قراءات نقدية

حسين عجيل الساعدي: اشكالية الصورة الشعرية وانماطها في شعر "يحيى السماوي"

(يا امرأةً زفـيـرُها أريجُ زُعـفـران).. أنموذجاً

يا امرأةً زفـيـرُها أريجُ زُعـفـران

مـشـى بـيَ الـلـيـلُ الـى الـفـراتِ

قـبـلَ مـوعـدِ الأذانْ

**

الـى صـلاةِ الـفـجـرِ ..

وحـدي

وبـقـايـا مـن رذاذ الـقـمـرِ الـنـعـسـانْ

**

ودمـعـةٌ خـبـيـئـةٌ ـ وربـمـا قـهـقـهـةٌ صـامـتـةٌ ـ

تـخـثَّـرتْ مـا بـيـن أهـدابـيَ

والأجـفـانْ

**

وبـيـتُ شـعـرٍ واحـدٍ

حـاولـتُ أنْ أُكـمِـلَـهُ قـصـيـدةً ..

فـأعـلـنـتْ عـصـيـانَـهـا علـيَّ أبـجَـدِيَّـتـي

وأبـحُـرُ الـعـروضِ والـبـيـانْ

**

لأُكـمِـلَ الـبـيـتَ الـيـتـيـمَ الـمُـسـتَـبـى

عـن الـمـشـوقِ الـسـومـريِّ

عـاد بـعـدَ غـربـةٍ طـويـلـةٍ

فـلـم يـجـدْ جَـنَّـتَـهُ الأرضـيـةَ

**

مُـفـتِّـشًــا فـي الـلازمـانِ عـن غـدي

فـلـم أجـدْ

إلآ بـقـايـا جُـثَّـةِ الـمـكـانْ

**

فـي شـبـهِ تـابـوتٍ مـن الـرَّمـادِ

تـذروهُ ريـاحُ الـغـدرِ والـجـحـودِ

والـخـذلانْ

**

والـحُـلُـمَ الـبـسـتـانْ:

**

أودَعَـهُ عـنـدَ خـؤونٍ جـاحـدٍ

كـان يـظـنُّـهُ مـلاكـاً

قـبـلَ أنْ يـكـتـشـفَ الـمـارقَ فـي خَـبـيـثِ أصـغـرَيـهِ

والـشـيـطـانْ

**

مـشـى بـيَ الـلـيـلُ وحـيـدًا ..

سـاعـةٌ مَـرَّتْ عـلـى حـفـيـدِ أنـكـيـدو ..

وسـاعـتـانْ

**

والـسـومـريُّ الـحـالِـمُ الـمـغـدورُ فـي فِـردوسِـهِ

لـمّـا يـعـدْ يـمـلـكُ مـن تـنُّـورِهِ

غيـرَ رمـادِ الـيـأسِ والـدخـانْ

**

لا الـمـاءُ .. لا الـخـضرةُ .. (**)

لا الـحِـسـانُ .. لا الـلـؤُلـؤُ ..

لا الـمـرجـانْ

**

لا الـسـنـدسُ / الإسـتـبـرقُ / الـزنـبـقُ

لا الـريـحـانْ

**

ولا جـواري مـلـكِ الـمـلـوكِ " هـارونَ "

ولا كـنـوزُ " قـارونَ " ..

ولا تـاجٌ وصـولـجـانْ

**

يـمـكِـنْ أنْ تُـحَـرِّكَ الـمـيـاهَ

فـي أنـهـاريَ الـظـمـيـئـةِ الـشـطـآنْ

**

إلآكِ يـا صـوفـيّـةَ الـلـذاتِ ..

يأطـاهـرةَ الآثـامِ ..

يـا مـائـيَّـةَ الـنـيـرانْ

**

يا امـرأةً

زفـيـرُهـا أريـجُ زعـفـرانْ:

**

جـمـيـعُ مـا خـسـرتُـهُ صـار رِبـاحًـا ..

وبـخـورًا صـارَ مُـذْ دخَـلـتِ فـي مـحرابـيَ

الـدُّخـانْ

**

أنـا وأنـتِ والـفـراتُ

الآنْ:

**

نـوقِـظُ فـي بـاديـةِ الـسـمـاوةِ الـعـشـبَ

نـقـودُ نـحـوهـا الأمـطـارَ والأنـهـارَ

والـغـدرانْ

**

نـنـشُّ عـن غـزلانِ " أوروكَ " ذئـابَ الـغـدرِ

والأحـزانْ

**

كـلُّ خـؤونٍ لـلأمـانـاتِ :

لـئـيـمٌ / مـارقٌ / مُـبـتـَـذَلٌ / جَـبـانْ

**

واسـتـطـرَدَتْ سـيـدةُ الـنـسـاءِ فـي "أوروك ":

إنَّ الـبـحـرَ لا يُـغـوي الـفـراشـاتِ

فـإنَّ قـطـرةً واحـدةً مـن الـنـدى

تُـطفـئ مـا يـعـجـزُ عـن أطفـائِـهِ الـبـحـرُ مـن الـنـيـرانْ

**

هـل يـمـلـكُ الـعـصـفـورُ مـن غـابـاتِ "أوروكَ "

سـوى مـا يَـسَـعُ الـعُـشَّ مـن الأغـصـانْ؟

**

مَـجـدُكَ فـي الـعـشـقِ

وفـي الـقـصـيـدةِ الـبـيـضـاءِ

كُـنْ مـثـلـي:

فـقـد هَـبَـطـتُ مـن عـرش ســمـاواتـي الـى أرضِـكَ

فـلـنُـشـدْ إذنْ

مـمـلـكـةَ الـفـراشـةِ / الـوردةِ ..

والـحـمـامـةِ / الـهـديـلِ ..

والـرَّبـابـةِ الـنـاسـكـةِ الألـحـانْ

**

مـا ضـاعَ قـد ضـاعَ

فـإنَّ الـنـهـرَ لـن يـعـودَ لـلـغـيـمـةِ ..

والآهـاتِ لـن تـعـودَ لـلـصـدورِ ..

والـدمـوعَ لا يُـمـكـنُ أنْ تـعـودَ لـلـعـيـونِ ..

والـرَّمـادَ لـنْ يُـبـعـثَ مـن تَـنُّـورِهِ أفـنـانْ.

***

القراءة

هناك الكثير من الدراسات النقدية التي تناولت قضايا الشعر العربي المعاصر، خاصة تلك الدراسات التي استأثرت بموضوع الصورة الشعرية، وما يتعلق بمفهومها ووظائفها وأنماطها، التي عدت من أهم القضايا تداولاً في دراسـة النص الشعري المعاصر، كونها تتحكم في شعرية النص، حتى أصبحت من أولويات مقوماته الفنية، وجزءاً لا يتجزأ منه، بل شكلت (البنية المركزية للشعر)، "رينيه، وارين، نظرية الأدب، ص 193"، وعلامة فارقة في قصيدة النثر، جنباً إلى جنب مع ما تسلل إلى قصيدة النثر من مدارس فلسفية وصوفية وعلم النفس ونظريات فرويد في (الوعي واللاوعى)، فهي إحدى دوال الحداثة الشعرية، بما تمتلكه من عناصر دهشة وانزياح وخيال ومعنى، تسهم في البناء الفني لأي نص شعري حداثي.

لقد تجاوزت الدراسات النقدية المعاصرة المفهوم البصري للصورة، الى (دلالات متعددة، أهمها : الصورة الذهنية، والصورة بوصفها مجازاً، ثم الصورة بوصفها أنماطاً تجسد رؤية رمزية أو حقيقية أو حدسية)،"جابر عصفور، نورمان فريدمان، الصورة الفنية، مجلة الأدب المعاصر، ع16،ص31". فهناك من يرى أن الصورة لا تقتصر على الدلالة البصرية وإنما لها محتوى فكري، خضعت إلى تحولات من الوضوح والمباشرة إلى التعقيد والغموض.

كان لشعراء الحداثة اهتمامهم بالصورة الفنية وطريقة تشكيلها وبنائها،حتى قيل عنها (لا يكون الشعر شعراً إلا بها)، بل اعتبرها البعض من النقاد بمثابة المحور الذي تبنى عليه القصيدة المعاصرة، وعدوها (جوهر القصيدة بصورة عامة)، بل إن البعض ذهب إلى (أن القصيدة برمتها هي صورة مستعارة)، لأن وظيفة الصورة هي أن تجسد الجوانب النفسية والذهنية والشعورية للشاعر.

إذاً الصورة الشعرية سمة أسلوبية يتميز بها الشعراء، حتى غدت واحدة من أبرز الأدواتهم التي يستخدمونها في بناء نصوصهم الشعرية، التي تجسد أفكارهم وتصوراتهم وانفعالاتهم.

فهي إحدى الأسس المؤثرة في بنية النص الشعري، التي تتسم بإلايجاز والمجاز والتكثيف والكناية والتشبيه والاستعارة، إضافة الى مكوناتها الأساسية من (لغة، وخيال، وعاطفة)، الثالوث الذي شكل مصادر الصورة الشعرية، وما تمثله من جمالية وقوة دلالة، و(تعبير عن حالة نفسية معينة يعانيها الشّاعر إزاء موقف معين من مواقفه مع الحياة)، "محمد زكي العشماوي، قضايا النقد الأدبي،ص 108". وتجسيد لذات الشاعر وتجاربه وإبداعه الفني ومرآة تعكس انفعاله وعاطفته وكل ما يتصل به.

إن الصورة الشعرية تمثل الاختزال والتكثيف اللغوي، الدالة على عمق التجربة الشعرية للشاعر، لأن في هذه الصورة تكتمل المعاني النفسية والتعبيرية لهذه التجربة، وأهميتها في النص الشعري ك (إحدى الوسائل الشعورية التي يستخدمها الشعراء في التعبير عما يريدون)، "تشارلتون، فنون الأدب، ص 89"، فهي من أهم مرتكزات بنية النص الشعري، وليس زينة بلاغية أو تشكيلاً زخرفياً يشكلها الشاعر، يمكن الاستغناء عنها، بل جزء من النص وتتناغم مع أجزائه ومكوناته الأخرى، وبؤرة دلالات لغوية وذهنية ونفسية، ورمزية، وطاقة شعورية يتولد عنها النص، وتحقق وحدته.

فالصورة الشعرية جوهر الشعر بكل أدواته الفنية المؤثرة، وركناً اساسياً في النص الشعري، ومرآة عاكسة لتجربة الشاعر، تظهر قدرته على إبرازها -الصورة الشعرية‐ بكل أبعادها وملامحها القائمة على اللغة الشعرية التي تتشكل منها، والتي تؤثر في تشكل النص وفتح مغاليقه، وتحرير اللغة من معجميتها.

لقد اكتسبت الصورة الشعرية أبعاداً ذهنية ورمزية، فهي ذات بعد ذهني تقوم على أسس نفسية ذاتية وخيال له (القدرة على تكوين صورة ذهنية لأشياء غابت عن متناول الحس)، "جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، ص 13". والمقصود هنا بالصورة الذهنية، الصورة العقلية، التي تتكون من عناصر عقلية مجردة، وفضائها فضاء نفسي ذهني، جامع للصورة الرمزية والتجريدية. فكلمة الذهنية تشير إلى الذهن أي العقل والفهم، أي فهم الشيء وتصوره، فهي (تمخر عباب المعنى أي قابلة للتأويل والتفسير ولها أبعاد فلسفية)، ذات بنية تراكمية معرفية وشحنات عاطفية وأبعاد نفسية، وقدرة تفاعل عناصر المعرفة والإدراك فيها لسبر أغوارها، حتى تكتمل في ذهن الشاعر لأن الصورة الذهنية هي (مجموعة الانطباعات التي تتكون في الذهن)، (ويكيبيديا). أما عند علماء النفس (يشترك الإنسان ‏في تكوينها في عقله الواعي ثم تتسلل إلى العقل الباطن).

إن دراسة الصورة الشعرية عند أي شاعر، ليست بالأمر السهل، وفي دراستنا هذه سوف نسلط الضوء على الصورة الشعرية وتراكيبها اللغوية والرمزية في نص الشاعر "يحيى السماوي"، كنموذج من نماذج شعره الذي أعطى اهتماماً متزايداً للصورة الشعرية من بين الشعراء، حتى صارت قضية محورية وعلامة بارزة في أسلوبه الشعري، فهو يستفز القارئ على قراءتها قراءة بصرية وذهنية تأملية، لإنها تعبر عنه. ففي نصوص الشاعر "السماوي" نجد الكثير من تمظهرات الصور الذهنية الذي شكل عناصرها من (شخوص وأماكن وأحداث)، فكان اختيار الشاعر "السماوي" للصورة الذهنية ينبع من تأثيرها في تشكيل النص ولغة النص، التي تستند على الانفعال (بكونها التركيبة الفنية النفسية النابعة من حاجة إبداعية وجدانية متناغمة يتخذها الشاعر أداة للتعبير الوجداني أو النفسي)، "نعيم الباقي، تطور الصورة الفنية في الشعر العربي، ص239".

نص الشاعر "يحيى السماوي" (ومضات لغوية)، ذات صور فنية ودلالات ذهنية، تجمع ما بين المعنى الحسي والمعنى الذهني، وهذه الومضات لا تخرج عن إطار الصورة الذهنية المشبعة بتأملات وهواجس يصل بها الشاعر "السماوي" إلى ذروة المتعة الشعرية من خلال مخزونه المعرفي ومنظوره الجمالي، كصور إيقونية فيها الكثير من الإثارة والإدهاش.

لقد كسر الشاعر "السماوي" نظام الكتابة المألوف، فالبناء الكلي للنص جاء من خلال الصور القصيرة جداً المختزلة ذات البناء الفني والتكثيف الدلالي والإيحاء والإدراك الحسي، محملة بدلالات كثيرة تثير إحساس المتلقي، هذا الكم من الومضات يمكن أن نطلق عليه تسميت (القصيدة الصورة)، الذي يوجدها خيال الشاعر كوسيلة للتوصل الى الصورة الذهنية، التي تتيح للشاعر رؤية أشياء لم تُرى من قبل، لأن خيال الشاعر يمكن (أن يفكك العالم كله ويجمع أجزاءه وينظمها، ويخلق منها عالماً جديداً بمقتضى قوانين تنبعث من أعماق النفس)،"عبد الغفار مكاوى، ثورة الشعر الحديث، ص96، ص97". فالشاعر "السماوي" شاعر واسع الخيال، متفتح الذهن، متمرد جريء، يثير بومضاته الشعرية انفعالات نفسية إنسانية، تغني نصه الشعري بتنوع رؤاه الشعرية، ذات الدلالات التي تنم عن رؤيته الواقعية لمشكلات مجتمعه، بتلاوين انفعالية واغترابية، كحكايات شعرية يرويها، لإيصال ما يريد قوله، فهو يمتلك القوة التعبيرية المكتنزة بطاقة شعورية، وتكثيف دلالي إيحائي ورمزي في خطابه الشعري، حيث استطاع أن يتجنب التقريرية والمباشرة في نصوصه الشعرية، من خلال الرمزية والانزياحات اللغوية، التي وظفها في تحويل الصورة البصرية الى صورة ذهنية مفعة بالجمال، من خلال استخدام أدواته الرمزية، فهو شاعر يمتلك التجربة الثرية واللغة الرمزية المعبرة التي تتعامل تعاملاً صوفياً مع اللغة، فيرسم إيقونات شعرية معبرة عن حالات إنسانية مفعمة بالمشاعر والأحاسيس.

نلاحظ في النص تراتبية الصور الذهنية حتى نهاية النص، تجمع بين الواقع والخيال، وبين المعقول واللامعقول، حيث أضفت الطابع الحداثي على نصه الشعري، فنرى كل ألفاظ النص هي ألفاظ رمزية لها دلالات عميقة ومقصودة في ذهن الشاعر ووعيه، يأخذها من السياق الذي تنتمي إليه.

الرمزية في نص الشاعر "السماوي" أحدى مكونات البناء الفني والفكري والجمالي للنص، وأسلوب من أساليب أدائه الفني، فالرمز في الشعر حسب تعبير "مارتن هايدغر" (يجعل المعنى ملتصقاً بالكينونة الأصيلة لا بالكينونة المزيفة)، فالشاعر عندما ينسج صورته الذهنية فهو يتكئ على رموز واستعارات وتشبيهات، وانزياحات لغوية تتجاوز المالوف وتحقق الدهشة وغيرها من الأدوات، فهو (يتيح لنا أن نتأمل شيئاً آخر وراء النص. هو قبل كل شيء، معنى خفي وإيحاء)، "أدونيس، زمن الشعر، ص 160".

النص الذي بين أيدينا عبارة عن (صور جزئية تخلق حالة تكون شبيهة بالحالة الصوفية)، نص يزخر بأشكال الصور الشعرية، أتكئ الشاعر في أنتاجه على أهم محاور هذه الصور ألا وهي الصور الذهنية الذي وظف فيها الكثير من الأدوات والمعاني الشعرية، وقراءتنا هي محاولة لفهم الصورة الذهنية لدى الشاعر "السماوي" الذي لا يهدف إلى مطابقة الواقع بما يدل عليه من تعبيرات، إنما (يستعمل الصور ليعبر عن حالات غامضة لا يستطاع بلوغها مباشرة أو من أجل أن تنقل الدلالة الحقة لما يجده الشاعر)، "مصطفى ناصف، الصورة الأدبية، ص217". فالصورة الذهنية أداة الشاعر ومرآة عاكسة لأسلوبه الشعري، وبراعته وسعة خياله وتأثيره النفسي، لأنها ترتبط بالمعاني الذهنية العقلية. فالصورة التي يشكلها الذهن، لم تكن نتاج محاكات للواقع، بل هي حالة ذهنية، مرتبطة بالأحساس، تُرسم ضمن أبعاد ودلالات معينة، فتكون (صورة غير واقعية، وإن كانت منتزعة من الواقع)، "د. عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ص 10". لأن الصورة الذهنية تضع المتلقي في وضع المقارنة مع محيطه الواقعي، فهناك فارق بين الصورة الحسية والصورة التي يرسمها الخيال كبديل عن الوجود الواقعي، (حسية وذهنية) تعكس رؤى الشعراء الفكرية وعواطفهم، وتثري تجاربهم الشعرية.

فهي عند الشاعر "السماوي" لا تطرح بشكل اعتباطي، وإنما كخيار جمالي وتقني وفني، لأنها صورة لأفكاره نابعة من ذاته ومن لاوعيه، ومن خلالها تتم عملية تبادل المشاعر والأفكار بينه وبين المتلقي، وعلى المتلقي أن يتأمل ويبحث ويحلل فتكون قراءته قراءة واعية من أجل كشف المعنى الخفي ما وراء النص، والغوص في أعماقه وسبر أغواره واستنباط دلالاته، والانتقال به من مستوى حسي إلى مستوى ذهني، وفق مخزونه المعرفي ومنظوره الجمالي.

لقد أوجد الشاعر صوراً شعرية غير مألوفة، يلفها الغموض الكثيف، تدور في عوالم منغلقة، تتماشى مع متغيرات مفهوم الشعر في ظل مفهوم ما بعد الحداثة، وفلسفتها ورؤاها المتعددة، لأن الشاعر وظيفته (الوصول إلى المجهول برؤية مالا يرى وسماع ما لا يسمع)، رؤية يتجاوز بها حدود الأبعاد النفسية والفلسفية.

تشتمل بنية الصورة الفنية في نص الشاعر "السماوي" على صور متعددة، حيث أقام نصوصه على بنـاء صـوري أسطوري، كتعبير فني وفكري في النص المعاصر، ومكون رمزي وظفه توظيفاً جمالياً وإيحائياً ودلالياً، يمده بالانزياحات التي تخدم النص، بعيداً عن المباشرة والتصريح، كذلك يولد الرمز تكثيف في بنية اللغة الشعرية، وتعميق دلالتها الفنية، لأن تكثيف بنية اللغة الشعرية، كما يرى "جان كوهن" تنبع من وظيفة الصورة (فالشعرية هي تكثيفية اللغة، والكلمة الشعرية لا تُغير محتوى المعنى وإنّما تُغير شكله)، "جون كوهن، اللغة العليا: النظرية الشعرية، ص145".

أتخذ الشاعر "السماوي" في الكثير من نصوصه، الأسطورة شكلاً رمزياً، ونمطاً فنياً يصوغ من خلاله رؤاه الفنية، وينمي تجاربه الشعرية، لأن توظيف الرمز الأسطوري في النص كما يقول الشاعر الإنكليزي "ت. س. اليوت" (إفضل ما في عمل الشاعر، وأكثر ما في أجزاء هذا العمل أصالة وتفرداً، هي تلك التي يثبت فيها أسلافه الراحلين). وفي نص الشاعر السومري "يحيى السماوي" يخضع الرمز الأسطوري السومري كمعادل موضوعي له، ومركز خيال يقوم على رؤية جمالية، يمرر من خلالها رؤياه الشعرية، فالرمز الأسطوري ستار يتوارى خلفه الشاعر، لخلق رؤيا جديدة، ذات محمولات دلالية تعبر عن الواقع الحاضر.

شكل الشاعر "يحيى السماوي" رمزه الأسطوري وفق تصور خيالي، في إطار رؤية جديدة، استخدمها في استثارة المخزون العاطفي والنفسي في وجدان القارئ، لأن الشاعر يعتمد في وضع صورته الشعرية على خيال وثقافة القارئ فى فهم أجزاء الصورة، لأن هناك من يرى أن (الصورة لا تقتصر على الدلالة البصرية وإنما لها محتوى فكري)، نتيجة الأثر الذي تركته المذاهب الرمزية، والسريالية وغيرها، في بناء الصورة.

وأخيراً إخترنا عينة من نصوص الشاعر "يحيى السماوي" في قراءتنا النقدية، وهو نص (يا امرأةً زفـيـرُها أريجُ زُعـفـران) النص الذي شكل فضاءً شعرياً لأثارت المتخيل الذهني عند القارئ لغرض استنطاق الصورة الذهنية الذي يمكن أن يكون لها تأثير على العقل الباطن أو اللاوعي، إذاً سوف نكتفي بهذا القدر من القراءة كي نخرج بقيمة جمالية لنص الشاعر السومري "يحيى السماوي".

***

بقلم / حسين عجيل الساعدي

في المثقف اليوم