قراءات نقدية
فاتن الربيعي: مسرحية (شهاب وسر الكتاب) وتفعيل دور الجمهور
عندما يشاهد الأطفال عرضا مسرحيا فإنهم يخوضون تجربة جمالية جديدة وربما فريدة، ويقبلون عليها على أساس من تذوق المتعاطف، ويشير لفظ " المتعاطف في تعريف الموقف الاستطيقي الى الطريقة التي نعد بها أنفسنا للاستجابة للموضوع فعندما ندرك موضوعاً بطريقة استطيقية، نفعل ذلك لكي نتذوق طابعه الفردي، وندرك ان كان الموضوع جذاباً أو مثيراً أو مليئاً بالحيوية او هذه كلها معاً وإذا شئنا أن نتذوق الموضوع، فلا بد لنا من أن نقبله على ما هو عليه" (1) وهذا يكون لدى جمهور الاطفال اعلى من الراشدين، لأن المرتكز الأساسي لدى الأطفال هو الإدراك الحسي.
عرضت مسرحية (شهاب وسر الكتاب) من إنتاج (قناة شهاب الفضائية) يوم السبت 9/12/2023 الساعة الثالثة عصراً على مسرح الرشيد، ضمن فعاليات مهرجان شهاب الدولي لمسرح الطفل/الدورة الأولى .
تأسس العرض على ثيمة مركزية هي أهمية (الكتاب ودوره في حياة الانسان بعده طارد للجهل وفاتح لأفق المعرفة والعلم) وهي فكرة متداولة وتناولها الكثيرون في الدراما المسرحية والتلفزيونية واختلفوا في توجيهها للفئات العمرية، أما في هذه المسرحية فقد توجهت الفكرة إلى فئتين متداخلتين هما (6-9) و (9-12) سنة أي عمر المرحلة الابتدائية .
إن الجديد الذي طرحه المؤلف (حسين علي صالح) يكمن في أسلوب عرض الفكرة وفي معالجة المخرج الذي هو نفسه، إذ عمل على صياغة حكاية قدم فيها الشخصية المحورية (شهاب) بعمر الاطفال، مولع بالجانب العلمي وخصوصا عالم الروبوتات وقد اهدى له احد اصدقائه كتاباً وعليه أن يقرأه ولكن أباه يمنعه من القراءة بوقت متأخر فيأخذ منه الكتاب ويأمره بالنوم، ينام شهاب ويحلم بالكتاب، فقد استعان المؤلف / المخرج بتقنية الحلم ليتمكن من الدخول الى عالم الشخصيات المؤنسنة، وهنا ظهرت ايقونتان في العرض هما شخصية: (الكتاب) وشخصية (الجهل) وبينهما يفكر ويتحرك ويتكلم الفتى (شهاب) ويفصح عن حيرته ودهشته من صراعهما مع بعضهما، فقد استند الصراع على فكرة انجذاب (شهاب) إلى إحدى الأيقونتين (العلم والجهل) الحاضرتين في وجدان المتلقي، وبلا شك أن الكفة ترجح للكتاب على وفق المبدأ التربوي/ التعليمي، وهذا ما ذهبت إليه المعالجة الاخراجية واعتمدت على مسار إشراك جمهور الأطفال بصورة فاعلة كآلية لحسم الصراع ودفعه باتجاه طرد الجهل والانتصار للكتاب .
يقول الكتاب لشهاب: انا اشكرك لأنك تهتم بي و المطالعة وحب الاستكشاف، وتبتعد عن الجهل .
ظهرت شخصية الكتاب بهيئة الكتاب نفسه وبصورة مضخمة ولا مجال فيها لأي التباس في الشكل، بينما بدت شخصية الجهل مقزمة (اداها ممثل قصير القامة) وعلى رأسها قفص حديدي وبقفل، وفي هذا قصدية واضحة وذات بعد رمزي سهل الإدراك للمتلقي الراشد وربما بحاجة الى إيضاح للمتلقي الصغير للوهلة الأولى ولكن مع مرور الوقت تتضح صورة الجهل، وذلك عندما يوجه (شهاب) باتجاه السلوك الرذيل ويدفعه إلى كراهية العلم والتعلم .
كانت السيادة في المنظر للكتب، فقد عمت صورة مكتبة السايك الخلفي من جهاز عرض البيانات (الداتاشو) وقبل نهاية العرض ادخل المخرج مجموعة من الأطفال الى الخشبة حين ظهرت الست شخصيات وجعل كل منهم يمثل كتاباً منهجياً متداولاً في المرحلة الابتدائية مما دفع المتلقي الطفل الى الربط بين الكتاب ذي الشكل التجريدي الذي بدت عليه شخصية الكتاب، بكتابه الدراسي الفعلي في الواقع، مما قرب صورة العرض الكلية من وعي المتلقي ومدركاته الحسية، وبلا شك ان تعضيد فكرة الكتاب في العرض جاءت بالأساس من شخصية الكتاب المتحركة بِعدها جزءاً من سينوغرافيا العرض .
الاستجابة الجمالية والمشاركة الفعلية لجمهور الأطفال في عرض (شهاب وسر الكتاب) جعلت للمتلقي الطفل دوراً اساسياً في إضفاء إثارة وتشويق وحيوية على الشخصيات وعموم العرض، ومنحه طاقة ايجابية، وقد نظم المخرج ايقاع العرض على ذلك باعتماد ثلاث آليات:
الأولى: السؤال المباشر للأطفال (مثل: ماذا تريد ان تكون في المستقبل؟) كما جعلهم يرددون حواراً مع الممثل (مثل: عملية عد الأرقام باللغتين العربية والانكليزية) جعلت المتلقين مشاركين ايجابيين، وطردت الملل تماماً، وخلقت متعة وتسلية لهم، كما أسهمت حركة شخصية (شهاب) ونزوله الى صالة جلوس الجمهور لاختيار عدد من الأطفال في اتساع مشاركتهم وارتفاع صيحاتهم وتحرر رغبتهم بالمشاركة في الرقص والغناء .
الثانية: المواقف الكوميدية الطفلية بمعنى آخر أن الكوميديا جاءت تلقائية بلا افتعال، وكانت كوميديا موقف وليست كوميديا حوار، فقد تصاعدت ضحكات الاطفال، وتحققت الجاذبية ودفعت لترقب الموقف الكوميدي الآخر .
الثالثة: الموسيقى والغناء، قد يرى البعض أن الموسيقى والغناء لازمة لعروض مسرح الطفل وهذا صحيح لكن اية موسيقى واي غناء، هنا يمكن القول أن العرض وببراعة الإخراج وبواسطة اللحن وكلمات الاغاني والحركات الإيقاعية تمكن من صياغة مقاطع موسيقية قصيرة ولكنها كثيرة حركت مشاعر الجمهور، وربطت ما بين محاورة وأخرى بين الشخصيات، انها موسيقى واغانٍ هزت وجدان المتلقين الصغار وتحركوا مع إيقاعها، ويمكن تسميتها بالموسيقى الراقصة، لقد ساهمت عناصر المبالغة والتكرار وقصر الحوار في خلق استجابة انفعالية واسعة من قبل جمهور الأطفال، تعاظمت هذه الاستجابة مع اغنية نهاية العرض (اقرأ، اقرأ في أول آية ... كي نرتقي بين الأمم) وكانت عبارة عن احتفال مبهج انضم للممثلين عدد كبير من جمهور الأطفال، اعتلوا خشبة المسرح وحرصوا على التقاط صور تذكارية مع الشخصيات، وفي هذا دلالة مهمة على استمتاعهم وإفصاح عن مدى انطباعه في خيالهم وذاكرتهم وبذات الوقت مؤشر واضح على نجاح العرض.
***
د. فاتن الربيعي
..................
(1) جيروم ستولنيتز: النقد الفني - دراسة جمالية وفلسفية، ترجمة: فؤاد زكريا، ط1، دار الوفاء، الإسكندرية، 2007، ص 58.