قراءات نقدية
مصلح كناعنة: المَطبّات في "رحلة إلى ذات امرأة".. رواية المقدسية صباح بشير
"كتابة الرواية تعني الوصف بالكلمات، وقراءة الرواية تعني تخيُّل الصور من خلال كلمات شخص أخر" (باموك، 78)
فهل أتقنت مؤلفة هذه الرواية الوصف بالكلمات؟ وهل استطاعت من خلال روايتها أن تخلق واقعاً خيالياً بديلاً يستطيع القارئ من خلاله أن يرسم صورة واضحة للواقع الواقعي الموازي له، فتصل بذلك الرسالة التي أرادت المؤلفة أن توصلها إليه؟ بمعنىً أخر، هل افلحت المؤلفة في اصطحاب القارئ معها في رحلتها إلى ذات المرأة في المجتمع الذكوري الشرقي؟
بمزيد من التشوُّق والترقُّب قرأتُ رواية "رحلة إلى ذات امرأة"، باكورة إنتاج الكاتبة المقدسية صباح بشير، في محاولة للعثور على إجابات لهذه التساؤلات، التي من شأنها أن تحدد تقييم القارئ لهذه الرواية. وعلى الفور رأيتُ أن الكاتبة تتقن رسم الصور بالكلمات، وتحسن الوصف اللغوي للشخصيات والأحداث بلغة عربية سليمة فصيحة وعبارات مجازية شاعرية جميلة، لا بل إن بعض العبارات الشاعرية في بداية الرواية هي على قدر من الروعة والعذوبة بحيث تجعل القارئ يتيقَّن من أن الكاتبة تمتلك موهبة فائقة في الإنشاء اللغوي تَعِدُ بالكثير، فهي تقول في صفحة 15، على سبيل المثال: "لقد وهبتني الأيام مخزوناً هائلاً من الذكريات، تلك التي سارت بموازاة الجرح وأمسكت بيده.." وفي صفحة 25 تقول: "كلها ذكريات مضت، تسكنُ في حوافِّ القلب وتستقرُّ في حنايا الذاكرة، لا تغادرني ولا أغادرها.." وقبل أن تنطلق في سرد قصتها من على "شُرفة الدهشة" تُعلن: "وجلستُ على تلك الأريكة في الشرفة، أمتطي صهوة ذاكرتي وأنطلق عائدة إلى الماضي." هذا "الامتطاء لصهوة الذاكرة" يثير في النفس زخماً من الصور وتداعيات المعاني يصعب على المرء أن يوقف تدفقه، ويدفع بالقارئ إلى الركوب خلف الفارس على صهوة جواد الذاكرة لمرافقته في رحلته إلى أعماق ذاته كامرأة في مجتمع ذكوري شرقي.
وكما يتضح من خلال هذه الاقتباسات القليلة، فإن الكاتبة تبرع أكثر ما تبرع في وصف الذاكرة والذكريات، فهناك تتجلى قدراتها المتميِّزة على رسم الصور بالكلمات وعلى تطويع اللغة لغايات الخلق الشاعري للجمال، علماً بأن الرواية بأكملها هي بمثابة رحلة على صهوة الذاكرة في غياهب الذكريات، وهذه الرحلة تتخذ شكل دائرة مغلقة تعود على ذاتها، فهي تبدأ من حيث تنتهي وتنتهي من حيث تبدأ، أما ما ستؤول إليه الأمور بعد هذه النهاية/البداية فمتروك لمخيلة القارئ الذي ينتهي من قراءة الرواية ولكنه لا ينتهي من التفكير بمصير بطلتها التي أصبح الآن يتعاطف ويتماهى معها.
كما ويُضاف إلى رصيد الكاتبة صباح بشير مقدرتها المدهشة على وصف أوضاع ومشاهد في غاية التعقيد بعبارات بسيطة، ومن الأمثلة على ذلك هذا الوصف البلاغي المقتضب للانتفاضة التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة في نهاية عام 1987، والتي كان قد وُضع في وصفها العديد من المقالات والمؤلفات:
"بدأت الأحداث الساخنة تشتد مع بداية الانتفاضة، لتبشر ببدء مرحلة سياسية صعبة، فالوقائع التي تجري على الأرض مأساوية لا يمكن السيطرة عليها، والمظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات اليومية تملأ المدن والقرى الفلسطينية من شمالها لجنوبها، والمشاهد قاسية وأعراس الشهداء لا تتوقف، أغلقت المدارس والجامعات أبوابها.. كان علينا الإيمان بالمعجزات كي لا نفقد الأمل." (ص 27)
حين أقرأ هذا النص المقتضب، أشعر أنني حصلتُ على ما يكفي من الوصف لأكوِّن صورة واضحة عن أوضاع الانتفاضة في مراحلها الأولى بما يخدم الهدف الذي أوردت الكاتبة هذه الفقرة من أجله.
بيد أن الوضع السياسي المتأزم في مدينة القدس التي ترزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية (أثناء الانتفاضة أو ما عدا ذلك) ليس هو المحور في هذه الرواية، وإنما محورها هو وضع المرأة في المجتمع الذكوري وما يُلحِقه هذا المجتمع بالمرأة من مصائب وويلات تحطم شخصيتها وتنغص عليها حياتها وتجهض مشاريعها لتحقيق ذاتها كإنسان كامل الإنسانية. هذا المحور هو "ما يميِّز الروايات عن أشكال السرد الأدبية الأخرى" (باموك، 28)، وهو كامن في كل مكان من الرواية ومرتبط بكل التفاصيل فيها. وبهذا المعنى فإن "رحلة إلى ذات امرأة" هي بمثابة أنَّة ألم طويلة يقطِّع سماعها نياط القلب، وصرخة احتجاج مدوية على ما يرتكبه المجتمع الذكوري بحق المرأة من ظلم واضطهاد واستعباد، وبالتالي من ضرر وإيذاء وتحطيم.
ولكن من حق القارئ هنا أن يتساءل: لماذا اختارت الكاتبة صباح بشير هذا المحور بالذات؟ لماذا قررت أن تكرس روايتها الأولى لهذا الموضوع؛ موضوع التآكل الداخلي في المجتمع الفلسطيني؛ موضوع الغطرسة الذكورية المتجذرة والمستفحلة في المجتمع، والتي تجعل نصف المجتمع يضطهد ويقمع ويدمر نصفه الآخر؟ ما الذي يدفع امرأة من القدس المحتلة الجريحة إلى أن تخاطر باتهامها بالخروج على الإجماع الوطني وإضعاف قضية المقاومة والنضال من أجل الحرية والاستقلال لكي تتحدث بإسهاب عن ذكورية المجتمع وتوجه الأنظار والوعي العام إلى العلاقات غير المتوازنة وغير العادلة بين الجنسين؟ ذلك لأن هذا الصوت المُشكك (المُخوِّن) الذي يرى أنَّ قضية المرأة يجب أن تتراجع إلى خط الدفاع الثاني أو الثالث وأن تحتل مرتبة منخفضة في سلم الأولويات الوطنية، هو أحد الأصوات المهيمنة في المجتمع الفلسطيني، وذلك على الرغم من وجود صوت آخر لا يقل عنه هيمنة في المجتمع يدَّعي أن الصوت الأول ما هو إلا وسيلة لذر الرماد في العيون وذريعة للتهرُّب من مواجهة الواقع المرير. وعليه فإن دافع الكاتبة إلى هذا الاختيار لا بُد أن يكون دافعاً قوياً بشكل استثنائي، وربما يكون نابعاً من تجربة شخصية مع ضحايا الذكورية من نساء القدس.
هنا يجب أن نذكر أن القارئ يلاحظ منذ الصفحات الأولى أن الراوية في الرواية هي نفسها بطلة الرواية، فالصبية "حنان" تمخر عباب الذكريات لكي تسرد قصة حياتها هي نفسها، أي قصة حياة "حنان" البطلة أو الشخصية المركزية في الرواية. وعليه فإن القارئ لا يستطيع أن يمنع نفسه من الشعور، منذ الصفحات الأولى من الرواية، بأن الطرف الثالث من هذا الثالوث الروائي – أي مؤلفة الرواية – مشمول بشكل من الأشكال في هذا التماهي والتطابق التام، بمعنى أن الراوية والبطلة هُنَّ نفس الشخص. ويستمد القارئ شعوره الطاغي بهذا التماهي والتطابق من حقيقة أن المؤلفة تضع المسرح الأول لمشهديات القصة في أحد أحياء القدس، وهو بأوصافه التفصيلية يتطابق مع المنطقة التي كانت تشكل مرتع طفولة المؤلفة صباح بشير ومسرحاً للمراحل الأولى من حياتها الواقعية، وهو يستمده كذلك من حقيقة أن مواصفات البطلة/الراوية "حنان" من حيث الدراسة، ومستوى التعليم، والمؤهلات الأكاديمية، ومجالات التخصص والعمل، والمحطات المركزية في الحياة، كلها متطابقة مع مثيلاتها لدى المؤلفة. ومع أن هذه هي رواية أدبية من صنع الخيال وليست سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق، إلا أنها تبدو للقارئ على أنها "رواية ذاتية" من نوع "ديفيد كوبرفيلد" لتشارلز ديكنز و"أغنس غري" لآن برونتي و"المثقفون" لسيمون دي بوفوار. ولا شك أن القارئ معذور في شعوره بهذا الشعور الطاغي، حتى وإن لم يكن مصيباً، حيث أنه "ليس هناك عمل أدبي موضوعي بحت، مجرَّدٌ كُليّاً من ذاتية الأديب" (كناعنة، 11)، والكاتب والقارئ "كلاهما يعرفان ومتفقان على حقيقة أن الروايات ليست خيالية بالكامل، كما أنها ليست حقيقية بالكامل... فالإبداع الروائي هو خدعة تمكننا من الحديث عن أنفسنا كأننا شخص أخر، وعن الآخرين كما لو كنا في مكانهم" (باموك، 35 و63). ولا شك أن الكاتبة صباح بشير بارعة في تطعيم الواقع بالخيال من أجل إبعاد الرواية عن أن تكون مجرد "سيرة ذاتية"، إلا أن القارئ العادي ذكي لا يمكن الاستهانة بذكائه في القراءة فيما بين السطور، علماً بأنَّ "عقل القارئ ينزع دائماً، أثناء فعل القراءة، إلى العثور على العالم المُعاش للأديب في طيات النص الأدبي الذي يقرأه له" (كناعنة، 12).
بغض النظر عما إذا كانت صرخة الألم والاحتجاج على الغطرسة الذكورية التي تطلقها الكاتبة في روايتها صرخة ذاتية أم بالإنابة عن "حنان" ومثيلاتها من نساء القدس وفلسطين والمجتمعات العربية والشرقية بشكل عام، فإن هذا ليس من شأننا ولا يغيِّر في الأمر شيئاً على أية حال، فنحن في الحالتين نحاسب الكاتبة على ما أودعته بين أيدينا من نص روائي، ونطالبها بالالتزام بما يجب الالتزام به من براعة الإبداع وسلامة المنطق وتوخي الصدق والشفافية في عمل روائي ذي رسالة سامية يهدف إلى أن يكون مؤثراً بشكل فعلي على توجيه الوعي وتحفيز الفكر وتأجيج المشاعر والدفع نحو التغيير فيما يخص قضية اجتماعية جوهرية تحدد مصير المجتمع وجودة حياة الإنسان فيه. فليس المقصود من رواية كهذه أن تكون وسيلة للتسلية والمتعة وقتل الوقت فحسب، بل هي تطمح إلى أن تكون محركاً للفعل ومحرضاً على التغيير، ومن هذا المنطبق نستمر في هذا التحليل.
في كتابه "أركان الرواية"، يفرق الكاتب والناقد البريطاني إدوارد فورستر بين "الشخصية المُسطَّحة" و"الشخصية المستديرة" في الرواية. ونستطيع أن نقول، باختصار شديد، أن الشخصية المسطحة هي الشخصية النمطية أحادية الفكر والموقف والمزاج، المألوفة بحيث نشعر أننا نعرفها ونلتقي بها في حياتنا اليومية، والتي نستطيع دائماً أن نتنبأ بأفعالها ومواقفها فلا يُدهشنا شيء مما تفعل أو تقول حتى لو كان ما تفعل أو تقول كريهاً علينا مناقضاً لعقليتنا وتفكيرنا وفلسفتنا في الحياة. أما الشخصية المستديرة فهي شخصية معقدة غامضة غير مفهومة، متقلبة المزاج يصعب علينا غاية الصعوبة أن نتنبأ بأفعالها ومواقفها وكثيراً ما نُصدم أو نصاب بالدهشة حين نرى ما تفعل أو نسمع ما تقول. والروايات تزخر في العادة بالشخصيات المسطحة، وبعض الروائيين يهتم بأن يُضمِّن في روايته شخصية أو اثنتين من الشخصيات المستديرة لضمان عنصُرَيّ المفاجأة والتشويق في الرواية، ولكن في بعض الروايات الكلاسيكية العظمى يبرع الروائي في رسم شخصية مستديرة واحدة يخلق من خلالها حبكة روائية عبقرية تمتد على طول الرواية وتجعل من قراءتها رحلة مستمرة في عالم من متعة التفكير والتأمل واستخلاص العبر والدروس، ومن أسطع الأمثلة على روائيين عباقرة من هذا المستوى؛ ليو تولستوي في "أنا كارينينا"، وفيودور دوستوييفسكي في "الأبله"، وغوستاف فلوبير في "مدام بوفاري"، وفيكتور هيغو في "البؤساء"، وشارلوت برونتي في "جين آير"، وأليف شافاك في "لقيطة إسطنبول"، ونجيب محفوظ في "أولاد حارتنا". المشكلة في الروايات هي، كما يقول فورستر، حين تكون هناك "شخصية مسطحة تحاول أن تبدو مستديرة" (85)، أو بكلمات أخرى، حين يريد الروائي أن يرسم شخصية مسطحة ولكنه – لسبب ما – يعجز عن ذلك فتخرج الشخصية "مستديرة" بشكل مشوَّه أو غير مقنع، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً في تيار "الروايات" الذي يجتاحنا في السنوات الأخيرة.
كل الشخصيات في رواية الكاتبة صباح بشير هي من نوع الشخصيات المسطحة، أحادية الطبع والمزاج بحيث نستطيع في كل الحالات والمواقف أن نتنبأ بسهولة بما سوف تقول أو تفعل، فلا نفاجأ ولا نندهش حتى حين نشمئز ونمتعض مما تقوله أو تفعله؛ هكذا هي والدة البطلة "حنان"، وأختها "غادة"، وصديقتها "ماري"، وجارتها "تغريد"، وزوجة أخيها "رحاب"، وزوجها الأول عمر، وحتى زوجها الثاني "نادر" الذي تكشف زوجته "حنان" فجأة أنه مدمن على القمار، فالحقيقة أن هذا الكشف المفاجئ لا يفاجئنا كثيراً، لأننا كنا منذ بداية علاقة "حنان" به نتوقع أن يكون في شخصيته خلل تراجيدي يدمِّر زواجها ويعيدها مُحطَّمة من باريس إلى شرفة بيتها في القدس حيث ابتدأت الرواية وانتهت، الأمر الذي كنا نعرفه طوال الوقت. حتى شخصية "حنان" نفسها هي شخصية مسطحة، وهذا سيتضح لنا بعد قليل.
إلا الأب، والد "حنان"، فهو الوحيد في الرواية الذي لا يمتلك شخصية مسطحة. فهل هذه شخصية مستديرة، أم شخصية أريدَ لها أن تكون مسطحة ولكنها (لسبب ما) انتهت إلى أن تكون شخصية مستديرة؟
ما يرجِّح الإمكانية الثانية هو ما أوردته الكاتبة في صفحة 35 من الرواية، حين تقدَّمَ أهل الشاب "عمر" إلى الوالد لطلب يد ابنته "حنان" منه، حيث تقول على لسان البطلة: "لم يهتم أبي أيضاً لطلبهم ولم يأخذه على محمل الجد." لماذا لم يأخذه على محمل الجد؟ ما الذي دفعه إلى رفض "عمر" حتى قبل أن يعرفه، وحتى قبل أن يسأل عنه ويستفسر عن أحواله وأحوال أسرته؟ وإذا كان بالفعل يهمه أمر ابنته واستمرارها في الدراسة وتحقيق الذات إلى هذا الحد، فلماذا انقلب في موقفه رأساً على عقب بعد أيام قليلة فقط؟ وكيف نجح "عمر" في التأثير عليه و"إدخال الفكرة إلى رأسه" حتى قَبِل به زوجاً لابنته إن هي قبلت؟ هذا غير مفهوم على الإطلاق. لا بل إن كل شخصية الأب غير مفهومة، ومواقفه وتصرفاته غير منطقية وغير مقنعة للقارئ. هذا الرجل التقليدي الرصين المحترم، التقي الورع ذو الجاه الرفيع والكلمة النافذة والسمعة الحسنة، حامي حِمَى الأخلاق والأعراف والعادات والتقاليد، المنغمس في المجتمع التقليدي الذكوري حتى العظم، المُحاط دائماً وأبداً بأشخاص ذكوريين متزمتين ذوي مواقف متخلفة وعقليات متحجرة... كيف استطاع أن يكون رغم كل ذلك متحرر الفكر عقلاني التفكير نسويّ المواقف، متفهماً للمرأة داعماً لمطالبها مُسانداً لحريتها، حامياً لابنته مشجعاً لها قابلاً بخياراتها مؤيداً لمطالبها في الدراسة وتحقيق الذات إلى حد أنها تقول عنه (ص 166): "مرّة تلو مرّة، أجد يد أبي تمتد من بين موج الحياة لتنقذني من الغرق في آخر لحظة"؟! أما كان من الأفضل لو أن الكاتبة أعانت القارئ على الفهم والتغلب على هذه المتناقضات في شخصية والدها، من خلال سرد بعض التفاصيل عن خلفيته في الطفولة والشباب، والبيئة الاجتماعية المميَّزة التي أحاطت بتربيته وتنشئته بهذا الشكل الاستثنائي المميّز؟ صحيح أن القارئ يستطيع في كل الظروف والمواضع أن يتنبأ بأن الأب سيقف دائماً إلى جانب ابنته ويدعمها في السرّاء والضرّاء، ذات اليمين وذات الشمال، إلا أن تصرفات الأب ومواقفه تظل عصية على الفهم، فهو يتعامل مع صمت ابنته على أنه قبول، وحين تسوء الأمور يلوم ابنته على صمتها ذاك أشد اللوم.. وهو يشجع ابنته على الرفض ويشجعها على القبول.. يشجعها إذا تمردت ويشجعها إذا استكانت وخضعت.. يشجعها إن هي ثارت ويشجعها إن هي استسلمت.. يشجعها حين تقرر أن تسافر لوحدها إلى باريس هرباً من شوفينية المجتمع وظلمه، ويشجعها حين تقرر أن تعود خائبة مستسلمة إلى أحضان نفس هذا المجتمع! من حقنا هنا أن نتساءل؛ لماذا لم يشجعها على البقاء في باريس لتظل بعيدة عن جور المجتمع الذكوري وغطرسته وتجرب حظها مرة أخرى في الحرية والسعادة وتحقيق الذات؟ أهو هذا الحب المتفاني لابنته في السرّاء والضرّاء؟ أم أنه ضعف في الشخصية وتذبذب في المواقف؟!
لعل الكاتبة أرادت أن تخلق نموذجاً بديلاً للرجل الشرقي مناقضاً لشخصية "عمر" وأمثاله، على أمل أن تُقنع القارئ بأن هذا النموذج البديل للرجل الشرقي شائع ومنتشر في المجتمع فترضي المجتمع وتحظى بقبوله لها ولورايتها، ولكنها – بطريقة طرحها لشخصية والد البطلة في الرواية – نسيت أنها جعلت من هذا الرجل شخصاً استثنائياً فريداً وحيداً في عالمه الروائي لا يشبهه أحد أخر في الرواية.
هذا يأخذنا إلى قضية أخرى مشابهة، فيما يخص المحاولات لكسب وُد ورضا وقبول المجتمع العربي الشرقي المسلم في القدس وفلسطين وسائر أقطار المشرق العربي. ففي صفحة 142 من الرواية تقول الكاتبة على لسان البطلة: "تباً لذلك الفكر الظلامي الرجعي الذي لا يمت للأديان بصلة، لكنهم ألصقوه بالدين افتراءً."
لماذا ترد هذه العبارة التقريرية على حين غرَّة ودون أن يكون هناك داعٍ لورودها في سياق السرد الروائي؟ لعلمك يا عزيزتي الأستاذة صباح، هناك الآلاف من المفكرين والمؤرخين والمثقفين، ومن الفلاسفة وعلماء الاجتماع وعلماء الإنسان ممن لا يتفقون معك في ذلك بل يدّعون العكس ويسوقون البراهين الدامغة عليه، ولكيلا نُعقِّد الأمور بأسماء عالمية، يكفي أن نذكر من العالم العربي أشخاصاً مثل فراس السواح، وخزعل الماجدي، وسيِّد القمني، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد عابد الجابري، وصادق جلال العظم، وعبد الله القصيمي، هذا فضلاً عن نوال السعداوي في مصر وجُمانة حداد في لبنان. من حقك طبعاً أن تحتجي على هذا الطرح وتقولي: "ولكني بالفعل أومن بهذا! أنا بالفعل أومن بأن الفكر الظلامي الرجعي لا يمتُّ للدين بصلة. وأنا من حقي أن أضَمِّن عقائدي ومُسلّماتي في نصوصي، فهذه روايتي، وهذا حيّزي الخاص أفعل به ما أشاء." نعم، صحيحٌ تماماً، فهذا حقكِ بالطبع ولا أحد ينكره عليكِ، فمن حقكِ أن تطرحي معتقداتك وأرائك حتى وإن كانت تتعارض مع مسلمات الفكر والمعرفة في هذا الزمن. ولكن بالمقابل، من حق القارئ أن يحكُم على مدى الترابط الداخلي بين ما تطرحينه في نصوصك من عقائد وأفكار ومقولات... من حقه أن يحكم على مدى المصداقية والانسجامية في الرسالة التي تريدين إيصالها إليه من خلال روايتك، وعلى جدوى ما تقترحينه من حلول لمشكلات الواقع.
وبنفس الروح تقول الكاتبة في صفحة 102 على لسان البطلة في إشارة إلى زوجها "عمر": "كان يعاملني كجارية من سبي الجاهلية." "سبي الجاهلية"؟! لماذا "الجاهلية"؟! هل كان السبي مقتصراً على عصر "الجاهلية" ومميزاً له عما أعقبه؟ وهل كان السبي أحد الأمور التي جعلت عصر "الجاهلية" جاهلياً؟ إن مُجرد الاطلاع على النصوص المقدسة في الإسلام بمختلف مُكوّناتها، وعلى كتب التفسير وأحكام الفقه، وعلى ما أجمع عليه المؤرخون المسلمون وعلماء الإسلام قديمهم وحديثهم، من الترمذي وابن كثير إلى راغب السرجاني وعبد العزيز بن باز، يخبرنا بما لا يدع مجالاَ للشك بأن السبي كان يُمارس في الإسلام عبر تاريخه كله، وأن السبايا والجواري ومُلك اليمين كُنَّ يُغرقنَ بأعدادهنَّ الهائلة المجتمع العربي والإسلامي منذ معركة حنين وأوطاس في العام الثامن للهجرة حتى انهيار الخلافة العثمانية في مطلع القرن العشرين. ولم يكن السبي في الإسلام يطال نساء "أهل الكتاب والمشركين والكفار" فحسب، وإنما كان يطال نساء المسلمين أنفسهم، فالأمويون سبوا نساء الحسين بن علي بعد موقعة كربلاء، والعباسيون سبوا نساء الأمويين، والفاطميون سبوا نساء العباسيين، والمماليك سبوا نساء الفاطميين، وهلمًّ جرّا. فإما أن الكاتبة لا تعرف ذلك فتقع في الخطأ، وإما أنها تعرفه ولكنها تنكره وتتنكر له، وإما أنها تعرفه ولكنها تنتهز الفرصة كي تبيِّض صفحة الإسلام والمسلمين وتمرر معلومة "إيجابية" تحظى باستحسان ومباركة الغالبية العظمى من عامة الناس في المجتمع... وإما أنها تقصد في هذه العبارة شيئاً آخر غير الذي فهمناه! ومن بين الكثيرين الذين كتبوا عن هذه الرواية أو تحدثوا عنها، لم يعلق أي واحد منهم على هذه العبارة "العابرة" ولو بكلمة واحدة! فإما أنهم مرّوا عليها وتشربوا بها دون أن ينتبهوا إليها، وإما أنهم يجهلون الحقيقة فلا يدركون الخطأ في العبارة، وإما أنهم (وهذا الأرجح) يعرفون الحقيقة ولكنهم يقبلون الكاتبة ويباركون طيب نيتها وحُسن مسعاها ورغبتها في إظهار غيرتها على الإسلام والمسلمين.
إن الكاتبة لا تأخذ موقف الحياد في روايتها، بل تتعمد الدفاع عن الدين في وجه الذين يلصقون ذكورية المجتمع به "افتراءً"، على حد تعبيرها. إنها تصر على إقحام الدين في الموضوع كي تعفيه تماماً من المسئولية وتلقي اللوم، كل اللوم، في مآسي الذكورية وما تلحقه من ظلم وإجحاف بحق المرأة على العادات والتقاليد، وكأنَّ العادات والتقاليد تنشأ من اللاشيء وتأتي من الفراغ.. وكأن العادات والتقاليد لا يمكن إلا أن تكون متناقضة مع الدين!
إن الإيمان الديني والعقائد والنزعات الدينية الشخصية كثيراً ما تتسرب إلى الأعمال الروائية، وهي في الواقع تطغى على النص في العديد من الروايات العالمية الكبرى كروايات فيكتور هيغو وأناتول فرانس وجين أوستين وليو تولستوي، على سبيل المثال، وهي تطغى كذلك على النص في العديد من الروايات العربية الكبرى كروايات توفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي ونجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله. ولكننا نتقبل ذلك من هؤلاء الروائيين برحابة صدر ونحترمهم عليه، لأن العنصر الديني يأتي في سياق السرد الروائي متناغماً ومنسجماً مع كل شيء آخر في الرواية، فلا يبدو مُقحماً على النص بشكل تعسفي، وهو يأتي في سياق رسم الشخصيات ووصف الواقع الروائي وليس في سياق تشخيص مشكلة اجتماعية مأساوية ووصف علاج لها. فالكاتبة إذ هي تختار أن تفعل ذلك، فإنما هي تخاطر في أن تخطئ في التشخيص ووصف العلاج، وبهذا تنتفي أهمية الرواية وتتفاقم المشكلة بدل أن تُعالج، وهذا أشد ما أخشاه.
إنني لا أستطيع أن أجزم بشكل قاطع إن كانت هذه النزعة إلى كسب وُدّ المجتمع الذكوري ورضاه وتفادي تأليبه والتصادم معه، تنسجم أو لا تنسجم مع المواصفات الأخرى لشخصية الكاتبة. ولكني أستطيع من خلال قراءتي للرواية أن أجزم بدرجة قصوى من اليقين بأن هذه النزعة تنسجم انسجاماً رائعاً وكليّاً مع المواصفات الأخرى لبطلة الرواية "حنان". فبطلة الرواية هي امرأة سلبية انسحابية تتفادى المواجهة والتصادم مع أية جهة وأي إنسان، تنتظر الانتفاضة أن تهدأ كي تعود إلى مقاعد الدراسة ولا تحاول أن تفعل شيئاً حيال ذلك، وتنتظر المجتمع الذكوري أن يتغيَّر كي تأخذ فرصتها لتحقيق الذات ولا تحاول أن تفعل شيئاً حيال ذلك (فهي "امرأة بقلب طفل" كما تصرِّح في صفحة 267)، تلوذ بالصمت في العادة وتتفادى التعبير عن موقفها بجرأة وصراحة، وتخضع مستسلمة للأمر الواقع إلى أن تحدث كارثة تهز كيانها (كتمزيق كتبها وحرقها) فتجد من يأخذ بيدها وينقذها، تترك حريتها واستقلاليتها في باريس وتعود أرملة حزينة مهزومة لتجلس في شرفة أحد بيوت مدينة القدس التي لا تزال ترزح تحت احتلالين، احتلال العدو الصهيوني واحتلال الرجل الذكوري، فلا الاحتلال زال ولا المجتمع تغيَّر إلا إلى الأسوأ.
هنا بالذات، تخرج البطلة "حنان" (بنفسيتها الثكلى) عن السياق السردي لتصرح لنا بنداء وطني من الدرجة الأولى:
"أيها الفلسطيني – تعالَ وانزع غُربتك الملطخة بأوجاع الحياة، تأكد من نبضات مدينتك ولا تغادرها، فهي تتألم بصمت، وتشعر بفقدان أبنائها كلما طال غيابهم عنها."
إنَّ هذا الحس الوطني، المصرَّح عنه بهذا الأسلوب الخطابي، لا يشفع لبطلة الرواية انهزاميتها، ولا يكفي – على الرغم من أهمته وجبروته – لينطلي علينا كتبرير لاستسلامها لغطرسة المجتمع الذكوري وما يلحقه بها وبأخواتها من تدمير وتحطيم. وإنني لأتجرأ هنا فأقول: الوطنية لا تشفع للذكورية. بمعنى أن البطولات الوطنية مهما بلغت، لا تبيح للرجل الفلسطيني أن يكون رجلاً عنيفاً متغطرساً حقيراً في تعامله مع النساء من حوله. فالوطنية هي في جوهرها حب الوطن، والرجل لا يستطيع أن يحب الوطن وهو يسعى إلى تحطيم إنسانه وإنسانيته.
القضية هنا ليست قضية اختيار بين حب الوطن والولاء له، وبين التمرُّد على المجتمع في الوطن والسعي إلى تخليصه من مساوئه وعنجهياته. القضية هي في واقع الأمر أعقد من ذلك بكثير؛ في معرض الحديث عن رواية "الحي اللاتيني" للأديب اللبناني سهيل إدريس، قلت في كتاب "مختارات في النقد":
".. وعلى ذلك فالصراع الأساسي هو صراع بين الذات والوطن؛ بين الذات الفردانية التي تتعطش إلى الحرية من أجل التغلب على الحرمان الشرقي، وبين الذات الجمعية التي تتعطش إلى الأمان في الموروث الشرقي من أجل الانتماء إلى الوطن." (كناعنة، 109)
هذا بالطبع ينطبق على ذكورية المجتمع والدوس بوحشية على حرية المرأة وإنسانيتها. فحب الوطن وأهله ليس من الفروض به أن يرغمنا على السكوت على الضَّيم والرضوخ للأمر الواقع وقبول المجتمع على علاته وآفاته ومآسيه.
وبالنتيجة فإن هذه الرواية ليست ثورية على الإطلاق، ولا هي دعوة جادة إلى التغيير الثقافي الاجتماعي الجذري، وإنما هي مجرد حيِّز أدبي للشكوى والتذمُّر والتعبير عن الاستياء والإحباط والمعاناة، وربما زيادة الوعي العام بمساوئ الذكورية ووضع قضايا المرأة على أجندة ذوي الشأن وأصحاب القرار في المجتمع. بيد أن أوضاع المرأة في مجتمعاتنا الذكورية الراهنة قد تفاقمت ووصلت إلى حد مثير للقلق، بل إلى حد مثير للرعب، بل إلى حد لا يُطاق ولا يمكن السكوت عليه:
"صدقاً، لا أعرف كيف يمكن لامرأة أن تكون على قيد الحياة اليوم من دون أن تستشيط غضباً في كل لحظة حيال الإهانات الهائلة التي تلحق بها، أكانت هذه الإهانات تهدف إلى إلغائها تحت سجن أسود أم إلى استغلال جسدها وتشييئه." (حداد، 145)
وعليه فإن ما نحتاجه الآن ليست أعمالاً أدبية تعدد بأسلوب وصفي أشكال ومواضع العنف والظلم والاعتداءات اللاإنسانية على المرأة في مجتمعنا الذكوري؛ الزواج المدبَّر، والزواج المبكِّر، والزواج القسري، وتعدد الزوجات، والخوف من العنوسة، ووضع الأرامل والمطلقات، والعنف الأسري... كل هذا معروف لنا، وكل هذا مذكور ومتوفر في عدد لا يُحصى من الأعمال الأدبية وغير الأدبية. ما نحتاجه الآن هو أعمال أدبية ثورية تصف تمرُّد المرأة وسعيها إلى الحرية والمساواة في نضال لا هوادة فيه؛ أعمال أدبية روائية تقدم المرأة الشجاعة الجَسور وتشجعها على قلب الطاولة على رؤوس الرجال الأسياد المتألهين:
"المرأة وحدها هي التي تحرر المرأة، والأصحّ أنَّ العلاقة جدلية؛ لن تتحرر المرأة دون أن يتحرر الرجل، ولن يتحرر الرجل دون أن تساهم المرأة وتسعى لذلك. إنَّ عدم استسلامها أو خضوعها ورفضها الدائم والمُعلن للهيمنة الذكورية، وسعيها المستمر نحو حقوقها ووعيها لذاتها، هو الكفيل لإحداث التغيير بالرفض والمقاومة." (الفاهوم، 110)
***
حين أقرأ رواية محلية وأجد أن سيئاتها أكثر بكثير من إيجابياتها، وأنه لا أمل منها ومن صاحبها/ صاحبتها في عالم الروايات، فإني أقرر ألا أكتب عنها بل أتركها للزمن منتظراً أن يقصيها عن المشهد الأدبي. وكوني قررتُ أن أكتب عن رواية "رحلة إلى ذات امرأة" وأوليها جهداً خاصاً، هو بحد ذاته مؤشر على أنني أرى فيها الإيجابيات أكثر من السلبيات، وعلى أنني بالفعل أعتبرها تستحق النقد الجريء والتوجيه الصادق كي ترقى إلى المستوى الذي يليق بها. ومن أجل التوجيه الصادق، ومن باب الغيرة على هذا العمل وصاحبته الأديبة الواعدة صباح بشير، فإنني سأذكر هنا أمرين في الرواية أرى أنهما يستحقان اهتماماً خاصاً وجهداً مميزاً لما فيه مصلحة الرواية (وروايات مستقبلية):
1) الشاعرية الساحرة التي ذكرناها وذكرنا إعجابنا بها في البداية، تختفي كلياً من النصف الثاني من الرواية فيصبح النص نوعاً من الهرولة في الوصف، ويهبط المستوى اللغوي البلاغي، خصوصاً في وصف المشاعر والحالات النفسية، كهذه الجملة: "فكرتُ بنادر وفي نفسي وأهلي وشروق (أبنتها)، آه يا شروق ماذا سأقول لكِ يا حبيبتي؟ أه يا حزني، آه يا ألمي.. آآه." (ص 265) ربما كان السبب اضمحلال نشاط الكاتبة كما يحدث لغيرها من العاملين، وربما كان أنَّ الشخصيات بدأت تخرج من أيدي الكاتبة وترفض أن تستمر في البناء الروائي، ولذا فعلى الكاتبة أن تتظاهر بأنها هي التي تحرك الشخصيات حتي يتم الانتهاء من الرواية.
2) عنصر المفاجأة والتشويق معدوم كلياً من هذه الرواية، فنحن دوماً وطوال الوقت نستطيع أن نتنبأ بما سيحدث في الصفحات التالية وماذا ستكون أفعال وردود أفعال الشخصيات المختلفة (حتى وإن لم نفهم تصرفاتها). وحتى حين تجري الرياح بأفضل ما تشتهي السُّفن في باريس، فإننا نتوقع أن أمراً كارثياً سيحدث ويدمر كل شيء، لأننا نعرف منذ البداية وطوال الوقت أن "حنان" لن تبقى في هذه الجنة في باريس بل سينتهي بها الأمر خائبة مُحبطة على شرفة البيت في القدس.
***
يقول الكاتب التركي أورهان باموك، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2006، أن الروائي "يَعلَق بين الرغبة في كتابة الحقيقة والرغبة في أن يكون محبوباً" (121). وفي هذا الزمن الذي تسود فيه هستيريا الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، يبدو أن الروائيين المحليين يرغبون في أن يكونوا محبوبين أكثر مما يرغبون في قول الحقيقة، وهذا بالفعل ما يحصلون عليه بقليل من الحذر والمداهنة والضرب على وتر "المقبول" من قبل الجمهور العربي. ولكن إذا كان الهدف من العمل الروائي أن نشخِّص مرضاً اجتماعياً ونقترح له العلاج، فإن الحذر والمداهنة والضرب على وتر "المقبول" اجتماعياً يمكن أن يؤدي إلى خطأ جسيم تكون عواقبه وخيمة.
على ضوء ما وصلت إليه الذكورية في المجتمع العربي من شذوذ وعنف وإجرام بحق النساء، فإن ما نحتاجه الآن هو أعمال أدبية جريئة تنقُض وترفض وتتمرَّد، لا إلى أعمال أدبية تربّت وتطبطب وتتملَّق.
ولنتذكر في النهاية ما يقوله ميلان كونديرا: "ليس طموح الروائي أن يكتب أفضل من سابقيه وحسب، بل وأن يرى ما لم يروه، وأن يقول ما لم يقولوه." (ص 20)
***
بقلم: مصلح كناعنة
.....................
المصادر التي تم اقتباسها في هذا النص:
1) أورهان باموك: الروائي الساذج والحساس. بيروت، منشورات الجمل، 2010.
2) صباح بشير: رحلة إلى ذات امرأة. نابلس، الشامل للنشر والتوزيع، 2023.
3) جمانة حداد: سوبرمان عربي. بيروت، هاشيت أنطوان، 2022.
4) وليد الفاهوم: حكايات الحبل بلا دَنَس. عمان، فضاءات للنشر والتوزيع، 2022.
5) إدوارد فورستر: أركان الرواية. القاهرة، منشورات الربيع، 2018.
6) مصلح كناعنة: مختارات في النقد. عمان، دار الشروق، 2023.
7) ميلان كونديرا: الستارة. الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2015.