قراءات نقدية

أحمد الشيخاوي: في شعرية الانكسار

ما بين رصيف الذكريات وآفاق الرؤى، تنطلق تجربة الشاعر الجزائري بادر سيف، في ترجمتها للحالة النفسية المثقلة بحمولة السلبي، ما استدعى نظير هذه الصرخة التي تعزّز إيقاعاتها هوية المكان/ الانتماء.

تجربة تنثر الجمال، وإن جدّفت الذات الشاعرة، ضمن حدودها، على قدر معين، ومنسوب تصاعدي، من الضبابية في تلوين المعنى والصور.

نقتطف له التالي:

لا توقظ خيولنا العصية لنضطر للرحيل

فنحن غبار مدن عابر

وقصائد من مربع ماء راكد

أيها الليل يا باب الضيافة والحلم

كسر أنياب الفجيعة فجرا

فالأطفال على عجالة من أمرهم

يسرقون خوخ نملة صائمة

ونحن نعد حناجر الشواطئ المتيبسة

أيتها الانجم الصادق عشقها لصراخ الأعنة

إن المطر أمسكه رأس اللغة

فلا تقسمي رغيف الطمس

يا لغة الخيل

وشرفات الدهشة

إني أتشبث بشرفات الأرقة

لا أستسلم للريح.

ولكن يظل يشفع لهذا الخطاب القِناعي، وإن كان يروم عملية تواصلية يهيمن عليها الطابع الحِجاجي الإقناعي، موروث البكائية والانكسار، الشيء الذي يدفع بالشاعر إلى اللوذ بمعجم الإغراق في الغموض، بما يتيح تمرير هذا الزخم من الصور الغاضبة جدا، وعلى الشاكلة المروّحة عن اختناقات أصوات متعددة، قد تختزلها الشخصية الواحدة، في السياق السردي للمنجز، في كليته. يقول:

عن رقيم المسقط

كي أعيده إلى صنوبرة المزار

ليشفي الكوكب الرضيع

من غصة بفعل ريشة الريح

ومتلازمة الإشارات...

في الطريق إلى صينية الجوى

أفرك تفاحة الجسد المهادن

أنبش هبوط الدمعة

إلى مسارب الأيك عله المساء يعيد للأسماء  

 لون الصباحات

علها المدن السابحة في رونق الهباء

تستلطف كياسة الخدر أحصي أجراس النهر

نمير الموج

أرتب رفوف السماء المتوجة

بنوارس من نور

أذكرها بهديل الانتساب لقشيب الينابيع

ثم في الطريق أسهر مع عكاز التاريخ

أعيد له كيمياء الشعر

ومنطق الاتكاء على رابية النسيان

كي أزيل غبار المادة

عن وردة شكلتها من نغم الأيام

وذلك الزمن يغرد

لا حرف الشفاه

لترتطم ثورة الغيب بمتاريس

العسجد المتهالك على شرفات الأبجدية.

هذا التصوير الفني المكثف، المفروض، والذي لم يُجترح قط من باب المجانية، أو ما يشبه الدّعاية، إنما انرسمت ملامحه، حتّى يكون في مستوى صرخة انكسار هوية كائن مقموع ومجروح في انتمائه، يحاول أن يتشبث قدر الإمكان بـــــ" ثالوث التملك" كما ذكرته الشعرية هنا:

ـــ أنا الشاعر.

ـــ أنا الوطن (جبل سردون).

ــــ أنا الضمير الجمعي المغيّب.

كل ذلك كي يخيم العطش الوجودي، بمفرداته القاهرة، والتي لن بعالجها سوى ديدن إدمان الشعر، ومقامرة الحياة به، في بلوغها من الظلامية والتخشب، ما يتحقق له منتهى الإحباط والانشطار، بل وحدّ المكاشفة الوجدانية التي تبدو لها هذه الحياة، بلا روح تذكر، أي في أقصى درجات التصوير المشفّر والمبهم لدوال الموت. ويقول أيضا:

ترثي صيفا يكاد يمضي نصفه

وبيدر الأسرار

ألوذ بنصوص الكناية الكئيبة قرب

طمي النخل

لأبتر ذراع زمن ...وناب ذئب أدهشته زفة النهار

هذا المساء قهوته البريئة

أركب الطواحين من أجنحة الورق

والريح ثكلى

تبكي يوميات من عالم الأمطار

لأغازل مصاعد اللغة المنهكة.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة تقع في94 صفحة من القطع المتوسط، وتضمّ 19 نصا، بين المطولات والمتوسطة الطول.

صمم غلاف الديوان الشاعر والفنان المغربي نور الدين الوادي. اما لوحة الغلاف فتعود للشاعر والفنان المهجري مهدي النفري.

***

شاعر وناقد من المغرب

..........................

هامش:

انظر نشيد سردون (مجموعة شعرية رقمية) لمؤلفها الشاعر الجزائري بادر سيف، منشورات عبور الثقافية، 2024، المغرب.

في المثقف اليوم