قراءات نقدية

جمعة عبد الله: حين يصل الحلم الى الاحتفال في الديوان الشعري (حين يحتفل القصب)

للشاعر عبدالكريم الياسري

قصائد تؤكد بوضوح تام ارتباطها العميق للمكان (الوطن. المدينة. الاهل) في هالة الهيام والحب، تجسد حالة الأحاسيس العميقة، لهذه العلاقة والارتباط، في المشاعر الملتهبة التي تضع الوطن في اعلى قمة من الفخر والاعتزاز، في قصائد تغلب عليها لغة شعرية راقية في اللغة والبلاغة الشعرية، وليس لغة الشعارات الرنانة، التي تخل في القيمة اللغوية والبلاغية،، وإنما بقصائد ترفل برشاقة فخمة في اللغة الشعرية الخالصة، وجاءت كأنها معزوفات نغمية في إيقاعها الإنشادي، التي تعزف على أوتار، المحبة والصدق والوفاء، بحرارة الانتماء الواضح الذي ألهب المشاعر، شعرياً بلغة الحواس، لتلبية نداء الوطن، وتدل على قدرة الشاعر المتمكنة في صياغة القصيدة، في شكلها، قصيدة الشطرين أو قصيدة الشعر الحر (التفعيلة) تملك افكار وتصورات ورؤى تعبيرية وخيال فني في قدرته لخلق التعبير الشعري، وتكوينه برؤية فكرية ناضجة. في مشاعره ملتهبة، والتفهم العميق الذي يعزف على الحلم والأمل ان يصل من وجع القصب، الى حالة الاحتفال (حين يحتفل القصب). هذه رمزية الحب العميق في دلالتها ومدلولها في الإيحاء والمغزى في القصائد الشعرية، لتؤكد الالتزام الأخلاقي لمناصرة الوطن وهموم الناس، في الامل ان يخرج الوطن من محنته المتشظية، ليقف منتصب القامة، حتى لو كان في أسوأ حالاته المأساوية.. ولابد ان نبدأ من اصل المكان، البصرة : مدينة الحب والولادة، مدينة الشوق والحنين، مدينة نهر العشار وشط العرب والكورنيش والاسواق منها سوق المغازي. مدينة اسرار العشاق والمواويل والاغاني (البلم والمشحوف). البصرة مدينة الحسرة والأمل، مدينة المعالم الشاخصة في روعتها، مدينة الحب والحرب، ولكنها رغم كل شيء تبقى قندلاً مضيئاً.

الْبَصْرَةُ سِرُّ الْأَسْرَارِ

وَرَحِيقُ زُهُورِ الْأَفْكَارِ

وَسِلَالٌ تَحْمِلُهَا امْرَأَةٌ

لِلْجَارِ بِتَمْرِ الْقِنْطَارِ

**

رَاحَتْ تُغَنّي "عَلَى شَطِّ الْعَرَبْ تِحْله"

فَصَاحَ صَبٌّ "أغانينا، وعلى البصرةْ"

تَقَاذَفَ الْمَوْجُ صَوْتَيْ عَاشِقَيْنِ هَوَىً

في بَصْرَةِ الْـخَيْرِ:

لِلْعِشَّاقِ لَا حَسْرَةْ

×× إن فعل المناجاة وخاصة (وقفة على قبر أبي) تجسد لوحة الحزن والوفاء، الساكن في الأعماق، وخاصة أن الأب الراحل كان ايقونة من الوطنية والانسانية بقلبه الطيب والوفي، وروحه المتشبثة بالوطن، لأنه شرب من ماء دجلة والفرات، وعرف قيمة الوفاء والعهد، وبرع في خصائل التربية الوطنية الزاهية زرعها بكل نقاوة صافية إلى أولاده. مرثية ليس للنحيب والدموع، وإنما تؤكد وفاءها وولائها للعهد الذي رسمه الأب الراحل.

أَبَتَاهُ مَاتَ بِمَوْتِكِ النَّبَأُ الَّذي

أَفْتَى بِأَنَّ الْعِشْقَ فَوْقَ الْمِلَّةْ

**

لَا دَلْوَ يَقْتَرِحُ الْبَرَاعِمَ صِبْيَةً،

تَرْنُو لِكَفِّ فَتًى يُمَوْسِقُ حَقْلَهْ

**

لَا وَحْيَ يَنحَتُ بَيْدَراً،

لَا نَهْرَ، لَا..

وَفَسِيلَةٌ تَجْتَرُّ دَاءَ الْعُزْلَةْ

**

أَبَتَاهُ مَاتَ بِمَوْتِكِ النَّبَأُ الَّذي

أَفْتَى بِأَنَّ الْعِشْقَ فَوْقَ الْمِلَّةْ

**

لَا دَلْوَ يَقْتَرِحُ الْبَرَاعِمَ صِبْيَةً،

تَرْنُو لِكَفِّ فَتًى يُمَوْسِقُ حَقْلَهْ

**

لَا وَحْيَ يَنحَتُ بَيْدَراً،

لَا نَهْرَ، لَا..

وَفَسِيلَةٌ تَجْتَرُّ دَاءَ الْعُزْلَةْ

× × مجزرة سبايكر، الجرح العراقي الذي لا يشفى إلا بالقصاص من القتلة، فقد راح ضحية الحقد والإرهاب وسموم الطائفية البغيضة، اكثر من 1700 شهيد بعمر الزهور، عندما يوغل الإرهاب الدموي بالابرياء والمدافعين عن الوطن (كان الشباب في مرحلة التدريب والتجنيد) هذه الجريمة الكبرى هدفها شق اللحمة الوطنية بين مكونات الشعب، والقصيدة هي محاججة حوارية بين الضحية والقاتل، بالسؤال الكبير : بأي ذنب قتلت ؟؟ وكيف سيكون الحساب العسير للقتلة أمام رب العالمين.

أَبَتَاهُ مَاتَ بِمَوْتِكِ النَّبَأُ الَّذي

أَفْتَى بِأَنَّ الْعِشْقَ فَوْقَ الْمِلَّةْ

**

لَا دَلْوَ يَقْتَرِحُ الْبَرَاعِمَ صِبْيَةً،

تَرْنُو لِكَفِّ فَتًى يُمَوْسِقُ حَقْلَهْ

**

لَا وَحْيَ يَنحَتُ بَيْدَراً،

لَا نَهْرَ، لَا..

وَفَسِيلَةٌ تَجْتَرُّ دَاءَ الْعُزْلَةْ

×× العمر مثل كتاب يتجول في المحطات ليكتب صفحاته، وكل محطة له شكوى وانتظار وشوق وحنين، وذاكرة تتجوال في خواطر الروح، لهذا الجنوبي المعفر بالحب البصراوي، والأرغفة التنور والنخيل والحلوى، تزهو روحه مع الطقوس الجميلة ويداعبها مع أحلامه، بين كل سطر شكوى وصورة امرأة سمراء، وكل خطوة يسير يلاحقه ظل البصرة، يخلق الفرحة من العدم

في دَفْتَرِ الْعُمْرِ أَعْوَامٌ تـَجوبُ دَمي،

وَيَسْتَبيحُ صَدَى ضَوْضَائِهَا قَلَمي

*

أَشْكُو،

وَيَنْزفُ أَوْرَاقاً، تُـهَدْهِدُهَا

في كُلِّ حَرْفٍ "كَذَا" شَكْوَى مِنَ الْأَلَـمِ

*

أُوَرِّقُ الطِّفْلَ هَيْمَاناً،

فَتَخْطَفُهُ يَدُ الْفَتَى اللَّا فَتَى الْمَكْلومِ بِالْـهَرَمِ

*

حَتَّى إذَا عَسُرَتْ كَفُّ الرَّبيعِ

صَحَا

يُسْرُ الْـخَريفِ عَلَى أَشْوَاطِ مُنْتَقِمِ

*

في أَوَّلِ السَّطْرِ

أَحْلَامٌ مُبَعْثَرَةٌ

أَشْوَاقُهَا مُنْذُ فَجْرِ الْآهِ لَـمْ تَنَمِ

*

وَفي الزَّوَايَا انْتِظَارٌ،

بَوْحُهُ قَلَقٌ مِنَ النَّجَاوَى،

يَصُوغُ الْوَيْلَ مِنْ عَدَمِ

×× حينما يتذكر أمه كأنه يتذكر العراق، وحين يعلق عبائتها، كأنما يعلق خارطة العراق، للزهو والافتحار. فالام موجودة في كل همسة روح، فهي عالقة في وجدانه كالعراق، فكل فجر وصوت الاذان يتذكر سجادة الصلاة الام، فهي الام الكادحة التي تقهر الصعاب مثل مطرقة الكادحين. هذه هالة امهاتنا العراقيات، هيبة وجلال.

لَا،

فَالْعَبَاءَةُ مَا تَزَالُ مُعَلَّقَةْ،

هذي،

وَتَبْدو كُلَّ فَرْضٍ مُشْرِقَةْ

*

في كُلِّ فَجْرٍ تَقْتَفي صَوْتَ الْأَذَانِ

تَظــلُّ في صَـادِ الصَّـلَاةِ مُـحَـدِّقَـةْ

*

تَرْنُو لَـهَا سَجَّادَةٌ،

أَوْ تُرْبَةٌ

كَــانَتْ تَـمَـــسُّ جَبينَهَا كَـــيْ تَعْتِقَهْ

*

أُمِّــي تُــرَدِّدُهَـا الْــمَنَــاجِلُ كُــلَّمَـــا

رَفَّتْ بِكَـــفِّ الْكَــادِحينَ الْمِطْـرَقَةْ

***

جمعة عبد الله

في المثقف اليوم