن يجيب، جزء ينفصل بإخفاق...ينفصل...ينفصل...آه الجزء الذي يجعلني انحني وارتجف! آه الجزء الذي هو مني ويتنكر لي، يتخلى عني، الجزء الذي يموت!. " بالاسيوس، 2011، ص 513".

اجزاء انطونيا تنفصل، في صمم عن البحث والتضرع، كما أنها تشيع مراسم جنازتها التي هي في نفس الوقت جنازة كل ما تم التخلي عنه. في هذه الأثناء، يصبح العالم، وهو محروم من أنظار من لم يعد موجودا، اخر قطعة صغيرة، اخر مسلوب، يصبح بحرا مهجورا تمر منه الكلاب اللاهثة، دون امل في العثور على اي قبس مشتعل أو أي وهج

مثل ملابس العزاء، مثل أخر قطعة صغيرة، مثل أخر شئ منتزع، صفائح في حداد، أهداب تزيل خيوطها، طيات عميقة وهائلة، مثل غابات مقتلعة، مثل مدن حزينة، مثل غبيات مجردات من لباسهن، مثل بحار مهجورة، مثلما تمر الكلاب اللاهثة، مثلما يعبر الهواء، مثلما يمر اليوم، مثلما تسحب الساعات وتتداخل، مثل ملابس حداد منشورة وفارغة ومغبرة وذابلة. فأين الوهج؟ اين اللمعان؟ اين القبس المشتعل؟، الاتقاد القصي، أين العبور، أين الانتظار الهائم، أين الفجر، أين الاين، أين الهناك، أين؟...هنا ...هنا الليل، هنا الغياب، هنا العدم. "بالاسيوس، 2011، ص515".

و بمؤلفها " اساس مضطرب"، الذي يشكل الجزء الثاني من ديوان "نصوص الاخلاء"، تبدأ في رمق هذا المكان، هذا الاين، هذا الاتقاد القصي جدا الذي بتشبتها به واعتمادها عليه ، نجر ؤ ان نقول انه بإمكاننا ان نرى كيف ان كاتبتنا تشرع من الاعماق وعن طريق ابداعها الشعري في بناء دعامة تتمسك بها، اساس ما يزال هشا وقلقا وحائرا، لكنه في النهاية اساس.

ولذلك، فإننا نشارك في إعادة بناء جسد من أدركته الموت دون ان يموت، وهو يبحث عن يوم جديد ومتجدد. يصبح اذن أمرا ملحا ان تدير ظهرك للجدران المدمرة التي هزها الصمت، وأن تنبعث من مصدر مجهول بإشارة جديدة، تلك التي لم تستخدمها من ذي قبل.

اصنعي نفسك من جديد، ابن نفسك في اليوم الجديد الذي بالكاد رأى النور ، اصنعي نفسك في اليوم الذي يضئ، أنت، سجينة وبدون كلام. أنت وحيدة، في عزلة بين المئات، بين الآلاف، بين لا احد، وحيدة. وحيدة بين أشياء لا وزن لها، بين البخار الذي ينضح الليل المنطفئ. اصنعي نفسك بشكل مغاير، أنت وحيدة، دون كلمة تحملك ودون نظرة ترشدك، وحيدة. وحيدة...

ابن نفسك من جديد كمن يسبح فجأة، قم بحركة جديدة، تلك التي لم تستخدمها من قبل، اجعل البيت يرحل في تعويذاته وفي مطره الذي يهطل غبارا. ابتعد دون خوف، ادر ظهرك لنوافذ غارقة في الهواء ولجدران مهدمة هزها الصمت. دع الأبواب المحاصرة في الخلف وانظر بعيدا...انظر للقوس المفتوح الذي لا يرى. "بالاسيوس 2011، ص525".

، انطلاقا من الأصل المتجدد ولتتمكن من البروز مجددا، يجب استحضار الجرح بشكل مستعجل، وذكر النسيان وكتابة الكلمات التي جلدها الصمت والنظر في عيون التائهة، ومثل الترانيم يجب أن: تدون وتفك الشفرة وتنادي.

أنا أقول، أقول بصوت لا احد. أنا أطالب، أنا أقول، أقول دون دموع، ومازلت أقول في النسيان. لا يسكنني احد، مشتتة في اعتداءات، أقول، أنا أقول كل شئ دون تسميته. جلدتني سياط الكلمات والصمت. أقول وأنا أضع النقاب واكشفه عن النبض الخفي. أقول وأنا مستيقظة وحية، وفي نفس الوقت أتكلم عن أشياء أخرى وشؤون أخرى، تاركة ان يوقفني أزيز الكلام ويدركني في حالة احتضار. أقول، أقول وأنا انحني وابحث عن الفاصل بينما اخدش ارض الآخرين. أقول وأنا تائهة، منفية، غاضبة، من عتبة باب كان لي. أقول. أطالب. أتضرع. أناجي الدخان، أناجي ارتجافه، أناجي ظلامه الكثيف. أقول. انفخ في نار خامدة. "بالاسيوس، 2011، ص 527."

من خلال تعريفها الذاتي، تحاول شاعرتنا آن تلمس الواقع، ترفع ذراعيها نحو السطح، بأيد مفتوحة إلى مالا نهاية، نحو السماء، تنصب جسدها المرتجف لتدعم الفراغ المتماسك، وانطلاقا من رأسها المغروس في عظام مترددة، انطلاقا من أساس مضطرب تدور حول نفسها بحثا عن إشارة تسائلها وتعلمها حياة جديدة.

افتح ذراعي، ارفع راحة يدي نحو الأعلى ، ارفع ذراعي وأهز أطراف جسدي من الأسفل. ابحث عن اللمس، عن الدعم، في أعلى رأسي، رأسي في الفراغ، في الفراغ المتماسك. رأسي في الأعلى، جسدي منتصب، هذا الأساس الحي، منحن، هذا الأساس مضطرب. راحة يدي، ذراعي مرفوعتين، رأسي يدور. اكتشف المرامي التي يشير لها جسدي، دوائر دون اتجاه. جسدي منتصب، جسدي لا يتحرك، ما ألمسه انا، ما ادعم به نفسي، رأسي يدور، أدور في الاتجاه، أدور في الفراغ. راحتي يدي مفتوحتين في انتظار، ذراعي مرفوعتين من العمق، رأسي يدور، وحدة بطني السرية هناك في العمق...جسدي منتصب. هذا الأساس الحياة...هذا الأساس المضطرب..."بالاسيوس، 2011، ص531."

انطلاقا من هذا التوازن غير المستقر، بدأت انطونيا تعبر عن ذاتها، تحكي لنفسها، تلاحظ وتعبر عن الانتقال انطلاقا من الموت: موتها، موت اقربائها، موت اولائك الذين كانوا والذين سيأتون. توقف حيوي يعيدها للحياة، اخر نفس تعاني منه، لا بد من استحضاره لانه ليس بالموت النهائي.

أنا أموت، أموت موتا بطيئا، هادئا، بدون ضجيج. انا أموت دون ان أموت. أنا ملأى بالوفيات. وفيات تعبر محياي كأنها ظلال.وفيات تفر ولا استطيع آبدا إدراكها

انطلاقا من هذا التوازن غير المستقر، بدأت انطونيا تعبر عن ذاتها، تحكي لنفسها، تلاحظ وتعبر عن الانتقال انطلاقا من الموت: موتها، موت اقربائها، موت اولائك الذين كانوا والذين سيأتون. توقف حيوي يعيدها للحياة، اخر نفس تعاني منه، لا بد من استحضاره لانه ليس بالموت النهائي.

أنا أموت، أموت موتا بطيئا، هادئا، بدون ضجيج. أنا أموت دون ان أموت. أنا ملأى بالوفيات. وفيات تعبر محياي كأنها ظلال.وفيات تفر ولا استطيع أبدا إدراكها. كيف سأدرك موتي الوحيد؟ كيف اختارها من بين الوفيات التي تتحرش بي؟ انا أموت من الموت كونيس وحيد والموت يخترق منزلي، يطأ سجاداتي، يلمس زجاجي، يطفئ أجراسي. أموت من موت قاسية، لا ترحم. موت تقوم بسلخي لتجعل جلدي الحي جلدا ميتا. أموت من موت كثيفة، عنيفة، موت يلعب مع أنفاسي لعبة الموت، ياخدها ويتركها، يطلق سراحها ويشد وثاقها، يأخذها إلى مراحلها النهائية، يعيدها إلى بداياتها. موت يجرحني دون ان يريق دما وينخر أحشائي رويدا رويدا. أنا أموت...

وفجأة يبدو أن الموت تضيء، وأنها مجرد ظل لحلم الحياة، وبان هواء الحياة هو نَفَس ميت وصرخة حب فارغة وصاخبة. وبان هذه الثياب التي تخفق، ترتجف فقط وتهدأ وهي محاطة بالموت. وفجأة يبدو أنني لم اعد أموت. وبأنني أدركت الموت دون أن أموت. " بالاسيوس 2011، ص 535".

لكي تخرج على مضض من هذا الاحتضار، قامت انطونيا بعملية جرد لايامها، لمشاعرها واحاسيسها، تلك التي ولّت وتلك التي لم تتحقق، للغائبين، كل شئ تراه امامها على شكل موكب. تظهر كذلك الطفولة والذكريات، تعود للخطوات التي فاتت كي تسترجع النور؛ ذكريات بمثابة حجارة مرمية في الهواء او التي غطاها الماء، وبينما تستحضر ايامها الخوالي، لمحت المستقبل حتى أبصر الحجارة، تلك التي ليس لها اسم بعد، وهي الحتمية.

هنا حجرتي التي لا تتحرك، حصني الذي لا يتحرك. هنا حجرتي الهامدة،  حجرتي في كارثة. هنا كل حجراتي. أقوم بجرد لكل حجراتي. تلك التي تزن بين يدي كأنها زلات، تلك التي لم ترم بعد، تلك التي لا يعرفها الهواء. أقوم ببناء وجوه بحجرتي المسودة، وجوه عمياء، من الأمام وشفاه نخرة. ألمس حجري الذي نفخ فيه النار، ألمس حجري الملتهب، المدخن، الظمآن. ألعب مع ذلك الذي يأتي من البحر، ذلك الذي نحمله في الأعلى،  التاج الصخري، ونجعله يحدث صوتا ويتحرك، وشرارات تقفز من احتكاك ضارب في القدم. ذلك الذي غمرته المياه المتسربة والذي يرقد في آبار سحيقة ومظلمة ويخرج إلى النور مغسولا للتو، ما زال رطبا ويتدحرج عبر السنين، عبر الأيام...

هنا أحجاري النبيلة التي تتنفس باتجاه الداخل، وحجر النسيان هذا الذي يرقد هنا وهو عالق، صلب وقاس. هنا أحجاري كلها، أحجاري الكبيرة الهدامة وأحجاري المتضائلة، الجامدة، العارية، خالية من الطحلب، خالية من الأخاديد. هنا أحجاري كلها. أحجاري كلها مجتمعة تجعلني ألف، تلف من حولي، محاصرة بسياج، سور حائط، حائط عملاق متجمد في حجر. وذلك الحجر العذري، حجري الأخير، مستلق على الأرض، مستطيل وبارد حجر لا يحمل اسما، ينتظر اسمي كل يوم. "بالاسيوس 2011، ص541".

إن عبور الاعتراف بالألم وتقبل العتمات الذاتية يجعل من الضروري النظر للوراء وتصفح الماضي، ومن تم فان انطونيا تتوقف في الجزء الثالث والأخير من ديوانها "زمن مشروخ" لترى شقوق الزمن وتوقِف الحركة مما يساعدها على

التعرف على الشقوق واستعادة الإيقاع الحيوي الذي ما يزال يتنفس.

لهذا يطرح السؤال: اين الانحناء الفسيح الذي بدأ للتو؟ اين الشمس المبعدة؟  وتتحدث للنور كونه وهجا شاحبا يحافظ على سر كل شئ ضائع، ويخشى تألق الظلمات؛ وتتحدث لنفسها لتفرض لحظة لكي تتوقف، تستحضر ولتدع الشباك التي تشل حركتها تقع ولتبعث من الأنقاض وهي تبتعد عن الاحتكاك بمشارف العتمات.

افتح المساحات، دع المادة الخفيفة تنزلق من بين أصابعك. أمسكي القوس من فوق أحلامك. توقفي حيال الزمن المشروخ. تذكري إشعاعاتك البعيدة، أنت، ضعيفة الذاكرة. دع الشباك تقع على البحر الملتهب بالنيران. سينبعث دافع الضرائب من بين الأنقاض. ستأتي لتؤدين ثمن الظمأ، ظمأ سهادك وقلة نومك. لا تنحني، لا تخضعي. فالنهار طويل، والنور طويل، لا تدع ي جنبات العتمات تلمسك. " بالاسيوس 2011، ص 551".

تقر الشاعرة  بمنفاها كخطوة أساسية في الانتقال نحو انتعاشة نفسية، من اجل ذلك تنفصم ذاتيا، ترى نفسها من زاوية أخرى، تدرك وتفهم حدادها، تتأمل قوامها الملفوف وتسعى لإنقاذه.

أنا هنا في الظلام، أدير ظهري للنور، في نسيان للبداية ولليوم الذي لا ينتهي. انا هنا متجاهَلة، قسمات وجهي المفقود بين العتمات. أنا هنا مقلصة، مجرد سطر، نقطة لا قيمة لها. أنا هنا مائلة، ادع الليل ليخترقني. خارجا، في الفضاء، النسور العملاقة تحارب الرياح. أنا انتظر هنا...اجمع ايماء اتي واسحب أنفاسي، اخنق صوتي وأنا كلي صمت، مختبئة بين الظلام. أنا هنا  يقظة، أراقب بخوف مخلوقا متجولا استقر به المقام بداخلي. "بالاسيوس 2011، ص 557".

وبمجرد ما تواجهت الاشباح بعد ان سافروا في رحلة إلى أعماق التهجير السحيقة، أقرت انطونيا ببعدها الذي يتيح لها كذلك ان تفهم بان في مكان ما في الظلام يرتجف الوجود، التنفس، الندى، الصباح؛ انه الجسد الذي يريد الخروج إلى آماكن أخرى، ويبحث عن ارض أكثر لطفا من خلال اختلاق لفتة أخرى، وربما لاستعادة طاقته الحيوية التي تعترف بها الشاعرة وأحيانا تتوق إليها.

بعد ان انهينا مقاربتنا الخاصة بمراجعة بعض قصائد "نصوص الإخلاء"، جدير بالذكر بان القصائد المتوالية التي نشرتها الشاعرة، يستخلص منها ذلك العبور المستمر بين الظلام والنور؛ ذلك التنقل المتناوب من حالة لأخرى، من مكان الى اللامكان "خايميس بورخيس، 2013، ص 1" الذي يميز بالأساس الحالة الوجودية للمنفي. وبناء عليه،  في أخر قصائدها،على سبيل المثال، الصادرة بعنوان "الرجفة العميقة لما هو سري" '1991'، تخبرنا انطونيابما يلي:

أنا أتدرب للقيام بإيماءة، يختل توازني في بداية الإيماءة. يظل جسدي في راحة. توقفت في إحدى الايماء ات. سوف ابحث عن شكل أخر وأفصله عن الوقت وأحرره من الجسد. لقد بدأ يتدفق مثل نهر ممتلئ. ثمة أيادي تنغمر، أيادي تريد أن تلمسه. بدأت إيماءتي تتمدد، لم تعد تنتمي إلي. إيماءة أخرى ترتفع، رحلة أخرى، مسافة أخرى. "بالاسيوس 2011، ص 565".

ان محاولة ابتكار ايماءة جديدة والبحث عن رحلة أخرى وعن مسافة اخرى للتمكن بشكل من الاشكال من السفر باتجاه الارض التي تلعب دور الدعامة، يكون ممكنا فقط اذا اعدنا النظر في اتجاه امكنة تنتمي لازمنة اخرى واذا  تصفحنا مجددا، انطلاقا من وعي جديد، اثار المسار المتلاشي وسفر الانفصال..

اني ابحث عن نفسي في أمكنة تنتمي لأزمنة أخرى. وأنا أسير بين فضاء ات مرّ منها السكون. إني أطأ أثار المسار المتلاشي التي تركتها قدماي في ليالي النسيان. هناك ضوء يتغير، السماء تتوارى ممددة وهي تطفو. بعيدة هي الأرض التي تعتبر دعامتي. ابحث عنها في القسوة، في الحزن المنفرد للأيام الخوالي التي انحدرت دون ان تعرف مصيرها. لم اعد اعرف من أنا. لعلي أبدو وأنا اقتفي أثار ذكريات أصبحت متناثرة. يدي أصبحت يدا أخرى. ذراعي وعنقي صارت في جسم غريب. أنا المجهولة، تلك التي انطفأت فجأة بين عتمتها. "بالاسيوس 2011، ص 571"

ما تزال المنفية مستمرة في ذكرياتها، تلمس جسدها من جديد، يبدو وكانها لم تتعرف عليه، منفصلا في جسد أخر، ومع ذلك تتأكد من وجود شفتين وعيون ترى الاشياء، وتستمر الحياة.

مازالت هناك شفتين، عيون ترى الأشياء. مازالت ذراعين مرفوعتين تحاولان الطيران. مايزال الجنس يخفق، ما يزال رطبا. وسقوط الندى في غابتي الكثيفة السرية التي صارت عارية. "بالاسيوس 2011، ص 577".

تصر انطونيا أن تكلم نفسها وان تدعم نفسها وأن تبقى على قيد الحياة وان تفتح أخاديد السماء المغطاة بظلة، وان ترفع يديها، حلقة وصل بين الحياة والموت؛ وان تكتب ولو اسما واحدا. لكن الرحلة لم تنته بعد، لقد عادت الشاعرة للعتمة التامة، للعدم، بيد ان هذه المرة بعيون مفتوحة؛ تتأمل جسدها ـ في السابق كان منتصباـ الذي يزحف فوق السطح الأملس، وقطعة تلو أخرى ينزلق وينحدر نحو الأسفل .

وأخيرا، وصلوا ليلا وتركوا حمولتهم المظلمة في الأرض. دخان كثيف خط دائرته. إيقاع الساعات ظل ثابتا في جسدي. تذكرت نظرتك في ذاكرتي الحادة، بطئك، تنفسك المتثاقل. شابكت يدي وأصبحت لا شئ "بالاسيوس 2011، ص 599". واذا هم جاؤوا مؤتثين أيامهم والليالي العابرة: هم، الغائبون، الذكريات، الحب، الابنة، الألم المُلح، الموت.

سنتوقف هنا. في الصفحات السالفة أردنا ان نقوم بمقاربة أولية لشعر انطونيا بالاسيوس ونتفحص من خلال قراءة قصائدها حالة المنفى الداخلي التي بقيت فيها أخر ثلاثين سنة من حياتها.

لقد أورثتنا شاعرتنا مؤلفا بمحتوى مؤثر للغاية يحدثنا انطلاقا من لامكان تلك التي تم نفيها من حياتها الخاصة؛ بالإضافة الى انه يقدم لنا شجاعة من يواجه التحول الإجباري؛ لهذا تلتجئ لعالم الكلمة الشعرية، كونه فضاء حميميا ومنعزلا يسمح لها خلال عبورها نحو العدم بان تقاوم لياليها السحيقة.

ان انطونيا بالاسيوس، التي كانت وما تزال المرأة والأم والشاعرة، تاخدنا من يدنا وتحضرنا بعطف وحنان إلى منفانا الخاص والمتشابه وتساعدنا على أن نذكر من جديد أرضا وُعدنا بها والآن تقوم بتهجيرنا بعيدا حتى عن أنفاسنا.

السيرة الذاتية

فلابيا بيسثي فيلتري هي من مدينة كاركاس فينيزويلا "1968". شاعرة ومحامية وأستاذة بكلية العلوم القانونية والسياسية بالجامعة المركزية بفينيزويلا منذ سنة 2002. شاركت في ورشات شعرية خاصة بالشعراء الفينيزويليين: استريد لانديرو لويس اينريكي بيلمونتي ورافاييل كاستيو ثاباطا وأرماندو روخاس كوارديا وييكور باريتو وسانطوس لوبيث. نشرت بعض قصائدها في مختارات شعرية: قاعة الانتظار "كاركاس، 2010" ؛ صوت المدينة، كاركاس 2012"؛ " جلسة من الأصوات الجديدة "ماراكاييبو، 2014"؛ 102 شعراء جيمينك "كاركاس، 2014"؛ مائة امرأة ضد العنف القائم على النوع "كاركاس، 2015" . وفي سنة 2012 تم اختيار ديوانها "مكان العبور" فائزا بالمسابقة الوطنية للأدب التي نظمتها جمعية أساتذة جامعة الانديس. وفي ابريل 2017 أصدرت دار النشر "أوسكار تودتمان ناشرين" ديوانها  "جسد في الضفة.

***

........................

EXILIO INTERIOR

EN LA POESÍA DE

ANTONIA PALACIO

Autora: Flavia Pesci Feltri

Venezuela. Enero, 2018.

Traducción al árabe: Youssef MSAHAL

No siempre es una ganancia la soledad. No es una victoria estar a tientas, en la casa vacía, desalojada; el cuerpo confinado a la sombra, abandonado.  No son al menos, la soledad y el desalojo, pertenencias. Son designios cumplidos, con o sin razón, que obligan al ser a inventarse una manera diversa de ver el mundo, una forma otra de relacionarse con él.  Le otorgan, a veces a despecho de sí mismo, una nueva voz de oscuras resonancias (Martínez Bachrich, 2011, p. 337).

Introducción

Entreabre los ojos, a tientas prende la luz, palpa su mesita de noche, toma  cualquier papel, busca el bolígrafo dentro del cajón, dominada por el insomnio en el que se ha convertido comienza a garabatear palabras, unirlas en frases aparentemente sin sentido; sombras dictan lo que el día no quiere ver; frenética escribe, a ciegas, su mano ya no forma parte del cuerpo, anota, tacha, une, disgrega, se detiene, el papel tiene otra piel, es la oscuridad que atraviesa, la que no puede asomarse al día y aguarda agazapada la noche.  Exhausta suelta un quejido, cae el bolígrafo inerme, apaga la luz, se recoge en ovillo, tiembla.

Cuando leemos a Antonia Palacios nos las imaginamos en un trance indetenible, arrebatada por la noche, exhausta por el desamparo en búsqueda de una callada serenidad.  Es precisamente ese estado anímico que embarga a Antonia Palacios el que se quiere evidenciar con la aproximación a su poesía escrita con posterioridad al evento más doloroso que puede vivir una madre: la muerte de un hijo.  Como consecuencia de este hecho terrible, nuestra escritora entra en una profunda depresión que la aleja del mundo, la expulsa de la vida; se instala en su cuerpo y en su espíritu una tristeza constitutiva imposible de superar definitivamente.

Antonia se exilia y se ubica en un lugar, en el peligroso territorio de la no pertenencia (Ascencio, 2004, p. 98), en el cual comienza una existencia sin asidero, sin tierra alguna desde donde contempla al mundo con una distancia poblada de memorias y nostalgias.

En la poesía de Antonia Palacios se refleja, creemos con mucha claridad, ese estado anímico que se ha querido denominar exilio interior, distinto al otro exilio, aquel que se entiende como alejamiento obligado de la patria por razones políticas, económicas, religiosas, raciales o sociales (Boadas, 2000, p. 26).  Este exilio interior que vemos reflejado en los versos de Antonia:

[P]rovoca también la errancia, el continuo desplazamiento de un lugar a otro bajo la forma del viaje, pero en busca de una patria para el alma. Es el estado en el cual quien lo vive huye de sí mismo por la incapacidad de estar.  Así como el exilio exterior es provocado por situaciones políticas, económicas o raciales que impiden llevar una vida normal, el exilio interior se produce también por una razón externa que está fuera del control de quien lo sufre, un evento trágico que lo impulsa a fracturarse, se traduce en la fragmentación del ser, de la extrañeza, de ese exilio interior que es, ciertamente, una forma de exilio, de ondas profundas (Ascencio, 2004, p. 113).

Desde esa fragmentación, exiliada de sí misma, Antonia Palacios encuentra en la poesía un medio para exhumar su dolor, universal y omnipresente, abriéndose paso desde la oscuridad y creando belleza por causa del sufrimiento y de las grietas que la perforan.

A partir de ese suceso insondable, la muerte de su hija, Antonia -y su ser todo- no regresará más nunca al lugar que habitaba; deambulará entre las palabras y sus sombras, logrará asirse con incerteza de los amigos y la familia, de la propia poesía, pero será siempre una desterrada de la vida y de sí misma en los términos que los expresa Marina Gasparini, en su extraordinaria Antología de poesía latinoamericana titulada Exilios:

El exilio es un viaje sin retorno. No se regresa del lugar que abrió la geografía del extrañamiento en nosotros.  Cambia la tierra de la que nos alejamos, cambiamos también nosotros, habitantes desde entonces del desarraigo.  La persona que fuimos no es la misma que un día cualquiera deambula de nuevo por las calles de nuestros recuerdos.  Caminamos desconociendo el ritmo acompasado de aquellos que se sienten seguros en su patria: la conciencia del exilio marca con compás desigual el discurrir de nuestros pasos. En el desarraigo extraviamos la secuencia de los acontecimientos y su significado; se pierden certezas y seguridades mientras la compasión crece a la sombra del desamparo (Gasparini, 2012, p. XV).

En las próximas líneas se intentará dar una semblanza bibliográfica de Antonia Palacios para poder, posteriormente, acercarnos a su poesía como expresión de ese estado anímico causado por un evento trágico exterior y fuera de control de la poeta y, asimismo, como medio creativo para transitar las sombras y sobrevivir.

Escritura poética la del exiliado que tiene un solo camino: transmutar su soledad, su desazón, su melancolía, su equilibrio, su fortaleza (Piñeda Perez, 2000, p. 69); Antonia va moldeando esa transmutación, vacilante, entre el estar y no estar, huyendo y volviendo de las sombras, y dejándonos un extensa y maravillosa poesía que estremece.

Algunas notas sobre la vida de Antonia Palacios (1904-2001)

Antonia Palacios nació en Caracas en 1904. Ejerció una gran influencia dentro de la literatura venezolana por su extensa obra literaria que comprende narrativa, ensayos, cuentos, poesía; y por la labor que llevó a cabo a través de los talleres literarios que dictaba en su casa Calicanto.

La década de sus 40 años de edad fue muy productiva.  Emprendió numerosos viajes dentro y fuera de Venezuela.  En 1944 publicó París y tres recuerdos; pocos años más tarde (1949), su carrera literaria comenzó a tener un gran impacto con la publicación de su primera y única novela Ana Isabel, una niña decente, editada en Buenos Aires.  Esta novela fue muy bien recibida en los medios literarios nacionales y extranjeros considerándose hoy referencia imprescindible dentro de la literatura venezolana. Años más tarde, Antonia publica una serie de relatos reunidos en Crónicas de las horas (1954); y, Viaje al frailejón (1955).

A la edad de 37 años (1941) nace su hija Mariantonia, quien desde muy temprana edad se había destacado en el piano por lo que Antonia Palacios se dedicó en cuerpo y alma al desarrollo artístico de  su hija, y la acompañó a distintos viajes para promover su carrera. Vivieron en Nueva York y en varias ciudades de Europa hasta que en 1957 Mariantonia resuelve renunciar al piano y regresar a Caracas, lo que produjo en su madre una terrible contrariedad y decepción tanto que entre ambas hubo una honda y dolorosa fractura (Martínez Bachrich, 2011, p. 159).

Poco después de la llegada de las dos mujeres a Caracas, Mariantonia resuelve casarse y comienza a participar clandestinamente en grupos subversivos contra la dictadura del General Pérez Jiménez.  Sin embargo, el goce de su libertad fuera del rigor del piano va a ser breve, pues le diagnosticaron una diabetes terrible que, a los pocos meses, la llevó a la muerte (1963).

Para nuestra escritora, el fallecimiento repentino de su hija fue demoledor, fragmentó su vida; a partir de este momento Palacios vivió marcada por el dolor y, como lo comenta Martínez Barich, se sumergió en una desgarradora depresión de la que va a ir saliendo poco a poco gracias a la presencia amorosa de su familia y amigos; y porque, de alguna manera, la propia existencia así se lo impuso.

Comenzó a transitar el camino hacia la recuperación, hilando durante las noches la escritura poética que le permitirá, muy lentamente, insertarse de nuevo en el mundo.  Va a ir llevando su sufrimiento gracias a la poesía, única capaz de decir lo indecible, constituyendo para Antonia el solo medio de expresión posible para pronunciar sus infiernos, sus miedos, su devastadora agonía.

La vida de la madre, de la mujer, del ser que es esa Antonia insular y desalojada, la vida toda desde ese día y para siempre se habrá vuelto “un pedazo de tierra sin cielo arriba”. O mejor aún: en ese momento la vida se acaba.  Lo que queda, de allí en adelante, es gris, oscura, terrible sobrevida.  Y Antonia lo acepta. Entra en el siniestro juego.  Sea pues la infinitud del horror.  Sea lo atroz, parece decirse.

Y es acaso desde ese abismo que se levantará la voz que balbucea, murmura, solloza o grita los poemas futuros.  Es por eso, tal vez, que leer la obra madura de Antonia: Textos del desalojo, especialmente, implica un evidente peligro.  Es por eso que no se sale ileso de esa lectura (Martínez Bachrich, 2011, p. 164).

A los 55 años de edad, entrando ya indefectiblemente en la madurez, la poesía encarna en Antonia y le devuelve la vida (Martínez Bachrich, 2011, 167);  retoma su carrera literaria y en 1972 se anima a publicar un libro de cuentos titulado Los insulares; un año después, en 1973 salen a la luz sus primeros poemas en prosa bajo el título Textos del desalojo, abriéndose así el camino definitivo hacia la escritura poética en una edad en la cual es sólo concebible escribir de manera honesta no importa cuan desgarrador y arriesgado sea.

En 1976 Antonia Palacios fue honrada con el Premio Nacional de Literatura por su libro de relatos El largo día ya seguro, convirtiéndose en la primera mujer venezolana a la que se le da este premio; ese mismo año, su cuento Los pasos de la lluvia, obtiene el segundo premio del Concurso de Cuentos del diario El Nacional.

Interesa resaltar como dato curioso que de las 52 premiaciones que ha otorgado el Premio Nacional de Literatura en Venezuela, reconocido nacional e internacionalmente durante décadas y que ha sido referencia literaria desde su creación en 1948 hasta aproximadamente el año 2000, solamente seis mujeres escritoras han sido galardonadas con dicho premio, la primera de ellas como se dijo fue Antonia Palacios.

En los años sucesivos, retomó paulatinamente sus actividades literarias.  Formó parte del prestigioso Centro de Estudios Latinoamericanos Rómulo Gallegos (CELARG) cuando integró el jurado que otorgó el Premio de Novela Rómulo Gallegos al escritor colombiano Gabriel García Márquez con su obra 100 años de soledad.

A instancia de su gran amigo Oswaldo Trejo (Martínez Bachrich, 2011, p. 211), nuestra poeta asume la dirección del taller de narrativa en ese mismo Centro. Una vez finalizada esta experiencia, abrirá su propio taller de poesía y narrativa, comenzando una etapa que le permitirá insertarse a la vida de la mano de sus amigos y alumnos. Su casa Calicanto, se convirtió en el centro de un movimiento literario en el que participaron jóvenes y entusiastas escritores, hoy día reconocidos poetas e intelectuales venezolanos.

De este Taller surge la idea de hacer una revista literaria Hojas de Calicanto donde fueron publicados los textos de al menos 60 jóvenes talleristas, bajo el entusiasmo generoso de nuestra escritora quien, sin duda alguna, ejerció un papel esencial como guía de varias generaciones.  Efectivamente, tal y como nos lo comenta Martínez Barrich (2011):

La nómina de la revista Hojas de Calicanto llegó a tener, entre el primer número y el último, más de sesenta nombres de jóvenes artistas.  En sus dos grandes etapas, la revista, que era el órgano difusor del taller contó con las firmas de Hugo Achucar, Rafael Arraiz Lucca, Igor Barreto, Rafael Castillo Zapata, Armando Coll, Sergio Dahbar, Pascual Estrada Aznar, Jack Gerard, Ileana Gómez Berbesí, Socia González, Alberto Guaura,  Patricia Guzmán, Elena Iglesias, Eleazar León, Eduardo Liendo, Julián Márquez, Miguel Márquez, Antonio Mendoza Wolske, Stefania Mosca, Willian Niño Araque, Yolanda Pantin, Luis Enrique Pérez Oramas, Jhon Petrizzelli, Bárbara Piano, María Elena Ramos, Nelson Rivera, Antoniette Roche, Armando Rojas Guardia, Lourdes Sifontes Greco, Blanca Strepponi, Vasco Szinetar y Nabos Zambrano, entre muchos otros narradores, ensayistas, poetas, pintores, escultores, fotógrafos, cineastas, psiquiatras, periodistas, arquitectos, psicólogos y gente de la política que se convirtieron en nombres protagónicos de la cultura venezolana en las décadas siguientes (Martínez Barrich, 2011, p. 229).

En la década de los ochenta, la poeta publica los libros de cuentos Una plaza ocupando un espacio desconcertante (1981); y los poemarios Multiplicada sombra (1983), La piedra y el espejo (1985), Largo viento de memorias (1989); y, a comienzo de los noventa, Ese oscuro animal del sueño (1991) y Hondo temblor de lo secreto (1993). Muere a los 97 años, 38 años después de la muerte de su hija, el 13 de marzo del 2001 en su casa Calicanto.

A decir de quienes la conocieron, Antonia Palacios era una persona esencialmente tímida e insegura en cuando a su escritura se refiere. Estas características personales se debieron, aparentemente, a que fue autodidacta, es decir:

[u]na escritora natural, sin formación académica alguna, sin maestros en el sentido escolástico del término, como no fuesen, por una parte los autores de sus innumerables lecturas, hechas con pasión y con una muy permeable sensibilidad, y por otra los muy bien escogidos amigos, escritores y artistas todos ellos de primerísima línea… (Márquez Rodríguez, 2002, p. XI).

Esta naturalidad a la hora de escribir, despojada de la necesidad de muchos intelectuales de evidenciar sus conocimientos, permite que la obra de Antonina llegue hondo al lector; la espontaneidad de su expresión y la honradez de sus poemas en prosa permiten a sus versos llegar directo al interior de quien la lee, dejando una impronta estremecedora.

Tal y como lo ha comentado alguna vez el poeta venezolano Igor Barreto, discípulo de Antonia y uno de los poetas venezolanos de mayor trascendencia hoy día, en el contexto de los talleres de poesía que dirige actualmente en la ciudad de Caracas “ni la inteligencia ni el intelecto conducen a un buen poema, no hay que esperar a ser un ilustrado, la escritura es una pasión por sí misma y por el mundo”; y es precisamente lo que nos sucede con la poesía de Antonia que revela una gran exaltación por la palabra y el mundo construyendo -alrededor de temas esenciales como la casa, la infancia, el tiempo, la decadencia y la ruina (Márquez Rodríguez, 2002, p. XIII)-, un universo en el que nos reconocemos y al que volvemos con temor y admiración.

El exilio interior de Antonia Palacios

Los textos poéticos de Antonia Palacios son una manifestación de que la poesía puede ser también un instrumento que permite a quien la escribe iniciar un proceso profundo de transformación de la propia psique. A través de la palabra poética Antonia se convierte en un canal mediante el cual una voluntad, aparentemente ajena, le grita o susurra voces y delirios; es su inconsciente que la empuja para que lo enfrente, lo mire a los ojos desde el fondo de un mar huidizo, incierto y lo interpele.

En este proceso creativo, no todos logran escabullirse de los tentáculos de la oscuridad. Algunos se mantienen entre las algas viscosas en una lucha perenne contra animales marinos; otros, en cambio logran nadar a tientas hacia la superficie: respiran, miran por encima del mar, se agotan mientras intentan flotar, vuelven a hundirse, se rinden y, en medio de la caída, regresan a la vida dándole forma y voz al mundo de las sombras y un sentido a la propia existencia.  Es precisamente este proceso el que Antonia encarna cuando escribe sus poemas maduros.

Con Textos del Desalojo poemario publicado en 1973 (una década después del fallecimiento de su Mariantonia) -y al que se hará referencia concretamente en el presente trabajo-, Palacios nos llega temblorosa, asomada desde el abismo, desde las largas e insondables noches, en un intento de sostenerse en el lugar de la ausencia, fuera del mundo, en el destierro donde puebla sus propias cavernas y desde dónde ensaya levantar la mano para tocar los intersticios de luz que rozan los pliegues de una vida de la que se siente expulsada.

Así en un tiempo hendido, con el centro en vilo y la palabra de quien está desalojada, Antonia eleva el pesado polvo para apuntar directo a los miedos, a las laceradas dudas, a la fatiga incomprendida, invocando, desde su exilio interior una última entrega honesta.  Exilio entendido como errancia íntima de quien ha sido desprendida del mundo, extranjera del propio cuerpo, extraña a sí misma y a quien se le impone la poesía como vehículo para construir otro territorio donde la única patria es la de la palabra que balbucea la huida de una realidad que no es posible mantener porque encarcela, excluye, abandona.

Es el mundo de la oscuridad que la sumerge en el silencio, es la tierra de nadie donde la carencia anhelante reclama; desde ese espacio sin piso y sin columna nos escribe Antonia, develándose y develándonos la fragilidad que somos. Ella no sabe dónde está y menos aun si debe estar. Indaga en su herida, la asume meticulosamente y, desde la fractura, nos habla de ella y nos la entrega.

Pretende Antonia, probablemente de manera intuitiva, fundar para sí su propia realidad; crear frágiles puentes entre la nada que habita y su existencia a través de la palabra que la invoca.  Estando viva ha sido arrojada a la muerte, busca con sus textos comunicarse desde el silencio, impulsada por la fuerza de la sobrevivencia que traspasa las pequeñas rendijas de su habitación.  A través de su poesía Antonia recupera el aliento; la escritura la va persuadiendo de que aun se puede vivir no obstante el dolor del mundo.

Es precisamente el exilio interior de la poeta lo que se pretende dar cuenta con la lectura de algunos de los poemas recogidos en Textos del desalojo, compuesto por tres secciones; la primera de ellas lleva el mismo título, mientras que la segunda y la tercera se denominan respectivamente Columna en vilo y Tiempo hendido;  estos anuncian al lector lo que tiene entre sus manos: la  Antonia cóncava, oscura, implorante que se narra desde el lugar del tormento de un cuerpo y de un ser desprendidos de sí mismos; la poeta traductora del abandono y del destierro.

En Textos del desalojo la autora anhela la nada, suplica saltar por encima del tumulto terreno, de la pétrea solidez, abandonar las cosas, los objetos, los lugares e invoca la noche para que le permita penetrar la verdadera luz, detener la vida -horizonte no elegido- que, perforada por el tiempo indetenible, impide la materialización de la auténtica esencia.

Se quisiera penetrar el instante sin dimensiones, sin trayectoria definida, el inesperado instante, la calma exhausta, el tenebroso asalto.  Se quisiera penetrar la noche, noche-isla, noche-universo descendiendo. Se quisiera penetrar la luz, remontar iluminada, ascender por encima del tumulto terreno, de la pétrea solidez, tocar esferas blancas, mundos sin peso desprendidos de toda densidad  Se quisiera dejar las cosas, los objetos.  Se quisiera abandonar el horizonte no elegido, dejar los sitios.  Se quisiera no estar en sitio alguno, penetrar el tiempo en su nueva, vertiginosa rotación, penetrar los signos, las señales.  Se quisiera no estar. Se quisiera no estar y no ser en el ser anudado, espasmódico ser que no emerge.  Se quisiera entreabrir permanencias, tocar sustancias, savias, primarios deleites. Se quisiera ser en la cópula infinita prolongación del ser (Palacios, 2011, p. 511).

Y, mientras anhela ese no estar en sitio alguno, lo cierto es que aun vive, respira, presiente y, entonces, desprovista de sí misma en la profunda dicotomía entre el ser y el querer no ser, se adentra en el exilio interno, se rastrea, se llama pero no responde, despedazándose se abandona, se muere.

Una parte se escapa, tiembla, se curva.  Una parte se desprende, se niega, se respira.  Una parte se  presiente, se detiene a presentirse ensimismada y a oscuras, se detiene sin saberlo, se desprende sin saberlo, separada de otra parte, entrelazada a sí misma, a la parte que se piensa diferente y es la misma….

Una parte se aposenta sobre el tiempo en despoblado, sobre el tiempo de lo solo, una parte solitaria que se busca, se rastrea, que se busca y no se encuentra, que se clama, que se implora, que se adentra en el vacío, que se llama y no responde, una parte en descalabro se desprende…se desprende…se desprende…¡Oh la parte que me curva, que me tiembla¡ ¡Oh la parte de mi misma que me niega, me abandona, que se muere¡ (Palacios, 2011, p.  513).

Las partes de Antonia se van desprendiendo, sordas a la búsqueda y a la imploración, ella asiste a sus propias exequias que son también las de todo aquel que ha sido abandonado; entretanto el mundo, privado de la mirada de quien ya no está, es un último jirón, un último despojo, playa desierta por donde pasan los perros jadeantes, ausente la esperanza de alguna llama viva, de algún fulgor.

Como ropajes de duelo, como el último jirón, el último despojo, orlas enlutadas, flecos que se desflecan, inmensos pliegues hondos, como bosques talados, como ciudades tristes, como mensas desnudas, como playas desiertas, como pasan jadeantes los perros, como pasa el aire, como pasa el día, como quedan prendidas, engarzadas las horas, como ropajes de duelo extendidos, vacíos, polvorientos, marchitos, ¿dónde el fulgor, dónde el brillo, dónde la llama viva, la lejanísima incandescencia, dónde el tránsito, dónde la errabunda espera, dónde la alborada, dónde el dónde, dónde el allá, dónde?...aquí…aquí la noche, aquí la ausencia, aquí la nada (Palacios, 2011, p. 515).

Con Esta columna en vilo, segunda parte del poemario Textos del desalojo, comienza a vislumbrarse ese lugar, ese dónde, esa lejanísima incandescencia a la que aferrarse y sostenerse; nos atrevemos a decir que es posible entrever cómo nuestra autora, desde las profundidades y a través de su creación poética, emprende la construcción de un apoyo al cual asirse, una columna aun frágil, angustiada y titubeante, pero columna al fin.

Participamos por tanto a la reconstrucción del propio cuerpo de quien ha alcanzado la muerte sin morir, en una búsqueda del renovado día naciente.  Se hace entonces impostergable darle la espalda a los muros derruidos que el silencio arrebata, surgir desde un desconocido origen, con un nuevo gesto, ese que nunca has usado.

Invéntate de nuevo.  Constrúyete en el nuevo día naciente.  Invéntate en el día que alumbra, tú, prisionera y sin habla. Tú, solitaria. Sola entre cientos, sola entre miles, entre ninguno, sola.  Sola entre cosas sin peso, entre el vaho que exuda la noche que se extingue.  Invéntate distinta. Tú sola, sin palabra que te lleve, sin mirada que te guíe. Sola. Sola….

Constrúyete de nuevo como lo que nade de pronto, sin origen. Levanta un nuevo gesto, el que nunca has usado. Deja que la casa sucumba en su conjuro, en su lluvia de polvo.  Aléjate sin miedo.  Vuélvele la espalda a ventanas hundidas en el aire, muros derruidos que el silencio arrebata.  Dejas atrás las puertas confinadas y mira hacia lo lejos…Mira el arco abierto, invisible (Palacios, 2011, p. 525).

Para forjarse desde el renovado origen, se hace urgente entonces nombrar la herida, decir el olvido, escribir las palabras azotadas de mutismo, mirar los ojos a la extraviada y, como un cántico: apuntar, descifrar, llamar.

Digo. Digo con voz de nadie. Clamo. Digo. Digo sin lágrimas. Voy diciendo en el olvido. Deshabitada, desdoblada en asaltos. Digo. Digo cada cosa sin nombrarla. Azotada de palabras, de silencios. Digo velando y develando el oculto latido. Digo despierta, viva, hablando de otras cosas, otros asuntos, dejando que el zumbido del habla me detenga, me alcance en agonía.  Digo. Digo encorvada, buscando el límite, arañando tierra ajena.  Digo extraviada, desterrada, sacada de mi quicio, del umbral de una puerta que fue mía. Digo. Clamo. Invoco. Invoco el humo, su temblor, su densa oscuridad. Digo. Soplo sobre fuego apagado (Palacios, 2011, p. 527).

Es desde ese nombrarse que nuestra poeta intenta rozar la realidad; levanta sus brazos hacia la superficie, las manos abiertas al infinito, al cielo; erige su cuerpo tembloroso para sostener el sólido vacío y, desde su cabeza apoyada en unos huesos que vacilan, desde una columna en vilo, da vueltas sobre sí misma, en la búsqueda de una señal que la interrogue y le enseñe una nueva vida.

Abro mis brazos, vuelco hacia arriba las palmas de mis manos.  Alzo mis brazos, los excesos de mi cuerpo los levanto desde el fondo. Busco el tacto, el apoyo, en lo alto mi cabeza, mi cabeza en el vacío, en el sólido vacío.  En lo alto mi cabeza.  Mi cuerpo erecto, esta columna viva, inclinada, esta columna en vilo.  Las palmas de mis manos, mis brazos levantados, mi cabeza girando.  Descubro los designios que mi cuerpo señala, círculos sin rumbo.  Mi cuerpo erecto, mi cuerpo inmóvil, mi propio tacto, mi propio apoyo, mi cabeza girando, giro en el rumbo, giro en el vacío.  Las palmas de mis manos abiertas a la espera, mis brazos levantados desde el fondo, mi cabeza girando, la secreta unidad de mi vientre allá en el fondo…Mi cuerpo erecto.  Esta columna vida…Esta columna en vilo…(Palacios, 2011, p. 531).

A partir de ese equilibrio inestable Antonia se va forjando, se narra, observa y expresa el tránsito desde la muerte: la propia, la de los suyos, la de aquellos que estuvieron y la de los que están aun por venir.  Suspensión vital que la devuelve a la vida, último aliento que ha sido sufrido y que es imprescindible nombrarlo porque aun no es el deceso definitivo.

Estoy muriendo.  Estoy muriendo de una muerte lenta, callada, sin ruido.  Estoy muriendo sin morir. Estoy llena de muertes. Muertes que pasan como sombras por mi rostro. Muertes que huyen y que nunca alcanzo.  ¿Cómo alcanzar mi muerte única? ¿Cómo elegirla entre tantas muertes que me acosan? Estoy muriendo. de la muerte como sola compañía, y la muerte penetra en mi casa, pisa mis alfombras, toca mis cristales, apaga mis campanas.  Estoy muriendo de una muerte dura, implacable.  Una muerte que me va desollando y va dejando en carne muerta mi carne viva. Estoy muriendo de una muerte espesa, violenta, una muerte que juega con mi aliento el juego de la muerte, y lo toma y lo deja, lo desata y lo anuda, lo lleva a sus postrimerías, lo regresa a sus comienzos.  Una muerte que me hiere sin sangre derramada y me va socavando lentamente las entrañas.  Estoy muriendo

Y de pronto parece que la muerte alumbra.  Que es sólo sombra el sueño de la vida, que el aire de la vida es soplo muerto, vacuo estrépito el grito del amor.  Que esta vestidura que palpita sólo tiembla y se aquieta ceñida por la muerte.  Y de pronto parece que ya no estoy muriendo.  Que he alcanzado a la muerte sin morir (Palacios, 2011, p. 535).

Para salir a rastras de esa agonía, Antonia hace un inventario de sus días, de los afectos y amores, aquellos que fueron y los que no pudieron ser; de los ausentes; todo lo mira en procesión frente a sí.  Aparecen también la infancia y las memorias, regresa a los pasos andados para recuperar la luz; recuerdos que son piedras lanzadas al aire o que han sido cubiertas por el agua y, mientras presencia sus días pasados, entrevé el futuro para vislumbrar la última de las piedras, aquella que aun no tiene nombre, la definitiva.

Aquí mi piedra inmóvil, mi inmóvil fortaleza. Aquí mi piedra inerte, mi piedra en descalabro.  Aquí mis piedras todas. Hago el inventario de mis piedras. Las que pesan en mis manos como culpas, las que nunca fueron lanzadas, las desconocidas del aire. Construyo rostros con mi piedra ennegrecida, rostros ciegos, de frente y labios carcomidos. Toco mis piedras sopladas por el fuego, toco mis piedras ardidas, chamuscadas, sedientas.  Juego con aquellas venidas de la mar, las que llevábamos en alto, pétrea corona, y hacíamos sonar y rebullir y chispas saltaban de roce inmemorial. Aquellas cubiertas por las aguas en fuga que yacían en lo hondo de pozos sombríos y salían a la luz, recién lavadas, húmedas todavía rodando por los años, por los días…Aquí mis piedras nobles, las que respiran hacia dentro, y esta piedra del olvido que yace aquí encallada, dura, impía. Aquí mis piedras todas, mis grandes piedras demoledoras y mis piedras menguadas, inánimes, desnudas, sin musgo, sin estrías. Aquí mis piedras todas. Todas mis piedras reunidas dándome vueltas, girando en torno mío, apretadas en cerco, cerco de muro, muro gigante cuajado en piedra. Y ésta mi piedra intacta, mi última piedra, reclinada sobre la tierra, rectangular y fría, piedra sin nombre, aguardando mi nombre cada día (Palacios, 2011, p. 541).

El tránsito del reconocimiento del dolor y la asunción de las propias sombras hace necesario volver la mirada y recorrer el pasado, de ahí que Antonia en la tercera y ultima parte de su poemario (Tiempo hendido), se detenga para mirar las grietas del tiempo y frenar el movimiento lo que le permitirá reconocer las fisuras y restablecer el ritmo vital que aun respira.

Se pregunta entonces ¿Dónde la anchurosa curva apenas iniciada? ¿Dónde el desterrado sol?, y le habla a la luz que es un pálido fulgor que guarda el secreto de todo lo perdido, que teme alumbrar sus tinieblas; y se habla a sí misma exigiéndose hacer una pausa, recordar, dejar caer las redes que la tienen amarrada, surgir desde los escombros alejándose del roce del borde de las sombras.

Abre los espacios. Deja que resbale entre tus dedos la materia sin peso. Tiende el arco por encima de tus sueños. Detente ante el tiempo hendido. Recuerda tus lejanas irradiaciones, tú, la desmemoriada. Deja caer las redes sobre el mar en fuegos. De entre los escombros surgirá el Tributario. Vendrá a pagar la sed de tus desvelos. No te inclines, no. No te doblegues. Es alto el día. Alta la luz. No dejes que te roce el borde de la sombra. (Palacios, 2011, p. 551)

Reconoce la poeta su estado de exilio, paso fundamental en el tránsito hacia una cierta recuperación anímica y para lograrlo se desdobla, se ve desde otra esquina, percibe y comprende su duelo, observa su silueta ovillada y quiere rescatarla.

Estoy aquí en lo oscuro de espaldas a la luz, olvidando el comienzo, la eternidad del día.  Estoy aquí ignorada, el perfil de mi rostro perdido entre las sombra.  Estoy aquí disminuida, apenas una línea, un punto sin relieve.  Estoy aquí inclinada dejando que la noche me pase por encima.  Afuera en el espacio las águilas inmensas batallan con el viento.  Estoy aquí aguardando…Y recojo mis gestos, y repliego mi aliento, amordazo mi voz y toda yo soy silencio oculta entre lo oscuro.  Estoy aquí vigilante, velando temerosa una criatura errante que en mí se ha detenido (Palacios, 2011, p. 557).

Una vez enfrentados los monstruos, habiendo recorrido el viaje hacia las profundidades abisales del extrañamiento, Antonia reconoce su propia lejanía que le permite también entender que en algún lugar de la oscuridad tiembla la existencia, la respiración, el rocío, la mañana; es el cuerpo que quiere salir hacia otros parajes, que busca un territorio más amable inventando otro gesto, quizá para recuperar el propio impulso vital que ella reconoce y, a veces, ansía.

Finalizada nuestra aproximación a la revisión de algunos de los poemas de Textos del desalojo, no podemos dejar de mencionar que en los sucesivos poemarios publicados por la poeta, se desprende ese constante transitar entre la oscuridad y la luz; esa intermitencia de un estado a otro, de un lugar a un no lugar (Jaimes Borges, 2013, p. 1) que caracteriza esencialmente la manera de estar del exiliado.  Así, por ejemplo, en el último de sus poemarios publicados Hondo temblor de lo secreto (1991) Antonia nos dice

Estoy ensayando un gesto.  Se rompe mi equilibrio en el inicio del gesto. Mi cuerpo se queda en reposo.  Me he detenido en un gesto.  Voy buscándole otra forma, desprendiéndolo del tiempo, liberándolo del cuerpo.  Ha comenzado a fluir como un río desbordado.  Hay manos que se sumergen, manos que quieren tocarlo.  Mi gesto se va estirando, deja de pertenecerme.  Otro gesto se levanta, otro vuelo, otra distancia (Palacios, 2011, p. 565).

El intento de inventar un nuevo gesto, buscar otro vuelo, otra distancia para poder de alguna manera viajar hacia la tierra que le sirve de apoyo, es posible sólo si se vuelve la mirada hacia los sitios de otros tiempos, si se recorre nuevamente desde una cierta conciencia las huellas del rumbo desvaído, el viaje del desprendimiento.

Me estoy buscando en sitios de otros tiempos.  Caminando entre espacios donde pasó el silencio.  Estoy pisando huellas del rumbo desvaído que dejaron mis pies en noches de olvido.  Hay una luz cambiante.  Un cielo que se esconde extendido y flotante.  Lejana está la tierra que me sirve de apoyo.  La busco en la inclemencia, en la especial tristura de los días huidos que fueron descendiendo si saber su destino.  Ya no sé quien soy.  Acaso me prodigo rastreando las memorias que dispersas se hallan. Mi mano es otra mano, mis brazos y mi cuello transcurren en cuerpo ajeno.  Soy la desconocida aquélla que de pronto se pagó entre su sombra (Palacios, 2011, p. 571).

La exiliada persiste en sus memorias, vuelve a tocar su cuerpo, pareciera no reconocerlo, separado está en otro cuerpo y, sin embargo, constata que aun quedan labios y ojos que miran las cosas, aun la vida persiste.

Todavía quedan labios, ojos que miran las cosas. Quedan los brazos alzados en un intento de vuelo. Queda el sexo palpitante, húmedo todavía. Y este caer del rocío en la secreta espesura de mi bosque ya desnudo (Palacios, 2011, p. 577).

Antonia insiste en hablarse, en sostenerse y sobrevivir, en abrir los surcos del cielo entoldado, levantar su mano, enlace entre la vida y la muerte; y escribir aunque sea un solo nombre.  Pero aun el viaje no ha terminado, ella regresa a la sombra absoluta, a la nada solo que esta vez con los ojos abiertos; observa su cuerpo -otrora erecto- que se arrastra por encima de la superficie lisa y, por piezas, de nuevo, va resbalando, descendiendo.

Finalmente, llegaron en la noche.  Dejaron en la tierra su oscura carga.  Un humo denso trazó su círculo.  El ritmo de las horas quedó fijo en mi cuerpo.  Recordé tu mirada en vívida memoria, tu lento, despacio respirar. Crucé las manos y comencé a no ser nada (Palacios, 2011, p. 599).  Y, sí, ellos llegaron; poblando sus días y las transitadas noches: ellos, los ausentes, las memorias, los amores, la hija, el dolor que insiste, la muerte.

Nos detenemos aquí.. En las páginas anteriores se ha querido hacer una primerísima aproximación a la poesía de Antonia Palacios y reconocer con la lectura de sus poemas el estado de exilio interior en el que permaneció los últimos treinta años de su vida.

Nuestra poeta nos ha legado una obra con un contenido absolutamente estremecedor que nos habla desde el no lugar de quien ha sido desterrada de su propia vida; también nos presenta la valentía de quien afronta el obligado devenir; acude para ello al universo de la palabra poética, espacio íntimo y solitario que le permitirá resistir, en el tránsito hacia la nada, sus noches abisales.

La mujer, la madre, la poeta que ha sido y es Antonia Palacios nos lleva de la mano y nos asiste con ternura a nuestro análogo y propio exilio ayudándonos a nombrar, nuevamente, una tierra que nos fue prometida y que ahora nos desaloja más allá  de nuestro propio aliento.

Referencias bibliográficas

  • Ascencio, Michaelle (2004). El viaje a la inversa (Reflexiones acerca del exilio en la narrativa  antillana).  Fondo Editorial de Humanidades. Universidad Central de Venezuela. Caracas.
  • Boadas, Aura Marina (2000). “El exilio en la narrativa de Jacques-Stéphen Alexis”. en Memoria, Nostalgia y Exilio. AVECA- Asociación Venezolana de Estudios del Caribe. Caracas.
  • Ficciones y aflicciones. Antonia Palacios (1989). Selección y prólogo Luis Alberto Crespo. Cronología y bibliografía: Antonio López Ortega. Biblioteca Ayacucho. Tomo No. 146. Caracas.
  • Gasparini Lagrange, Marina (2012). Exilios. Poesía Latinoamericana del siglo XX. Sociedad de Amigos de la Cultura Urbana. Caracas.
  • Jaimes Borges, Daniela (2013). ¿Lugar de residencia?, en Ficción breve venezolana. http://ficcionbreve.org/lugar-de-residencia-por-daniela-jaimes-borges/.
  • Márquez Rodríguez, Alexis (2002). “Prólogo a las Obras Completas de Antonia Palacios”, en Obras Completas Antonia Palacios. Volumen I. Calicanto. Universidad Católica Andrés Bello. Editorial Ex Libris. Caracas.
  • Martínez Bachrich, Roberto (2011). Tiempo hendido. Un acercamiento a la vida de Antonia Palacios. Editorial Sociedad Amigos de la Cultura Urbana. Caracas.
  • Palacios Frías, Fernán (2002). Presentación de las Obras Completas Antonia Palacios. Volumen I. Calicanto. Universidad Católica Andrés Bello. Editorial Ex Libris. Caracas.
  • Piñeda Perez, Ileana (2000). “La pequeña Habana: la narrativa cubana y la construcción de la patria en el exilio”, en Memoria, Nostalgia y Exilio. AVECA- Asociación Venezolana de Estudios del Caribe. Caracas, 2000. 

Curriculum Vitae

Flavia Pesci Feltri es de Caracas-Venezuela (1968). Poeta y abogado. Profesora de la Facultad de Ciencias Jurídicas y Políticas de la Universidad Central de Venezuela desde el año 2002. Ha participado en los talleres de poesía de los poetas venezolanos Astrid Lander, Luis Enrique Belmonte, Rafael Castillo Zapata, Armando Rojas Guardia, Igor Barreto y Santos López. Algunos de sus poemas han sido publicados en antologías poéticas: Antesala (Caracas, 2010); La voz de la ciudad (Caracas, 2012); Sesión de nuevas voces (Maracaibo, 2014); 102 poetas Jamming (Caracas, 2014); y, Cien mujeres contra la violencia de género (Caracas, 2015). En el 2012, su poemario Lugar de Tránsito fue seleccionado como ganador del Concurso Nacional de Literatura, organizado por la Asociación de Profesores de la Universidad de los Andes (APULA). En abril de 2017, la editorial Oscar Todtmann Editores publicó su poemario Cuerpo en la Orilla.

في المثقف اليوم