قراءات نقدية

حيدر عبد الرضا: دراسة في رواية (الشبيه) لجوزيه ساراماغو

الأبعاد المحورية المركزة اللامحددة، الفصل الثالث - المبحث (1)

توطئة: مثلما الحال في كل روايات (جوزيه ساراماغو) لعلنا نواجه ثيمة (الراوي المهيمن؟) عبر آليات وتمفصلات رواية (الشبيه) لكي تقتضي بهذا الحال تناول هذه الرواية على أساس من الشخصيات المتحفزة داخليا عن طريق (الحوار الضمني - المونولوج) ومما ﻻ شك فيه أن مسارية الأبعاد المحورية في موجهات (السارد حياديا) تم بفعل خصوصية الوسائط الاستطرادية التي شغلت ثلاث أرباع الفصل أو القسم الروائي الأولى - بلوغا نحو ذلك المركب النواتي كمظهرا شخوصيا من تمظهرات حساسية المحور الفاعل في تحريك العلاقات الحكائية وتأزيمها بعدة وظائف من المحور الداخلي واستقراء مبعث مواصفات الأحداث بطرائق ﻻ تحمل من الشكوكية والخيبة الانتظارية مطلقاً.

- مرايا ولوج الشبيه في تفاصيل مركزة:

تكشف القيم الاستهلالية الأولى من جل تفاصيل (السارد حيادا) بأن الضرورة التعرفية للشخصية كعلامة نصية مدرجة في مفترقات الاسم والتسمية التي راحت تشكل بذاتها ذلك الفضاء التضفيري المرشح في جل تمظهرات الوحدات المسرودة والسردية، أي أن الشخصية تحضر داخل قمعية نعتها وكنيتها الاسمائية، ذلك إتصالا مع محفز كونها تعمل في مجال تدريس مادة التاريخ، وهذا الأمر ما جعلها منكفئة على ذلك الحس المرجعي الذي يقدم الأشياء عبر خياراتها الإدارية ضمن ذلك الطابع التدويني أو الوثائقي حصرا، لذا فهي - أي الشخصية - تواجه تفاصيل حياتية مملة من جراء تقادم العمر والزمن على موضعيتها المفترقة عن جسد الحياة وملذاتها، لذا عن ذلك المحل الخاص ببيع أشرطة أفلام وثائقية ﻻ مشكلة في ان تكون المادة المضغوطة في حلقات ذلك الشريط عائد إلى ملهاة أو مأساة أو حتى كوميديا ساخرة، كان الأهم لدى الشخصية تزجية بعض الوقت مع تلك المادة المنسوخة على ذلك الشريط بطريقة أو بأخرى: (الرجل الذي دخل إلى المحل لتأجير شريط فيديو يحمل بطاقة تعريفه أسما غير مألوف تماما، ذا مذاق كلاسيكي عتيق، تيرتو ليانو ماكسيمو أفونونسو، لا أقل وأكثر من هذا . فأما - ماكسيمو - و- أفونسو - المتعلمين بشكل واسع، فإنه يستطيع تحملهما مع ذلك، رغم أن الأمر يتعلق بالحالة النفسية التي يوجد عليها - وأما تيرتو ليانو فجثم على نفسه منذ أول يوم أدرك فيه أن هذا الأسم المشؤم يمكن أن ينطق بسخرية قد تكون مهينة. /ص٩ الرواية) لعل الظروف التي تحيط بالإيماءة النعتوية للشخصية هي كل ما يتعلق بسياق الحبكة والتماسك المنظوري المستخدم من قبل السارد المتكلم، ولكننا عندما نعلم بأن الرجل هو مدرس لمادة التاريخ تتأكد لدينا بأن الشخصية تتعامل وحدود التسمية من خلال مجال التأثير الصراعي بين (المحدث - اللامحدث) أو الفاعل أو اللافاعل، وبعبارة موجزة يمكننا القول بأن الشخصية يشكل في ذاته عاملا سياقيا جعله تجسيدا مقصودا في ترابط ذاته إزاء معطيات الواقع المحدث، لذا فهو يتوجس الفعل السياقي في حياته كونه مندثرا في حجب الانفعاﻻت التأريخية . وهذا الأمر ما دفع زميله استاذ مادة الرياضيات بالاقتراح عليه بالذهاب إلى ذلك المحل ليبتاع لنفسه شريطاً مدمجا لأي مادة مريحة من شأنها زرع الود والمتعة في دواخل استاذ مادة التاريخ

١- الوهن الروحي في البنية الشخوصية:

قلنا سلفا بأن (سياق الترابط) هو بدوره ما يشكل لدى الشخصية أفونسو كل هذه البواعث من الغثيان والضجر، ذلك لأنه (عاملا سياقيا ؟) وهذه الموارد السياقية في عمل وشخصية ومسمى الفاعل -أفونسو- مصدرا للكثير من التفاصيل الغامضة في حياته المشحونة بمعنى الحوادث المرجعية في مادة التاريخ، وعلى هذا النحو راح زميله مدرس مادة الرياضيات يخبره بوجود ذلك الشريط الذي هو مادة بسيطة تحتوي على محض روح فكاهية تقريبا: (لأخذ فكرة واضحة عن حالته، يكفي القول أنه كان متزوجاً ولا يذكر ما الذي دفعه للزواج، تطلق اليوم ولا يريد أيضاً أن يذكر اسباب الفراق .. في المقابل لم يتبق من القِران الفاشل أبناء يطالبونه اليوم بأن يقدم لهم مجانا العالم من فضة، لكن التاريخ الحلو، مادة التاريخ الجدية التي استدعوه  لتدريسها، والتي يمكن أن تكون ملاذه المريح . / ص١٠ الرواية) ويمكننا تعريف علاقات الترابط على أنها علاقات تشنجية تقوم على صلة الأواصر الحاضرة في النسق بغيرها من الأوضاع الغائبة عنها والمترابطة معها، بخاصة فنحن ﻻ نرتب كل الوحدات الواردة في النص على أنها علاقات مخصوصة في المستوى التفصيلي، بل أننا نكتفي برصد الحالات في ثباتها ونفيها وذكر الاسباب الناتجة عنها . وعلى هذا النحو يمكننا التعامل مع طبيعة الشخصية على أنها تعاني من تصدعات قهرية عديدة، أولها غياب الحضور الأمري، وآخرها التسليم المتحفي للمادة التاريخية تجسيداً وإمعانا وشرودا . إذ أننا إزاء حالة حسية اختلطت عليها الاحوال والأزمنة، لذا بدت غالبية عظمى من التركيبة الأسمائية الكلاسيكية المشبعة بالمذاق والنكهة المجتزأة من العنوانات والشواهد الميثولوجية: (كتب مسجل الإعارة عنوان الفليم وتاريخ الخروج المواقف ليومه، وبعد ذلك أشار إلى المستأجر وبين له السطر الذي ينبغي أن يوقع فيه - أظهر التوقيع الكلمتين الأخيرتين من الأسم، ماكسيمو أفونسو، من دون تيرتو ليانو، لكن، كمن قرر مسبقاً أسرا يثير جدلاً، همهم الزبون، وهو يكتب في الوقت ذاته -هكذا؟- يكون أسرع . ص١١ الرواية) نقول بطريقة ما ﻻ يمكننا الإفصاح عنها الآن، خصوصا والأمر يرتبط بصورة المواصفات التضادية في عوالم روايات ساراماغو، فاللروائي علاقة بالرواية متصلة في حدود مجاﻻت تفاعلية مقصودة بين ثنائية (الآخر - المؤخر) فهي بدورها محملة بطاقة تأويلية تصاحبها تلك القدرة الخاصة على (الاستطراد في مخبوء التفاصيل ؟) وما دامت الرواية هي عالم من الأحداث الكلامية، ﻻ عالم الأحداث العابرة والتخاطرية، لذا فإن رجل مادة التاريخ من الإمكان أن يبدو في حالة تضاد وتنافر إزاء مسلمات الحياة الحاضرية، غير إنه في الأونة الأخيرة أصبح متحررا من قيود التاريخ طالما إنه شعر بالحاجة للخروج من زمن المؤرخ والوثيقة، فهو الآن يحاول العيش كباقي الأناس مادام قد هيئه لذاته ذلك الفضول بالتفرج على ذلك الفلم: (وبينما كان يحتفظ بالشريط في محفظته المتعبة، كابد الأستاذ تيرتو ليانو ماكسيمو أفونونسو، بكبرياء يستحق التقدير، حتى ﻻ يظهر ما أصابه من امتعاض بسبب ما قام به مستخدم المحل من وشاية مجانية - لكنه لم يجد بدأ من أن يقول في نفسه، رغم أنه يلوم نفسه بسبب ظلم الفكرة الدنيئة، أن الذنب هو ذنب الزميل، ذنب هوس بعض الأشخاص بتقديم النصائح من دون أن يطلب أحد منهم ذلك . /ص١١)

٢- المسافة القصدية الفاصلة بين تكنيك السارد وحوارية الشخصية:

إن ما يميز (المسافة القصدية ؟) في هذا الشكل من وحدات الإنتاج في مجال البينات الصغرى في فصول رواية (الشبيه) ذلك المستوى الارتباطي الفاصل والواصل بين آفاق (تكنيك السارد الفاعل) ونوعية مؤشرات استراتيجية الشخصية الروائية المتبدي في محاقب القابلية الانفعالية الدالة، لذا نقول أن أدلة التكنيك قد حلت في مدار علاقة تحويلية في الاعتبار الذي يكشف لنا بأن مؤوﻻت التجسيد الربطية بين احوال الشخصية تيرتو ليانو وذلك الرجل صاحب محل التسجيل، قد جاءت في حدود مباينة مؤثرة بشكل ملموس، ذلك لأن فعل التكنيك الساردي، أخذ يتصل بكلا الطرفين في حدود قابلية واقعة بالمحتمل المزامن، أي لعل الأمر هو صورة فرضية من روابط السرد، بما هي الإشارة إلى سنين مشبعة بالوعي الافعالي المجانب لمواضع الشخصية المحورية، كما الحال يرد في هذه الوحدات مثالا: (و الحقيقة أن بعض الأصوات غير واضحة التي تصدر من أفواهنا بطريقة إدارية أو غير إدارية - تدرجات الصوت التي يعلن فيها أنه رهن إشارة الزبون ردا على عبارة -أمسية سعيدة - الاضطرارية التي وجهوها إليه. ص١١الرواية) لعل الرابط بين الشخصية وصاحب المحل، محفوظة في مجال جزئية محتملة من تصورات الشخصية ذاتها، إذن الأمر بدوره يشكل حالة حسية نادرة مبعثها حلفية الشخصية بالنقصان والخيبة من جراء نعته المهمش في جيوب التواريخ الأسمائية العتيقة . وذلك أيضاً ما ينطبق على عنوان الفلم الذي جاء بمسمى (الإلحاح هو سر النجاح ؟) ليعكس حالة الخصوصية في منزل الشخصية في وضع علاقاتها الهامشية مع محيطها المجتمعي، كذلك الأمر سيان على قدم عرض هذا الفلم القصير الذي قد تم عرضه منذ أكثر خمس سنوات مضت، إذن المستوى العلائقي ها هنا راح يضم بالدليل المحتمل ما بين محتوى الفلم ومكونات الشخصية في الآن نفسه: (لكني أقول لك الآن، يا عزيزي، إنه ينبغي لك، بل من الضروري أن تشاهد - الإلحاح هو سر النجاح - وهو بالضبط عنوان الفلم - كان بوسع أستاذ التاريخ أن يسأل في أي قاعة سينمائية يعرض، وهو ما قد يرد عليه استاذ الرياضيات مصححا إنه ﻻ يعرض، بل عرض سابقاً. /ص١٢. ص١٣ الرواية) ربما الأمر إلى الآن ﻻ يتعدى حدود: العامل = الذات / العامل = الموضوع: ذات الحالة = ذات الفعل = ذات الموضوعة) ولما كان الأمر هكذا مقصورا في عدة عوامل موقفية في النص، نستدل بأن تجسيد علاقة الفاعل محايثة للشروط التداخلية في مؤخر السارد المتكلم، وصوﻻ بها إلى علاقة تتقصى الوضع التمثيلي للانموذج الشخوصي وفعاليته الدﻻلية .

- خصوصية الأداء وتقانة الاستطراد:

لعل الشيء الحقيقي في بنيات رواية (جوزيه ساراماغو) هو خصوصية الأداء وجزالة تقانة العمق الاستطرادي، فالروائي ساراماغو يقدم حقيقة شخصيته الروائية ضمن حدود وقائع استطرادية من شأنها إعادة ترتيب منظور النص عبر خاصية الإحساس المفعم بما تتجلى به مقاصد الترتيب المعتمد من وجود افتراض الأحداث ذات المادة تعديلا ومحكومية تحوﻻت العناصر والمكونات الشخوصية من جهة إلى أخرى من مقومات الأحداث والحدوث . لذا في أكثر الأحوال مالم يصادفنا صوت ووجود الشخصية ألا وهي في خفاء ذاتية السارد المتكلم ومن خلفه المؤلف الضمني، أو الذات الثانية للحكي . أن الشخصية الغير مشخصة في روايات ساراماغو حلت في أحوال صوت الراوي حلوﻻ إسناديا يحكي لنا الأشياء التي ﻻ تعرفها الشخصية ذاتها، لذا فإننا نفترض الصوتين (السارد - الشخصية) داخل موجهات كلية المؤلف في النص تحديدا. غير أن ﻻ يعني صوت المؤلف في موجهات الشخوص ووعي السارد، بل نقصد المساحة المنظورية للمؤلف ورؤيته في آليات النص إجمالا، وهذا الأمر ما جعل مغزى الشخصية في رواية (الشبيه) وكأنها الفعل التدرجي في مرابع المؤلف الكلي، وهنا يظهر الإحساس المركب لدى الشخصية والمؤلف الذي هو في صميم مؤشرات جل روايات المؤلف نفسه .

١- الكائن الشخوصي بين المتمثل بالفعل والشاهد العاملي:

رأينا في الأجزاء الأولى من الفصل الروائي الأولي، كيفية تقديم الشخصية المحورية ضمن أهليتها النفسية والأيديولوجية، بل أن الشخصية راحت تنهض بوظيفة حساسة من حيث تحريك العلاقات الدﻻلية وتأزيمها، لهذا نذهب إلى القول بأن شخصيات (جوزيه ساراماغو) تتصف بوظائف داخلية، ولعل سبب ذلك واضح للقارىء لروايات ساراماغو كونها غ ترصد الابعاد النفسية من خلال وساطات السارد المتكلم، وهذا الأمر ما راح يوفر للشخصية في رواية (الشبيه) إلى الملامح الكاملة بين المونولوج الداخلي للشخصية والمروي بوساطة السارد العليم: (غسل تيرتو ليانو ماكسيمو أفونسو أواني طعام العشاء بعناية، فقد كان دائما يعتبر أنه من الواجب المقدس أن يترك كل شيء نظيفاً - لعد كان بوسعنا أن نتحاشى هذا الشرح المتكلف لو قلنا إن تيرتو ليانو توجه مباشرة، أي في خط مستقيم إلى طاولة العمل، أخذ شريط الفديو، جال ببصره عبر المعلومات الواردة في وجه العلبة وظهرها . / ص٢٠ الرواية) إن معظم المقتطفات الواردة داخل القوسين، كلها عبارة عن حاﻻت خاصة من (تكنيك السارد العليم) ولكننا عندما تصادفنا ثمة تعليقات حوارية داخلية مقتضبة فهي حتما تعود إلى الشخصية أو ما يمكننا تسميته ب (الميتافيكت) تلك الآلية التي تتبنى طرح الأسئلة ما بين المتخيل والواقع أو الشخصية المذابة في سمات السارد العليم.

٢- الأنا الشخصية وصيغة الراوي السرد الذاتي:

لعل (أنا الشخصية) أو تلك العلاقة المخصوصة بين مسار أزمنة صيغة فواعل السارد العليم، هي المسار المحقق بين جهتي: (الراوي المهيمن = تداخل الشخصية= بين المحورين = أنا الشخصية = الراوي السرد ذاتي) بلوغا نحو امتلاك الراوي إلى كافة تمثيلات الشخصية ضمن مواقعها الدائرة في مساحات مرآة السارد العليم: (عندما انتهى الفيلم، كان أفونسو أكثر غضبا من نفسه مما كان عليه حيال الزميل - فما كان يؤلمه،كما يحدث دائماً للسذج، هو هذا الأمر نفسه - فلا يظهر في حكاية الفلم غير قصة طموح جامح وشخصي لممثلة شابة وجميلة تجسد تجسد أحسن ما لقنوها . /ص٢١ الرواية) من اللافت للنظر أن صراعات الشخصية لا تجرؤ في ظاهرها المتحفظ إطلاق بعض الكلمات البذيئة حول مادة الفلم التي قام بمشاهدتها وقد بدد بوضع الوقت في معاينة نزهات كان من الأولى به تصحيح دفاتر الطلاب الامتحانية في هذا الوقت الذي كرسه هكذا دون جدوى بمشاهدات جمال تلك الممثلة فقط، لذا فها هنا نعاين كيفية حدوث ذلك الشكل ردود الشخصية : (بصوت عالٍ، قال، غدا سوف اعيد هذا اغراء، ولم يشعر بدهشة هذه المرة . /ص٢١ الرواية) يتبين من هنا أن صوت وفعل الشخصية جاء مذابا بصوت السارد المتكلم، وهذه هي حدود حرية الشخصية في عالم ساراماغو بالتحديد . الشخصية من النوع المحافظ جداً، لذا من المعيب أن يطلق الكلمات الأكثر بذاته، ولكنه على ما يبدو كان يحاول الترويح عن نفسه بهذه الكلمات .

- الحضور الخفي للأشياء وصورة الشبيه:

إذا كان البحث عن المؤشرات في روابط وعلامات الأجزاء الأولى من رواية (الشبيه) فينبغي لنا معرفة الحالة الزمنية والظرفية والذاكراتية للشخصية في ذاتها ضمن حدودها الواصلة ما بين (آلية الربط = سياق التركيب) لعل ما حدث للشخصية لم يكن اعتمادا خالصاً على ما تم قراءته في كتاب حضارة بلاد الرافدين وخاصة ملكهم حمورابي، وﻻ من جهة ما ان مؤثرات الوحدة في شقته لربما تترك في نفسه تلك الارهاصات بوجود من يترقب خطواته في غفلة منه داخل الغرف والممر المركبة الاكثر توغلا في معاناة الشخصية بذاتها. عندما عاد أفونسو من دورة تجوالية أختصرت بدخول الحمام ثم المطبخ، ثم عاد بعد ذلك إلى غرفة جلوسه حيث آلة الكتابة، والطاولة الصغيرة وجهاز التلفاز، ثم همهم قائلا بشيء من الخوف: (هذا إذن؟) ثم تحول بعد ذلك بالانشغال بتشغيل جهاز التلفاز ثم شريط ذلك الفيلم الذي يحمل عنوان (الإلحاح هو سر النجاح) مما جعلنا نستخلص بأن الشخصية استلهم مفردة - الإلحاح - بصورة فطرية حتى راح يعيد مشاهدته لذلك الفيلم، بعد أن كان قبل عدة ساعات بين ارجاعه لصاحب المحل: وفكم ما الذي حدث بالضبط للشخصية وجعله يعاود مشاهدة الفيلم مجددا بعد أن شاهده أول مرة وأكتشف سوء وخواء محتواه، بأستثناء تلك الممثلة الجميلة هل يود مثلا معاودة رؤية الفتاة مجدداً احتمالاً ؟ أم إنه كان يني التدقيق في الاجزاءالفلمية هكذا دون قصدية، لو افترضنا ذلك ؟.

- مشاهد من الفيلم: (ضغط من جديد على زر جهاز التحكم عن بعد ثم، منحنيا إلى الأمام، ومرفقاه متكئتان على الركبتين - شاهد من جديد قصة تلك المرأة الشابة الجميلة التي كانت تريد أن تحقق نجاحاً في حياتها .. بعد مرور عشرين دقيقة، رآها تدلف إلى الفندق وتتوجه إلى مكتب الإستقبال، وسمعها تنطق باسمها - إنيش دي كاشترو، سمعها بعد ذلك تتابع - لدي حجز هنا في فندقكم - نظر إليها الموظف وجها لوجه، إلى الكاميرا، وليس لها، أو إليها هي التي كانت تقف مكان إبهام يده التي تمسك جهاز التحكم عن بعد ضغطت بسرعة على زر التوقف، لكن الصورة كانت قد مرت، ومن المنطقي ألا يتلف الشريط سدى من أجل ممثل من الكومبارس أو ما يزيد قليلا عن ذلك . / ص٢٤ الرواية) .

- تعليق القراءة:

لعل ما يحدث في الاجزاء الأولى من رواية (الشبيه) ما يشرع منا وقفة تأويليلة خاصة، حيث من المفيد أن نؤول مسار الاحداث الأخيرة بذلك الطابع من التمحيص لنقول: على حد علمنا الشخصية كان قد أطلع على شريط الفيلم منذ البداية جيدا ما دفعه الأمر إلى أن يكون غاضبا على زميله أستاذ الرياضيات لكون الأخير هو من اقترح عليه هذا الفيلم بإلحاح قصدي نوعا ما فما سر اهتمامه بإعادة التركيز حول وجه موظف إستقبال الفندق بخاصة وهو يعد من الكومبارس مثالا ؟ . مما ﻻ شك فيه أن جوزيف يضعنا إزاء خيارات محتملة بواسطة ذلك الموظف المدرج في لقطة عابرة من الفيلم، خصوصا وأن الشخصية أكتشف بمدى الشبه الواقع بينه وبين ذلك الموظف: (؛هذا أنا، قال ومرة أخرى أحس بشعر جلده ينتصب .ة/ ص٢٥ الرواية) كذلك نلاحظ ظهور مثل هذه التقانة الخاصة ب (الميتافكشن) عندما تتعلق بمحاورة السارد العليم للشخصية كمونولوج داخلي: (يا لها من فكرة، عزيزي تيرتو ليانو،أرجوك أن تلاحظ أن له شاربا،بينما وجهك أنت محلوق ./ ص٢٥ الرواية) من الغريب والمدهش في نهاية الفصل الاول من الرواية يكتشف الشخصية بعد جولة قلقة مفتشا في أغراضه القديمة يتعرف على صورة شخصية له عقود إلى خمس سنوات كان له فيها شاربا . في الحقيقة هناك العديد من الأسئلة الخاصة حول هذا الفصل، لكننا سوف نكتفي بالقول بأن (جوزيه ساراماغو) وضعنا بنية تقانية معمقة بحركية التكثيف والتحفيز في متابعة روايته (الشبيه) التي جعلتنا نواجه إجرائية روائية تتراوح ما بين (الأبعاد المحورية المركزة) وذلك الجانب من (الكشوفات اللامحدودة) في تضاعيف متوازنة ومتكابدة من جدلية زمن وجهات الخطاب الروائي الأكثر استطرادا وحبكة وإتصالا في الأزمنة المعادلية للشبيه وتواتر مأزومية الصورة والشخصية والأحداث الفاعلة والمتوالدة في زمن التنصيص الروائي .

***

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم