قراءات نقدية

صالح الطائي: أيقونة الأدب الموريتاني.. تجربة موريتانية برؤية مشرقية

أدي بن آدب أنموذجا

مما لا شك فيه أن العلاقة بين مشرق الوطن العربي ومغربه كانت ولا زالت دون مستوى الطموح كثيرا، ولا زالت شبه القطيعة المصطنعة تتحكم بعلاقاتهم مع بعضهم، ولاسيما منها الدول التي تموضعت على أطراف الوطن الكبير، مثل موريتانيا  وأخواتها، وهذا ليس في الحياة العامة وحدها، ولا في التواصل المجتمعي وحده، بل امتد إلى التجارة والأدب والتعاون العلمي والإنساني والسياحة والتبادل الثقافي والمعرفي والأعمال المشتركة، وهي بمجموعها نشاطات فكرية ومالية وحدها قادرة على كسر هذا التابو المصطنع، أو الذي فرضته الظروف، ونظرا لصعوبة التوفيق بين هذه المطالب الصعبة .

وبسبب تعارض المصالح والاختلاف الأيديولوجي السياسي أرى أن كسر مثل هذا التابو لا يتم بأساليب تقليدية بل يحتاج عادة إلى ثورة تواصلية، من أولى قواعدها التخلي عن الرؤية المناطقية الضيقة، وفصل السياسة عن التفاعل الحياتي اليومي، وتقليل استخدام اللغة المحكية والتكلم والكتابة بدلا عن ذلك باللغة الفصحى التي يفهمها الجميع، ومن المؤكد أن طيب النوايا وحسن الدواخل والشفافية ستكون جزء مهما من هذه المعادلة التي أصبح أمر تحقيقها اليوم أيسر من شربة ماء، بشرط أن يتولى الكبار تنفيذ هذه المهمة ونشرها في مجتمعاتهم.

وإذا كانت المواصلات السيئة والاتصالات المتخلفة والأوضاع الاقتصادية الصعبة والواقع السياسي المضطرب، والأحكام القبائلية الفاشية حجر العثرة الذي أعاق التواصل فيما مضى، أو كان الوضع العام المضطرب الحساس في هذا البلد أو ذاك أحد المحاذير التي تصرف البال عن أي نوع من أنواع التواصل، أو كان اختلاف المناهج السياسية المعلنة دافعا للتباعد(1)، فإن استمرار القطيعة إلى الآن، بعد انحسار العواصف، وهدوء الأوضاع، واستتباب الأمن، فضلا عن وجود العنصر الأكثر أهمية وهي شبكات التواصل الاجتماعي، والانفتاح السياحي، والتعاون والتعاطي والتبادل الكوني الشامل، مع كل هذا يبدو استمرار القطيعة أمرا غير مقبول ولا مستساغ بالمرة، فالعالم يتحول يوما بعد آخر إلى قرية كونية، كانت حتى الأمس القريب كبيرة نوعا ما، ولكنها تقلصت اليوم وأصبحت في منتهى الصغر، ينطبق عليها المثل الشعبي الدارج في العراق (احنا ولد الكُرَيَّه كلمن يعرف أُخَيَّه)، "نحن أبناء القُرَيَّة (مصغر قرية) كل واحد منا يعرف أُخَيه (مصغر أخِيه)" للتدليل على وجود المشتركات العظمى التي فرضها التقارب بين الشعوب.

من أجواء هذا التنائي وبسبب مخرجاته كانت العلاقة بين العراق وموريتانيا قد تعرضت لبعض المواقف السياسية التي أسهمت في تباعد البلدين عن بعضهما بشكل غير مستساغ ولا مقبول، ومع ذلك شاءت الأقدار أن أتعرف على قامة أكاديمية وأدبية مائزة ومؤثرة في محيطها المورتاني والمغاربي، هو الأستاذ الدكتور أدي ود آدب، الأكاديمي والشاعر والناثر والناقد والإنسان، فأتيحت لي فرصة الاطلاع على بعض كنوز الثقافة المغاربية من خلاله، ولاسيما وأن الأخ الدكتور بدا لي من خلال نتاجه الفكري والأدبي نموذجا حقيقيا للمثقف العربي، إذ كان كريما معي، فأهداني أغلب مؤلفاته؛ التي وجدت فيها تنوعا وتميزا وتفردا وجمالا أخاذا يسر اللب ويشرح القلب ويذكي السعادة في الروح.

المؤسف في الأمر أنه رغم هذا العطاء الثَّرّ وتنوعه المحبب، ورغم الشهرة المغاربية الواسعة التي حظي بها الدكتور أدي، والتي ترجمتها الجوائز العديدة التي تحصل عليها، مثل: المركز الأول شعريا في مسابقة برنامج سهرة الشهر بالإذاعة الوطنية 1985، والمركز الأول في جائزة الإبداع الأدبي، بجامعة محمد الخامس - الرباط2006، والمركز الأول في المهرجان الدولي للشعر والزجل، بالدار البيضاء، مرتين:2007و2009، والمركز الثاني في مسابقة شاعر الرسول التي نظمتها التلفزة الموريتانية 2010، والفوز-أيضا- في مسابقة قصيدة اللغة العربية المنظمة من طرف "مجلس اللسان العربي بموريتانيا" 2017، إلا أنه كاد أن يكون مجهولا في مشرق الأمة، وهذا ليس لقصور في نتاجه، وإنما لقصور في انفتاح مهرجاناتنا على عموم بلدان الوطن العربي الكبير واكتفائها ببعض الوجوه التي تتكرر سنويا، فعند اطلاعي على سيرته لم أجد دليلا واحدا على تعاون يذكر، سوى فوزه بالمركز الخامس في مسابقة أمير الشعراء بأبوظبي عام 2008. وقبالة ذلك تجد ذكره ضبابيا في مشرقنا.

لهذا السبب وربما لأسباب أخرى كنت حينما يجمعنا مجلس السمر أحدث زملائي وأصدقائي عنه، وهم نقاد وأكاديميون ومثقفون وأدباء، وأتحدث لهم عنه شخصيا وعن منجزه الفكري والأدبي، فلا أجد بينهم من يعرفه أو يقرأ له، وهذا يترجم مقدار التعتيم الذي نمارسه طواعية على علاقاتنا ببعضنا، رغم أننا انفتحنا على الآخر الغربي بلا قيود، فأنتج لنا هذا التنائي الذي يوجع الروح بعدا فكريا وثقافيا أيضا، إذ يندر أن تجد أديبا من مغرب الوطن مدعوا لحضور المؤتمرات والمهرجانات الثقافية التي تقام في المشرق رغم كثرتها.

شجعني جهل زملائي وجمال ما أنتجه يراع الدكتور أدي على المضي في البحث والتقصي أكثر وأكثر عن هذه الشخصية المجهولة في مشرق العرب والمشهورة جدا في مغربهم، مثلما يتضح من تبني دور النشر الجزائرية والمغربية طباعة وتوزيع أعماله، شخصت ذلك بعد أن وجدته أديبا لا يشق له غبار ولا يمكن تجاوزه، أديبا ذو عطاء متنوع يمازج بين الشعر والنثر والنقد والتاريخ الأدبي والتراجم والسير والصحافة أيضا، أو مثلما يفهم من سيرته الذاتية العطرة "شاعر وباحث أكاديمي، وناقد، وخبير لغوي موريتاني"؛ يوثق معلوماته من خلال سلسلة كتب متنوعة، أصدرها فحظيت بالتقدير والترحاب.

وأنا واقعا كنت قد نويت بداية أن أكتب عن إحدى منصات تجربته نقدا أدبيا تخصصيا مثل أي نقد متداول وشائع، ولكني عزفت عن هذه الفكرة لأني أعدها تقليدية خالية من التجديد؛ لأكتب عوضا عنه ما يمكنني من خلاله أن أقدم الدكتور أدي إلى المواطن المشرقي على طبق من معرفة، لأني أيقنت أن كتابتي هذه ستكون عتبة موضوع التعارف؛ الذي سينتج كتابات أخرى يتناول فيها النقاد أعماله وأعمال زملائه شعراء موريتانيا بلد المليون شاعر.

وللتهيؤ لمثل هذا الأمر وخلال مرحلة الإعداد للكتابة عنه، تنقلت بين صفحات ما أهداه إليَّ لألُم ولو بصورة أولية بفكرة مركزة عن منهجيته وأسلوبيته والمعلن والمضمر فيها. فكان أول ما جلب انتباهي اهتمامه الكبير بالكل، وترفعه عن الاهتمام بنفسه، فهو كتب عن النقد الأدبي موضوعا للمقاومة بين المشرق والمغرب، وكتب عن الشعر الحساني والشعر العربي وصل الفصل ونسب الأدب، وكتب عن المفاضلات في الأدب الأندلسي الذهنية والأنساق، وكتب عن عمود الغرابة في الادب الاندلسي (نظرية الأعمدة المتناسخة)، وهي جميعها موضوعات ثقافية عامة قد لا تظهر من خلالها أي مؤشرات لشخصية الكاتب، بقدر كونها محاولة لبيان رؤى فاحصة مدققة في مواضيع معينة، وهو ما يتضح من قوله: "أهدي رؤيتي حول رحلة الإبداع الأدبي العربي الحتمية، من عمود الألفة إلى عمود الغرابة، انطلاقا من نظرية نقدية تؤمن بأن لا وجود لعمود أدبي واحد، بل هناك أعمدة أدبية عديدة، ينسخ لاحقُها سابقَها، اقتضتها نواميس التطور الكونية، وماهية مفهوم الإبداع(2).

ثم اهتم بشيء آخر، أجده حتى وإن كانت له خصوصيته النسبية الترابطية بشخصه، إلا أن الكتابة عنه تدخل نفس مضمار الاهتمام بالآخر، إذ كتب عن ( أهل آدب)، فكتب عن الشيخ أحمد بن آدب، وكتب عن المقاومة الأخلاقية في أدبيات أسرة أهل آدب، وكتب عن خنساء شنقيط خديجة (ديه) بنت سيدي ولد آدب، وكتب عن (سيدي) ولد آدب رمز الفتى الكنتي، فارس المدفع والقلم، وأسرة "أهل آدب" سلالة الشعر وبيت القصيد، وهو بالتالي وزع اهتمامه في جهات يرى أن إشهار أصلها أهم من كتابته عن نفسه وعن منجزه وهذا إيثار لا تجده سوى لدى الكبار.!

المهم أن الدكتور أدِّي كان قد أشار إلى هذه العلاقة في محاولة منه لتوضيح البناء الرؤيوي بالقول: "حين أقتحمُ مقاربة سر العلاقة بين عائلتي "أهل آدب"، وبين الشعر

خصوصا، والأدب عموما، فليس دافعي لذلك تمجيد الذات، ولا الافتخار بالعروق الضاربة، في هذا الإرث الثقافي الكبير، بقدر ما أعدُّ دافعي علميا بحتا، وأداء لواجب وطني وأخلاقي مُلْزِم (3).

وأنا واقعيا حينما قرأت قوله هذا، أيقنت أن الرجل طالب علم وساعٍ إلى معرفةٍ شمولية، حتى لو أهمل خصوصياته الشخصية، وهذه من سيماء العلماء ومناهج العلياء، لا يعرف معناها المتصنعون والأدعياء.

في معمعة تداعي الأحداث والانشغال بتمجيد الآخر، كانت للدكتور وقفات لا ليتحدث من خلالها عن نفسه، خروجا على سياقات ما أعتاد عليه، وإنما هي نفثات روح شفيفة جاءت لتصب في نفس وادي العطاء للآخر، لكن من جهة أخرى ومن طريق آخر، فهو لأنه شاعر مجيد، وغزير الإنتاج، أراد أن يسعد الناس بجميل ما سيقرئونه من شعر من خلال تَوَزُّعِه بين مجموعة دواوين ودراسات شعرية منها:

صلوات القوافي

بصمة روحي

فلسطين القصيدة

وطني على كتفي

وجوه كتبتني

وهي المحطة التي سنتوقف عندها لنتحدث عن أدي شاعرا ولاسيما بعد أن لمست أنه وظف هذه الشاعرية لتبهج الغير أكثر مما هي دعاية لنفسه.

آدي شاعرا:

هناك ثمانية دواوين شعرية تطرز تاريخ شاعرنا وأديبنا الدكتور أدي ود آدب، امتدت على مساحة زمنية من عام 2009 ولغاية عام 2022 وكانت ثمرتها تبني وزارة الثقافة الجزائرية عام 2009 إصدار مجموعتين من أعماله، كانت الأولى بعنوان: "رحلة بين الحاء والباء"، وهي سباحة في أعماق بحر الحب المقدس، ضد تيار عولمة الكراهية والحب المدنس، وكأنه أراد التبشير بثقافة التقارب التي تحدثنا عنها، والثانية بعنوان: "تأبط أوراقا، ويجد الباحث والقاري في أعماق هذه المجموعة نوعا من المحاولات الجادة لصعلكة ثورة المُثُل شعريا وفكريا، بسلاح القلم والورق. وبرأيي أن مجرد هذا العمل المشترك بين الشاعر الموريتاني والوزارة الجزائرية على بساطته يؤكد وجود التعاون الأدبي والفكري بين بلدان المغرب على خلاف ما هو عليه مع بلدان المشرق.

تأكيدا لهذه الجنبة المهمة نجد مؤسسة "آفاق للدراسات والنشر والاتصال" وهي مؤسسة مقرها بمدينة مراكش في المملكة المغربية قد أصدرت له عدة دواوين، منها: ديوان "بصمة روحي" 2018، وهو سعي للاستثمار في مقومات التميز الإبداعي، واستقلالية الشخص والنص.

وديوان "صلوات القوافي 2022، وهو شعر في المديح النبوي رددته تراتيل الروح في محرابها، معراجا إلى سدرة منتهى المديح.

ثم ديوان "وجوه كتبتني 2022، وهو ديوان ضمَّ مجموعة قصائد كتبها الشاعر تخليدا لوجوه شخصيات وشمت أثرا عميقا لا ينمحي في الوجدان.

تلاه ديوان "فلسطين القصيدة"، وهو ديوان يعتبر نشيدا في الدعوة إلى تشييد للوطن الفلسطيني، "فوق بحر القصيد، استيطانا في الروح".

تلاه في العام نفسه صدور ديوان "وطني على كتفي، وهو نشيد كاهلٍ مثقل بوطن شخصي، يهاجر في شاعر هُجِّر عنه.

وتلاه ديوان "خرائط الوجع، وهو سَفَرٌ في المواجع العربية، التي تلوّن الأطلس الكبير بلون الدم والرماد.

والذي أراه أن هذه المجموعة من الأعمال الشعرية (دواوين وقصائد) يجب أن تحظى باهتمام النقاد المشرقيين وعنايتهم لما تنضوي عليه من تنوع وموضوعية وتنوع في الغايات والرؤى والأهداف، وستكون الكتابة عنها تجربة جديدة خوضها ممتع ونشرها نافع.

شاعراً أكاديميا

استغل الشاعر الدكتور آدي ود أدب امتلاكه ثلاث ثيمات قيمية ارتكازية مهمة هي كونه:

- أكاديميا من حيث الدراسة والعمل، إذ حصل على الدكتوراه في الأدب الأندلسي من جامعة محمد الخامس بالمغرب سنة 2011م بتقدير امتياز، وعمل أستاذا منتدبا للغة العربية وآدابها في جامعة قطر خلال المدة 2014-2015م، وأستاذا متعاونا بجامعة محمد الخامس بالمغرب خلال المدة 2008-2010م، وأستاذا للغة العربية بالتعليم الثانوي في موريتانيا (1991-2002م)؛ كما عمل عضوا في فريق الدوحة للمعالجة المعجمية بـمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية 2015-2017م قبل أن يلتحق رسميا بالفريق المركزي للمعجم في أكتوبر 2017 خبيرا لغويا. وهو تخصص ينمي القدرات الذاتية ويحسن الذائقة ويضع صاحبه على أعتاب دنيا الأدب ولاسيما الشعر قديمه وحديثه، ويفتح كونة لتعاون القطبين المشرقي والمغربي في بعض محطاته، أجدها دون الحاجة والمطلب والمراد.

- كاتبا صحفيا بارزا. ومدققا وخبيرا لغويا، وهذا ما جعله على احتكاك مباشر لا بالأحداث وحدها بل وبصانعيها أيضا والتعامل معهم وفق رؤية فنية تحتاج إلى انتقاء المفردات بلباقة ودبلوماسية.

- محكما اعتمده "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- بالدوحة - فرع بيروت"، مما أتاح له تنمية قدراته الثقافية والعلمية، ومنحه مقدرة على تحكيم الضمير بدل العواطف والميول، وهي مهمة لا يجيدها ولا يقدر على أدائها سوى قلة من الناس. وقد نجح شاعرنا ليكون محكما مقبول الرأي في بعض بحوث المركز الأدبية المعدة للنشر. فضلا عن ذلك تعاون مع "مركز الجزيرة للدراسات" بالدوحة، أكثر من مرة، في تدقيق بعض منشورات المركز. وغير هذا وذاك اعتمد محكما في لجان تحكيم أدبية عديدة. وهي إضافة قلما تتاح لشاعر، تنماز بكونها تعمل على تهذيب تعامل الشاعر مع المفردة لأنه مسؤول عن تقويم مفردات غيره. وقد استغل الدكتور أدي كل هذه المتاحات لينتج مجموعة مهمة من الدراسات التخصصية

أكاديميا باحثا:

مزايا عديدة وبعضها فريدة، تجمعت في شخصٍ مرهفَ الإحساس، نقي السيرة، واسع البصيرة، مزايا قلما يتاح لشخص أن يجمع بينها في شِعب واحد، فخلقت منه مبدعا متنوع العطاء، ينماز عطاؤه بالثراء، وكانت المؤلفات والبحوث التخصصية المحكمة جزءً من هذا الثراء، فهو في دوامة العمل الفكري أنتج مؤلفات عديدة ومتنوعة، نشر له منها - حتى الآن - 11 كتابا، هي على التوالي:

1- "الإيقاع في المقامات اللزومية للسرقسطي"، صدر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، عام: 2006 م. وينضوي هذا الكتاب على فكرة تجاوز دراسة الإيقاع في الأدب من الشعر، إلى النثر أيضا، بين صوت المعنى خارجيا، ومعنى الصوت داخليا.

2- "المفاضلات في الأدب الأندلسي/الذهنية والأنساق"، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، عام: 2015م. والكتاب أطروحة كبيرة حاولتْ أن تنتظم – نسقيا – للم شتات الوجود الأندلسي المفقود؛ بيانا، ومكانا، وزمانا، وأنسانا، وإيمانا، وعرفانا، من منظور فكرة "المفاضلات" الحافزة إلى التميز الإبداعي في جميع تلك الأبعاد.

3- "تأويل رؤياي: أطروحات صغيرة في الأدب والثقافة"، وقد صدر هذا المؤلف عن مؤسسة آفاق، مراكش، المملكة المغربية، 2019م، وهو عبارة عن مجموعة مقالات تخصصية بلغ عددها حوالي 150 مقالا، هي سيرة قلم يهوى السباحة في أعماق الأطاريح الثقافية والأدبية، مهما ضاقت المساحة، وقلت الحروف.

4- سلسلة "أدبيات أهل آدب"، وهي سلسلة كتب تضم خمسة مؤلفات صدرت جميعها عام 2020م عن مؤسسة آفاق المغربية، وهي:

أـ ارتياد لمناطق مجهولة، من التراث الثقافي والأدبي الموريتاني، ومحاولة لكتابة سير شخوص ونصوص، انحسر دونها التدوين.

ب ـ أسرة أهل آدب: سلالة الشعر وبيت القصيد. والكتاب رسم لمسار رحلة جينات الشعر، في أجيال هذه الأسرة عبر قرنين ونيف.

ج ـ المقاومة الأخلاقية في أدبيات أهل آدب، وقد حاول المؤلف في هذا الكتاب تتبع بعض تجليات التربية الأخلاقية في سلالة أهل أدب.

د ـ سيدي ولد آدب: رمز الفتى الكنتي، فارس المدفع والقلم. هذا الكتاب محاولة لإنشاء سيرة فارس، وشاعر، وعالم، لم يكتب عنه أهله، ولا وطنه.

هـ ـ الشيخ أحمد بن آدب: شيخ المشايخ وقطب الشعراء. وهو الآخر كتاب لبناء سيرة جديدة لشخصية جمعت المشيخة الاجتماعية، والدينية، والشعرية.

و ـ خديجة "دَيَّه" بنت سيدي بن آدب: خنساء شنقيط. وينماز هذا الكتاب بكونه محاولة بعث لخنساء شنقيطية من هذه السلالة الشاعرة، عزفت نشيد الأمل والألم.

5ـ عمود الغرابة في الأدب الأندلسي، (نظرية الأعمدة المتناسخة)، كتاب البديع في وصف الربيع، لأبي الوليد الحميري، أنموذجا. صدر عن مؤسسة آفاق، المملكة المغربية عام 2022م. وهذا الكتاب أطروحة تقوم على نفي "العمود" الشعري الأدبي الواحد، وتؤسس لنظرية "الأعمدة المتناسخة"، حسب تغير الذائقة الأدبية عبر العصور، انطلاقا من "عمود الألفة" التقليدي، إلى "عمود الغرابة" الأندلسي الجديد المتجدد، المنبني - في إغرابه - على: مفارقة المألوف إبداعا، والإحكام والإتقان والتجميل صناعة، والانفعال والإعجاب والاستغراب تلقيا.

6ـ النقد الأدبي: موضوعا للمقامة بين المشرق والمغرب. صدر عن مؤسسة آفاق، عام 2022م. وهو بحث يتجاوز النقد الاجتماعي المألوف موضوعا للخطاب المقامي، إلى ترصُّد النقد الأدبي، المنبثة قضاياه الجوهرية في مقامات أشهر مقاميَّيْن مشرقييْن: الحريري، والبديع الهمذاني، وأشهر مقاميِّيْن مغاربييْن: أبي الطاهر السرقسطي الأندلسي، وابن شرف القيرواني.

7ـ الشعر الحساني والشعر العربي، وصل الفصل.. نسب الأدب. صدر عن مؤسسة آفاق، 2022م. وهو محاولة لجرّ الدراسات الأدبية الأكاديمية الفصحى في موريتانيا، الى معمعان الشعر الشعبي "الحساني"، تجسيرا لهوة الفصل بين الشعرين والأدبين، وتحقيقا لنسب الأدب بينهما، فالشعر شعر بغض النظر عن اللغة التي كتب بها، فصيحة، أو دارجة.

أما في مجال البحوث التخصصية المحكمة فقد صدرت له العديد من البحوث، في الأدب العربي بشكل عام، والأندلسي بشكل خاص، والموريتاني بصورة أخص، ونشرت في مجلات محكمة.

وبالتالي أجزم بدون شك أو ريب أننا نقف أمام قامة علمية أدبية شامخة ذات تجربة ثرة وعلم غزير، وأننا لا نُعفى من التقصير إذا لم نولي هذه التجربة اهتماما كبيرا على مستوى الدراسات النقدية أو الدراسات الأكاديمية التخصصية (من متطلبات نيل درجتي الدكتوراه والماجستير فضلا عن بحوث الترقية العلمية، وبحوث التخرج لنيل درجة البكالوريوس).

إن وجود الأعم الأغلب من مؤلفات ومجاميع الدكتور أدي ود أدب لديَّ يعد فرصة إضافية لتيسير أمر من يريد أن يسعى في تنفيذ هذا المقترح، وأنا على استعداد لتزويدهم بها عند الطلب، فضلا عن ذلك أرى الدكتور على استعداد تام للتعاون مع أي طالب علم أو أديب ناقد بالصورة والشكل الذي يعجبهم.

بقيت نقطتان أود الإشارة إليهما رغم أنهما لا تلتقيان مع هذا السرد إلا من خلال جزئيات بسيطة:

النقطة الأولى: هي مهمة عمل (الدبلوماسية الشعبية) لتقريب رؤى الشعوب العربية التي تبنتها (رابطة المجالس البغدادية الثقافية)(4)، بعد أن فشلت الدبلوماسية الرسمية المؤدلجة والتي تتحكم بها المناهج السياسية في تحقيق هذا التلاقي، إذ قامت الرابطة سعيا منها لتوثيق عرى الإخوة بين الشعوب العربية بتنظيم سفرات مقننة لوفود من علمائها ومفكريها وأكاديمييها وباحثيها وفنانيها وشعرائها إلى دول عربية عديدة مثل: مصر، تونس، سلطنة عمان، لبنان، سوريا وغيرها، وقد نجحت في استقطاب أنموذجات مشابهة لتوجهات أعضائها من الطرف الآخر، أسهمت في إقامة علاقات متينة مع مقابلها، فحققت نقلة كبيرة في علاقات الشعوب العربية ببعضها، وكلنا أمل أن تتاح لنا فرصة زيارة موريتانيا والمملكة المغربية لتحقيق اللقاء العربي المنشود.

النقطة الثانية: لمستُ من خلال المشاريع الشعرية العربية المشتركة الثلاث التي أنجزتها بالتعاون مع بعض الأصدقاء مثل "قصيدة وطن"، التي انجزتها بالتعاون مع الشاعر العراقي المغترب ضياء تريكو صكر، وهي قصيدة مشتركة من وزن واحد وروي واحد، اشترك بكتابتها 173 شاعرا من 15 بلدا عربيا، وقصيدة "جرح وطن"، التي أنجزتها بالتعاون مع الشاعر العراقي الدكتور علي الطائي، وهي مشابهة للأولى ولكن عدد الشعراء بلغ أكثر من 180 شاعرا من 16 بلدا عربيا، ومجموعة "هذا العراق" الشعرية المشتركة التي أنجزتها بالتعاون مع الدكتور علي الطائي أيضا، والتي اشترك بكتابتها 388 شاعرا من 17 بلدا عربيا، أن هناك رغبة جامحة لدى شعراء الأمة ليتعاونوا فيما بينهم في أي عمل بنائي صادق، لكن عدد المشاركين من بلدان المغرب العربي كان متفاوتا من بلد لآخر، ففي الوقت الذي اشترك فيه 20 شاعرا جزائريا، وعشرة شعراء تونسيين، نجد هناك 6 شعراء مغاربة، وشاعرا موريتانيا واحدا هو الدكتور آدي ود أدب مع أن موريتانيا تسمى بلد المليون شاعر.! وهذا بالتأكيد بسبب ضعف التواصل بين المشرق والمغرب، ولذا أحث الباحثين والكتاب والأدباء العراقيين على تجربة التواصل مع مقابليهم في مغربنا العربي، وذلك ليس بالأمر الصعب في ظرفنا الراهن.

***

الدكتور صالح الطائي - باحث في الفكر الديني ومقارنة الأديان، وشاعر وناقد، أصدر 86 كتابا.

........................

الهوامش

(1) كان العراق قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع موريتانيا في شباط من عام 1999م، وبقيت العلاقات متوقفة لسنوات عديدة؛ حيث أعيدت في أيلول عام 2012، لكنها لا زالت دون مستوى الطموح العربي والإنساني.

(2) عمود الغرابة في الدب الأندلسي (نظرية الأعمدة المتناسخة) كتاب البديع في وصف الربيع لأبي الوليد الحميري أنموذجا، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، مراكش ـ المغرب، 1444هـ ـ 2022م، صفحة الإهداء.

(3) أسرة أهل آدب سلالة الشعر وبيت القصيد، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، الداوديات، مراكش ـ المغرب، ص14.

(4) رابطة المجالس البغدادية الثقافية، رابطة مستقلة ذاتية التمويل ذاتي، لا ترتبط بأي جهة سياسية أو دينية، تضم أعضاء تخصصيين من كل الطيف العراقي، وتعمل على تمتين علاقات الشعوب العربية ببعضها من خلال اللقاء المباشر والتعاون.

في المثقف اليوم